رغم محاولتها الصعود بحذرٍ لتجنّب إحداث أيّ صوت، إلا أن السلالم كانت قديمة جدًا لدرجة أنها صرّت بشدة. رغم أنها فزعت للحظة، إلا أنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها واستمرت في الصعود خطوةً بخطوة.
‘شيءٌ ما لا يشعرني بالارتياح.’
رغم صعوبة تفسيره، إلا أن شعورًا غامضًا بالقلق ظل يخز صدرها. في اللحظة التي قررت فيها أن تخبر آريس بأن عليهما العودة، إذ شعرت أنه لا ينبغي لهما الاقتراب أكثر—
“آريس!”
في تلك اللحظة، لاحظت دائرة السحر المرسومة تحت قدمي آريس. أمسكت بيده على الفور، لكن التعويذة كانت قد نُشّطت بالفعل.
ارتعب آريس، الذي أدرك الأمر متأخرًا، ثم أفلت يده من يدها دون تردد.
“آريس، انتظر…!”
ترك يدها الآن يعني أن آريس سينتقل قسرًا بمفرده. حاولت الإمساك به بينما كان يحاول الابتعاد وحده، دون أن تعرف إلى أين سيؤدي الانتقال، لكن دائرة السحر كانت قد نُشّطت بالفعل واختفى سريعًا.
بعد أن خفت الضوء المبهر الذي حجب رؤيتها، لم يتبقَّ سوى هي واقفةً بمفردها في الممر المغبر.
“…”
حدث كل شيءٍ بسرعةٍ كبيرةٍ لدرجة أنها لم تستطع تقييم الموقف بشكلٍ صحيح. عضت كيرين شفتيها بتعبيرٍ محتار، ثم أطلقت تنهدًا قصيرًا.
“هذا الأحمق…”
بينما شعرت بالاستياء من آريس لتركها بمفردها بعد أن أحس بالخطر، شعرت أيضًا بالخجل لعدم إدراكها الأمر عاجلًا.
‘بالطبع. لقد عرفت.’
بدون توقع عودتهما إلى هنا، لا يوجد أي سببٍ لوضع مثل هذا الفخ.
‘إذن إلى أين نُقل بالضبط؟’
لم تستطع إلا أن تتنهد أمام الموقف الصعب – كيف لها أن تجد آريس بينما لم تعثر حتى على أثرٍ لتلك المرأة بعد البحث في كل مكانٍ قد تكون فيه؟
بعد مغادرة القصر، بدأت كيرين في تنظيم أفكارها بهدوء.
‘لقد رسمت دائرة السحر مسبقًا، كانت تعلم أننا سنأتي.’
يبدو أنها كانت متأكدة أن آريس سيدوس عليها أولًا.
‘إذن كان آريس الهدف منذ البداية، ليس أنا…’
لم تستطع فهم ما تخطط تلك المرأة لفعله بعد أخذ آريس.
‘لا، لا أحتاج إلى فهم ذلك. كيف لي أن أفهم شخصًا فقد عقله؟’
ما يهم هو المكان الذي نُقِل إليه آريس.
لكنها لم تكن تعرف حتى من أين تبدأ البحث.
محبطةً، مرّرت كيرين أصابعها بعنفٍ بين شعرها قبل أن ترفع رأسها فجأةً وتبدأ في المشي بسرعة.
‘ليس لدي وقتٌ لهذا.’
لم يكن لديها خيارٌ سوى التحرّك إلى حيث تأخذها قدماها.
على الأقل حتى تتمكن من التفكير في المكان الذي قد يكون آريس نُقِل إليه.
***
في البداية، كان يحبّ أن يُدعى ‘جميلًا’.
“كيف يمكن لأحد أن يكون بهذا الجمال؟”
“أيّ شخصٍ سيصدّق أنكَ ابنتها.”
“أنت حقًا تشبه الدوقة.”
“لا عجب—حتى بشرتكَ ناصعة البياض.”
“خاصةً تلك العيون الزرقاء، إنها جميلة كالجواهر.”
كل هذه كانت تعليقاتٍ عنه. لأنه كان صغير الحجم بالنسبة لصبي وملامحه دقيقة، كان هناك الكثير ممن رأوا في ذلك شيئًا مؤسفًا.
لكن أمه كانت تعتز به دون أن تظهر أي استياءٍ من مثل هذه الملاحظات. فقط رايلي بدت غير راضيةٍ عن كونه هكذا.
“عليكَ على الأقل أن تمارس بعض التمارين. ماذا ستفعل وأنتَ بهذا الضعف؟”
رغم أن نبرة صوتها كانت توبيخية، إلّا أنه أدرك بعد تلك الحادثة أنها قالت تلك الأشياء بدافع القلق.
“أمي تقول إنه لا بأس، فلماذا تتصرفين هكذا، أختي؟”
“لا، انظر إلى نفسكَ فقط. ما الفائدة من الجمال إذا لم تستطع فعل أي شيءٍ آخر؟”
لكن آريس تجاهل كلام رايلي وذهب للعب بمفرده. وهكذا انتهى به المطاف مختطفًا على يد تلك المرأة.
“أنتَ حقًا جميلة.”
