فكّرت بذلك وأنا آخذ نفسًا عميقًا، أستعدّ للموت بهدوء.
حين اندفع زعيم العائلة نحوي بسيفه ووجهه كوجه شيطان، جاء صوت الشيخ الأكبر من خلفه يزلزل القاعة:
“توقّف أيها الزعيم!”
“الشهر القادم، سيحلّ يوم ميلاد الطفلة الميتة. سيأتي كبار عالم الفنون القتالية لتهنئة العائلة، فماذا ستفعل إذن؟ أترى أنهم يأتون من أجل الطفلة؟ لا، إنهم يأتون لرؤيتي أنا! فكّر جيدًا، أيها الزعيم!”
توقّف الزعيم في مكانه، والدهشة تعلو وجهه.
عندها صوّب الشيخ الأكبر نظراته الحادّة نحوي وقال بصوت يقطر غضبًا:
“وحين يسألون عن الطفلة، ماذا ستقول لهم؟ ستقول أنك قتلتها لأنها ليست من دمك؟ أيها الأحمق!”
تجمّد الزعيم، يحدّق في الشيخ الأكبر بوجهٍ خالٍ من الفهم، وكأنه لا يدرك عمق ما يسمع.
ثم، وبعد برهة طويلة، التفت إليّ بعينين يغمرهما الشكّ والذهول.
“ه… هذا… لا يمكن…”
زمجر الشيخ الأكبر مقاطعًا:
“أحمق! لم تدرك حتى أن زوجتك حملت بطفل من رجلٍ آخر، وظللتَ تربيها كأنها ابنتك حتى الآن!”
لم يُكمل الشيخ الأكبر عبارته، إذ عضّ على أسنانه بشدّة، وقد بدا أن الغضب والخزي يلتهمانه من الداخل.
انتقلت فوضى مشاعره إلى الزعيم، الذي صار وجهه يتلوّن بالاضطراب والحمرة.
“الطفلتان متشابهتان في الشكل والطول، فلتجعل هذه الطفلة تأخذ مكانها. أترغب أن تكون فضيحة العائلة حديث المجالس؟! كل من حضر ما جرى هنا، ليصمت عن الأمر، وإلا فلن يخرج من هذا القصر بأطرافٍ سليمة!”
قال الشيخ الأكبر ذلك بصوتٍ كظم فيه غضبه، ثم سار فوق الأرض الملطخة بدماء العشرات، ومرّ بجانبي بخطواتٍ باردة.
توقّف لحظةً إلى جواري، لكنه لم يقل شيئًا، ومضى.
“أنتِ… أيتها…!”
زمجر الزعيم واقترب مني، وصفعني بقوة جعلتني أسقط أرضًا.
ثم انهمرت قبضاته عليّ، واحدة تلو الأخرى.
كاد رأسي تنفجر من ضربةٍ مفعمة بالطاقة الداخلية، ولولا أن طاقتي الذاتية تحرّكت دون وعيٍ مني لتحميني، لكان رأسي قد تحطّم حقًا.
لو كان لديه قدر من التعقل، لأدرك أن إصابتي الطفيفة لا يمكن أن تكون نتيجة ضربة كهذه، لكنه لم يكن يرى شيئًا سوى الحقد.
لقد ظنّ أنه حين ترك زوجته وأبناءه في السجن وفرّ بنفسه، فقد تخلّى عنهم بمحض إرادته.
لكن الحقيقة أنه هو من خُدع أولًا — فهي التي خانته منذ زمن بعيد.
ركلاته كانت قاسية لا ترحم، ولم يجرؤ أحد على التدخل لإيقافه.
وعيناي، وهما تتسعان بالألم، التقطتا صورة عمّي الممدد أرضًا بلا حراك، عينيه مفتوحتان على الموت.
تذكّرته وهو في الزنزانة، والنظرة التي كانت في عينيه حين ودّع محبوبته.
حين هرع نحو الموت غير آبهٍ بحياته، كي يحميها.
والآن، ها هو راقد بسلام، كأن كل عذابه انتهى أخيرًا.
ربما كان موته راحةً له.
استمرّ الزعيم في ركلي وضربي، حتى سال الدم من جلدي وانفجرت شفتاي.
