9. لكي يكونَ الطفلُ طفلًا (2)

 

 

 

 

 

لم يجد الدوق أدريان كلمات للرد، فأغلق فمه للحظة. نهض من مكانه وجلس بجانب روزيت، ثم ضمها إليه بحنان. كان شعوره مختلفًا عن أحضان جين الناعمة الرقيقة. لم يكن هناك ذلك الدفء اللين، بل شعور بالصلابة، كما لو أنه سيحميها من كل عواصف العالم.

 

دفنت روزيت وجهها في صدر الدوق بحركة غريزية.

 

“الامتناع عن تناول شيء والعجز عن تناوله أمران مختلفان، يا روز.”

 

“…”

 

“لا يجب أن تجبري نفسكِ على تناول ما لا تستطيعينه.”

 

“هل سأُعاقب إذن؟”

 

“من الآن فصاعدًا، نعم.”

 

“حسنًا.”

 

ربت الدوق بحذر على ظهر روزيت.

 

“وماذا في ذلك إن كنتِ صعبة المزاج قليلًا؟ لا بأس ألا تأكلي طعامًا لا تحبينه. هذا ما يفعله الأطفال.”

 

“…”

 

“إذن، هل هناك طعامٌ لا تحبينه؟”

 

“الجزر.”

 

“الجزر؟ وماذا أيضًا؟”

 

“لا شيء. أتناول كل شيء عدا ذلك. أقسم.”

 

“حسنًا.”

 

أفلت الدوق روزيت ونظر إلى ذراعها.

 

“بالمناسبة، أن تجرحي ذراعكِ بهذا الشكل! قد يترك ذلك ندبة فعلًا.”

 

“أنا آسفة.”

 

“لا تفعلي ذلك مجددًا.”

 

“حاضر.”

 

“كنتُ سأعرفكِ على معلمكِ بعد أن تعتادي على القصر، لكن لا مفر الآن. سأعرفكِ اليوم على من سيكون معلمكِ.”

 

اتسعت عينا روزيت بدهشة.

 

“معلمي؟”

 

ابتسم الدوق أدريان بلطف وهو يقرص أنفها برفق.

 

“نعم.”

 

سحب الدوق الحبل لاستدعاء سيباستيان وأمره بإحضار شخص ما. بعد لحظات، دخلت امرأة ذات شعر أحمر متوهج كالنار.

 

تعرفت عليها روزيت على الفور.

 

‘ساحرة النار!’

 

سيلين، ساحرة النار.

 

في حياتها السابقة، كانت هذه الساحرة تتوقُ لأخذ روزيت تلميذةً لها.

 

– “ألا ترغبين في الانضمام إليّ؟ ستتعلمين مني أكثر مما ستتعلمينه من ماركيز دالاس المتزمت.”

 

ماذا قالت لها آنذاك؟

 

– “لا أهتم بساحرةٍ أضعف مني.”

 

الآن، عندما تفكر في الأمر، كان ذلك ردًا متعجرفًا للغاية. لكنه كان التحذير الوحيد الذي استطاعت تقديمه.

 

‘لا تأتي إليّ. إن طمعتِ بي، قد يقتلكِ ماركيز دالاس.’

 

في الحقيقة، كانت روزيت معجبةً بسيلين. لهذا فعلت ذلك.

 

لكن سيلين استمرت في الاقتراب منها بعناد.

 

– “يا صغيرتي، ألستُ أفضل من ذلك الرجل؟ هيا معي، سأعتني بكِ جيدًا.”

 

في النهاية، لقيت سيلين مصرعها في حادث غامض. لم يُعرف سبب الحادث، لكن روزيت خمنت أنه من فعل ماركيز دالاس.

 

لم يكن ذلك بسببها وحدها. كانت سيلين ساحرة متميزة، ووجودها جعل من الصعب على دالاس مهاجمة عائلة أدريان. لابد أن سيلين قُتلت بسبب شبكة معقدة من المصالح.

