استمتعوا
“هل انتِ متحمسة، انستي الصغيرة؟”
“بييب!”
“إنها فقاعات الصابون!”
“بييب بييب!”
كنتُ آنذاك في نعيمٍ غامِر، وكأن كل التعب الذي تراكم في يومي الطويل يذوب ويزول.
فقاعات الصابون، تسبح برفق في الهواء فوق حوضٍ مملوء بالرغوة.
“بييييييب…”
لقد كان هذا الجَنّة بعينها. بسطتُ جناحيّ على وسعهما.
حين عدتُ من الغابة، شعرتُ بأوّل طعمٍ للفرح الخالص.
ذلك لأن غرفتي قد تزيّنت.
كنتُ أظن الغرفة الأصلية فاخرة بما يكفي، لكن روزاريا أصرت على أنها ليست كذلك.
لم افهمها في البداية، لكن بعدما رأيت الحجرة بعد تجديدها، اقتنعت في الحال وعلى الفور.
كانت الحجرة من الجمال بحيث بدت كأنها ولدت من جديد، تماما مثلي.
ستارة حريرية بيضاء ترفرف عند النافذة، وبجانبها سرير فسيح يبدو وثيرا للغايه من اول نظرة.
استبدلت السجادة على الارض بمادة ناعمة بيضاء، بل وكانت هناك مائدة عليها مزهريّة وأريكة.
وكأن هذا لم يكن كافيًا ليبهر الألباب…
“ها قد عدنا من جديد يا انستي الصغيرة!”
“بييييييييب!”
حين نفخت روزاريا بقوة، طفت في الهواء فقاعات صابون ذات الوان قوسية.
‘سألتقط واحدة هذه المرة حتما.’
مثل مفترس رشيق يترصد فريسته، حبستُ أنفاسي وراقبت الفقاعات
كانت في الحقيقة اول مرة ارى فيها فقاعات الصابون.
في البداية، لم اعلم ما هذه الكرات المستديرة الطافية في السماء، فخفت وانشغلت بتجنبها…
لكنني، قبل ان اشعر، صرت ابذل كل جهدي لالتقاط واحدة.
تطفو، تطفو.
“بييب!”
حافظت على مسافة معقولة لالتقاط فقاعة معلقة في الفضاء.
ثم، منتظرة اللحظة المواتية، خفقت بجناحيّ.
“بييييييب!”
بعد تكرار ذلك عدة مرات، وحين شعرت ان قوتي تنضب، اعلنت روزاريا نهاية اللعبة.
“لننتوقف هنا يا انستي الصغيرة. لقد استغرقنا وقتا اطول مما ينبغي.”
“بييب، بييييييب! بييب!”
‘كلا! لم التقط واحدة كما ينبغي بعد! ألا يمكننا ان نفعلها مرة اخرى فحسب؟’
قاومت، متشبثة بمكاني في المغطس وهازّة راسي.
عندها، لعبت روزاريا ورقتها الرابحة.
“الست متلهفة للاستلقاء في سريرك الجديد يا انستي الصغيرة؟”
“…بييب؟”
“سيكون دافئا بشكل رائع. بل يمكنك القفز فيه ايضا.”
الكلمات المغرية جعلت القوة تتسرب من جناحيّ.
سرير دافئ.
اذا كانت السلة مريحة الى هذا الحد، فكيف سيكون دفء السرير؟
استرخت تماما من العضلات التي كنت استخدمها للمقاومة.
حين خرجت من الحمام طوعا، لفتني روزاريا بمنشفة وحملتني الى الخارج.
ثم جاءت اللحظة التي كنت اتراقبها بلهفة—لامس جسدي السرير.
“بييب!”
‘انه ناعم للغايه.’
“بييييييب…!”
مع اللمسة الرقيقة ليديها وهي تجفف ريشي، اثقلت اجفاني.
قررت ان اسلم جسدي للرؤية المعتمة.
“…بييييييب…, بييب…”
“يا للعجب، انستي الصغيرة؟”
“…بييب…”
الراحة الفاخرة، المختلفة تماما عن السلة، ارسلتني مباشرة الى سبات عميق.
***
بعد الرحلة الى الغابة، تابعت ايام هانئة للغايه.
نموت بثبات، وكبر جسدي قليلا.
كان الفرق ضئيلا، لكن من عاداتي اليومية هذه الايام النظر في المرآة.
“بييييييب.”
“انستي الصغيرة، ذيلك قد طال قليلا!”
“بييب!”
درت امام المرآة، محاولة رؤية ذيلي الذي يصعب النظر اليه جيدا.
ذيلي الذي كان قصيرا مكتنز بدأ يتخذ شكلا لائقا.
في البداية، وجدت الذيل مزعج لانه كان يعترض طريقي دائما حين اجلس.
لكنني غيرت رأيي حين احضرت روزاريا مرآة اخرى وحرفتها لأتمكن من رؤية ذيلي.
‘انه… انه جميل، اليس كذلك؟’
حقا احببت ذيلي.
بدى بعض الشيء كقرن ينبت من مؤخرتي، لكنها قالت انه مع نموي، سيصبح طويلا وناعما كذيل البالغين.
‘عندها سيكون اجمل، اليس كذلك؟’
“خطواتك أصبحت اكثر ثباتا في الاونة الاخيرة!”
“بييب!”
ظننت ان الذيل يساعدني على حفظ توازني.
خطواتي المترنحة أصبحت اكثر ثباتا يوما بعد يوم.
بل أصبحت استطيع الركض، وان لمسافات قصيرة. رغم انني ما زلت اسقط احيانا.
درت في دوائر، محاولة رؤية ذيلي.
“بييب بييب! بييب!”
“كيوك.”
