4
استمتعوا
في اليوم التالي، ظهرت وهي تحمل دميةً أكبر من حجمي بقليل.
كانت دميةً أفعى ملوّنةً.
لا يمكن… مستحيل.
“انظري، ايتها الصغيره. هذه هي فريستكِ.”
“بيب؟”
حتى وإن كانت مجرّد دميةٍ…
فهي لا تزال أفعى، مهما نظرتُ إليها.
أتُراها تظنّ أنني قادرةٌ على صيد أفعى؟
ثمّ إنني لستُ من الجوارح، أستطيع العيش على الفاكهة والبذور فحسب.
أليست الأفعى من نوع روزاريا أصلًا؟
تملّكني الارتباك.
كان في الأمر من التناقض ما يثير الريبة، لكن روزاريا لم تُبدِ أدنى قلق.
“سأضع قليلًا من الفيرومون الخاص بي هنا.”
“بيب.”
“ارجوكِ تذكّري هذا الإحساس.”
قرّبت روزاريا معصمها مني، لأتعرّف على رائحة الفيرومون.
لم تكن رائحتها قويّة مثل السيد، لكنها كانت تحمل خطرًا يكفي ليجعل الهواء من حولي متوتّرًا.
شعرتُ وكأنّ أنيابًا خفيّة قد تغرس في عنقي في أيّ لحظة.
لكنّ الغريب أنّي لم أشعر بأنها تهديدٌ موجّهٌ نحوي مباشرةً.
ما هذا الشعور؟
أملتُ رأسي بتعجّب، وكأنني أعرف تلك الرائحة من قبل، وإن كانت مختلفةً قليلًا.
هل أتوهّم؟
“بيب!”
“كما توقّعتُ، صغيرتنا ذكيّة جدًّا. والآن بعد أن حفظتِها، سأُخفي الدمية.”
“بيب!”
أومأتُ برأسي.
لم أكن واثقةً من قدرتي على العثور عليها لمجرّد أنّها خبّأتها، لكن لم أستطع رفض طلبها وهي تبذل كلّ هذا الجهد.
مرّ وقتٌ طويل قبل أن تعود روزاريا.
“أعتذر ايتها الصغيره، استغرق الأمر بعض الوقت لأجد مكانًا مناسبًا.”
أترى، أكانت قد أخفتها بعيدًا جدًّا؟
“فلنذهب ونبحث عنها إذًا؟”
“بيب!”
“حاولي أن تشعري برائحة الفيرومون ببطء. يجب أن تتقني ذلك لتستطيعي التحوّل إلى هيئةٍ بشريّةٍ بسهولةٍ لاحقًا.”
“بيب!”
هيئةٌ بشريّة!
قفزت أذناي انتباهًا، وتركيزي تهيّأ تمامًا.
أين أخفتها يا تُرى؟
إن كانت بعيدة، فلن أستطيع العثور عليها.
“بيب!”
شعرتُ بخيطٍ خافتٍ من الفيرومون يطفو على نسيمٍ لطيف، فرفعت رأسي فجأة.
بدأت قدماي الصغيرتان تتحرّكان بعزمٍ واضح.
أظنّها في مكانٍ قريبٍ من هنا.
نظرتُ خلفي أثناء سيري، ولحسن الحظ كانت روزاريا تتبعني بخطًى هادئة.
شعرتُ بالطمأنينة، فأسرعتُ أكثر.
كم من الوقت مضى ونحن نسير؟
“بيييب!”
بين الشجيرات، لمحتُ الدمية الملوّنة.
وجدتُها!
بسطتُ جناحيّ الصغيرين على اتساعهما، وانقضضتُ على الدمية بمنقاري في حركةٍ خاطفة.
خذي هذا! وهذا! وهذا!
سوش! سوش! سوش!
في الحقيقة، لم أكن أعلم إن كنتُ أفعل الصواب.
لكنّني استدعيتُ مشهدًا عالقًا في ذاكرتي من قبل، وغرزتُ منقاري في عنق الدمية مرارًا.
