“ألم تقولي أنكِ أخذتِ إجازة؟”
“نعم.”
“إذن لماذا أنتِ هنا؟”
سأل آريس بفضول، وهو ما زال غير قادرٍ على فهم الموقف.
بدلاً من الإجابة، درست كيرين آريس بعناية قبل أن تتحدث ببطء.
“أخذتُ الإجازة لكي آتي إلى هنا.”
“إلى هنا؟ لماذا؟ هل تعرفين أحدًا هنا؟”
“…”
“…؟”
أخيرًا، شعر بشيءٍ غير عادي، فنظر إليها باستفهام. اقتربت كيرين منه ببطء وأمسكت بوجنتيه فجأة.
“ماذا تفعلين؟”
“ها، لا أصدق هذا.”
“ماذا؟”
“أما زلتَ لم تفهم؟”
بينما فكرت في كم يمكن أن يكون أحيانًا كتلةً من الغباء، سحبت كيرين وجه آريس أقرب. نظر إليها في ذهول، غير قادرٍ على الكلام.
“لـ لماذا تفعلين هذا فجأة؟”
“أما زلتَ لا تستطيع التمييز حتى عندما تنظر بهذا القرب؟”
عندما اقتربا لدرجة أن آريس استطاع رؤية انعكاس صورته في عينيها الياقوتيتين، حاول أن يتراجع خجلاً.
لكن كلما حاول الابتعاد، زادت كيرين من تقريبه.
“انظُر جيدًا.”
“أنظرُ إلى ماذا؟”
رغم أنهما تبادلا القبلات أحيانًا عندما كانت مشاعرهما متأجّجة، إلّا أنهما لم يواجها بعضهما بهذا القرب في موقف عادي، مما جعل الأمر محيرًا ومحرجًا.
عندما استمر في محاولة الابتعاد، أفلتته كيرين أخيرًا.
وبينما كان يخرج زفيرًا مرتاحًا وينظر إليها—
“هل كنتَ بخير؟”
“…؟”
أمال آريس رأسه عند التحية الودية والابتسامة. وعندما كان على وشك أن يسأل عن مقصدها—
“آريا.”
“…”
سمع اسمًا غير متوّقعٍ من شخصٍ غير متوقع.
صُدم لدرجة أنه لم يستطع الرد حتى بعد سماع الاسم مباشرة، فقط حدّق فيها بينما ازدادت ابتسامتها إشراقًا.
“لأكون صريحة، كنتُ بخير. حسنًا، كان الأمر صعبًا في البداية. أحدهم جعل حياتي جحيمًا.”
لم يكن بحاجة إلى السؤال عن هوية ذلك لـ ‘أحدهم’.
“أردتُ أن أخبرك أن توبخ ذلك الشخص عندما نلتقي مجددًا، لكنني لم أتوقع أن يكون أنت.”
“…”
بينما قالت ذلك بلسانٍ ساخط، بدأ آريس يفهم الأمور واحدةً تلو الأخرى.
“هل… هل يمكن أن تكوني…”
لم يستطع إكمال الجملة. ورؤيةً لمعاناته، قالت كيرين بوضوح.
“هذا صحيح، أنا كاين الذي تعرفه.”
“…”
“لم يكن لديّ أيّ فكرةٍ أن آريا كانت فتًى.”
رغم أنها لم تفهم لماذا كان هناك شهادة وفاة لآريا، إلا أن الأمر أصبح منطقيًا الآن. وبما أن آريس كان هنا، يبدو أنه كان يبحث عنها أيضًا.
“وبالمثل، أنتَ لم تكن تعرف أنني فتاة.”
“بالطبع لا. أنا…”
مرّر آريس يده على وجهه، ثم فجأة قبض على كيرين في حضنه.
“لقد بحثتُ عنكِ لفترةٍ طويلة.”
لقد كانت نسمة الحياة الوحيدة له، قوّته، أمله في ذلك الجحيم. لطالما أراد مقابلتها مجددًا، لكنه لم يتخيّل أبدًا أنها كانت قريبةً منه طوال الوقت.
“أنا آسفة، كانت هناك الكثير من الشائعات عن اختطاف الفتيات الصغيرات في ذلك الوقت، لم يكن لديّ خيارٌ سوى التنكر كصبي.”
بينما فكرت في كيف كان آريس يبحث عنها، شعرت بالذنب بعض الشيء ودفنت وجهها أكثر في حضنه. رآها تخفي وجهها فقط، فانفجر في ضحكةٍ صغيرة.
“أنا مَن يجب أن يعتذر. لأنني لم أعرفكِ عاجلاً.”
بالتفكير فكر أنه كان يتشاجر معها ويوجّه سيفه نحوها بنية القتل!
على عكس مخاوفه من عدم الحصول على غفرانها، بدت كيرين غير منزعجة.
“سيكون الأمر غريبًا لو عرفتَني على الفور. لقد تغيرتُ كثيرًا. انتظر.”
“…؟”
عندما خطر شيءٌ ما في بالها فجأة، رفعت نظرها إلى آريس.
