‘إلى أين ذهبت في هذا الوقت القصير؟’
أصيب آريس بالذهول وهو يبحث حوله، ثم لاحظ متأخرًا شخصيةً تجلس على الأرض.
“صغيرتي لا تكف عن خداع أمها.”
كان صوتها غاضبًا وثقيلًا. قبل أن يتمكّن آريس من التراجع، مدركًا أن شيئًا ما ليس على ما يرام، أمسكت المرأة بمعصمه. في اللحظة التي لامسته فيها، شعر وكأن معصمه يحترق. كلما حاول أن يتحرّر وهو يصرّ على أسنانه، ازدادت قبضتها إحكامًا.
“هل تستمتعين بإقلاق أمكِ؟”
“رجاءً توقفي عن هذا الكلام المجنون…”
بينما كان يتصارع بعنف، لامست يد المرأة يده المصابة. على الرغم من أنها كانت مجرد لمسةٍ خفيفة، إلا أن الألم كان كافيًا لأن يُسمَع صراخه. جعل هذا الصوت غير المتوقع المرأة تتردّد لوهلة.
لم يضيّع آريس الفرصة، فانتزع حزمة المفاتيح من خصرها.
“آريا!”
مدت المرأة المذعورة يدها نحوه، لكنه تفادى قبضتها بصعوبة، دفعها بعيدًا وهرب بسرعةٍ من الغرفة.
“آريا!”
وصل إليه صوتها الذي يشبه العويل بوضوح. لكن آريس لم يتوقف، وركض عبر الممر، وفتح الباب، وصعد السلالم بسرعة.
‘أرجوك، أرجوك، أرجوك.’
حتى أثناء الركض، شعر بتوترٍ شديدٍ جعله بالكاد يتنفس، غطّت قشعريرةٌ قويّةٌ جسده. لكنه لم يستطع التوقف.
إن لم يهرب الآن، كان متأكدًا أنه لن تحين له فرصةٌ أخرى.
لكن عندما ظهرت أمامه أبوابٌ لا تُعد، توقّف آريس رغمًا عنه.
‘هذا جنون.’
غير قادرٍ على تمييز الطريق الصحيح، بدأ يفتح كلّ بابٍ يراه. لكن معظم الغرف كانت فارغةً تمامًا.
‘أين عليّ أن أذهب بحق الإله…’
أصبح قلقًا ومتوترًا أكثر فأكثر، وهو يعلم أن المرأة ستلحق به لا محالة. كانت يده ترتجف كأنها مصابةٌ بالشلل وهو يحاول فتح المقابض. وعندما كان على وشك فتح الباب التاسع، رأى شيئًا مرسومًا على الأرض تحت قدميه.
‘هذا…’
كانت دائرةً سحريةً مشابهةً لتلك التي رآها قبل نقله إلى هنا.
قبل أن يتمكّن من إدراك الأمر تمامًا، شعر بقدميه تتركان الأرض وسط ضوءٍ ساطعٍ أعماه.
عندما استعاد وعيه، سقط على الأرض مع صوت ارتطامٍ مدوّي. تأوّه من الألم الذي شعر به وكأن جسده كلّه قد تعرض للضرب، وفتح عينيه بصعوبةٍ لينظر حوله.
“أين أنا الآن…”
على الرغم من أنه بالتأكيد لم يأتِ إلى هذا المكان من قبل، إلّا أنه شعر بأنه مألوفٌ بطريقةٍ ما.
نهض آريس بصعوبة، ممسكًا بيده المصابة، وسار ببطء.
‘هل هذه غرفة؟’
بينما كان يبحث حوله غير متأكّدٍ من المكان الذي نُقل إليه، لاحظ سوارًا صغيرًا ملقىً قرب الجدار.
‘هذا السوار…’
بدا مطابقًا تمامًا لسوار الحماية الذي أعطته إياه كيرين. بعد أن التقطه بحذر، تردّد للحظةٍ ثم همس.
“عزيزتي، ساعديني.”
حتى وهو يعلم أن ذلك لن يعمل.
