“هاه…”
تنهدت كيرين بهدوء وهي تنتظر أن تودع فينسنت، الذي كان يعود أخيرًا إلى المدينة المقدسة بعد احتفالات رأس السنة.
‘ماتت…’
حزنت في نفسها، رافعة رأسها نحو السماء. رغم الجو الجميل، كان مزاجها بلا شك مريرًا.
في الحقيقة، لم تكن تعرف آريا منذ وقتٍ طويل. نادرًا ما التقتا ولم تجريا الكثير من الأحاديث. ومع ذلك، خلال الفترة القصيرة التي قضتها معها، منحتها آريا الشجاعة والأمل لتعيش من جديد. لقد قدمت لها عزاءً كبيرًا، مما جعلها شخصًا فريدًا ومهمًا بالنسبة لكيرين.
لهذا السبب، كانت تتوق بشدة لمقابلتها مرة أخرى. كانت تعتقد أنه حتى لو فوجئت آريا برؤيتها امرأة الآن، فإنها ستتعامل معها بنفس اللطف والرقة كما فعلت في طفولتهما.
لكن جزءًا منها كان يخشى ألا ترغب آريا في رؤيتها — خوفًا من أن يذكّرها اللقاء بتلك الفترة التي حُبِست فيها قسرًا. حتى لو لم يتمكنا من اللقاء، كانت كيرين على الأقل تريد أن تسمع أن آريا تعيش بخير. كان ذلك سيجلب لها راحة البال.
لكن بعد كل هذا الانتظار، كل ما تلقتّه كان خبر وفاة الطفلة.
“هوو…”
تنهدت مرة أخرى. ما جعل الأمر أكثر إيلامًا هو أن آريا توفيت بعد عامٍ واحدٍ بالضبط من اليوم الذي تمكنت فيه بالكاد من الهروب. حقيقة أنها لم تعش طويلًا بعد عودتها إلى المنزل جعلت كيرين تشعر بمزيدٍ من الإحباط.
“كيرين.”
بينما كانت تتنهد مرارًا، سمعت صوتًا يناديها أمامها مباشرة. عندما رفعت رأسها، رأت فينسنت راكعًا على ركبة واحدة ينظر إليها.
“لماذا تجلسين هكذا؟”
“لا شيء. هل أنتَ ذاهبٌ الآن؟”
هزت رأسها كأن الأمر غير مهم، ثم وقفت ببطء. كان فينسنت يرتدي ملابسه بأناقة وترتيب، تمامًا كما كان عند وصوله إلى القصر الإمبراطوري لأول مرة.
“نعم، حان وقت الرحيل حقًا.”
تحرك فينسنت للأمام بابتسامة حزينة. مشت كيرين بجانبه، بينما تبعهم الكهنة عن قرب.
“أتمنى لو أستطيع البقاء لفترةٍ أطول. هذا محبط.”
“الناس في المدينة المقدسة بانتظارك. هل ينبغي أن تقول ذلك؟”
عندما أضافت كيرين أن الآخرين قد يتأذّون إذا سمعوه، ضحك فنسنت بصوتٍ عالٍ.
“أعتقد ذلك.”
عندما وصلا إلى بوابات القصر، توقفت كيرين وربتت بخفة على كتف فينسنت.
“سافر بأمان.”
مَن يعلم متى سيلتقيان مرّةً أخرى بعد اليوم؟ لم يكن من السهل أبدًا على كيرين، الساحرة الإمبراطورية، وفينسنت، كاهن المدينة المقدسة، أن يلتقيا. لطالما حافظا على صداقتهما الوثيقة من خلال الرسائل المتكررة.
لكن الآن وقد تغيرت مشاعر أحدهما وأصبح ذلك معروفًا، كان من الصعب ضمان موعد لقائهما المقبل. شعرت كيرين أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول من السابق.
“اعتنِ بنفسك وابقَ بصحة جيدة.”
لوحت كيرين لفينسنت بابتسامة صامتة. لكن بدا وكأن فينسنت ما زال لديه شيء ليقوله، فظل واقفًا يحرك شفتيه قبل أن يتحدث ببطء.
“ماذا لو… إذا استطعنا العودة إلى الوقت الذي جئتِ فيه إلى القصر الإمبراطوري لأول مرة، هل كنتِ ستظلين تحبين ذلك الشخص؟”
رمشت كيرين متسائلة عن السؤال غير المتوقع. لكن فينسنت لم يرفع عينيه عنها للحظة. كان تعبيره يوحي بأنه لن يتحرك حتى يحصل على إجابة، مما جعل كيرين تعبس قليلًا قبل أن تميل برأسها.
“حسنًا، لستُ متأكدة.”
بما أنها لم تفكر في مثل هذا السيناريو من قبل، لم يكن من السهل الإجابة. لكن شيءٌ واحدٌ كان مؤكدًا.
“هل يهم ذلك حقًا؟”
بدا الأمر بلا فائدة، لأنهم لا يستطيعون العودة إلى ذلك الوقت على أي حال، بغض النظر عن نية السؤال أو إجابتها.
بينما كانت تدرس وجه فينسنت بحذر، متسائلة إذا كانت قد أخطأت في الإجابة —
“ظننتُ أنكِ ستقولين ذلك.”
ضحك فينسنت وكأنه توقع هذه الإجابة، ثم لمس خدها برقة.
“شكرًا لكِ على الإجابة.”