تشبّثتُ بها، ألوّح بجسدي يمينًا ويسارًا وأنا أضربها بجنون، حتى سمعتُ فجأة صوت تصفيقٍ مرحٍ يملأ المكان.
تصفيق! تصفيق! تصفيق!
“بيب؟”
والدمية لا تزال بين منقاري، أملتُ رأسي نحو مصدر الصوت.
هناك، كان سيّد المنزل واقفًا إلى جوار باوون، يراقبانني باهتمامٍ شديد.
كان باوون يصفّق بإفراطٍ مضحك، وشفاهه ترتجف كمن يحبس ضحكته بصعوبة.
“يا للعجب… ها!”
“…”
“صيدٌ شرسٌ بحقّ، لا مزاح فيه.”
“…”
“مرعبٌ لدرجةٍ تكادُ ركبتي لا تحملاني.”
أسقطتُ الدمية من منقاري على الفور.
ماذا أفعل الآن؟ إنّه سيّد المنزل!
ليت روزاريا تأتي وتنقذني سريعًا.
كنتُ متأكّدةً أنّها كانت تتبعني… فأين ذهبت؟
كان سيّد المنزل لا يزال ينظر إليّ بعينين يصعب قراءة ما فيهما.
يبدو كأنّ في داخله شيئًا من الفضول.
يا تُرى، ما الذي وجده مثيرًا للاهتمام إلى هذا الحد؟
ثمّ ناداني سيّد المنزل بصوتٍ هادئٍ، وهو يراقبني من بضع خطواتٍ بعيدًا.
“أنتِ.”
“بيب؟”
“عيناكِ حمراوان.”
“…بيب؟”
وماذا في ذلك؟
لم يستطع سيّد المنزل أن يُبعد ناظريه عنّي.
كانت عيناه الحمراوان تمسحانني من رأسي حتى قدمي، وقد امتلأتا بالدهشة.
“هل يُعقل هذا يا باوون؟”
“يبدو أنّه كذلك، هذه أوّل مرّةٍ أشهد فيها أمرًا كهذا بنفسي.”
رفع باوُن نظّارته ذات الإطار الفضيّ، وزفر إعجابًا خافتًا.
كانت عيناه الحادّتان، المخبّأتان خلف العدسات، تتابعانني بثباتٍ حذر.
ولأنّي لم أرَ ذلك الوجه الحذر منه من قبل، شعرتُ بالقلق وناديتُ بخفّةٍ مضطربة.
“بيب بيب؟”
“يبدو أنّ هذه الأمور تحدث فعلًا. كنتُ أسمع عنها، لكن لم أتخيّل قطّ أن أراها بعيني.”
“أن يرث طائرٌ كلَّ هذا… يا للعجب.”
اجتاحت نظرةُ سيّد المنزل الباردة جسدي، قبل أن تتحوّل نحو الدمية الملوّنة التي كانت على شكل أفعى.
“تلك رائحة فيرومون روزاريا.”
“يبدو أنّ روزاريا كانت تُدرّبها على الصيد.”
“تُدرّبها على الصيد؟”
“حين يكونون صغارًا، يجب تعليمهم كلَّ شيءٍ خطوةً بخطوة.”
“لكنّ عائلتنا ليست بحاجةٍ إلى تلك الأمور.”
“غير أنّ الصغيرةَ تختلف، أليس كذلك؟”
“يا للمتاعب.”
وانتهى الحديث ببساطةٍ عند قوله. “يا للمتاعب.”
كانت نبرة الحديث عاديّةً، خفّفت توتّر الجوّ، غير أنّ قلبي ازداد ثِقلاً.
يا للسماء!
الآن لم يكتفِ سيّد المنزل بعدم حبّي، بل وجدني مزعجةً أيضًا.
تراجعتُ خطوةً إلى الوراء أبحث بعينيّ في الأرجاء.
أين ذهبت روزاريا؟
ماذا لو أمسك بي وطردني؟ كلمةٌ واحدةٌ منه تكفي لإنهاء كلّ شيء.
