“لأن هناك جاسوسًا آخر في القصر. إن لم أفعل أنا… فسيفعل غيري. فجئتُ لأتأكد من سلامة العربة.”
عقدت روزيت حاجبيها وهي تربط الخيوط في ذهنها.
إذن، في ماضيها، من دمّر عربة دانيال لم يكن جوزيف… بل آخر.
تنفّست بارتياح. لقد كانت على حق؛ جوزيف لم يكن شريرًا، ولم تتأخر هذه المرة عن إنقاذ الموقف.
“لا تبكِ. ستبقى أختك سالمة، أعدك.”
ناولت يده لتقيمه من الأرض.
“لكن… كيف بوسعك أن تجزمي بذلك؟”
أجابته بابتسامة غامضة، كأنها تعرف أكثر مما تُظهر:
“ثمة طرق كثيرة أعرفها.”
في الماضي، كان جوزيف قد ترك بيت أدريان ليخدم مركيز دالاس، وأدركت روزيت أن السبب لم يكن سوى استمرار احتجاز أخته رهينة. وهذا يعني أنّ الفتاة ما زالت حية.
“اطمئن الآن. دانيال أخي لا يزال نائمًا، فلنتأكد فقط من العربة ثم نعود.”
“دانيال…؟”
ردّد جوزيف الاسم كأنه يسمعه لأول مرة. لكن ما لبث أن تمتم وقد بدا الذهول على محيّاه:
“لكن… الهدف لم يكن الفتى… بل كان الدوق نفسه.”
ارتبكت روزيت. ‘كيف؟ الحادثة تطال دانيال… فلماذا يقول إنه الدوق؟‘
تبادل الاثنان نظراتٍ مذهولة، ثم أسرعا معًا إلى داخل مستودع العربات.
تلفّتت روزيت في العتمة، ثم همست بقلق متصاعد:
“غير موجودة…”
لقد اختفت— العربة التي يركبها دوق أدريان لم تكن في أي مكان.
“السيد الدوق، تعنين؟”
قال الخادم الوفي سيباستيان، يرمق روزيت بدهشةٍ لِكونها ما تزال يقِظة في مثل هذه الساعة، لكنه أجاب بوقارٍ لا يتزعزع:
“لقد غادر منذ لحظاتٍ قليلة.”
فتحت روزيت عينيها بحدة:
“في مثل هذا الوقت؟ ولماذا؟”
أطرق سيباستيان قليلًا قبل أن يجيب:
“لا أدري يقينًا… لكن الأمر على ما يبدو يتعلّق بكِ يا سيدتي.”
“وأين ذهب؟”
“إلى إحدى القرى الواقعة في شمال العاصمة… ولكن، ما الأمر؟ هل ثمة رسالةٌ تريدين إيصالها إلى الدوق؟”
هنا تقدّم جوزيف أوثر وقال بدلًا عنها:
“قد يكون الموكب قد تعرّض لعُطل.”
قطّب سيباستيان جبينه:
“عُطل؟ ما معنى هذا؟”
فأوجز جوزيف ما حدث، فارتبك سيباستيان، ثم نهض على عجل:
“سأستدعي الرجال حالًا.”
وما إن انصرف حتى التفت جوزيف لتهدئة روزيت:
“آنستي، الأفضل أن تعودي إلى الداخل وتتركي الأمر لنا…”
لكنها قاطعته بعزمٍ لا يلين:
“لا، سيكون الأوان قد فات!”
كانت تكاد تقضم أظافرها من التوتّر، ثم حدّقت فيه قائلة:
“جوزيف، هل تحسن ركوب الخيل؟”
“أجل… ولكن…”
استجمعت أنفاسها وقالت بقرارٍ صارم:
“فلنذهب.”
“ماذا؟!”
“خذني إلى أبي.”
هزّ رأسه معترضًا:
“دعيني أذهب وحدي، أيتها السيّدة.”
فأجابته بنبرةٍ لا تقبل التردّد:
“لا… يجب أن أذهب بنفسي. إن حدث أمر، فلن يُصلحه سواي. أسرع!”
