كان يبدو أن نامغونغ سويون اعتقدت أنّ كل الأسماء التي تناديني بها الخادمات الغاضبات هي اسمي الحقيقي.
بل ربما لم تكن تعرف أصلًا ما معنى كلمة “اسم”، فقط تردّد ما تسمعه.
وربما كل ما في الأمر أنها كانت تُكرر العبارة التي سمعتها من قبل أكثر من غيرها.
كانت أحيانًا، وهي جالسة تلعب، تتذكر تلك الكلمات وترددها كما هي:
“دوك أورّلي ( هل تريدين تلقي الضرب) ؟ فاتو-أي (أيتها الملعونة) ؟ دوك أورتول ألا! فاتو-أي (هل تريدين تلقي الضرب! أيتها الفاشلة؟).”
كانت تكررها دون أن تعرف معناها.
لو كان الأمر يتعلق بطفل آخر، لكان تعلم أولًا أن ينطق “أبي” و”أمي”، أو أن يطلب الطعام والماء.
لكن بالنسبة لها، لم يكن هناك داعٍ لتعلم مثل هذه الكلمات، إذ كان الطعام والماء يُقدمان لها في الوقت المناسب دائمًا. لذلك لم تقل شيئًا من هذا القبيل، بل اكتفت بترديد ما اعتادت سماعه.
عندها نقر التاي سانغ غاجو (الجد الأكبر، رب العائلة السابق) بلسانه بضجر وهو يحدّق في الخادمات:
“كيف تجرؤون على تحريك ألسنتكم بهذه الألفاظ أمام يونا التي ما زالت في طور تعلم الكلام! كيف يمكن لرب العائلة أن يأتمن مثل هؤلاء على خدمة يونا؟ تِس!”
ثم غادر التاي سانغ غاجو وهو يهز رأسه.
أما رب العائلة (الغاجو الحالي) فقد أطلق تنهيدة قصيرة، بينما تجمّدت الخادمات في أماكنهن مرتعشات من الخوف.
ومنذ اليوم التالي تغيّرت كل الخادمات اللواتي كنّ يعتنين بـ نامغونغ سويون.
لم يُعرف على وجه الدقة ما حلّ بالخادمات السابقات، لكن شاع أن بعضهن أُخرجن وهن على عربات، بأرجل مكسورة.
رغم أنني لم أكن أصدق أن مثل هذا قد يحدث في أسرة عريقة من الطائفة المستقيمة ، إلا أن الآخرين بدوا مقتنعين بذلك. على أي حال، لم يجرؤ أحد بعد ذلك على التحدث معي بخشونة أمام نامغونغ سويون.
ومع ذلك، ظلت هي تواصل ترديد اسمي على طريقتها الخاصة:
“تو-أي.”
“فا تو-أي.”
وظلت تكرر اسمي بجدّ واجتهاد.
✦✦✦
ومع مرور الأيام، أصبح لفظها لاسمي أكثر وضوحًا، وصارت تمشي بثبات تقريبًا دون أن تتعثر.
ومنذ ذلك الحين، كانت دائمًا تحب أن تُمسك بيدي أينما ذهبنا.
“اليوم، ماذا نفعل يا آنسة؟”
“لنلعب بالبيوت الصغيرة، سوسو.”
“إذن عليّ أن أُحضّر الإفطار أولًا، أليس كذلك؟”
“وأنا سأصنعه أيضًا.”
كنّا نخلط التراب بالماء لنصنع منه أواني صغيرة، فتقصر ساعات النهار وكأنها لا تكفي.
كانت تقول مبتسمة:
“هذا وعاء طعام الجد، وهذا وعاء طعام أمي، وهذا لي، وهذا لسوسو.”
فسألتها بخوف:
“وماذا عن وعاء رب العائلة (الغاجو)؟”
فأجابت ببساطة، كأنها نسيت:
“آه! نسيت. حسنًا، هذا سيكون لأبي، أما وعاء أمي فسأعطيها إياه عندما تعود.”
ورغم أنها قالت ذلك ببراءة، فإن قلبي كان يهبط إلى قاع صدري كل مرة أسمعها.
فمن لا يعرف الغاجو ربما يظن أن الأمر مجرد لعب طفل، وأنه لن يغضب من “وعاء طعام من تراب”.
لكن من يعرفه حقًا، يدرك أن مثل هذا قد يثير غضبه، وأن العاقبة قد تقع عليّ.
لذلك كنت أقول لها بجدية:
“آنستي، في المرة القادمة عليكِ أن تضعي وعاء طعام الغاجو بعد وعاء التاي سانغ غاجو مباشرة. وإلا فسأُعاقب أنا.”
فردّت ببراءة طفولية:
“سوسو ستُضرب؟ هل أبي هو من سيضربك؟”
أجبتها بصوت مرتجف:
“نعم، آنستي.”
فقالت على الفور، وقد قرأت الخوف في عيني:
“إذن لن نلعب بالبيوت الصغيرة بعد الآن يا سوسو.”
