قال الشيخ الأكبر:
“وما الذي يمكن أن يفعله مقاتل تحطم مركز طاقته الداخلية؟! ذات يوم، وكأن وخز الضمير استيقظ فيه فجأة، أخذ ابنة أخيه وغادر العائلة.”
قالها شيخ العائلة تايسانغ غاجو وكأنه قد حضّر الجواب مسبقًا.
فأجابه سيد عائلة بانغ:
“صحيح. والآن وقد ذكرتَ الأمر، أتذكر أن المحارب با كانت له ابنة أخ. كنت أشعر أن شيئًا ما ناقص هذا اليوم، واتضح أن غياب تلك الفتاة هو السبب. كم كانت تشبه سويون حين كانتا معًا — كأنهما أختان.”
“لا تذكر ذلك حتى!”
قال الشيخ الأكبر بصوتٍ غاضبٍ مفتعل، فأومأ زعيم الأسرة بانغ برأسه موافقًا.
” على أي حال، حين أرى سويون، لا أستطيع إلا أن أترقب حفلة الاحتفال الثلاثي القادمة. يا لحظ فتيات المقاتلين الأخريات! لا بد أنهن يتحرّقن غيظًا. كيف هو مستواها في فنون السيف؟”
“جسدها ضعيف، لذا نُدرّبها فقط على بعض تمارين الطاقة الداخلية التي تساعدها على الحفاظ على صحتها لا أكثر.”
“هكذا إذًا. لكن ما دام كل من هيون وهوي قد أظهرا تقدّمًا واضحًا، فيمكنك أن تطمئن يا سيد السيوف.”
استمرت الأحاديث بين الحضور طويلًا، لكن وليمة الميلاد هذه انتهت أبكر من المعتاد.
كانت في العادة تمتدّ لأيام، أما هذه السنة فقد أُغلقت في يومٍ واحد فقط.
غير أن الحاضرين قبلوا عذر الشيخ الأكبر الذي قال أن عدداً كبيراً من الشيوخ دخلوا في عزلةٍ بعد أن لمسوا خيطًا من الحكمة.
وبمجرد أن انتهت الوليمة وغادر الضيوف، تغيّر جوّ القصر فجأة.
دخل غاجو — سيد العائلة — إلى غرفتي بوجهٍ متجهّم.
“با سوهَي! ألم أقل لك ألا تختفي عن ناظري؟ ومع ذلك تجرأتِ على الابتعاد مرارًا! بماذا كنتِ تتحدثين مع سيد مو يونغ ؟ وما الذي دار بينك وبين زعيم طائفة مودانغ؟!”
لقد طلبوا مني أن أرشدهم في القصر لأنهم لا يعرفون الطرق، فاستجبتُ لذلك فحسب.
لا أدري لماذا اختاروني أنا دون غيري من بين كل الناس، لكن كيف لي أن أرفض طلب زعماء الطوائف الكبرى؟
ومع ذلك، فقد استغلّ رب العائلة الأمر ليبحث عن ذريعةٍ يهاجمني بها.
إن كان لا يريد أن أرافقهم، كان يمكنه ببساطة أن يتقدّم بنفسه ويقوم بالمهمة بدلاً مني.
كنت أعلم أنه يعرف تمامًا ما دار من حديث بيننا، لكنه أراد فقط سببًا ليُفرغ غضبه.
“يا لك من متغطرسة! لأن الناس ينادونك “يا آنسة” ظننتِ نفسك سويون الحقيقية؟! سأجعلك تندمين لأنك لم تموتي في ذلك اليوم!”
ومن جديد، بدأت دورة العذاب.
كان الشيخ الأكبر — رغم أنه قلّما يفعلها — حين يزورني لينفّس غضبه، يجعلني لا أستطيع النهوض من الفراش لأسبوعين أو أكثر.
أما سيد العائلة ، فكان يأتي كل أسبوع تقريبًا.
يضربني بمهارة قبضته الحديدية التي كانت قادرة على تحطيم كل عظمةٍ في جسدي.
كان لكلٍّ منهما سببه.
أما غاجو، فمجرد رؤيتي كانت تذكّره بـسويون، وبذلك الجزء من حياته الذي صار يراه مهزلةً ومصدر خزيٍ له.
أما ولَداه الاثنان، فكانا يراقبان من بعيد فحسب.
كنت أعلم أن رؤيتي وأنا أُضرب دون أن يستطيعا التدخل لم تكن سهلةً عليهما أيضًا.