كنتُ أضرب الأرض بقدميّ قلقًا حين لوّح باوون بيده في تحيّةٍ خفيفةٍ وقال ببساطة.
“لقد مرّ وقتٌ طويل، وفي غيابنا القصير…”
“…”
“أنتَ لم تكبري على الإطلاق.”
أليس من المفترض أن يُجاملك الناس فيقولون إنّك كبرتَ، ولو كذبًا؟
رمقتُه بنظرةٍ غاضبةٍ دون قصد، فابتسم باوون ابتسامةً وديعةً، وكأنّه توقّع ردّي سلفًا، ثمّ واصل كلامه بلا مبالاة.
“تبدين وكأنّك تبحثين عن روزاريا.”
“…بيب.”
أومأتُ على مضض. لم يكن ذلك لأنّ كلماته عن ‘عدم نموي’ آلمتني… بالطبع لا.
“على الأرجح أنّها تراقب من قريب، فهكذا تكون عادةُ التدريب أثناء الصيد.”
إذن، كانت تراقبني وأنا أواجه سيّد المنزل؟
يبدو أنّ روزاريا لم تكن تنوي الظهور أصلًا.
تأمّلتُ كيف أخرج من هذا الموقف، ثمّ جمعتُ شجاعتي ووقفتُ أمام سيّد المنزل بثبات.
ارتفع حاجباه دهشةً من فعلي المفاجئ.
“بيب.”
دفعتُ نحوه الدميةَ الملوّنة التي كنتُ قد أمسكتها قبل قليل.
“هوه؟”
“ما هذا؟”
عقد سيّد المنزل حاجبيه استغرابًا.
يا إلهي، لا يبدو أنّه أعجبه الأمر… لكن هذا كلّ ما أملك لأقدّمه له.
“يبدو أنّها تهديكَ صيدَها.”
“ماذا؟”
“أظنّها تُقدّم لك هديّة.”
“بيب!”
غرّدتُ بسرعةٍ مؤيّدةً كلامه، ودَفعتُ الدمية بجناحي بخفّةٍ كأنّي أقول. خذها، خذها!
غدت ملامح السيّد غريبةً متردّدة.
صحيح أنّ الدمية متّسخة قليلًا، لكن بعض الغبار لا يضرّ!
“بيييب!”
“يبدو أنّها تُصرّ على أن تأخذها.”
“هاه…”
أومأتُ ثانيةً، فازدادت دهشة سيّد المنزل، كأنّه سمع أمرًا ما لا ينبغي له سماعه.
***
“ايتها الصغيرة!”
“بيب بيب بييب!”
كنتُ أجرّ قدميّ عائدةً بخيبةٍ حين سمعتُ صوت روزاريا من بعيد.
رفعتُ رأسي فورًا.
أين كنتِ؟ لقد بحثتُ عنكِ في كلّ مكان!
انفجر حزني المكتوم دفعةً واحدة، وأسرعتُ نحوها باكيةً دون تحكّمٍ في مشاعري، بينما ارتسمت على وجه روزاريا ابتسامةٌ حائرة.
يبدو أنّها لم تتوقّع أن تسوء الأمور هكذا.
جثت على ركبتيها ومدّت يدها نحوي، وعيناها مليئتان بالأسف.
“عزيزتي الصغيرة، هل أخفتكِ كثيرًا؟”
“بيب!”
“انظري إلى نفسك، غارقةٍ بالتراب!”
أوه، لا بدّ أنّي ركضتُ أكثر ممّا يجب.
ريشي الأبيض الذي كان نظيفًا في الصباح أصبح متسخًا ببقع التراب.
نفضت روزاريا الأوساخ بلطفٍ من جسدي، ثمّ نهضت وحملتني في كفّها الرحبة.
كان مكاني المعتاد، مريحًا ومألوفًا، فقد سافرتُ فيه مرات عديده.
وما إن جلستُ على راحَتها الصغيرة حتى قالت بأسفٍ حزين.