لقد أدركت خوفي، وقالت ذلك كي تطمئنني.
كان رب العائلة غريبًا جدًا، حتى في مثل هذه التفاصيل الصغيرة كان يجعل المرء يعيش في قلق دائم.
أما التاي سانغ غاجو، فلم يكن أقل غرابة منه، حتى إنه كان من الصعب الحكم أيهما أشد قسوة أو جنونًا.
ومع ذلك، فقد كان وجود نامغونغ سويون، تلك الطفلة التي لم يكن في يدها حيلة، بمثابة درع حامٍ لي أمام الاثنين معًا.
ولهذا، بدأت أيامي في بيت عائلة نامغونغ تُصبح أهون قليلًا مما كانت عليه.
***
كان النسيم الذي يلفّ أرجاء الدار أحيانًا ينثر وابلًا من أزهار متساقطة كالمطر، وأحيانًا أخرى يحمل بين طياته زخّات الثلج المتطاير.
في الحديقة الخلفية حيث اعتادت ذرات غبار الطلع أن تملأ الأجواء، هاهي الآن الثلوج تهطل، ثم تمرّ الأيام وتعود من جديد دورة الفصول، فيتفتح الربيع بزهوره.
“يُونا!”
بينما كانت نامغونغ سو-يون تمسك بيدي وتسير إلى جانبي، دوّى من خلفنا صوت نامغونغ هيون.
ابتهجت سو-يون برؤية أخيها الذي ظهر فجأة، ومدّت ذراعيها مرحبة. ركض هيون بخطوات سريعة، واحتضنها بكل قوته ثم دار بها عدة مرات وهو يضحك.
وجهها المشرق بابتسامة عذبة كان أجمل حتى من اللؤلؤ المصقول اللامع.
“أوه، أشعر بالدوار! أيها الأخ!”
“هاها. حسناً، حسناً… ما الذي كانت تفعلُه اليوم حوريتي الصغيرة؟ إلى أين كانت ذاهبة؟ آه تذكرت! لقد خبأتُ بعض الحلوى لأجل يُونا. ألستِ تحبين الحلوى يا يُونا؟”
“هممم! أريد اثنتين.”
“اثنتين؟”
“هممم. سأتقاسمها مع سوسو.”
ساد صمت قصير… قبل أن يوجه نامغونغ هيون نظراته الحادة نحوي.
كانت عيناه كشمسين متقدتين تضيئان المكان، تضفيان عليه مزيجًا من الهيبة والغموض. بدا أجمل بكثير مما كان عليه في السابق.
“لقد عانيتُ كثيرًا في الحصول عليها، ولم أتذوق منها شيئًا.”
“إذن أعطني اثنتين فقط.”
“لكن يا يُونا… إن فعلتِ ذلك فلن يتبقى لي شيء.”
“إذن… لمَ أحضرتها أصلًا؟”
“ليس الأمر كذلك… لكن يكفي أن تتذوقيها أنتِ وحدك. سأكتفي بواحدة فقط.”
في تلك اللحظة بدا واضحًا أن نامغونغ هيون، مهما كبُر سنه، لا يزال في داخله طفل مدلل.
تافهة تلك الحلوى.
حتى لو قدّمها إليّ فلن آكلها.
“با سو-هيي، أنتِ لا تحبين الحلوى، أليس كذلك؟” قالها بلهجة أقرب إلى التوبيخ.
هززت رأسي موافقة، ثم التفتّ إلى الآنسة وقلت بهدوء:
“آنستي، أنا لا أحب الحلوى. إنها شديدة الحلاوة، وذلك يزعجني.”
اتسعت عينا سو-يون بدهشة طفولية وهي تقول:
“كيف يُعقَل ألا تُحبّي الحلوى؟!”
“أنا فقط أفضل أشياء أخرى غيرها.”
“حقًا؟ أي أشياء؟ يبدو أنكِ قد تذوقتِ الكثير من الأطعمة الشهية. أما يُونا، فهي لا تستطيع الخروج من القصر، فلا تذوق شيئًا جديدًا. في الخارج لا بد أن هناك أشياء لذيذة كثيرة.”
مالت برأسها الصغير في فضول، لكن هيون قاطعها بسرعة:
“لا يا يُونا، تعالي نتناول الحلوى معًا. سأعطيك القطعتين كلتيهما.”
“لكن ألم تقل إنك لم تأكل منها بعد؟”
“صحيح. لكن لا بأس… طالما أن يُونا هي من ستأكلها.”
“إذا كان الأمر كذلك… فلتُعطها لسوسو. هذا سيجعل يُونا سعيدة أكثر. لأن يُونا تحب سوسو.”
بدا الغضب واضحًا على وجه نامغونغ هيون، وكأنه لم يتحمّل فكرة أن قلب سو-يون الصغير قد مال إليّ.
رمقني بعينيه المتقدتين، وكأنه يريد أن يُفني وجودي. عندها بادرت بتهدئة الموقف وقلت للآنسة:
“آنستي، صدقيني… أنا حقًا لا أحب الحلوى. وإذا أكلتها فسوف يؤلمني بطني.”