ولأنني أشبه سويون، فقد كانت تلك المأساة مضاعفة لهما.
كانا يشتاقان إلى أختهما التي رحلت فجأة بلا عودة، والآن ها أنا أمامهما، مَن تشبهها في الملامح، تُهان وتُجلد كل يوم — وكان عليهما الصمت.
ومع ذلك، كنت أعلم أن غضبهما تجاهي كان كبيرًا أيضًا.
ففي نظرهما، كل هذا الخراب بدأ بسببي وبسبب عمي.
عالجت جراحي بنفسي وتحملت.
كنت أترك الجروح الظاهرة على جلدي عمداً ليظنوا أني ما زلت ضعيفة، بينما كنت أعالج جراحي الداخلية كلها.
وبذلك كنت أتألم أقل بكثير مما يتخيلونه.
وفي يومٍ من الأيام، حاولت الهرب.
كنت قد صبرت كثيرًا، لكني شعرت أني إن لم أفعل فسأموت بين أيديهم عاجلاً.
خططت بعناية، لكني لم أجد أي ثغرة أستطيع النفاذ منها.
فبعد وليمة الميلاد، شددوا الحراسة حول مقرّ إقامتي، وجعلوا عشرات المقاتلين يحرسون كل منفذٍ ليلًا ونهارًا.
كما أن قواي القديمة كمعلّمة فنون السحر والسموم – الطبيبة الحكيمة- لم أستعدها بالكامل بعد.
وفي إحدى الليالي، وبينما كنت أتهيأ للخروج، سمعت صوت غاجو من بين الحراس:
“إلى أين تظنين نفسك ذاهبة في هذا الوقت يا سويون؟ في الليل يجب أن تنام الفتيات الصالحات في غرفهن.”
كان وجهه يفيض نفاقًا وتكلّفًا، فاضطررت إلى العودة لغرفتي.
كان فراغ عمي في هذا القصر أثقل وأشد مما توقعت.
***
مرّت شهورٌ بلا أن تسقط من السماء قطرة مطرٍ واحدة.
تشققَت الأرضُ من الجفاف، وصارت الوحوش تنزل من الجبال بحثًا عن الماء.
اشتد الحر حتى كاد يحرق الأنفاس، لكن بالنسبة لي كان ذلك نِعمة.
فبسبب الجفاف، كان حاكم الإقليم يستدعي غاجو كثيرًا للتشاور في شؤون المياه، مما جعله يغيب عن القصر لأيام.
كنت أقول في نفسي:
‘لو كانت الأيام كلها هكذا، لربما استطعت احتمال العيش هنا.’
في تلك الفترة كنت أكرّس وقتي في مخدعي لدراسة تقنياتٍ عليا جديدة في فنون الطاقة.
لكن فجأة —
“حريق! حريق!!”
تعالت الصيحات من الخارج.
في البداية كان الصوت صادراً من شخص أو شخصين فقط، لكن سرعان ما تعاظم وأصبح صاخباً.
وخلال لحظات قليلة بدا أن حشداً من الناس قد تجمّع هناك.
خرجتُ إلى الخارج فرأيت الناس يركضون مسرعين نحو جهة مكتبة جانسوكاك.
كانت الجانسوكاك المكان الذي تُحفَظ فيه جميع الكتب والمخطوطات التابعة لعائلة نامغونغ، وكان دخولها محظوراً على أيٍّ كان، إذ كانت تخضع لحراسة دقيقة وعناية شديدة.
ولحسن الحظ، بدا أن الحريق قد كُشِف مبكراً، فلم تنتشر النيران على نطاق واسع، بل ظلت محصورة في موضع واحد، وكانت تتراقص هناك فقط.
بينما كان المحاربون يهرعون لجلب الماء وإخماد النار، لفت انتباهي شخصان يقفان بعيداً عن المكان، لا يشاركان في العمل.
لو رآهما أحد لظنّ أنهما من أضرما النار عمداً ثم احتميا هناك… لكن المفاجأة أنهما كانا الابنين الشابين لعائلة نامغونغ نفسيهما.
تأملت قليلاً فرأيت أنهما كانا يحاولان الاقتراب من المكتبة المشتعلة، إلا أنهما كلّما خطوا خطوة إلى الأمام تراجعا خطوتين إلى الوراء، وكأنهما عاجزان عن جمع شجاعتهما.
