“لماذا يظهر أمير دوقية زادكار في أحلامي…؟”
رمشت إينيشا بعينيها بشكل متكرر ورأسها في حالة ذهول
أصبح الوجه الضبابي أكثر وضوحًا قليلًا، ولكن كان هناك شيءٌ غريبٌ
كاهيل الذي عرفته إينيشا كان ذو شعرٍ و عينين زرقاوين غامقين، لكن الصبي أمامها كان شعره رماديًا فضيًا وعينيه رماديتين زرقاوين باهتتين كان لونه شاحبًا، وكأنه سيتحطم مثل رقاقات الثلج في أي لحظة
و بينما كانت تتساءل هل هذا كاهيل أم لا أمال الصبي رأسه بهدوء نحو إينيشا
“هل تذكرينني؟”
أغلقت إينيشا عينيها ببطء ثم فتحتهما لقد كانت رقاقات الثلج تتساقط من السماء منذ ذلك الحين
“ماذا؟”
وبينما كانت تنظر إليه بلغة غير معروفة، كان الصبي يتحدث ببطء
“…كنت خائف من أنك قد نسيتني”
مدت إينيشا يدها دون وعي، وشعرت وكأن الصبي الذي تكلم بهذه الكلمات كان على وشك الانهيار
اتسعت عينا الصبي قليلًا وهو يضع يده على خده كان الصبي، الذي بدا تمامًا مثل ندفة الثلج البيضاء، شفافًا
مسحته ببطء لترى إن كان حيًا، فسقط الصبي على الأرض منهارًا كما لو كان قد انكسر
“……!”
التصق الماء الأحمر على وجه الصبي الشاحب لم يتمكن الصبي من قول أي شيء، فقط فتح فمه وحاول التلفظ بشيء ما
ولكن قبل أن يُسمع الصوت، اختفى الصبي… واستيقظت إينيشا من حلمها
عندما فتحت عينيها، كانت غرفة النوم لا تزال كما هي النوافذ المغلقة بإحكام مغطاة بستائر سميكة، تمنع حتى نسيمًا خفيفًا من الدخول الداخل كان مظلمًا، هادئًا، وموحشًا
“ما هذا الحلم الغريب؟!”
مدت إينيشا يدها لسحب البطانية فوقها مرة أخرى، لكنها شعرت بشيء بارد
“……؟”
“مثل حلم عابر…”
في البداية، لم يكن هناك سوى الثلج والجليد أثناء تجواله في القارة، التقى زادكار بالذئب الفضي في التندرا الشمالية، وأصبحا صديقين
لكن في أرضٍ حيث كل شيء متجمد، لا يستطيع الضعيف الهروب من الموت
تحت السهام والسيوف، سكب الذئب الفضي دمًا أحمر
وبينما كان زادكار يذرف دموعًا وهو يعانق صديقه الميت، ظهر كائن ذو قوى غامضة في شكل ذئبٍ فضي
“مَن أنت؟”
فأجاب: “أنا مصدر الثلج والجليد”
توسّل زادكار للقوى الغامضه مراراً و تكراراً
“أرجوك… أعطني قطعة أرض لدفن صديقي”
توقفت العاصفة الثلجية، وارتفعت الأرض من الجليد، مما أدى إلى إنشاء أرض غير متجمدة
حفر في الأرض المذابّة لصنع قبرٍ لصديقه، لكن لم يكن شيءٌ قادرًا على إزالة حزنه
وتوسّل زادكار مرة أخرى
“أعطني القوة لمعاقبة أولئك الذين قتلوا صديقي”
سُيطر على قلب زادكار، فتحوّل حزنه إلى غضبٍ بارد
أصبح زادكار سيد الأراضي المتجمدة، وكانت أرضه غارقةً بدماء أعدائه
كانت راية الملك الجديد تحمل صورة ذئبٍ فضي
كانت دوقية زادكار دولةً تأسست في الأراضي المتجمدة الشمالية
يحتوي دم زادكار على أرواح الثلج والجليد، وقد استخدم أحفاده هذه القوة لقرونٍ ليحكموا
ومع ذلك، لم تكن سوى أسطورةٍ ظهرت في كتب التاريخ القديمة وفي تلك الأيام، حتى الحديث عن الأرواح كان يُعامل بسخرية
غادرت أرواح الثلج والجليد زادكار منذ فترة طويلة