رغم أنها كانت مجاملة واضحة، إلّا أنه لسببٍ ما عندما قالتها تلك المرأة، شعر بالقشعريرة. ربما كان بسبب عينيها الفارغتين. رغم أنه حاول تجنبها لأنها بدت خطيرة بطريقةٍ ما، إلا أنه عندما استعاد وعيه كان قد اختُطف بالفعل.
‘هذا الموقف يشبه تمامًا ذلك الوقت.’
آريس، الذي فقد وعيه لفترة قصيرة، أطلق تنهدًا عميقًا وفرك عينيه قبل أن ينظر حوله. آخر ما يتذكره هو الدوس على دائرة السحر في القصر الأبيض قبل أن يُنقل قسرًا.
‘أتساءل إذا كانت كيرين بخير؟’
لحسن الحظ، يبدو أن كيرين لم تُنقل معه لأنه أفلت يدها قبل أن تنشّط التعويذة بالكامل.
بينما كان ذلك مريحًا، إلا أن فمه جفّ عند التفكير في كونه وحيدًا في هذا المكان المظلم تمامًا.
‘أين هذا بالضبط؟’
بعد مرور بعض الوقت، اعتادت عيناه على الظلام وتمكن من رؤية محيطه بشكلٍ خافت.
‘يبدو أنني محبوسٌ في غرفة.’
بينما كان يمشي ببطءٍ نحو ما بدا أنه باب، وجد مقبض الباب. حاول تدويره على الفور، لكن كما هو متوقع، لم يُفتَح.
“هاا…”
لم يكن هناك شيءٌ يمكنه تحديده. لم يكن يعرف أين هو ولا كم من الوقت مر.
في اللحظة التي أطلق فيها تنهّدًا إزاء الموقف المحبط—
“هل… هل هناك أحد؟”
خرج صوتٌ رفيعٌ من الجدار.
ارتعب، وأدار رأسه بينما عاد الصوت الباكي يتحدث مرة أخرى.
“هل هناك أحد؟ أليس كذلك؟”
كان صوت فتاةٍ صغيرة. أدرك آريس ذلك على الفور، وضغط نفسه على الجدار.
“نعم، هناك أحدٌ هنا.”
بعد أن هدّأ من روعه ورد، أطلقت الفتاة تنهدًا مرتاحًا.
“أ-أرى. كنتُ خائفةً جدًا من البقاء وحيدةً كل هذا الوقت.”
“هل أنتِ محبوسةٌ الآن؟”
“نعم. عندما استيقظت، كنتُ هنا.”
“منذ متى وأنتِ محبوسة؟”
“حسنًا… لـ لا أستطيع معرفة الوقت هنا…”
رغم تلعثمها في الكلام، بذلت الفتاة قصارى جهدها للإجابة.
“من فضلك، من فضلك ساعدني. أنا خائفة جدًا ووا…”
أخيرًا، لم تستطع التحمل أكثر، وانفجرت في البكاء. توسّلت إلى آريس، قائلة إنها تشعر أنها ستفقد عقلها حقًا إذا بقيت أكثر.
“لنحاول أن نهدأ أولًا.”
“لقد بقيتُ هنا لوقتٍ طويل، أنا خائفةٌ ومرهقة. من فضلك، أوسّل إليك، أنقذني.”
كان آريس يسمع بوضوح صوتها وهي تخدش الجدار. بدلًا من أن تهدأ، بدت الفتاة تغرق أكثر في الارتباك، لذا سألها عن شيءٍ آخر.
“كيف انتهى بكِ المطاف هنا؟”
“هذا… لا أتذكر جيدًا.”
بصوتٍ محبط، تحدّثت الفتاة فجأة وكأنها تذكّرت شيئًا.
“آه، كنتُ في طريقي إلى المنزل. كانت هناك امرأةٌ سألتني عن الاتجاهات.”
“لا شيء آخر؟”
“لا شيء كثير. فقط أنها قالت إن لديها ابنة في عمري تقريبًا…”
“…”
في اللحظة التي سمع فيها تلك الكلمات، تأكّد تمامًا أنها تلك المرأة.
أصابته القشعريرة عندما أدرك أنها ما زالت مهووسة بابنتها الميتة، وما زالت تبحث عن بدائل لملء مكانها.
“في الوقت الحالي، دعينا نحاول أن نبقى هادئين. سأساعدكِ.”
“شكرًا لك، شكرًا لك.”
رغم أنه كان في نفس المأزق مثل الفتاة، إلا أنه كان عليه تهدئتها أولًا.
لحسن الحظ، بدت الفتاة أكثر هدوءًا من قبل، وكأنها وجدت راحةً فقط في معرفة أن آريس موجودٌ خلف الجدار.
‘المشكلة هي كيفية الهروب من هنا.’
رغم أن الباب بدا قديمًا للوهلة الأولى، إلا أنه يبدو أن هناك نوعًا من السحر عليه، مما جعله متينًا جدًا ولا ينكسر بسهولة.
‘من الجيد أن كيرين لم تأتِ إلى مكانٍ مثل هذا معي.’
كان ذلك عزاءه الوحيد.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "133"