لم يستطع جوزيف مخالفة تصميمها، فاصطحبها إلى الإسطبل، وما زالت نظرات الشك تعلو محيّاه، لكنه في النهاية امتطى صهوة الجواد.
تشبّثت روزيت بخصره بقوة، بينما يجلجل في خاطرها يقينٌ مرير:
‘الأحداث تغيّرت بسببي…’
في الماضي، كان دانيال هو من استقلّ عربة الدوق ووقع في الحادث. أما الآن، فقد تغيّر المصير، وكان الدوق نفسه على متنها.
انطلق الجواد كالسهم، يتقدّم على أي عربةٍ مهما بلغت سرعتها. وما هي إلا لحظات حتى لمحت روزيت من بعيد العربة البيضاء.
صرخت بكل ما أوتيت من روح:
“أبييي!”
غير أنّ صوتها لم يبلغ مسامع الدوق. فألهب جوزيف صهوة جواده أكثر.
وفجأة… مالت العربة مائلةً، ثم انخلعت عجلةٌ من عجلاتها، فارتطمت بالأرض واندفعت شرارات اللهيب منها. وفي لحظة، احتوتها ألسنة النار!
“لاااا!”
لم يكن خللٌ بسيط ليستدعي اشتعالًا كهذا… كان الحريق من فعل السحر، بلا شك. لقد سُكبت مادةٌ مسحورة قابلة للاشتعال.
“تبًّا!” زمجر جوزيف وأوقف الفرس.
قفزت روزيت إلى الأرض مسرعة، تريد أن تندفع إلى العربة، لكنه أمسكها من الخلف وحاصرها بين ذراعيه:
“لا يا سيدتي! خطر!”
“أتركني! يجب أن أذهب! يجب أن…!”
لكن دوّي انفجارٍ عظيم دوّى في الفضاء، وانتشرت الموجات الصادمة في كل اتجاه. جثا جوزيف أرضًا يحمي روزيت بجسده من الشظايا.
ما إن انقشع الدخان، حتى انفلتت منه، تركض صوب اللهيب وهي تصرخ:
“أبي! أبي!”
أغرقت دموعها نظرها حتى كادت لا ترى، فحملها جوزيف على كتفه ليردعها:
“خطرٌ محدق يا آنستي!”
“لكن… أبي…!”
“الدوق… قد فارق الحياة!”
انسكبت دموعها فوق كتفه غزيرةً كالسيل.
‘كله بسببي…’
لطالما اعتقدت أن إصلاح أخطاء الماضي هو الطريق الوحيد لسداد دينها لعائلة أدريان. لكن الحقيقة أعمق…
‘لا… إنني… أحبه.’
أحبت ابتسامته حين كان يلاقيها بنظراتٍ حانية. أحبت يده التي تربّت على رأسها برفق. أحبت حضنه الدافئ الذي كان يكسوها بالأمان.
أحبّت تلك الكلمة العزيزة التي ملأت حياتها نورًا: أبي.
لم يكن دَينًا تؤدّيه بعد الآن… بل سعادتها، وجودها، حياتها نفسها. ولن تسمح أن يسلبها ماركيز دالاس تلك السعادة مرةً أخرى!
حدّقت روزيت بعينيها المبللتين بالدموع إلى العربة المشتعلة. وإذا بها تدرك شيئًا…
من وسط النار، انبعثت طاقة مهيبة. كان موج المانا ذاته، نفس الموجة التي شعرت بها ذات يوم، حين روّض الدوق قوى مانا المستعرة في جسدها.
“إنه حيّ! أبي ما زال حيًّا!”
الأوان لم يفت. ما زالت هناك فرصة.
لكنّ النيران هذه مسحورة. ولن يطفئها سوى السحر المضاد. غير أنّ نواتها الصغيرة لا تقوى على مواجهة طاقة بهذا الحجم.
انتظار سيلين سيعني الموت…
‘ثمة سبيل…!’
مدّت يدها ونادت بصوتٍ يمزّق السكون:
“بيييبــي!”
[سيو سيو!]
حلّق بيبي فوق راحتها، وجسده الصغير يتوهّج بالنور. فجأةً، تدافعت جداول المانا من كل صوبٍ نحوها، تتجمّع في جسدها، وتتصاعد حولها دوائر الطاقة!
