في البداية، شعرت كيرين بالقلق من أن يكون قد حدث شيءٌ ما. ولكن بعد مرور شهر، لم يكن أمامها خيارٌ سوى تقبّل حقيقة أن فينسنت يتعمّد عدم الرد على رسائلها.
لم تكن تتوقع أبدًا أن يتوقف فينسنت عن الرد، لذلك أصيبت بصدمةٍ أكبر مما توقعت. جعلها الانقطاع المفاجئ لصلتهما تواجه صعوبةً في التركيز في العمل لفترةٍ طويلة.
ومع ذلك، بما أنها لم تستطع مواجهة فينسنت أو إجباره على أيّ شيء، توقفت كيرين أيضًا عن إرسال الرسائل. في بعض الأحيان، عندما كانت تفقد اتزانها بسبب مزاجها الكئيب، كان آريس يسألها إذا كان هناك خطبٌ ما، مما جعل التظاهر بأن كل شيءٍ على ما يرام أمرًا صعبًا بعض الشيء.
ثم جاء أوائل الربيع، عندما بدأ الطقس في الدفء بعد الشتاء. زار فينسنت الإمبراطورية مرة أخرى لإقامة مهرجانٍ لإلهة الربيع.
حالما سمعت الخبر، بدأت كيرين تقلق بشأن كيفية مواجهته. هل تتصرف بشكلٍ طبيعيٍّ كما كان الحال من قبل، أم تنتظر حتى يتحدث هو أولًا؟
لكن مثل هذه المخاوف ثبت أنها لا جدوى منها عندما حيّاها فينسنت بتعبيرٍ هادئ.
“مرحبًا.”
“…”
في اللحظة التي رأت فيها وجهه اللطيف يبتسم بتلك الابتسامة الرقيقة، فهمت.
‘إذن هذا هو اختيارك.’
أن الوقت الذي تقاسموه – عندما كانا أقرب من أيّ شخصٍ آخر – قد انتهى الآن. وأنه ليس أمامها خيارٌ سوى تقبّل قراره.
“مرحبًا بك، أيها الكاهن الأعلى.”
حيّت كيرين فينسنت كما لو كانت تقابله لأول مرّة. للحظة، بدا أن ابتسامته تتزعزع قليلًا، لكنها تظاهرت بعدم الملاحظة.
“هل تريدني أن أرشدكَ إلى قاعة الاستقبال؟”
كان فينسنت يعرف بالفعل مكان قاعة استقبال الإمبراطور. كانت تسأله إذا كان حقًا يحتاج إلى أن ترشده إليها.
لحسن الحظ، بدا أنه فهم مقصدها وأطلق ضحكةً قد تكون ضحكًا أو غضبًا.
“يبدو أنكِ مشغولة، لذا لا داعي لذلك.”
“حسنًا، إذن كُن حذرًا في طريقك.”
عندما قال إنه سيذهب بمفرده، أومأت كيرين برأسها بشكلٍ عابرٍ واستدارت. حتى وهي تدير ظهرها، كانت تشعر بنظرات فينسنت، مما جعل من الصعب عليها أن تخطو بعيدًا.
***
“هل تخاصمتما أنتما الاثنان؟”
حدث ذلك بينما كانت تعيد ترتيب الأدوات بعد عودتها مباشرة إلى المختبر. فجأة، اقتربت منها زميلتها وسألتها بحذر.
“لم نتخاصم مؤخرًا.”
عندما نظرت إليها كيرين باستغراب كما لو كانت تتساءل عن سبب سؤالها سؤالًا بهذه البداهة، أمالت زميلتها رأسها بحيرة قبل أن تهزّه سريعًا.
“لا، لا أقصد اللورد أرينسيس.”
“إذن مَن؟”
“أعني الكاهن الأعلى.”
“…”
تصلّبت كيرين للحظة، فهي لم تكن تتوقع أنها تقصد فينسنت.
كان من المعروف للجميع أنها وفينسنت كانا قريبين – لدرجة أنه بالكاد كان هناك مَن لا يعرف عن صداقتهما.
لكن الآن وقد تغيّرت الأمور، تردّدت في الرد، غير متأكدة مما تقول.
“نتخاصم؟ هذا غير ممكنٍ من الأساس.”
“ماذا تعنين؟”
“فينسنت لا يغضب.”
لم يُظهِر أبدًا أي مشاعر قوية، ناهيك عن الغضب. كان فينسنت الذي عرفته كيرين دائمًا ما يواجه الآخرين بابتسامة، بغض النظر عن مدى وقاحتهم. كان ذلك يثير غضبها لدرجة أنها غالبًا ما كانت تغضب نيابةً عنه أو تتشاجر من أجله، وكان فينسنت دائمًا ما يوقفها.
ذات مرة لم تستطع كبح نفسها، وواجهته بذلك. لماذا تتحمّل دائمًا؟ ألا تمتلك أيّ مشاعر؟
في ذلك الوقت، كان رد فنسنت.
[لديّ أنتِ.]
عندما سمعت تلك الكلمات، لم تفهم معناها وطلبت منه أن يشرح، لكنه لم يُجِب.
لم تدرك إلّا لاحقًا أنه قصد أن وجودها كان مصدر قوته. وأنه عندما تصبح الأمور صعبة التحمّل، كانت كيرين تغضب أولًا، مما كان يساعده على تحسين مزاجه.
معرفة مقدار ما تعنيه له جعلها تشعر بالسعادة والامتنان.
لكن الآن وقد تغيّرت مشاعرهما تجاه بعضهما، لم تشعر سوى بعدم الراحة والندم.