“بييب؟”
وكلما فعلت ذلك، تكاثرت الايام التي تمسك فيها روزاريا قلبها.
تمايلت لاطمئن على روزاريا التي انحنت ورأسها منكّس.
“لـ، لا. يجب ان اهدئ نفسي. قد اؤذي انستي الصغيرة.”
“بييب بييب بييب بييب.”
“هووو.”
“بييب بييب بييب بييب!”
ناديت روزاريا التي كانت تتمتم بما يشبه كلام الاشرار.
لم استطع ان نادها بالكلمات بعد، لكن حين كنت ازقزق هكذا، كانت تعلم انني اناديها.
“نعم يا انستي الصغيرة. اتريدين وجبة خفيفة؟”
“بييب.”
كأن شيئا لم يكن، استعادت روزاريا رباطة جأشها وعادت الى طبيعتها المعتادة.
اخذت وجبات خفيفة من وعاء صغير ووضعتها في فمي واحدة تلو الاخرى.
‘لذيذ!’
هز ذيلي من تلقاء نفسه.
ما من شيء افضل من الذيل للتعبير عن المشاعر.
بينما كنت اعبر عن فرحي بالتمايل يمينا ويسارا، ابتسمت روزاريا برضا.
“أنت في مرحلة النمو، لذا يجب أن تأكلي كثيرًا لتكبري قويةً وسليمة.”
“بييب.”
“مؤخرا، العناية بكِ أصبحت اكثر الامور اثمارا في حياتي. انا سعيدة جدا.”
ابتلعت الوجبة على دفعة واحدة وفتحت فمي.
وضعت روزاريا وجبة خفيفة اخرى كأنها كانت تنتظر.
كل يوم كان سعيدا للغايه، حتى تساءلت ان كان كل هذا حلما.
“بييييييب!”
‘اتمنى لو يكون كل يوم مثل اليوم. استندت الى وسادة ومددت قدميّ.’
‘لكنني لا استطيع ان اعيش هكذا الى الابد، اليس كذلك؟ حين اصبح بالغة، سيتوجب علي مغادرة المنزل.’
‘لا، هل سأتمكن حتى من البقاء هنا حتى اصبح بالغة؟’
قد يغير مالك المنزل رأيه ويأمرني بالمغادرة قبل ذلك.
لأن مالك المنزل لا يبدو انه يحبني.
التفكير في مستقبل قد اطرد فيه في اية لحظة جعلني فجاة اشعر بالكآبة.
كان المكان هانئا للغايه، لكنني لم اكن اعلم شيئا عن العالم الخارجي.
“بييييييب…”
تنهدت. حين رات هذا، خاطبتني روزاريا.
“انستي الصغيرة، هل يقلقكِ شيء؟”
“بييب بييب بييب بييب.”
“المعذرة؟”
روزاريا، التي كانت تزيل وعاء الوجبات الخفيفة الفارغ، وسعت عينيها. هززت راسي بضعف.
‘كلا. حين اصبح فرخة بالغة، يجب ان افعل الامور بنفسي.’
‘لكن العالم قاس للغايه على ان تنجو منه فرخة صغيرة!’
اضافة الى ذلك، كنت اعتاد تماما على رعاية روزاريا.
‘ماذا سأفعل حين اكون وحيدة لاحقا؟’
‘لا اريد ان اكون وحيدة مجددا.’
بينما كنت افرغ همومي بشان المستقبل واحدة تلو الاخرى، تدلى ذيلي نحو الاسفل.
“هل يقلقكِ شيء؟”
“بييييييب.”
هززت راسي، كأنني اقول انه لا شيء.
“لكن ذيلكِ متدلي، اتعلمين؟”
“بييب بييب.”
‘حقا لا شيء.’
رمشت رُوزاريا، تبدو متحيرة كأنها لم تفهم.
بعد أن جلست خاملةً بعض الوقت، دفعت نفسي إلى الأعلى مع زمجرة.
‘لا يمكنني ان اظل كئيبة هكذا!’
“بييب!”
‘اولا، لنبحث عن شيء استطيع فعله.’
حين استجمعت اخيرا بعض الطاقة، شعرت ان ذيلي انتصب مجددا.
‘مهما نظرت الى الامر، هذا مذهل.’
لغز الذيل.
كان لدي ذيل في حياتي السابقة، لكنه لم يستجب قط بهذا الاخلاص لتغيرات مشاعري.
او ربما كان ذيلي فقط مخلصا جدا لمشاعري، لكن لم يكن هناك سبب يجعله يتفاعل بهذه القوة.
تدلى.
تدلى ذيلي مجددا. التفكير في حياتي السابقة افسد مزاجي مجددا.
هززت راسي بقوة لا بعد الافكار غير الضرورية.
“بييب!”
‘كلا. لم اعُد من كنته.’
ربت على خديّ بكلا جناحيّ.
‘حسنا. قبل ان اصبح بالغة، سأبني قوة كافية لاعيش خارج القصر!’
“بييب. بييب!”
شوش.
انتصب ذيلي بشكل مستقيم تماما.
تمايلت، تمايلت.
مشيت نحو وعاء الماء بجانب وعاء الوجبات الخفيفة وغمسّت منقاري فيه.
‘منعش!’
بعد الشرب، مسحت منقاري المبتل بجناحي.
في ذلك الوقت، لم اكن اعلم على الاطلاق.
لم اعلم كيف بدت روزاريا قلقة وهي تراقبني، وحالتي تتغير من ثانية الى اخرى.
ولا علمت اي نوع من سوء الفهم سيؤدي اليه هذا.
لو كنت اعلم فحسب، لكنت حاولت يائسة ان اوقفها، ان اخبرها ان الامر ليس كذلك البتة.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 6"