ارتجّت الأرض من حولها، إذ اندفعت الموجات في انفجارٍ رهيب…
انفجار مانا.
ذلك الفنّ الممنوع، الذي يضاعف قوى المانا الطبيعية ليخلق سحرًا يفوق حدود الجسد.
خطرٌ جسيم على الساحر نفسه، سلاحٌ لا يلجأ إليه إلا في لحظةٍ أخيرة.
لكن في هذه الساعة، لم يكن ثمة خيار آخر…
فجّرت روزيت دفعةً واحدة المانا التي امتصّتها عبر بيبي، وهتفت بتعويذة الإبطال المهيبة.
“……!”
وفي اللحظة نفسها، بدأت ألسنة اللهب الحمراء التي كانت تتوحّش بجنون تتضاءل شيئًا فشيئًا.
تحرّرت روزيت من ذراعي جوزيف، وتقدّمت بخطواتٍ مثقلة نحو العربة.
كان في أعماقها إحساسٌ عاصف يعتصرها ويرتفع كبركانٍ يريد الانفجار، لكنها كبحت الألم بصعوبة، تجرّ قدميها في عناء.
دفعت باب العربة دفعةً واحدة، وما تزال الشرارات المتبقّية تلتهم أطرافها.
“أبي!”
هرعت عيناها تجوبان العربة بلهفة، لكنها لم تجد سوى دخانٍ أسود كثيف يملأ الداخل.
أخذت تسعل بمرارة، فيما يديها تبحثان بيأس عن دوق أدريان.
وفجأة…
“روز؟”
ذاك الصوت الذي لطالما تاقت روحها لسماعه، انبثق من بين الدخان، وتجلّى معه بريق الشعر البلاتيني المألوف.
إنه دوق أدريان. وقد كان طيفٌ من الحاجز الخافت يحيط بجسده.
‘لقد احتمى بالمانا…!’
وبينما تستوعب روزيت الموقف، خرج الدوق من العربة، وعيناه تتفحّصانها بدهشة.
“روز… كيف جئتِ إلى هنا…؟”
أطلقت تنهيدة ارتياحٍ عميقة وهي تحدّق به.
كان جسده قد أصيب ببعض الحروق على ذراعيه وساقيه، لكن روحه بخير، وحياته لم تزل ثابتة.
وما إن رأت ذلك، حتى انهار ما تبقّى من قوتها. لقد استنفدت المانا في انفجارها، فغمرها الإعياء.
انحنى جسدها، وسعالٌ حادّ يهزّ صدرها بلا انقطاع.
“روز!”
أسرع دوق أدريان ليضمّها بين ذراعيه، فرفعت بصرها إليه والدموع تغمر عينيها، تبتسم وسط بكائها.
“لحسن …الحظ”
وما إن لفظت الكلمة حتى خبا وعيها بين يديه.
* *
“الطبيب الخاص! أين الطبيب الخاص؟! استدعوا سيلين أيضًا! أسرعوا!”
نادراً ما يفقد دوق أدريان وقاره، لكنّه، ما إن عبر بوابة القصر حاملًا جسد روزيت، حتى دوّى صوته الآمر في الأرجاء.
“مولاي… لقد عدت سالماً…”
غير أنّ ملامح الارتياح على وجه سيباستيان ما لبثت أن شحبَت حين أبصر روزيت، هامدةً بلا حراك في أحضان الدوق.
“آنستي! ما الذي حدث…؟!”
“الشرح لاحقًا… أولًا، استدعي سيلين فورًا!”
“السيدة سيلين خرجت بحثًا عنك، يا سموك.”
“أبلغها أن تعود في الحال… حالًا!”
~~~~~~~
– ترجمة: ستيفاني
– حساب الواتباد: vminve
~~~~~~~~
ثقل ميزانك بذكرِ الله :
– سُبحان الله 🌿
– الحمدلله 🌸
– لا إله إلا الله 🌴
– اللهُ أكبر ☀️
– سُبحان الله و بحمدهِ ✨
– استغفر الله 💜
– اللهُم صلِ على نبينا محمد 🌠
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 19"