 

لذلك، لم تشعر روزيت بالذنب تجاه موتها، لكنها شعرت ببعض الخيبة.

 

صراحةً، عندما جاءت إلى عائلة أدريان، كانت تأمل أن تلتقي بسيلين. لكن أن تلتقيها بهذه السرعة!

 

نظرت روزيت إلى سيلين بفضول، فقدمت الأخيرة تحية خفيفة.

 

“أحيّي الدوق.”

 

“أجل.”

 

“ومن هذه الفتاة الجميلة؟ إنها تفيض بالمانا!”

 

كما توقعت، أبدت سيلين اهتمامًا بروزيت هذه المرة أيضًا.

 

“اسمحي لي أن أعرفكِ، هذه ابنتي الصغرى.”

 

“ربّــاه، هل كان لديكم أميرةٌ مخفية، يا سيدي الدوق؟”

 

عندما عبس الدوق قليلًا، صححت سيلين كلامها.

 

“أمزح. يبدو أنها الفتاة التي كثر الحديث عنها في القصر. مرحبًا، أيتها الآنسة الصغيرة، أنا سيلين.”

 

“مرحبًا، أختي.”

 

تذكرت روزيت كيف كانت سيلين تُطلق عليها “أختي” في الماضي، فحيتها بنفس الطريقة. ضحكت سيلين بصوت عالٍ.

 

“ربّــاه، سيدي الدوق، هل رأيتم؟ لقد نادتني الآنسة بـ’أختي’!”

 

“أهذا… غير مسموح؟”

 

“غير مسموح؟ بالطبع مسموح! هل ترغبين في تعلم السحر؟ سأعلمكِ كل شيء!”

 

“لكن ألقِ نظرة على جرحها أولًا.”

 

“جرح؟”

 

لاحظت سيلين ذراع روزيت متأخرة، فأبدت دهشتها.

 

“من فعل هذا؟ ذراعها الجميلة بها خدوش!”

 

“يبدو أنها حكتها بسبب الحساسية.”

 

“إن تُركت هكذا، ستترك ندبة. لحظة واحدة.”

 

جلست سيلين على ركبتيها أمام روزيت واستخدمت المانا. تجمعت أضواء متلألئة عند أطراف أصابعها، ثم تسربت إلى جروح روزيت. سرعان ما أصبحت ذراعها نظيفة كما لو لم تُجرح أبدًا.

 

لم تتفاجأ روزيت. لقد رأت هذا السحر مرات عديدة في حياتها السابقة، فما الذي سيدهشها؟ لكن يبدو أن سيلين وجدت ذلك غريبًا.

 

“أيتها الآنسة، ألا تجدين هذا مدهشًا؟”

 

‘أوه، هل كان يجب أن أتفاجأ؟’

 

تساءلت روزيت عما إذا كان عليها أن تصرخ “واو” الآن، لكن الدوق أدريان تدخل.

 

“لقد استخدمت روزيت سحر الشفاء بنفسها من قبل.”

 

اتسعت عينا سيلين كالفوانيس.

 

“ماذا؟ سحر الشفاء؟ أخبرني المزيد!”

 

روى الدوق أدريان قصة كيف شفيت روزيت جين. استمعت سيلين بدهشة، ثم مررت يديها على وجهها.

 

“لا يُعقل! كيف يمكن أن يحدث هذا؟”

 

“هل هذا مستحيل إلى هذا الحد؟”

 

“نظريًا، إنه ممكن، لكن… هل هذه الفتاة الصغيرة فعلت ذلك حقًا؟”

 

“نعم، لقد تأكدت بنفسي.”

 

“كيف…؟”

 

كررت سيلين كلمة “كيف” كمن فقد القدرة على الكلام.

 

كانت دهشتها مبررة. لم يكن الدوق أدريان ملمًا بالسحر، لذا افترض أن روزيت استخدمت سحر الشفاء بشكل غريزي. لكن استخدام السحر غريزيًا ليس بالأمر السهل.

