‘لم أكن أريد الذهاب إلى هذا الحد، لكن…’
في ظل هذه الظروف، لم يكن أمام آريس خيارٌ سوى طعن يده بقطعة خشب. نظرًا لأن إصابته السابقة لم تكن قد شُفيت تمامًا، كان الألم كافيًا لجعل أنينه يخرج.
‘يجب أن تأتي الآن.’
بعد أن طعن نفسه مرتين أو ثلاثًا، لم يعد قادرًا على التحمل وألقى بقطعة الخشب على الأرض وانهار. بينما كان ينظر بهدوءٍ إلى الدماء التي تتدفق على راحة يده، صكّ آريس أسنانه وركّز على الأصوات الخارجية.
‘بالتأكيد أستطيع سماع شيء.’
على الرغم من خفوتها، كان بإمكانه سماع خطوات شخصٍ ما تقترب من بعيد. وبحسب الخطوات القصيرة والسريعة، لا بد أنها تلك المرأة.
‘هل يجب أن أجعل الأمر أكثر درامية؟’
ظن أنه يبدو طبيعيًا جدًا باستثناء يده النازفة، فقام عمدًا بمسح الدم على ملابسه ورقبته قبل أن ينهار على الجانب. وبينما أغمض عينيه، آملاً أن يبدو هذا صادمًا كافية، توقفت الخطوات أمام الباب.
وسرعان ما سمع صوت صرير الباب وهو يفتح.
“يا صغيرتي، حان وقت الطعام.”
“…”
عند سماع الصوت اللطيف، حبس آريس أنفاسه وأبقى فمه مغلقًا. لم يحن الوقت بعد.
“لماذا ترقدين هناك؟ هل أنتِ مريضة؟”
أمالت المَرأة التي دخلت حاملة صينية، رأسها عند رؤية آريس مستلقيًا على الأرض. وعندما أدركت أخيرًا أنه قد انهار، وضعت الصينية بسرعة على السرير واقتربت منه.
“آريا؟ آريا!”
ظل آريس بلا حركة حتى عندما هزّت كتفه. تعمّد إبقاء جسده مرتخيًا تمامًا لجعلها تخفّف من حذرها أكثر.
عندها فقط أدركت المرأة أن شيئًا ما ليس على ما يرام، وبدأت تفحص آريس بوجهٍ شاحب. الدم على ذقنه ورقبته انتشر على ملابسه. ثم اكتشفت يده المصابة، التي ما زالت تنزف.
“يا إلهي! ماذا فعلتِ بنفسكِ؟”
على الرغم من أنها كانت توبّخه، إلّا أن المرأة بدت مذعورة وهي تحاول تقديم الإسعافات الأولية، حتى أنها مزقت ملاءة السرير لربطها حول يد آريس.
ولكن قبل أن تتمكّن من لمسه، فتح آريس عينيه فجأة وأمسك بحلقها بقوة.
“ماذا تفعل—!”
قبل أن تتمكن من دفعه بعيدًا في حالة دهشة، بدأت عيناها في الإغلاق، غير قادرةٍ على مقاومة قبضته القاسية. وعندما فقدت وعيها وارتخت، ألقى بها آريس بعنفٍ على السرير ولفّ يده بقطعةٍ ممزقةٍ من كمّه.
“فيوه…”
بعد أن تأكّد مرّةً أخرى أن المرأة فقدت الوعي، أطلق تنهيدةً طويلةً قبل أن يخرج بسرعة.
‘هل كان هناك سلّمٌ في نهاية ذلك الممر؟’
باتباع ذاكرته الضبابية، خرج آريس لكنه توقّف لا إراديًا. كانت هناك بقع دمٍ واضحةٍ على الأرض، كما لو أن شيئًا ما سُحب فوقها.
‘هل يمكن أن تكون تلك المرأة من الغرفة المجاورة…’
أطلق آريس تنهيدةً مليئةً بالندم، ثم استأنف المشي نحو نهاية الممر. وعندما وصل إلى الباب، حاول فتحه لكن المقبض لم يتحرك.
‘مقفل.’
أطلق آريس تنهيدةً مليئةً بالضيق وعاد إلى الغرفة التي كان محتجزًا فيها. لا بد أن المرأة تحمل المفتاح.
