“صغيرتي، لماذا تواصلين التجول بلا داعي؟”
أعاد الصوت الناعم وعيه الضبابي تدريجياً. عندما تظاهر آريس بأنه لم يسمع، ظانًا أنه أخطأ السمع، وصل ضحكٌ إلى أذنيه.
“أَتتظاهرين بالنوم الآن؟”
كانت السعادة الواضحة في ذلك الصوت جلية لأي أحد. لكن كلما سمعه آريس أكثر، ازداد مزاجه قتامة. بمجرد أن تعرف على الصوت الذي كان يرغب في نسيانه، اعتقد أنه اتخذ القرار الصحيح بتظاهره بالنوم.
“نعم. من الأفضل أن تبقي ساكنةً هكذا بدلاً من أن تتجولي بلا داع.”
مع الصوت الممزوج بالضحك، جاءت لمسةٌ خفيفةٌ تبعثر شعره. كانت اللمسة باردة لدرجة أنها جمدت أعماقه، فتح آريس عينيه فجأة محاولًا الإمساك بيد المرأة. لكن قبل أن يتمكن من الوصول إليها، قفز للخلف مذعورًا كما لو أنه صعق كهربائيًا.
‘ما كان ذلك؟’
على الرغم من أن يده كانت بخيرٍ لحسن الحظ، إلا أنه رأى كم قد احترق ساعده وأصبح أسودًا.
رفع رأسه بتعبيرٍ حائر، فرأى المرأة تبتسم بشدة وكأن فمها على وشك التمزق.
“عزيزتي، هل فاجأكِ ذلك؟”
على الرغم من نبرتها القلقة، إلا أن عينيها ضاقتا إلى هلالين. أسلوبها الواضح في التدليل جعل آريس في حيرةٍ من أمره لدرجة أنه لم يستطع حتى إخراج ضحكةٍ جوفاء.
“إذا كنتِ ستجنّين، فعلى الأقل افعلي ذلك بكرامة.”
“لهذا يجب أن تكوني أكثر رقيًّا، صغيرتي. أنتِ تتأذين لأنكِ تحملين مشاعر سيئة تجاهي.”
“…”
إدراكًا منه أن الحوار مستحيلٌ مع هذا الهراء، أغلَق آريس فمه وهز رأسه.
لقد كانت تلك الغرفة مرة أخرى. الغرفة التي نُقل إليها قسرًا وحُبس فيها بسبب الدائرة السحرية. الاختلاف الوحيد هو أن المرأة أحضرت مصباحًا، مما جعل الغرفة أكثر إشراقًا بعض الشيء.
“يبدو أن إعادة تأهيلكِ ستستغرق وقتًا طويلاً.”
“اخرجي.”
“أصبح كلامكِ فظًا وسلوككِ خشناً.”
“فلتموتي.”
“لماذا تغيّرت آريا هكذا؟”
رآها تهمس لنفسها متجاهلةً كلماته، فأطلق آريس تنهيدة منفعلة ومرر أصابعه خلال شعره.
“يا للهول، لا ينبغي لآنسةٍ بالغةٍ أن تتصرف بلا كرامة—”
“ماذا تريدين مني بالضبط؟”
على الرغم من أنه يعلم أن الشخص العاقل لا يمكنه فهم كلام مَن فقد عقله، إلا أنه أراد معرفة السبب.
بقدر ما كان يكره الاعتراف بذلك، فإن آريس الصغير وآريا كانا يتشاركان العديد من التشابهات الجسدية. الشعر الفضي النقي، العيون الزرقاء الصافية، البشرة الفاتحة المميزة. حتى ملامح وجههما كانت متشابهة لدرجة أنه يمكنه فهم سبب هوس هذه المرأة به.
لكن ليس بعد الآن.
للهروب من حالته الضعيفة والعاجزة، بدأ آريس ممارسة الرياضة بمجرد هروبه من المرأة وعودته إلى عائلته. كان يعتقد أنه من خلال تدريب جسده، سيحصل على القوة ليحمي نفسه.
بفضل ذلك، حصل على شرف الانضمام إلى فرسان الإمبراطورية كأفضل فارس. كان أيّ شخصٍ يمكنه رؤيته الآن رجلاً مفتول العضلات.
لكن المرأة ظلت مهووسة به. على الرغم من أنها كانت ترى كم كبر، مما جعل من الصعب تذكّر مظهره في الطفولة.
“هل ما زلتِ ترينني كآريا؟”
“…”
“تعلمين أنني لستُ هي.”
“توقّف.”
“أنا لستُ ابنتكِ.”
“قلتُ توقف.”
قطعت المرأة كلامه وهي تنظر إليه بعينين نصف غائمتين.
لكن آريس استمر في الكلام، محدقًا فيها مباشرة.
“ابنتكِ ميتة.”
“قلتُ لكَ اخرس!”