 

في الواقع، استخدمت روزيت معادلات سحرية كانت تعرفها من قبل، لذا فإن فكرة “استخدام السحر غريزيًا” كانت مستحيلة تقريبًا. لكن ماذا يمكنها أن تفعل؟ لا يمكنها أن تقول: “في الحقيقة، تعلمت السحر في حياتي السابقة، ولهذا أستطيع استخدامه.”

 

وافقت روزيت على كلام الدوق بشكل غامض.

 

“أردت إنقاذ الأخت جين.”

 

“…”

 

“رجوتُ ذلك بشدة، فنجت الأخت جين.”

 

“ربّــاه، إذن هذا ممكن فعلًا! سيدي الدوق، إنها عبقرية!”

 

“أجل، يبدو كذلك.”

 

كان الرضا واضحًا على وجه الدوق أدريان.

 

“إذن، هل يمكنني تعليم الآنسة؟”

 

“بالطبع، لهذا استدعيتكِ.”

 

“لا تراجع عن هذا الوعد! حسنًا، هل سمعتِ، أيتها الآنسة؟ أنا معلمةٌ الآن!”

 

“نعم، أختي.”

 

“يا لكِ من لطيفة!”

 

ضمّت سيلين روزيت بحماس. تمتمت روزيت من بين أحضانها:

 

“متى ستبدأ الدروس؟”

 

كانت تتوق لصنع نواةِ مانا واستخدام السحر بأسرع ما يمكن. لكن بجسدها الحالي، كان من الصعب صنع نواة مانا بمفردها، فهي بحاجة إلى مساعدة.

 

‘علاوة على ذلك، يجب أن أتظاهر بتعلّم السحر حتى لا أثير الشكوك عندما أستخدمه.’

 

لم يبقَ سوى القليل من الوقت قبل حادث دانيال. ستحاول منع الحادث بطرق أخرى قدر الإمكان، لكن في أسوأ الحالات، كانت مستعدةً لاستخدام سحر الشفاء لإصلاح ساقه.

 

لكن سيلين، التي لم تكن تعلم بقلقها، قالت بهدوء:

 

“ليس الآن. جسدكِ الصغير لن يستطيع صنع نواة مانا بعد.”

 

“لكن…”

 

“سنتعلمُ السحر بعد أن تأكلي جيدًا وتصبحين أكبر.”

 

“عندما أصبح ممتلئة؟”

 

ضحكت سيلين.

 

“نعم، عندما تصبحين ممتلئة.”

 

ربتت على رأس روزيت المتجهمة ونهضت.

 

“لابد أنكِ متعبة، فاستريحي الآن. سأذهب.”

 

“استريحي، يا روز. لديّ مكان يجب أن أذهب إليه. إن احتجتِ شيئًا، استدعي الخادمة.”

 

“نعم.”

 

عندما بقيت روزيت وحدها، قفزت على السرير واستلقت. وبينما كانت ممددة بذراعيها مفتوحتين، تذكرت توبيخ الدوق لها.

 

حتى الآن، لم تفهم تمامًا لماذا غضب بهذا الشكل.

 

لكنها شعرت أنها يجب ألا تجبر نفسها على تناول الروبيان بعد الآن.

 

وعلاوة على ذلك…

 

– “روزيت أدريان.”

 

تذكرت روزيت الاسم الذي نطق به الدوق وضحكت بهدوء.

 

كان من المفترض أنها تُوبخت، لكنها لسبب ما شعرت بالضحك.

 

لم تكن روزيت دالاس، بل روزيت أدريان.

 

شعرت أخيرًا أنها أصبحت جزءًا حقيقيًا من عائلة أدريان.

 

‘لقد تغيرت الأمور فعلًا.’