“أعتذر حقًّا ايتها الصغيرة، لم يكن هذا ما خطّطتُ له أبدًا. أن يظهر السيّد وباوون في ذلك المكان بالذات…”
“بيييب بيييب.”
ربّتُّ على يدها لأُطمئنها أن الأمر بخير.
كيف ألومها على مواجهةٍ لم تتسبّب بها؟ فسيّد المنزل إنما كان يتجوّل في قصره لا غير.
“على الأقل، لقد وجدتِ الدمية المخفيّة ببراعةٍ، أليس كذلك؟”
“بيب!”
نفختُ صدري فخرًا.
فقد نجحتُ، رغم صِغري وجهلي بتتبّع الفيرومونات، في العثور على الهدف من المحاولة الأولى دون أن أضلّ طريقي.
ابتسمت روزاريا بإعجابٍ، ثمّ عقدت حاجبيها قائلة.
“لكنّي لم أتوقّع أن يأخذ السيد الدمية فعلًا.”
ذلك ما أدهشني أيضًا.
بشكلٍ لا يُصدَّق، أخذ سيّد المنزل الدمية التي قدّمتُها له دون اعتراض.
كان وجهه غريبًا حينها، ظننتُه سيرفضها حتمًا، لكنّه قَبِلها بصمتٍ تام.
ولم ينبس بعدها بكلمةٍ واحدة.
كنتُ متوتّرةً للغاية، أترقّب أن يوبّخني على تجوالي الحرّ، كما فعل حين رآني في الردهة من قبل.
“لقد كانت حصة اليوم مثاليّة. وجدتِ الدمية، وتصرّفتِ في الموقف الحرج بامتياز.”
“بيييب!”
“حين نعود، سأمنحكِ حمّام فقاعات. لقد وجدتُ نوعًا يناسب صغيرتنا.”
فقاعات!
قفز قلبي فرحًا، ولم أستطع كبح جسدي عن الاهتزاز حماسًا.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter استمتعوا
في اليوم التالي، ظهرت وهي تحمل دميةً أكبر من حجمي بقليل.
كانت دميةً أفعى ملوّنةً.
لا يمكن… مستحيل.
“انظري، ايتها الصغيره. هذه هي فريستكِ.”
“بيب؟”
حتى وإن كانت مجرّد دميةٍ…
فهي لا تزال أفعى، مهما نظرتُ إليها.
أتُراها تظنّ أنني قادرةٌ على صيد أفعى؟
ثمّ إنني لستُ من الجوارح، أستطيع العيش على الفاكهة والبذور فحسب.
أليست الأفعى من نوع روزاريا أصلًا؟
تملّكني الارتباك.
كان في الأمر من التناقض ما يثير الريبة، لكن روزاريا لم تُبدِ أدنى قلق.
“سأضع قليلًا من الفيرومون الخاص بي هنا.”
“بيب.”
“ارجوكِ تذكّري هذا الإحساس.”
قرّبت روزاريا معصمها مني، لأتعرّف على رائحة الفيرومون.
لم تكن رائحتها قويّة مثل السيد، لكنها كانت تحمل خطرًا يكفي ليجعل الهواء من حولي متوتّرًا.
شعرتُ وكأنّ أنيابًا خفيّة قد تغرس في عنقي في أيّ لحظة.
لكنّ الغريب أنّي لم أشعر بأنها تهديدٌ موجّهٌ نحوي مباشرةً.
ما هذا الشعور؟
أملتُ رأسي بتعجّب، وكأنني أعرف تلك الرائحة من قبل، وإن كانت مختلفةً قليلًا.
هل أتوهّم؟
“بيب!”
“كما توقّعتُ، صغيرتنا ذكيّة جدًّا. والآن بعد أن حفظتِها، سأُخفي الدمية.”
“بيب!”
أومأتُ برأسي.
لم أكن واثقةً من قدرتي على العثور عليها لمجرّد أنّها خبّأتها، لكن لم أستطع رفض طلبها وهي تبذل كلّ هذا الجهد.
مرّ وقتٌ طويل قبل أن تعود روزاريا.