لم يعد أحفاده يعرفون شيئًا عن هذه الأرواح أو كيفية التحكم بقوتها
وكاهيل زادكار… الوريث الشرعي الوحيد للملك الحالي، والذي سيصبح الملك القادم
لكن بعد وفاة الملكة، لم يُعامل الصبي الصغير كأمير، بل نُبذ ولم يلقَ تعاطفًا
حتى كاهيل، الذي كان في حالة بؤس، لم يهتم بالأرواح القديمة لأنهم كانوا يائساً من أجل البقاء
عندما التقى كاهيل بالسيدة كارثينا للمرة الأولى، تذكّر بوضوح ما همست به له
“لا تكن جشعًا لأي شيء”
لم يفهم كاهيل الصغير معنى كلماتها، لكن غريزته أخبرته أنها خطيرة.. مُخيفة ومرعبة
أومأ كاهيل برأسه بإذعان ابتسمت بشفتين حمراوتين عند رؤية ردّ فعله
“نعم، يا كاهيل إذا تذكرت ذلك، سنكون على وفاق”
تحت حماية الدوق، مارست السيدة كارثينيا سلطتها بجشعٍ لا حدود له و حتى الملك أحب طموحها
كان له وللسيدة كارثينيا ابنٌ وابنة، رغم أنها لم تصبح ملكةً رسمية إلا أنها سيطرت على القصر بدلًا من الملك المريض أما الأمير العاجز، ابن الملكة الراحلة، فلم يكن سوى دميةٍ تلعب بها بينما تستريح في راحة كفّها
أصبح منصب كاهيل في القصر ضيقًا فأضيق، حتى صار لا يختلف عن منصب الخادم
“……”
جلس كاهيل في صمت، بينما سقطت البطانية القديمة من سريره الضيق فجأةً، دقّ جرسٌ في أذنيه
قفز كاهيل من السرير ونظر من النافذة السحب الداكنة تزحف عبر السماء…
في زدكار حيث يتساقط الثلج بلا توقف طوال اليوم يختبئ الجميع في منازلهم الدافئة هربًا من العاصفة
وضعوا كل أعمالهم جانبًا، وجلسوا حول المدفأة يحدّثون عائلاتهم، بانتظار توقف الثلج
حتى قصر زادكار كان غارقًا في صمتٍ مطبق
كاهيل، الذي كان يراقب النافذة، التفت فجأة
“عليّ إحضار طعامٍ سريع قبل أن تزداد العاصفة”
كان معتادًا على فعل كل شيء بنفسه…
بعد مرض والده واستيلاء السيدة كارثينيا على القصر، لم يهتم أحدٌ بكاهيل رغم أنهم همسوا خلف ظهره ”إنه ساحر الشمال”
لم يكن أمامه خيار سوى طاعة أوامرها
عائلة الملكة الراحلة كانت ضعيفة، وابنها الوحيد عاجزٌ، الذي لم يكن سوى اسمٍ بلا سلطة بينما كانت السيدة كارثينيا هي الحاكمة الحقيقية
ارتدى كاهيل أثقل ملابسه وخرج اخترقت الرياح ملابسه كالسكاكين يُقال إن قوة الارواح هي روح الثلج والجليد التي تنفخ أنفاسها فتُحيل العالم أبيض
أسرع كاهيل في خطواته، متذكرًا قصةً قديمة رواها له شخصٌ نسيه الجميع…
مرَّ الخدم بسرعة وسط العاصفة الثلجية، متجاهلين الصبي الهزيل الواقف في الزاوية حتى عندما التقت عيونهم به، أداروا رؤوسهم بعيداً بتظاهر واضح
في المطبخ، استمر التجاهل المتعمد اضطر كاهيل إلى البحث عن طعامه بنفسه بين الناس الذي عاملوه كالظل وفي الخارج، حجبت السحب الكثيفة الشمس تماماً، بينما أخذت الأضواء في القصر بالانتشار واحدة تلو الأخرى
رغم كل المصابيح الدافئة المنتشرة، لم يجد كاهيل مكاناً له وعندما غمره شعور الوحدة المعتاد، اتجه نحو برجه المنعزل
بينما كان يسير ممسكاً بسلة طعامه، لاحظ شيئاً أبيض وسط الثلج عند الاقتراب، اكتشف جرواً صغيراً شبه متجمد، أبيض كالثلج النقي
“إنه… لا يزال حياً!”