 

قبل موتها، تساءلت عما إذا كان تبنيها من قبل عائلة مثل أدريان سيغير حياتها. هل يمكن أن تتغير حياتها هذه المرة؟

 

حياة ذلك الشخص، وحياتها هي.

 

وأيضًا…

 

– “ما الذنب الذي ارتكبهُ المعلّم ودانيال حتى قتلتهما؟ لماذا؟”

 

“هل يمكن أن تتغير حياته هو أيضًا؟”

 

الأمير الأول، جوشوا إيرنهارد، الذي بكى أمامها كطفل. هل يمكنه أن يكون سعيدًا دون أن يفقد من يحب؟

 

حاولت روزيت تذكر ذلك الرجل الذي لم ترَ وجهه بوضوح، ثم أغمضت عينيها.

 

لم تعرف لماذا فكرت في رجل لم ترَ له صلة. هل لأنه آخر من رأته قبل موتها؟ أم لأنه السبب في عودتها بالزمن؟

 

‘ربما سألتقيه يومًا ما.’

 

بما أنه تلميذ الدوق، قد يأتي إلى القصر يومًا ما.

 

أغمضت روزيت عينيها وهي تشعر بقليل من الحماس.

 

ربما لأنها استيقظت مبكرًا هذا الصباح، غرقت في النوم سريعًا.

 

* * *

 

ألغى الدوق أدريان كل مواعيده وعاد إلى دار الأيتام.

 

“ما الذي حدث؟”

 

عندما رأت مديرة دار الأيتام الدوق عائدًا بوجه متجهم بعد ساعات قليلة من مغادرته مع روزيت، تفاجأت كثيرًا. كان يتصبب عرقًا باردًا وهو يرافق الدوق إلى مكتبها.

 

كان من الشائع أن يُلغى التبني بعد أيام قليلة، فظنت أن هذا هو الحال، لكن غياب روزيت أثار استغرابها.

 

“هل حدث شيء لروز؟”

 

“هل كنتِ تعلمين بحساسيتها؟”

 

“حساسية؟”

 

فكرت المديرة للحظة ثم هزت رأسها.

 

“لا، لا أعلم عن شيء من هذا القبيل.”

 

“لديها حساسية من الروبيان.”

 

“حقًا؟ لم نقدم الروبيان من قبل، لذا لم نكن نعلم.”

 

برقت عينا الدوق أدريان بحدة.

 

“هل أنتِ متأكدة أنكِ لم تعلمي؟”

 

شعرت المديرة للحظة وكأنها فريسة أمام مفترس. كانت تعلم أنها تُستجوب، لكنها لم تفهم سبب هذه الأسئلة.

 

ابتلعت ريقها بصعوبة وأجابت:

 

“لم أكن أعلم. لكن لمَ تسأل؟”

 

“كانت الطفلة تعلم بحساسيتها.”

 

“هذا مستحيل. جاءت روز إلى دار الأيتام وهي رضيعة. كيف يمكنها أن تعلم بحساسيةٍ لا نعلمها نحن؟”

 

“ليس هذا فحسب، بل إنها أكلت الروبيان رغم علمها أنه سيؤذيها، وأصيبت بسوء.”

 

صُدمت المديرة.

 

“ربّـاه، هل هي بخير؟”

 

“لحسن الحظ، ليست حساسية تهدّد حياتها. لكنني جئت لأعرف لماذا تصرفت بهذا الشكل.”

 

“…”

 

“هل أجبرتموها على تناول الطعام بالقوة؟”

 

 

~~~~~~~

 

– ترجمة: ستيفاني 

 

– حساب الواتباد: vminve

 

~~~~~~~~

 

ثقل ميزانك بذكرِ الله :

 

– سُبحان الله 🌿

 

– الحمدلله 🌸

 

– لا إله إلا الله 🌴

 

– اللهُ أكبر ☀️

 

– سُبحان الله و بحمدهِ ✨

 

– استغفر الله 💜

 

– اللهُم صلِ على نبينا محمد 🌠