“أعتذر ايتها الصغيره، استغرق الأمر بعض الوقت لأجد مكانًا مناسبًا.”
أترى، أكانت قد أخفتها بعيدًا جدًّا؟
“فلنذهب ونبحث عنها إذًا؟”
“بيب!”
“حاولي أن تشعري برائحة الفيرومون ببطء. يجب أن تتقني ذلك لتستطيعي التحوّل إلى هيئةٍ بشريّةٍ بسهولةٍ لاحقًا.”
“بيب!”
هيئةٌ بشريّة!
قفزت أذناي انتباهًا، وتركيزي تهيّأ تمامًا.
أين أخفتها يا تُرى؟
إن كانت بعيدة، فلن أستطيع العثور عليها.
“بيب!”
شعرتُ بخيطٍ خافتٍ من الفيرومون يطفو على نسيمٍ لطيف، فرفعت رأسي فجأة.
بدأت قدماي الصغيرتان تتحرّكان بعزمٍ واضح.
أظنّها في مكانٍ قريبٍ من هنا.
نظرتُ خلفي أثناء سيري، ولحسن الحظ كانت روزاريا تتبعني بخطًى هادئة.
شعرتُ بالطمأنينة، فأسرعتُ أكثر.
كم من الوقت مضى ونحن نسير؟
“بيييب!”
بين الشجيرات، لمحتُ الدمية الملوّنة.
وجدتُها!
بسطتُ جناحيّ الصغيرين على اتساعهما، وانقضضتُ على الدمية بمنقاري في حركةٍ خاطفة.
خذي هذا! وهذا! وهذا!
سوش! سوش! سوش!
في الحقيقة، لم أكن أعلم إن كنتُ أفعل الصواب.
لكنّني استدعيتُ مشهدًا عالقًا في ذاكرتي من قبل، وغرزتُ منقاري في عنق الدمية مرارًا.
تشبّثتُ بها، ألوّح بجسدي يمينًا ويسارًا وأنا أضربها بجنون، حتى سمعتُ فجأة صوت تصفيقٍ مرحٍ يملأ المكان.
تصفيق! تصفيق! تصفيق!
“بيب؟”
والدمية لا تزال بين منقاري، أملتُ رأسي نحو مصدر الصوت.
هناك، كان سيّد المنزل واقفًا إلى جوار باوون، يراقبانني باهتمامٍ شديد.
كان باوون يصفّق بإفراطٍ مضحك، وشفاهه ترتجف كمن يحبس ضحكته بصعوبة.
“يا للعجب… ها!”
“…”
“صيدٌ شرسٌ بحقّ، لا مزاح فيه.”
“…”
“مرعبٌ لدرجةٍ تكادُ ركبتي لا تحملاني.”
أسقطتُ الدمية من منقاري على الفور.
ماذا أفعل الآن؟ إنّه سيّد المنزل!
ليت روزاريا تأتي وتنقذني سريعًا.
كنتُ متأكّدةً أنّها كانت تتبعني… فأين ذهبت؟
كان سيّد المنزل لا يزال ينظر إليّ بعينين يصعب قراءة ما فيهما.
يبدو كأنّ في داخله شيئًا من الفضول.
يا تُرى، ما الذي وجده مثيرًا للاهتمام إلى هذا الحد؟
ثمّ ناداني سيّد المنزل بصوتٍ هادئٍ، وهو يراقبني من بضع خطواتٍ بعيدًا.
“أنتِ.”
“بيب؟”
“عيناكِ حمراوان.”
“…بيب؟”
وماذا في ذلك؟
لم يستطع سيّد المنزل أن يُبعد ناظريه عنّي.
كانت عيناه الحمراوان تمسحانني من رأسي حتى قدمي، وقد امتلأتا بالدهشة.
“هل يُعقل هذا يا باوون؟”
“يبدو أنّه كذلك، هذه أوّل مرّةٍ أشهد فيها أمرًا كهذا بنفسي.”
رفع باوُن نظّارته ذات الإطار الفضيّ، وزفر إعجابًا خافتًا.