ولكن عندما عاد إلى الغرفة، لم يكن هناك أيّ أثرٍ للمرأة.
***
“ما الذي تتحدثين عنه؟”
سأل فينسنت في حيرة، مستغربًا أن كيرين كانت تراقبه بهذا الحذر، على عكس فرحته هو لرؤيتها بعد كل هذا الوقت.
“بالضبط ما قلتُه. هل آريس لديك؟”
“لماذا تسألينني؟”
“لأنني أعتقد أنكَ تعرف.”
“…”
تحدثت كيرين بهدوء، دون أن ترفع عينيها عن فينسنت للحظة.
“لدي الكثير من الأسئلة التي أريد طرحها عليك، لكنني لن أفعل.”
لم يكن هذا وقت إضاعته في ذلك.
“فقط أَعِد آريس.”
لن تشعر بالراحة حتى تتأكد بعينيها أن آريس بأمان.
لكن فينسنت ظل ينظر إليها بصمتٍ قبل أن يبتسم ابتسامةً ساخرة.
“طريقة استمراركِ في التصرّف هكذا تجعلني أبدو وكأنني الشرير.”
على الرغم من تردّد كيرين عند رؤية ابتسامته المريرة، إلا أنها تحدثت بحزمٍ أكبر.
“أَعِد آريس قبل أن تصبح شخصًا أسوأ.”
آريس كان الأولوية الآن. شعرت بالقلق وعدم الارتياح، خائفةً على سلامته أو احتمال إصابته.
في محاولةٍ لإخفاء هذه المشاعر، عضّت كيرين جانب خدها من الداخل وضغطت على قبضتيها.
راقبها فينسنت بتعبيرٍ غريبٍ قبل أن يتحدث ببطء.
“هل سيكون كذبًا واضحًا جدًا إذا قلتُ إنني لا أعرف شيئًا؟”
وجد فينسنت كلماته مضحكة، فأطلق ضحكةً كانت أشبه بتنهيدة، ثم استرخى في كرسيه.
“من الصعب حقًا الكذب عليكِ. أو ربما يكون ‘الخداع’ هو الكلمة الأصح؟”
“…”
على الرغم من أنه بدا نادمًا، إلا أن هذا كان بمثابة اعترافٍ بأنه يعرف مكان آريس.
“إذن أين هو؟”
ضغطت كيرين على ركبتيها بقوة، محاولةً عدم إظهار نفاد صبرها بينما سألت مرّةً أخرى. كانت مستعدةً للنظر في التساهل إذا أخبرها بمكان آريس الآن. رغم أنها لا تستطيع أن تسامحه على كلّ شيء.
ومع ذلك، استمر فينسنت في التحديق بكيرين بتعبيرٍ غير مقروء.
“دعنا لا نضيّع الوقت.”
“…”
“أين آريس؟”
“…”
“هل من الصعب فهم سؤالي؟ أسألكَ أين آريس.”
بعد أن حافظ على صمته رغم استمرارها في السؤال، خفض فينسنت نظره للحظة قبل أن يفصل شفتيه ببطء.
“ماذا ستعطيني إذا أخبرتُكِ؟”
لم تستطع كيرين إلّا أن تضحك ضحكةً مصدومةً عند سماع نبرة المساومة في صوته.
حقيقة أنه يحاول التفاوض في هذه الحالة كانت سخيفةً لدرجة أن صوتها خرج غاضبًا تلقائيًا.
“أليس عرض التساهل كافيًا بالفعل؟”
الرغبة في أكثر من ذلك ستكون جشعًا. لا، بل ستكون أنانية.
“حاولتُ أن أفهمك. لأنكَ كنتَ يومًا ما شخصي العزيز وصديقي.”
“…”
“كم من التفاهم والتسامح يجب أن أمنحكَ أكثر؟”
بدأت مشاعرها في التدفق بينما تفاقم الإحباط والغضب.
راقبها فينسنت بصمت قبل أن يتمتم بهدوء.
“صديق… صديق…”
بعد تكرار هذه الكلمة عدّة مرّات، أطلق فينسنت ضحكةً شريرة ومريرة.
“كم هذا مضحك. لم أطلب منكِ أبدًا أن تفهميني. ولم أطلب تسامحكِ أيضًا.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "141"