اتسعت عيناها في قلق حقيقي:
“حقًا؟ بطنك تؤلمك إن أكلت الحلوى؟ لكنها لذيذة جدًا…”
“تمامًا. لذلك الأفضل أن تأكليها أنتِ، آنستي. لو تألم بطني فسوف تحزنين، أليس كذلك؟”
“نعم… إن تألمت بطن سوسو، يُونا ستحزن.”
“صحيح. إذن فلتأكليها كلها.”
رغم أن نامغونغ هيون كان يرغب في أن أبقى بعيدة، إلا أن سو-يون، وهي بين ذراعيه، أخذت تلوّح لي بحماس:
“سوسو! أسرعي! إن لم أرَكِ فسأشعر بالخوف.”
“خوف؟ حتى وأنتِ مع أخيك؟” قال هيون بمرارة.
لكن سو-يون مدت ذراعيها إليّ مطالبة أن أحملها أنا.
فتنهد هيون مستسلمًا وقال:
“حسنًا، با سو-هيي، لا تتأخري. لا تتركِي يُونا تشعر بالقلق.”
“أمرُكم.”
سرت متثاقلة خلفهما، يتبعنا بعض خدم سو-يون المخلصين.
وبينما هي بين ذراعي أخيها، كانت تداعب وجهه بيديها الصغيرتين وتثرثر بمرح طفولي لا ينتهي. منظرها كان يفطر القلب من شدة الجمال، وحتى هيون بدا حينها أكثر حنانًا ولطفًا.
كنت أعلم جيدًا أنه لا يظهر تلك الطيبة إلا أمامها وحدها، لكن مجرد أنه لم يُظهر استياءه مني علنًا كان أمرًا مريحًا.
“أخي… هل تتدرب جيدًا؟ يُونا أيضًا ستتعلم فنون القتال من السنة القادمة. والدي وعد أن يُدرّبني.”
“العام القادم؟ هذا مبكر جدًا… لكن بما أن يُونا ذكية، فهي قادرة على ذلك.”
“لقد حفظتُ التعاويذ بالفعل! هل حفظتَها أنت أيضًا؟”
“التعاويذ؟ هل تقصدين أنك بدأتِ تتعلمي الأسلوب الداخلي؟”
“نعم! والدي علّمني. هل تريد أن أريك؟”
“بالطبع.”
ابتسم هيون بفخر عليها، فبدأت سو-يون بترديد ما حفظته.
غير أن ابتسامته سرعان ما انطفأت شيئًا فشيئًا، وملامحه غشيتها ظلال من القلق.
أدركتُ فورًا السبب: ما كانت تتلوه ليس من نفس الأسلوب الذي تعلمه هو. لكن سو-يون، ببراءتها، لم تنتبه وكانت تزداد حماسًا وهي تستعرض معرفتها.
قال هيون في النهاية بجدية:
“ذلك… يا يُونا، أمر ثمين جدًا. لا تردديه أمام الآخرين. ليس من حق أي أحد أن يتعلمه.”
“هل هذه أول مرة تسمعه؟”
“نعم.”
ثم ابتسم مجددًا وأضاف:
“يبدو أن جدنا يحبكِ كثيرًا يا يُونا. بأسلوب نقي كهذا ستصبح طاقتك الداخلية قوية، وستغدو صحتك أفضل. لقد علّمك إياه خصيصًا كي تتعافي. لذا، تدربي جيدًا وكوني قوية، حسنًا؟”
*و الله اكره هذي العنصرية بين الاطفال، دامهم كلهم اطفالك فعاملهم بالتساوي*
“نعم، أخي.”
لكن فجأة، رمقني هيون بنظرة باردة قاسية:
“وإياكِ أن تفكري يومًا في ترديد هذه التعاليم أمام أحد. سيكون عقابك عسيرًا.”
في بريق عينيه كان التحذير واضحًا.
“أمركم، يا سيد القصر.” أجبتُ بخضوع.
“لا تظني حتى أنك قادرة على تعلم هذا الأسلوب، أفهمتِ؟”
“لن أفعل.”
ورغم قولي ذلك، أمسك يدي بعنف، محاولًا استكشاف طاقتي الداخلية. لكنني لم أكن بالسطحية التي تسمح له باكتشاف شيء.
سارع إلى ترك يدي وكأنه لامس شيئًا قذرًا.
“أنت قاسٍ جدًا، أخي!” صاحت سو-يون غاضبة وهي تندفع ناحيتي بقلق.
“سوسو، هل أنت بخير؟”
“أنا بخير يا آنستي. لا تقلقي.”
أمسكت بيدي قائلة بحزم:
“لنعد أدراجنا، سوسو. أنتِ لا تحبين أخي، أليس كذلك؟ حتى أنا لم أعد أحبّه لأنه أساء معاملتك. أنا غاضبة منه.”
ابتسمتُ بمرارة وهمست:
“لا ينبغي لكِ أن تقولي هذا يا آنستي.”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 8"