أسرع كاهيل بحماس غير معهود، أنقذ الجرو من الثلوج وعاد به إلى القصر الفارغ عند وضعه بجانب المدفأة، عادت الحياة للجرو الصغير ذو الفراء الناعم والعيون السوداء اللامعة
“يبدو كالذئب الفضي…”
همس كاهيل، محدقاً في المخلوق الصغير الذي يحدق به بدوره
منذ زمن لا يتذكره، عاش كاهيل في عزلة قاسية
“لا تشتهِ شيئاً، فلن يكون لك شيء”
كانت هذه العبارة التي رددتها السيدة كارثينيا في أذنيه مراراً
لكن… هل من الخطأ أن يهتم بجرو صغير؟
قدم له جزءاً من طعامه، رغم أنه بالكاد يكفيه وعندما هز الجرو النشيط ذيله تجاهه، شعر كاهيل للمرة الأولى أن قصره الفارغ أصبح له معنى
في اللحظة التي عانقه فيها الجرو بفرائه الدافئ، أدرك كاهيل المشاعر التي كان يقمعها طويلاً
رغم كل تظاهره بالصلابة، ظل كاهيل طفلاً في العمق وكان وجود هذا الصديق الصغير هو المنقذ الوحيد من برودة عالمه
في أحد الأيام، بعد انتهاء العاصفة اختفى الجرو فجأة بحث كاهيل يائساً عبر الثلوج، غير مبالٍ بألم قدميه المجمدتين أو بلسعات الرياح القارصة
عندما ضربته الرياح بعنف، سقط على ركبتيه….
في الساعة 1:23 صباحاً، وبعينين مشوشتين من البكاء، اتخذ كاهيل قراره الأخير توجه إلى المكان الذي كان يأمل ألا يضطر لزيارته أبداً جناح السيدة كارثينيا
وجدها تتناول الشاي في الدفيئة الزجاجية، وكأنها تنتظرهولم تبدو مندهشة على الإطلاق عندما ظهر على عتبتها، بل نظرت إليه كما لو كانت تعرف أن هذا اليوم سيأتي
“أكسيون…”
همس كاهيل وهو يحدق في أخيه غير الشقيق الذي وقف بجانبها، نسخة طبق الأصل من أمه في المكر والقسوة!
انطلق الجرو مسرعاً نحو كاهيل، لكنه تعثر فجأة وكأن قوة خفية ركلته تدحرج على الأرض بصوت أليم
سقط كاهيل على ركبتيه أمام كارثينيا
“أرجوك… سامحيني الجرو لم يفعل شيئاً! الخطأ خطأي أنا!”
كانت كلماته مشوشة، تخرج بلا وعي نظرت كارثينا إليه بشفقة مزيفة
“يا إلهي… كاهيل”
لحظة ظن فيها أن هناك أملًا… حتى هزت رأسها ببطء
“المشكلة ليست في الجرو…”
لوَّحت كارثينيا بيدها برشاقة وفي لمح البصر، سحب الفارس سيفه ببرودة
كل شيء تحرك وكأنه في كابوس بطيء…
اللمعة المعدنية للسيف الطويل الجسد الأبيض الصغير ينشق نصفين الدم القرمزي يغمر الفراء الناصع كاهيل كان مشلولاً لم يستطع حتى الصراخ
فقط عندما تناثرت قطرات الدم على العشب، انطلق منه صوت مكتوم أشبه بأنين حيوان جريح
أسرع لاحتضانه، لكن الدفء بين ذراعيه تحول إلى برودة قاتلة…
“……لماذا؟”
كان السؤال يخرق صمته الطويل نظر إلى كارثينا بعينين فارغتين
“لقد تخلّيت عن كل شيء… عشت كالشبح الذي تريدينه لم أطمع في عرش، ولا الثروة…”
ابتسمت له بتلك الابتسامة الجميلة المزيفة
“ألم أقل لك؟ لا تكن جشعاً… حتى في مشاعرك”
كلماتها الأخيرة همست بها كالسم
“لا تشتهِ شيئاً، فلا شيء لك”
ترجمة| 𝐥𝐚𝐥𝐢𝐭𝐚🦋
التعليقات لهذا الفصل " 26"