أخيرًا، لم تتمالك نفسها، فانقضت عليه وبدأت تخنقه. على الرغم من أن معصميها كانا رفيعين كأغصانٍ هشة، إلا أن قبضتها على عنقه كانت قوية بشكلٍ مدهش. في اللحظة التي كان آريس على وشك دفعها بعنف بعيدًا بينما أصبح التنفس صعبًا—
سمع صوت طرقٍ من الخارج.
يبدو أن المرأة سمعته أيضًا، لأنها ارتعدت وسحبت يديها بسرعةٍ من عنق آريس. نظرت إلى يديها كما لو أنها لا تصدق ما فعلته، ثم رفعت نظرها إلى آريس وعانقته فجأة.
“آريا، آريا، آريا.”
“…”
على الرغم من أن صوتها كان مليئًا بالدموع، إلا أن آريس وجده مرعبًا تمامًا. جعله عناقها المفاجئ يرغب في عض لسانه والموت في الحال. ظن أنه كان ليفضّل لو استمرت في خنقه.
في اللحظة التي لم يعد آريس يتحمّلها وكان على وشك أن يركل لسانه ويدفعها بعيدًا—
“أنا الوحيدة التي يمكنها إنقاذكِ هنا. ذلك الرجل يريد قتلكِ.”
‘ذلك الرجل؟’
قبل أن يتساءل عن هذا التصريح غير المتوقع، لامست المرأة خده بيديها المرتعشتين.
“أنا أمكِ، في صفكِ، حسنًا؟”
“…”
“تعلمين أن أمكِ لا تملك سواكِ.”
بينما أضافت أنه لا يمكنه الوثوق إلّا بها، أطلق آريس “ها” واتكأ على الحائط مع تنهيدة.
“مَن هو ذلك الرجل؟”
“…”
“مَن هو هذا الرجل الذي يريد قتلي؟”
بطريقةٍ ما، شعر أنه يعرف مَن يكون.
لكن لم يكن هناك دليل. الطريقة الوحيدة للتأكد كانت برؤيته بعينيه.
“لا. إذا عرفتِ، ستُؤذى صغيرتي.”
“…”
رآها تهز رأسها بجدية تامة، فأطلق آريس ضحكة مريرة وانهار على السرير.
‘هذا الهراء عن ‘صغيرتي’ مرة أخرى.’
الاستماع إلى ثرثرتها المجنونة جعله يشعر وكأنه سيجنّ أيضًا، فأدار رأسه بعيدًا تمامًا.
حدقت المرأة به بحزنٍ قبل أن تجلس بجانبه وتقبض على يده بقوة.
“كل ما عليكِ فعله هو الوثوق بي.”
“…”
“إذا بقيتِ هادئةً ومطيعة، يمكننا العودة إلى ما كنا عليه من قبل. حسنًا؟”
“…”
“لنعيش سويًا بسعادة، فقط الأم وابنتها، كما كنا من قبل، آريا.”
جعلته كلماتها اليائسة المُلِحّة يفهم أخيرًا ما تريده منه.
لقد أرادت أن تعيده إلى ذلك الوقت—عندما كان سجينًا، غير قادرٍ على مقابلة أي أحد أو فعل أي شيء.
“هل تريدينني حقًا أن أبقى هادئًا ومطيعًا؟”
“نعم.”
“وتريدين أن نعيش معًا؟ كما كنا من قبل؟”
“نعم.”
بينما كان يشاهدها وهي تومئ برأسها قائلةً إن هذا كل ما تريده، وضع آريس قصدًا تعبيرًا قلقًا.
“لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ هناك شخصٌ يريد قتلي.”
استخدم عمدًا لغةً رسمية.
عندما كان صغيرًا، كانت المرأة قد علّمته بهوس أن بنات النبلاء يجب أن يكون لديهنّ سلوكٌ لائقٌ وكلامٌ راقٍ.
عندما استخدم لغةً رسميةً كما لو أنه يعود إلى ذلك الوقت، اشرق تعبير المرأة.
“بالطبع ستحميكِ أمكِ، آريا.”
“كيف؟”
في الحقيقة، أكثر من كيفية حمايته من ذلك الرجل، كان فضوله حول هوية الرجل أكبر.
ليتأكد إذا ما كان هو مَن يشك فيه.
في اللحظة التي كان على وشك أن يسأل فيها مَن هو بالضبط هذا الرجل الذي يريد قتله، سمع صوت صرير الباب وهو يُفتَح. في نفس الوقت، أضاء المصباح الغرفة، مما سمح له بالتعرّف على وجه الرجل المقترب على الفور.
‘ها، إذن كان هذا صحيحًا.’
قبل أن يفاجأ بأن تخمينه كان صحيحًا، انفجرت التعويذة التي كان يكبحها من شفتيه.
“عزيزتي، ساعديني.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "136"