“أتمنى لو أنه سيغضب فقط.”
كانت تأمل أن يساعد ذلك في تصفية الأجواء بينهما، لكن يبدو أن ذلك سيستغرق وقتًا طويلًا.
أشرقت زميلتها حماسًا، غير مدركةٍ لاضطرابها الداخلي.
“أليس كذلك؟ أراهن أنه سيبدو رائعًا حتى وهو غاضب، بوجهه اللطيف ذلك.”
“لا ينبغي أن تقولي مثل هذه الأشياء وأنتِ على وشك الزواج.”
“لا تخبري خطيبي، حسنًا؟”
بينما كانت تشاهد زميلتها تلعب بإصبعٍ على شفتيها وهي تقول ‘شش، شش’، ألقت كيرين بنفسها على الكرسي وهي تتأوه.
‘هاه…’
ربما لأنها لم تتوقع أن تواجه فينسنت مرة أخرى بهذه الطريقة، شعرت بالفعل بالإرهاق.
اعتقدت أنه كان من الأفضل لو لم يظهر أمامها على الإطلاق.
“كيرين.”
“…”
“كيرين!”
رفعت رأسها فجأة مذهولة من الصوت العاجل الذي يناديها.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
عندما وقفت فجأة مندهشة، ابتسمت رايلي وضربت خدها بإصبعها.
“لدينا شيءٌ مهمٌ لنتناقش فيه سويًا.”
“فجأة؟”
“إنه مهم، فأسرعي.”
“مهم؟”
“نعم. مهمٌ جدًا، جدًا، فأسرعي!”
بعد أن اعتذرت لزميلة كيرين، أخذتها رايلي على الفور إلى غرفة البحث التي تستخدمها أثناء إقامتها في القصر الإمبراطوري.
“إذن ما هذا الأمر العاجل؟”
“أولًا، اجلسي هنا.”
أجلست رايلي كيرين على ما بدا أنه أكثر الكراسي راحة. كانت الطاولة أمامها مكتظة بمختلف الوثائق والمواد.
عندما وقعت عينا كيرين على الطاولة، دفعت رايلي كل شيءٍ جانبًا بذراعها دون اكتراث. على الرغم من سماعها لأصوات التحطم والسقوط، لم تبدُ رايلي مهتمةً إطلاقًا.
“انتظري، أليس من الخطأ إسقاط الأشياء هكذا؟”
“لا بأس، لا بأس.”
“لا أعتقد أن–“
“قلتُ لا بأس. اجلسي هنا الآن.”
لوّحت رايلي بيدها باستخفافٍ وذهبت بعيدًا.
تُرِكت وحدها، حدقت كيرين بذهول في ظهر رايلي قبل أن تلتقط الكتب التي سقطت على الأرض.
“حقًا…”
بينما كانت تتذمر في نفسها، معتبرةً أنه كان يمكنهم نقل الأشياء بدلًا من رميها…
“كنتُ سأستدعي موظفات متجر التجميل على الفور، لكنني اعتقدتُ أنه يجب أن نطّلع على الكتالوجات أولًا، لذا أحضرتُ هذهدا.”
“ما هذا؟”
عندما سألت كيرين في حيرة، غير قادرةٍ على الرؤية بوضوح بينما تقدمت رايلي فجأةً بشيءٍ أمام وجهها، ابتسمت رايلي ووضعته على الطاولة.
“ستتزوجين، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“اعتقدتُ أنه سيكون جيدًا أن نستعد مقدّمًا.”
“…؟”
عندما نظرت مرة أخرى بشك، لاحظت أخيرًا تصميم الكتالوج.
كان الكتالوج مغلفًا بالحرير الوردي ومزينًا بشريطٍ ورديٍّ فاتح.
‘لا يمكن…’
عندما فتحته بحذر، رأت تصاميم فساتين.
“كان حلمي دائمًا أن أختار فستان زفافٍ مع أختٍ صغيرة!”
“…”
“عندما نظرت، ظننتُ أن كلّ شيءٍ سيناسبكِ، لذا من الصعب أن أرشّح الأجمل.”
“…”
لم تكن كيرين تعرف من منهما الأخت هنا. نظرت إلى رايلي بتعبيرٍ غير مصدّق، لكن رايلي بدت وكأنها تعتبر كيرين أختها الصغيرة حقًا، فشرعت تشرح لها عدة تصاميم فساتين بعينين تفيضان بالحماس.
أيّ شخصٍ يراهما قد يظن أنها مصممة أزياء.
“رايلي…”
“أوه صحيح، تعلمين أنه لا يمكنكِ إظهار الفستان للعريس قبل الزفاف، أليس كذلك؟”
“هذه مجرّد خرافة.”
“مع ذلك، لا يمكنكِ. أريه إياه يوم الزفاف فقط.”
على الرغم من أنهما فقط اتفقا على الزواج دون تحديد أيّ تفاصيل بعد، استمرت رايلي في الحديث عن كل شيء من تصاميم الفساتين إلى باقات الزهور وأماكن الاحتفال وكأن الموعد قد حُدِّد بالفعل.
لم تعد كيرين، التي كانت تستمع بغير اكتراث، تحتمل وخرجت بحجة العمل. ومع ذلك، أصرّت رايلي على أن تأخذ الكتالوج على الأقل، فلم يكن أمامها خيارٌ سوى العودة إلى المختبر وهي تحمله على صدرها.
لكنها لم تبتعد كثيرًا حتى توقفت فجأة.
“…”
“…”
من بين كل الناس، صادفت فينسنت.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "112"