كانت عيناه الحادّتان، المخبّأتان خلف العدسات، تتابعانني بثباتٍ حذر.
ولأنّي لم أرَ ذلك الوجه الحذر منه من قبل، شعرتُ بالقلق وناديتُ بخفّةٍ مضطربة.
“بيب بيب؟”
“يبدو أنّ هذه الأمور تحدث فعلًا. كنتُ أسمع عنها، لكن لم أتخيّل قطّ أن أراها بعيني.”
“أن يرث طائرٌ كلَّ هذا… يا للعجب.”
اجتاحت نظرةُ سيّد المنزل الباردة جسدي، قبل أن تتحوّل نحو الدمية الملوّنة التي كانت على شكل أفعى.
“تلك رائحة فيرومون روزاريا.”
“يبدو أنّ روزاريا كانت تُدرّبها على الصيد.”
“تُدرّبها على الصيد؟”
“حين يكونون صغارًا، يجب تعليمهم كلَّ شيءٍ خطوةً بخطوة.”
“لكنّ عائلتنا ليست بحاجةٍ إلى تلك الأمور.”
“غير أنّ الصغيرةَ تختلف، أليس كذلك؟”
“يا للمتاعب.”
وانتهى الحديث ببساطةٍ عند قوله. “يا للمتاعب.”
كانت نبرة الحديث عاديّةً، خفّفت توتّر الجوّ، غير أنّ قلبي ازداد ثِقلاً.
يا للسماء!
الآن لم يكتفِ سيّد المنزل بعدم حبّي، بل وجدني مزعجةً أيضًا.
تراجعتُ خطوةً إلى الوراء أبحث بعينيّ في الأرجاء.
أين ذهبت روزاريا؟
ماذا لو أمسك بي وطردني؟ كلمةٌ واحدةٌ منه تكفي لإنهاء كلّ شيء.
كنتُ أضرب الأرض بقدميّ قلقًا حين لوّح باوون بيده في تحيّةٍ خفيفةٍ وقال ببساطة.
“لقد مرّ وقتٌ طويل، وفي غيابنا القصير…”
“…”
“أنتَ لم تكبري على الإطلاق.”
أليس من المفترض أن يُجاملك الناس فيقولون إنّك كبرتَ، ولو كذبًا؟
رمقتُه بنظرةٍ غاضبةٍ دون قصد، فابتسم باوون ابتسامةً وديعةً، وكأنّه توقّع ردّي سلفًا، ثمّ واصل كلامه بلا مبالاة.
“تبدين وكأنّك تبحثين عن روزاريا.”
“…بيب.”
أومأتُ على مضض. لم يكن ذلك لأنّ كلماته عن ‘عدم نموي’ آلمتني… بالطبع لا.
“على الأرجح أنّها تراقب من قريب، فهكذا تكون عادةُ التدريب أثناء الصيد.”
إذن، كانت تراقبني وأنا أواجه سيّد المنزل؟
يبدو أنّ روزاريا لم تكن تنوي الظهور أصلًا.
تأمّلتُ كيف أخرج من هذا الموقف، ثمّ جمعتُ شجاعتي ووقفتُ أمام سيّد المنزل بثبات.
ارتفع حاجباه دهشةً من فعلي المفاجئ.
“بيب.”
دفعتُ نحوه الدميةَ الملوّنة التي كنتُ قد أمسكتها قبل قليل.
“هوه؟”
“ما هذا؟”
عقد سيّد المنزل حاجبيه استغرابًا.
يا إلهي، لا يبدو أنّه أعجبه الأمر… لكن هذا كلّ ما أملك لأقدّمه له.
“يبدو أنّها تهديكَ صيدَها.”
“ماذا؟”
“أظنّها تُقدّم لك هديّة.”
“بيب!”
غرّدتُ بسرعةٍ مؤيّدةً كلامه، ودَفعتُ الدمية بجناحي بخفّةٍ كأنّي أقول. خذها، خذها!
غدت ملامح السيّد غريبةً متردّدة.
