كانوا في السابق لا يعلّمون فنون السيف إلا لذرية العائلة الرئيسة، ولا يُنقل سرّها إلى الغرباء مطلقًا.
لكن الآن، بدؤوا يُدرّسونها حتى للمنتمين إلى الفروع الجانبية، بل وصل الأمر إلى أن يُلقّنوا المهارات التي كانت حكرًا على الورثة الشرعيين وحدهم.
كان تعلّم فنون عائلة نامغونغ فرصة لا تعوَّض؛ لذا، تأثر كثير من المقاتلين الذين ترددوا في الرحيل، وقرروا البقاء في العائلة.
وبينما كنت أتابع بخطوات بطيئة، وقع بصري على نامغونغ هيون وهو يتنقّل بين المقاتلين، يدرّبهم بنفسه على أساليب السيف.
في الماضي، لم يكن ليفعل مثل هذا بيده، لكنه اليوم تغيّر، والعائلة أيضًا تغيّرت.
رفع هيون سيفه وسط أنظار الجميع، وتلألأ نصله تحت شمس الظهيرة حتى كادت تخطف الأبصار.
“…؟”
ظننت أولاً أن البريق مجرد انعكاس للضوء، لكن سرعان ما لاحظت شيئًا آخر: ضبابًا خفيفًا كالهالة يتصاعد من السيف نفسه.
“أوصل إلى هذا الحد؟”
حتى حين يقوم بالحركات نفسها التي يؤديها الآخرون، كان هناك فرق شاسع.
فمن بلغ سرّ الإتقان، حتى حركاته البسيطة تصير خارقة للطبيعة.
حين أدار سيفه جانبًا، اهتزّ الهواء حوله كأن السماء انشقّت،
وحين ضربه قطريًا، تشكّل على الأرض دوّار صغير جعل الأرض نفسها ترتجف.
تعالت الهتافات من بين الحشود:
“كما هو متوقع من الوريث الأكبر!”
أدركت عندها أنه أظهر قوته عمدًا.
لا يمكن أن يكون قد اكتسب هذه المهارة فجأة بعد اندلاع الأزمة في العائلة؛ كان يخفيها فقط.
أراد أن يُبقي المقاتلين داخل العائلة، فأظهر نفسه وكأنه صار أقوى من أي وقت مضى.
لكنّني شعرت بمرارة خفيفة، إذ بدا لي أنه لم يعد يستطيع العودة إلى نفسه القديمة.
ضحكت في سري.
هل أنا في موضعٍ يجعلني أقلق عليه؟
ومع ذلك، لم تمضِ لحظة حتى وجدت نفسي أفكر بالأمر من جديد.
“لابد أن هيون الآن يعرف الحقيقة كاملة…”
لكنني سرعان ما هززت رأسي.
ما يعرفه لا يزال نصف حقيقة فقط.
استدرت لأمضي في طريقي، لكن وقع خطواتٍ سريعة خلفي جعلني ألتفت.
كان هو. نامغونغ هيون.
لو كانت وجهته مصادفة نحو نفس الاتجاه، لتجاوزني سريعًا،
لكن لا، لقد اقترب من جانبي عمدًا، وراح يسير بخطى هادئة، مواكبة لخطواتي.
لم ينبس بكلمة واحدة.
مشينا بصمتٍ طويل، إلى أن تفرّقت طرقنا، فتابع طريقه مبتعدًا بخطوات سريعة.
‘يا له من رجلٍ غريب.’
ظللت أمشي طويلًا بعد فراقه.
كانت أراضي عائلة نامغونغ مترامية إلى حدّ يثير العجب — عالمٌ صغير قائم بذاته.
كلما مشيت في أرجائها، تذكرت طائفة الشين غيو.
ذلك المكان الذي اجتمع فيه عدد لا يُحصى من الأتباع…
كان في نظر الآخرين شرًا أو هرطقة، لكنه بالنسبة إليّ كان عالمًا من السلام.
سمعت صوتًا من خلفي:
“ما الذي تفعلينه هنا وحدك؟”
لم ألتفت، ولا أبطأت الخطو.
كنت أعلم أنه نامغونغ هوي، ولم أرغب في أن يفسد مزاجي برؤيته.
ثم سمعت وقع خطواته السريعة، وأحسست بيده تمسك بذراعي بعنف، يدير جسدي نحوه.
“يونا، ألا يمكن لأخيك أن يسأل عنك؟”
قالها بابتسامة زائفة، كأنّه يصدق كذبة أنه أخي فعلًا.
“كنتُ أتمشّى فحسب.”
“أتمشين فحسب؟ ألا تفكرين بأمورٍ ماكرة؟”
“لا أفهم ما تعنيه.”
“أنتِ ابنة أخ با سايول. لا بدّ أنك تحملين ضغينة تجاه العائلة، وربما ترغبين بالانتقام بعد موته.”
قلتُ بهدوء:
“هل تخافني، يا سيدي؟”
ارتبك لحظة، ثم شدّ قبضته على ذراعي أكثر.
“هل تعرفين لماذا أبقاك كل من جدي وأبي على قيد الحياة؟”
كان لدي ما أقوله، لكن لم يكن في استفزازه أي نفع.
“أرادا أن يرياكِ بأنفسهما، أن يثبتا لكِ أن العائلة التي حاولتِ أنتِ وعمّك زعزعتها لا تزال قائمة، بل وسترتقي أعلى.”
قلت ببرود:
“فليفعلوا إذن.”
نزعت ذراعي بقوة، وواصلت طريقي نحو مسكني دون أن ألتفت.