نظرت إليه كيرين بفضول بسبب التعبير المفاجئ عن الامتنان، لكن بدت تعابير فينسنت وكأنه مرتاحٌ حقًا.
مع ذلك، شعرت بالانزعاج من ذلك الوجه.
“اذهب الآن.”
بسبب قلقٍ لا يمكن تفسيره، أجبرت كيرين نفسها على الابتسام ودفعت ظهر فينسنت.
أخيرًا، تحرك فينسنت على مضض. تبعه الكهنة بينما كانوا يغادرون القصر الإمبراطوري.
[إذا استطعنا العودة إلى الوقت الذي جئتِ فيه إلى القصر الإمبراطوري لأول مرة، هل كنتِ ستظلين تحبين ذلك الشخص؟]
بينما كانت تشاهدهم يبتعدون، ظلت كلمات فينسنت تتردد في أذنيها. لم تستطع فهم سبب سؤاله عما إذا كانت ستظل تحب آريس حتى لو عادوا إلى الوقت الذي كانت علاقتهما فيه سيئة.
لكن سرعان ما استدارت كيرين، مستبعدة الأمر كشيء غير مهم.
***
في الآونة الأخيرة، كان الطقس لطيفًا، وكانت كيرين تستمتع بشرب الشاي في الخارج كلما وجدت وقت فراغٍ لتحسين مزاجها. لكن اليوم، كان ذلك صعبًا.
لاحظت رايلي حالتها على الفور وسألتها بفضول.
“هل هناك خطبٌ ما، كيرين؟”
“عذرًا؟”
“حسنًا، لقد بدوتِ منزعجةً في الأيام القليلة الماضية.”
أمام نظراتها القلقة، فوجئت كيرين لكنها حاولت الحفاظ على رباطة جأشها.
“لا شيء.”
“لا شيء؟ بحقك، يمكنكِ إخباري بما يزعجكِ.”
“حقًا، لا شيء. فقط…”
بينما كانت تكافح للعثور على الكلمات المناسبة، أدركت فجأة سبب شعورها بهذا الانزعاج.
“أنا فقط … حزينة.”
شعرت بالغباء لأنها أدركت ذلك الآن فقط.
“شخصٌ عرفته… لقد مات.”
أخيرًا فهمت أنها كانت تنعي وتحزن على وفاة الطفلة.
“هل كانت صديقةً مقربة؟”
“…”
بعد لحظة صمت، أومأت كيرين برأسها.
“كنا قريبات.”
حتى وهي تتحدّث، أمسكت كيرين كوب الشاي بقوة.
“كنتُ أرغب في رؤيتها مرة أخرى. كنتُ أرغب في سماع أنها بخير، وكنتُ أرغب في إخبارها أنني بخيرٍ أيضًا.”
لطالما انتظرت اليوم الذي ستسمع وتقول فيه هذه الكلمات، لكن تلقي مثل هذا الخبر بدلًا من ذلك تركها مدمرة لدرجة أنها لم تستطع حتى البكاء.
“حاولي ألا تفكري في الأمر كثيرًا. سيزيد الأمر إيلامًا.”
“نعم، أعلم، لكن الأمر ليس بهذه السهولة.”
لو سارت الأمور على ما يرام، لما كانت تشعر بهذا الإحباط الآن. كلما حاولت تهدئة نفسها، زاد لومها لنفسها لعدم العثور عليها عاجلًا.
“ستقابلين آريس قريبًا. هل ستبقين بهذا التعبير؟”
“هل الأمر بهذا السوء؟”
“نعم، أي شخص يمكنه أن يلاحظ أن هناك خطبًا ما.”
“…”
لم تكن كيرين متأكدة ما إذا كان عليها أن تكون ممتنة لصراحتها المعهودة أم لا.
***
“حقًا لا أستطيع التحكم في تعابير وجهي اليوم…”
ما زالت منزعجة من كلام رايلي، حاولت كيرين استخدام أصابعها لرفع زوايا فمها. لكنها كانت تعود للهبوط دون جهدٍ مستمر.
‘سيسأل آريس سيسأل ما الذي حدث.’
كان عليها أن تتدرب على الابتسامة الطبيعية قبل ذلك، لكنه كان أمرًا محبطًا ألا تتمكن من تحقيق ذلك.
رغم رغبتها في التدرب أكثر، إلا أن التفكير في آريس وهو ينتظرها جعل خطواتها تسرع.
“آريس.”
حالما رأت آريس، الذي كان قد وصل بالفعل إلى ساحة التدريب، ركضت نحوه بينما كانت تحاول رفع زوايا فمها بصعوبة.
“آريس.”
“….”
“آريس؟”
بعد مناداته عدة مرات دون رد، نقرت كيرين على كتفه.
فقط عندها استدار آريس مندهشًا، وأخيرًا لاحظ وجودها.
“أوه؟ آه، أنتِ هنا؟”
“نعم.”
عندما جلست بجانبه، بدا أن هناك شيئًا غير طبيعيٍّ في تعابيره.
“هل حدث شيء؟”
“همم؟ لا.”
“…؟”
بالنسبة لشخصٍ يدّعي أن كلّ شيءٍ على ما يرام، بدت عينا آريس حزينتين للغاية. أوحى الاحمرار تحت عينيه بأنه كان يبكي.
“لا تخبرني أنكَ كنتَ تبكي؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "101"