“هل كان مزاجكَ السيء مؤخرًا لأنكَ لم تستطع العثور عليّ؟”
“…”
بدلاً من الإجابة، تجنّب نظرها. لكنه قلب الطاولة عليها سريعًا.
“وأنتِ كنتِ في مزاجٍ سيءٍ أيضًا. هل كان ذلك لأنكِ لم تستطيعي العثور عليّ؟”
“…”
كانت الصدفة غريبة لدرجة أنها لم تكن مضحكة.
***
“هل يمكنني أن أسألكَ شيئًا؟”
كانا في طريقهما إلى السوق بعد مغادرة القصر الأبيض، الذي لم يعد سوى أطلال.
عندما طرحت كيرين سؤالاً كانت تريد أن تسأله إذا التقت به مجددًا، أومأ آريس برأسه.
“ما هو؟”
“تلك المرأة…”
“تلك المرأة؟”
“التي حبستك…”
“آه…”
على عكس كيرين التي كانت تراقب رد فعله بحذر، بقي آريس هادئًا.
مطمئنّةً لهدوئه، أكملت.
“هل تعرف ما حدث لها؟”
“…”
كان سؤالاً مهماً. رغم أنها كانت كابوسًا لم يرغب آريس في تذكره، إلا أنهما احتاجا لمعرفة إن كانت حية أم ميتة.
لحسن الحظ، أجاب آريس بهدوء دون أن يبدو منزعجًا.
“في الحقيقة، حاولتُ البحث عنها لكنني لم أجدها.”
بعد هروبه الآمن من القصر الأبيض وعودته إلى عائلته، كان أولويته الأولى هي العثور على كاين، والثانية كانت العثور على تلك المرأة.
لكن بغض النظر عن مدى بحثه، كان العثور على أيٍّ منهما صعبًا.
“إذن لا تعرف إن كانت ميتة أم حية؟”
“نظرًا لعدم وجود أيّ أخبارٍ عنها كل هذا الوقت، أفترض أنها ميتة.”
لقد رآها في القصر عندما انهار، وحتى لو نجت من ذلك، لا يعتقد أنها كانت لتبقى على قيد الحياة طويلاً.
“ألا ينبغي أن نتأكد من ذلك؟”
“لهذا ما زلتُ أبحث.”
بعد دخولهما مطعمًا لطيفًا، جلست كيرين ودرست آريس الذي كان يقابلها.
ما زالت تجد صعوبةً في التصديق حتى بعد عدّة نظرات، تمتمت دون وعي.
“إنه لأمرٌ مدهش.”
“ماذا؟”
“لم أتخيل أبدًا أن آريا ستتغير هكذا.”
“هل هذا شيء جيد؟”
“حسنًا…”
في مخيلتها، كانت آريا لا تزال رقيقة وأنيقة كما كانت من قبل، تثير نزعة الحماية بداخلها.
لكن الآن شعرت وكأنها هي مَن تحتاج إلى الحماية منه.
“حسنًا، دعنا نقول إنه عكس ما تخيلت.”
“إذن هل هذا سيء؟”
“ليس سيئًا.”
بينما كانت تتهرب من الإجابة، أصبحت فجأةً فضوليةً وسألت.
“ماذا عنك؟ كيف تجدني؟”
“مشابه، أعتقد. لم أتخيل أنكِ ستتغيرين هكذا.”
“إذن هل هذا جيدٌ أم سيءٌ بالنسبة لك؟”
“همم…”
في ذهن آريس، كان يعتقد أن كاين سيصبح طويلاً وقويًّا مثله. لكن الواقع كان عكس ذلك.
كانت أقصر منه بيد، والجسد الذي توقعه قويًا كان نحيفًا، مما جعله يشعر أنه بحاجةٍ إلى حمايتها.
لكنه لم يكره ذلك.
“أعتقد أني أحبّ ذلك.”
على عكس الماضي عندما كان يتلقّى الحماية والمساعدة فقط، الآن يمكنه أن يكون هو مَن يحميها.
“إذا أحببتَ ذلك، فقط قل أنكَ تحبه. ما هذا ‘أعتقد’؟”
رغم أنها حدّقت فيه غاضبة، إلا أن آريس انفجر فجأةً في الضحك.
“لماذا تضحك؟”
“إنه أمرٌ مضحكٌ فحسب.”
لا عجب أنه لم يستطع العثور عليها عندما كانت أمامه طوال الوقت.
رغم أنه شعر ببعض الندم لعدم العثور عليها عاجلاً، إلا أنه كان ممتنًا لأنه وجدها الآن.
في الوقت نفسه، امتلأ قلبه بإحساس أن ارتباطهما لم ينقطع حقًا منذ افتراقهما.
‘كأنه القدر.’
كما لو كان يقول انهما مقدّرٌ لهما أن يلتقيا مجددًا.
“كيرين.”
“نعم؟”
قبل وصول الطبق الرئيسي، قدّموا لهما حساءً دافئًا. كان حساء الفطر، المفضل لدى آريس.
بينما كانت كيرين تضع الحساء أمام آريس، أمالت رأسها بفضول—
“هلّا تعيشين معي؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "105"