لم يتبعني هذه المرة، ولم أحتج حتى أن أرى وجهه لأعرف أنه كان يعضّ شفته غيظًا.
حين عدت، هرعت الخادمة إليّ، ثم إلى المطبخ لتجلب الطعام.
“آنستي، أرجوكِ، كُلي شيئًا. هل تنوين حقًا أن تموتي جوعًا؟”
كانت تتذمر وتلومني، لكنني جلست أمامها أتظاهر بالقراءة.
مرّ يومان دون أن أتناول لقمة.
تغيّر وجهها، صار شاحبًا ومذعورًا، وراحت تتوسل بصوتٍ مرتجف:
“رجاءً يا آنستي، تناولوا الطعام ولو قليلًا!”
لكنني لم أشرب حتى الماء.
كانت الوليمة السنوية لعيد ميلاد سويون تقترب، وكنت أزداد وهنًا كل يوم.
حتى الجدّ والزعيم نفسهما، اللذان تجاهلا الأمر في البداية، بدآ يزورانني كل بضعة أيام.
كانا يظنّان أن عليهما أن يطعمانني قسرًا قبل حضور الناس.
كانا يضعان الطعام في فمي ويغلقان أنفي حتى أبتلع،
لكنني كنت أضع أصبعي في حلقي بعد خروجهم لأتقيأ كل شيء.
ثار ربّ العائلة غضبًا، وسأل الخدم:
“ماذا فعلتم بها حتى صارت على هذا الحال؟!”
وضربهم بقسوة، حتى كُسرت أطراف بعضهم وطُردوا من الدار مشوّهين.
حاول إغرائي وتهديدي مرارًا، لكنني صمدت حتى النهاية دون أن أتناول شيئًا.
وهكذا، حلّ يوم عيد ميلاد سويون —
أول عيدٍ يُقام بغيابها.
لم تختلف الوليمة عن الأعوام السابقة.
الاختلاف الوحيد أنني كنت الآن في مقعدها.
ازدحم القصر بالضيوف،
وفي جانبي وقف الجدّ والزعيم، ومعهما الوريثان الكبيران.
كان معظم الحضور قد جاءوا طيلة السنوات الماضية طمعًا في لقاء سيّد السيف العظيم،
وتساءلت كيف سيتغير وجههم حين يعلمون بما آل إليه حال العائلة الآن.
“لا نرى أيًّا من الشيوخ اليوم.”
قال أحد الحضور وهو يلتفت حوله، فأجابه الجدّ بوجهٍ هادئ مدروس:
“لقد نالوا بصيصًا من البصيرة ودخلوا في عزلة تأمل. حدث أن اجتمعوا على ذلك في وقتٍ واحد، أليس في هذا منفعة للعائلة؟ حين يخرجون وقد بلغوا الإتقان، ستنهض العائلة أكثر.”
ضحك رجل آخر وقال:
“أنتم لا تملكون منافسين في الأساس ، فكيف لو ازددتم قوة؟ لن يجرؤ أحد بعد اليوم على مقارنتكم بأيّ من العائلات الأخرى، يا سيّد السيف.”
ابتسم الجدّ ابتسامة الثعلب العجوز،
وخُدع الجميع بكلماته كما خطّط.
ثم قال آخر وهو يتأملني:
“لكن السيدة سويون الآن أجمل نساء الدنيا بلا منازع! كيف يمكن أن تكون بهذا الصفاء والجمال؟ كانت من قبل فاتنة بريئة بملامح طفلة، أما الآن فهي زهرة ناضجة، يختلط فيها فجر الصباح وضياء الظهر وسكينة الغروب. حتى الحوريات ستخفضن رؤوسهن خجلًا أمامها!”
لم أتخيل أن الامتناع عن الطعام سيجعلني بهذا الشكل…
لو كنت أعلم أنه سيُحدث هذا الأثر، لأكلت أكثر في الماضي.
كانت كلماتهم الناعمة تثير الغثيان،
لكن ما أن بدأ أحدهم بالمدح حتى تنافس الآخرون في المبالغة:
“صدقتَ! من كانت تُلقب بجميلة الممالك من قبل، عليها الآن أن تتنازل عن اللقب. ربما تبقى أجمل نساء منطقتها، لكن لا أحد بعد اليوم يجرؤ على أن يقارنها مع سويون.”
ضحك الوريثان الكبيران كأنهما أخوان حنونان يفتخران بأختهما.
قال ربّ العائلة مبتسمًا بلطف مصطنع:
“حتى أنا أحيانًا أتعجب. أهي حقًا ابنتي أم حورية نزلت من السماء؟”
فردّ أحد الحاضرين، زعيم طائفة أومي:
“أن تجعلوا سيد العائلة نفسه يتحدث هكذا، فهذا وحده برهان على أن جمالها خارق. ونحن لا نستطيع الاعتراض، فالحق يُقال: إنها فاتنة حقًا.”
نظر إليّ الجدّ وربّ العائلة بنظراتٍ حانيةٍ زائفة،
وأنا أقاوم رغبةً في الارتجاف من اشمئزازي.
ثم سأل أحدهم فجأة:
“لكن أين السيد با سايول؟ لم أره اليوم.”
كان السائل هو دو جاي، ربّ عائلة بانغ في إقليم هبك،
رجل في عمر الجدّ نفسه، لكنه لا يزال متشبثًا بالسلطة،
يحكم عائلته بنفسه دون أن يسلّمها لوريث.
♤♧♤♧♤♧♤
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"