طاقتي الداخلية كانت تتململ في داخلي، راغبة في حمايتي، لكني منعتها.
كنت أعلم أن عليّ أن أبدو ضعيفة، كي يطمئنوا فلا يشكّوا بي، فأنجو لاحقًا.
اشتدّ غضبه أكثر، وراح يغرس أصابعه في ذراعي ويقبض على عنقي، وكأنه يريد اقتلاع روحي.
لكنني صبرت.
عضضت على شفتي، وتمنّيت فقط أن يمرّ هذا الجحيم بسرعة.
***
في اليوم التالي، تغيّر كل شيء بين ليلة وضحاها.
وكأن الجميع قد تواطأ على تمثيلية محبوكة بعناية.
صاروا ينادونني بـ سويون.
الخدم، الشيخ الأكبر، الزعيم، وحتى أبناء العائلة جميعهم — تعاملوا معي على أنني سويون.
لكن لم يكن ذلك لأنهم أحبوني كما أحبوها.
بل فقط لأنهم اضطروا لذلك.
عاملوني كابنةٍ مباشرة للعائلة، ومنحوني مكانتها، وارتديت ثيابًا فاخرة، وخدمتني الأيدي في كل صغيرة وكبيرة.
غير أن قلبي كان ضيقًا، مثقلًا بالنفور.
ومع ذلك، لم أُظهر شيئًا.
فقد كنت أعلم أن عليّ أن أعيش… حتى النهاية.
في الأصل، لم أكن أنوي البقاء طويلًا في عائلة نامغونغ.
فبعد أن رحل عمّي با سايول، لم يعد لي أي سبب للبقاء هناك.
ربما لو كانت سويون لا تزال على قيد الحياة، لبقي في نفسي بعض التردّد أو الحنين،
لكن الآن لم يعد هناك ما يربطني بذلك المكان.
راودتني فكرة أن أسرق بعض أموال العائلة وأرحل،
أن أعيش فترةً من التجوال خارج القصر،
وفي الوقت نفسه أبحث عن دانريما وأعوانه لأجد طريقة أنتقم بها منهم جميعًا.
لكنني لم أكن أنوي التسرّع.
فمن يهرب من ثعلبٍ قد يصطدم بنمر، ولهذا عزمت على أن أؤمّن لنفسي وسيلة تحميني قبل أن أغادر.
كنت أحتاج على الأقل إلى حارسٍ واحدٍ موثوقٍ يرافقني،
لكنني لم أكن أظن أن أحدًا من رجال العائلة سيوافق بسهولة على مرافقتي،
كما أنني لم أرغب في اصطحاب أيٍّ منهم أصلًا.
حتى لو أردت أن أستأجر مرتزقًا أو حارسًا من حراس القوافل،
فإنني أحتاج إلى المال، وذلك يستلزم بعض الوقت.
“آنستي، هذا فطورك.”
دخلت إحدى الخادمات تحمل صينية صغيرة.
كانت المائدة أمامي فقيرة بائسة، لا تُقارن بما كان يُقدَّم لـ سويون.
ضحكت الخادمة ساخرَة وهي تضع الصينية.
“ما أعددناه بسيط يا آنستي، لكن تفضلي وتناولي الكثير.”
حتى الشاي كان باردًا، عديم النكهة، كأن أوراقه غُليت مراتٍ عديدة.
حين كانت سويون على قيد الحياة، لم يكن أحد يجرؤ أن يعاملني بهذه الطريقة.
ضحكت الخادمة باستهزاء، وتركت كلماتها ترنّ في أذني.
لكن ذلك لم يدم طويلًا.
فحين اقترب يوم ميلاد سويون، تغيّر كل شيء.
دخلت أكثر من خادمة وهن يحملن موائد ضخمة مملوءة بالأطعمة الفاخرة،
كأنهن يخشين أن أبدو نحيلة أمام الناس في ذلك اليوم.
لكنني لم أرغب في أن أرضيهم أو أتماشى مع رغباتهم.
كانت المائدة أمامي عامرة بأشهى الأطباق، لكني لم أمدّ يدي إليها.
“لماذا لا تأكلين يا آنستي؟ نعلم أن جسدك الوضيع لا يحتمل طعامًا نفيسًا كهذا،
التعليقات لهذا الفصل " 18"