وحين بدأت ألسنة النار تخمد، التفت الناس حولهم، فوقع نظرهم على الأميرين
لم يقل أحد شيئاً، لكن ملامحهم كانت تنطق بالاحتقار.
‘أولاد السادة يخافون النار؟ ويقفون مكتوفي الأيدي بينما مكتبة العائلة تحترق؟’
هكذا كان معنى النظرات التي تبادلوها.
ظننت أن الأميرين قد شعرا بالخجل والمهانة، فعُدت أنا إلى غرفتي.
كنت أعلم أن ما حدث في السجن سابقاً قد ترك في نفسيهما خوفاً عميقاً وجعل جسديهما يتجمد عند مواجهة الخطر.
وهو أمر مفهوم، فقد كانا على وشك الموت حينها.
***
تبيّن فيما بعد أن سبب الحريق هو حارس المناوبة الذي غلبه النعاس فسقطت منه المصباح الزيتية.
ولحسن الحظ، فإن القاعة التي احترقت كانت مخصَّصة لتخزين الكتب المصنَّفة كـمؤلفات ثانوية لا كنوادر قيّمة، لذلك لم يتطور الأمر أكثر.
مع ذلك، تقرر نسخ ما تبقى صالحاً من الكتب، فاختيرت مجموعة من الناس للمهمة، وكان اسمي بينهم.
والسبب أن بعض المخطوطات تحتوي على كلمات صعبة جعلت عملية النسخ بطيئة جداً، فاحتاجوا إلى من يجيد القراءة والكتابة أكثر من البقية.
عندما وصلت إلى القاعة حيث نُصبت طاولات النسخ، كان هناك نامغونغ هيون و نامغونغ هوي أيضاً.
كانت أكوام من الكتب المتفحمة أمامهما، وقد اسودت حوافها حتى بالكاد تُرى حروفها.
عادة لا يُطلب من أبناء العائلة الكبار القيام بأعمال كهذه، لكن في القصر لم يبقَ من المتعلمين سواهما.
إلى جانبهما جلس بعض المحاربين الآخرين ينسخون هم أيضاً، غير أن الفرق كان واضحاً جداً:
الأخوان كانا يقرآن السطر بأعينهما مرة واحدة ثم يخطّانه بسلاسة على الورق الجديد،
أما الآخرون فكانوا ينسخون الحروف واحدا تلو الأخر ببطء شديد، حتى بدا واضحاً أن الأميرين سينهيان مجلداً كاملاً قبل أن يتمكن الآخرون من نسخ بضع صفحات فقط.
جلستُ أمامهما وبدأت أكتب كذلك.
وبين الكتب التي كُلّفت بنسخها، وجدتُ بعضاً مما كنت قد قرأته سابقاً أثناء وجودي في الطائفة المقدسة ،
لذلك ما أن نظرتُ إلى النص حتى تدفق محتواه في ذهني واستطعت نسخه حتى دون النظر كثيراً إلى الأصل،
ولم أكن أحتاج إلا إلى مراجعة سريعة للتأكد من صحة ما كتبت، فأنجزت بسرعة كبيرة.
وبينما كنت أتابع النسخ، شعرتُ أن حركة أيدي الأميرين المقابلين لي قد توقفت.
رفعت رأسي لأرى السبب، فإذا بهما يحدّقان مذهولين في يديّ وهما تتحركان بسرعة.
فسألت بهدوء:
“ما… الأمر، يا سيديَّ؟”
فقال نامغونغ هيون:
“لا، لا شيء.”
ثم أدار وجهه فوراً، بينما كان نامغونغ هوي يهز رأسه بعدم تصديق.
عندها وقعت عيني على الورقة التي كان نامغونغ هوي ينسخها،
فلاحظت أنه كتب حرفاً خطأ، فتحققت من النسخة الأصلية، وبالفعل كان مخطئاً.
قلت له بلطف:
“لقد كتبت الكلمة خطأً، يا سيدي.”
فانتفض غاضباً وقال بصوت مرتفع:
“ماذا قلتِ؟!”
كان واضحاً أنه انزعج لأن فتاة صغيرة مثلي نَبَّهَته أمام الناس،
لكن ما أن نظر إلى الأصل حتى احمرّ وجهه خجلاً.
أما نامغونغ هيون، فبدا متوتراً بدوره وأسرع يقارن كتاباته بالنص الأصلي ليتأكد من أنه لم يخطئ هو الآخر.
♤♧♤♧♤♧♤
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 20"