صحيح أنّ الدمية متّسخة قليلًا، لكن بعض الغبار لا يضرّ!
“بيييب!”
“يبدو أنّها تُصرّ على أن تأخذها.”
“هاه…”
أومأتُ ثانيةً، فازدادت دهشة سيّد المنزل، كأنّه سمع أمرًا ما لا ينبغي له سماعه.
***
“ايتها الصغيرة!”
“بيب بيب بييب!”
كنتُ أجرّ قدميّ عائدةً بخيبةٍ حين سمعتُ صوت روزاريا من بعيد.
رفعتُ رأسي فورًا.
أين كنتِ؟ لقد بحثتُ عنكِ في كلّ مكان!
انفجر حزني المكتوم دفعةً واحدة، وأسرعتُ نحوها باكيةً دون تحكّمٍ في مشاعري، بينما ارتسمت على وجه روزاريا ابتسامةٌ حائرة.
يبدو أنّها لم تتوقّع أن تسوء الأمور هكذا.
جثت على ركبتيها ومدّت يدها نحوي، وعيناها مليئتان بالأسف.
“عزيزتي الصغيرة، هل أخفتكِ كثيرًا؟”
“بيب!”
“انظري إلى نفسك، غارقةٍ بالتراب!”
أوه، لا بدّ أنّي ركضتُ أكثر ممّا يجب.
ريشي الأبيض الذي كان نظيفًا في الصباح أصبح متسخًا ببقع التراب.
نفضت روزاريا الأوساخ بلطفٍ من جسدي، ثمّ نهضت وحملتني في كفّها الرحبة.
كان مكاني المعتاد، مريحًا ومألوفًا، فقد سافرتُ فيه مرات عديده.
وما إن جلستُ على راحَتها الصغيرة حتى قالت بأسفٍ حزين.
“أعتذر حقًّا ايتها الصغيرة، لم يكن هذا ما خطّطتُ له أبدًا. أن يظهر السيّد وباوون في ذلك المكان بالذات…”
“بيييب بيييب.”
ربّتُّ على يدها لأُطمئنها أن الأمر بخير.
كيف ألومها على مواجهةٍ لم تتسبّب بها؟ فسيّد المنزل إنما كان يتجوّل في قصره لا غير.
“على الأقل، لقد وجدتِ الدمية المخفيّة ببراعةٍ، أليس كذلك؟”
“بيب!”
نفختُ صدري فخرًا.
فقد نجحتُ، رغم صِغري وجهلي بتتبّع الفيرومونات، في العثور على الهدف من المحاولة الأولى دون أن أضلّ طريقي.
ابتسمت روزاريا بإعجابٍ، ثمّ عقدت حاجبيها قائلة.
“لكنّي لم أتوقّع أن يأخذ السيد الدمية فعلًا.”
ذلك ما أدهشني أيضًا.
بشكلٍ لا يُصدَّق، أخذ سيّد المنزل الدمية التي قدّمتُها له دون اعتراض.
كان وجهه غريبًا حينها، ظننتُه سيرفضها حتمًا، لكنّه قَبِلها بصمتٍ تام.
ولم ينبس بعدها بكلمةٍ واحدة.
كنتُ متوتّرةً للغاية، أترقّب أن يوبّخني على تجوالي الحرّ، كما فعل حين رآني في الردهة من قبل.
“لقد كانت حصة اليوم مثاليّة. وجدتِ الدمية، وتصرّفتِ في الموقف الحرج بامتياز.”
“بيييب!”
“حين نعود، سأمنحكِ حمّام فقاعات. لقد وجدتُ نوعًا يناسب صغيرتنا.”
فقاعات!
قفز قلبي فرحًا، ولم أستطع كبح جسدي عن الاهتزاز حماسًا.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - الصيد الأول 2025-10-20
- 3 - شريطٌ ورديّ 2025-10-06
- 2 - ترحيب روزاريا 2025-10-06
- 1 - طائرٌ في عُشِّ الأفعى 2025-10-06
- 0 - المقدمة 2025-10-06
التعليقات لهذا الفصل " 4"