***
بينما كان مزاجه يتعكّر وهو يتكلم، أطلق فينسنت تنهيدةً مليئةً بالضيق.
إذا كان يريد شيئًا واحدًا من كيرين، فهو فقط أن تفي بوعدها بعدم منح قلبها لأحد. لقد تمنى يائسًا أن يبقى قرارها بإبقاء الجميع على مسافةٍ منها كما هو، لكن خلال فترة انفصالهما القصيرة، بدأت كيرين تواعد الرجل الذي وصفته بالأكثر فظاعة. بل وتزوّجته وأنجبت منه ابنة.
الإحساس بالخيانة حينها كان لا يُوصف.
“لو لم تتغيري، لما حدث أيٌّ من هذا.”
عند سماع صوته المليء باللوم، لم تستطع كيرين حتى أن تضحك ضحكةً ساخرة.
“هل تقول إن هذه الفوضى خطئي؟”
“…”
على الرغم من أنها سألت على أمل ألّا يكون ذلك صحيحًا، لم يأتها أيّ رد. مرّرت كيرين أصابعها بخشونةٍ بين شعرها مع تنهيدةٍ طويلة.
وبينما كانت على وشك الكلام في ذهول، سبقها فينسنت.
“ليس خطئي.”
“…”
هذه المرة، كانت كيرين هي الصامتة. لم تستطع أن تفهم كيف ينكر فينسنت خطأه بينما يلوم الآخرين. لا، بل إنها لم تُرِد أن تفهم.
“توقّف عن اللعب بالكلمات وأخبرني فقط أين آريس. هذا كل ما أريد معرفته.”
لقد سئمت من إضاعة الوقت. شعرت بالإحباط من هذه المحادثة الدائرية، وخططت للبحث عن طرقٍ أخرى إذا رفض الإفصاح.
لكن فينسنت ظلّ ينظر إليها بصمتٍ قبل أن يطلق ضحكةً مريرة.
“ما هذا الاستعجال! أأنتِ قلقةٌ لهذه الدرجة؟”
“بالطبع. لا أعرف ماذا قد تكون فعلتَ به.”
“هل كنتُ شخصًا غير جديرٍ بالثقة إلى هذا الحد؟”
جعل صوته المرتجف نبرة كيرين تلقائيًا تصبح حادّة.
“انظر إلى ما تفعله. أستمرّ في السؤال عن مكان آريس، لكنكَ ترفض الإجابة وتستمر في الحديث عن أشياء أخرى.”
من الواضح أن فينسنت يحتجز آريس، لكن لأنه لم يُظهِر أيّ نيّةٍ للإفصاح، وقفت كيرين فجأةً بغضب.
“حسنًا. كان سؤالكَ خطئي.”
لم تعد ترغب في إضاعة المزيد من الوقت. بدا لها أن البحث بنفسها سيكون أسرع.
وبينما كانت على وشك المغادرة، غير راغبةٍ في تبادل أيّ كلماتٍ أخرى—
“عزيزتي، ساعديني.”
سمعت صوت آريس بوضوح. وفي نفس اللحظة، رأت الإحداثيات.
‘هل هذه حقيقية؟’
على الرغم من أن الشك تسلل إلى ذهنها، إلا أنها لم تستطع تجاهله.
“على الرغم من أنني منزعجة من إضاعة الوقت، إلا أنني تعلّمتُ شيئًا واحدًا من هذا.”
نفضت غبارًا وهميًا عن ياقة ثوبها بينما التفتت مرّةً أخرى إلى فينسنت.
“أنكَ شخصٌ يجب أن أقطع علاقتي به.”
في اللحظة التي قالت فيها هذا، رأت وجه فينسنت يتصلّب. لكن كيرين استمرّت في الكلام، وهي تنظر إليه بلا اكتراث.
“أشعر بالخزي لأنني تمسّكتُ بكَ بغباءٍ بسبب صداقةٍ قديمة.”
كانت حقيقةً مريرة، لكنها اضطرّت إلى الاعتراف بها.
“وأنتَ كنتَ أول مَن تغير، فينسنت.”
كان من السخف أن يلومها على التغيير.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "142"