“لقد سمعتُ هذا الحديث مرارًا وتكرارًا على امتداد الشهر الماضي. كنتِ تؤجلين استدعاء السيّدة وايد في كلّ مرة، متذرّعةً بأنّك قد تزدادين وزنًا فلا تلائمكِ الفساتين. والآن تريدين منّي أن أُرجئ الأمر مجددًا؟”
“لا أقصد التأجيل… إنّما فقط أن تُوسَّع قليلًا…”
“أبدًا. لم أعُد أطيق أن أراكِ ترتدين ثيابًا تضيق بجسدك. وإن ضاقت عليكِ مستقبلًا، فآنذاك نُفصّل لكِ غيرها. أمّا اليوم… فافعلي ما آمرك به.”
ارتسمت على ملامح روزيت دهشةٌ بريئة، فيما انعقد حاجبا إيزابيل بحدةٍ نافرة.
“لا تُبدي ذلك الوجه القَلِق من أجل ثمن الثياب. تلك ليست همومكِ.”
كانت روزيت تدرك أنّ أيّ اعتراضٍ آخر قد يُشعل غضب أختها الكبرى، فآثرت أن تُذعن في خجلٍ مُطأطئة الرأس.
“حسناً…”
“إذن… إن فرغنا، فلنقِس مقاساتك.”
صفّقت إيزابيل بكفّيها، فما لبث الخدم أن اندفعوا حاملين أشرطة القياس، يُحيطون بروزيت ويقتادونها إلى خلف الستار.
لم تخرج من فم روزيت إلا مناجاة مرتعشة: “أختي؟ أختي…؟” قبل أن تبتلعها الظلال وراء الحجاب.
غير أنّ إيزابيل قاطعتها سريعًا، قبل أن تتمّ عبارتها:
“أليست لطيفة؟”
كان صوتها رتيبًا، خالياً من حرارة، كأنّها تُلقي ملاحظةً عابرة عن صفاء الطقس. لكنّ السيّدة وايد، وقد رافقت إيزابيل منذ نعومة أظفارها، لم يَخفَ عليها أنّ قلب السيّدة الكبرى قد غرق في محبّة شقيقتها الصغرى.
“صغيرة آل أدريان لطيفة، لكنّ السيّدة إيزابيل نفسها لا تقلّ عنها عذوبة.”
لكنّ إيزابيل كانت تمقت أن تُعامَل كطفلة. فمنذ رحيل والدتها، ألقت الحياة على عاتقها أعباء بيت أدريان، فنضجت قبل أوانها وتطلّعت لتكون امرأةً كاملة لا فتاة مدللة… مع أنّ عمرها ما زال عمرًا يصرخ بحاجته إلى الحبّ.
إلا أنّ السيّدة وايد خبّأت يقينها ببراعة.
“نعم، يا آنستي… إنّها لطيفة بحق.”
“إذن… فاعتني بها جيّدًا.”
“بالطبع، سأُعنى بفستانها كما ينبغي…”
“لا، ليس هذا ما أعنيه.”
“آه… فهمت.”
ولم يَطل الأمر حتى أدركت السيّدة وايد المغزى المكنون في كلامها.
“حسناً. سأشيع أنّها فتاة محبوبة، عذبة الخصال.”
إذ إنّ الصالونات كانت مرتعًا للأقاويل، لا يهدأ فيها لغط ولا يخبو همس. وكلّ الأنظار اليوم مسلّطة على السيّدة الصغيرة الجديدة لبيت أدريان: روزيت أدريان.
غير أنّ الدوق الجليل شدّد على خدمه بالكتمان الصارم، فلم يتجرّأ أحدٌ على إفشاء أمرها. لكن، وكما هي سُنّة البشر، كلّما زاد الغموض، اشتدّ الفضول.
وخلال الشهر المنصرم، لم تُسأل السيّدة وايد عن شيء أكثر من سؤال: “أرأيتِ السيّدة الجديدة؟”
وبذلك كان مقصد إيزابيل جليًّا: أن تُلجَم الألسن، فلا تجرؤ على النيل من سمعة شقيقتها الصغرى.
“تحبّين شقيقتكِ بحق، آنستي.”
قهقهت إيزابيل باستهانةٍ بارزة.
“لا حبّ ولا عاطفة. إنّما لا أسمح بثرثرةٍ تُدنّس اسم آل أدريان.”
لكن، على الرغم من قسوة نبرتها، ارتسمت على فمها ابتسامةٌ صغيرة وهي تُلقي بنظرها نحو الستار الذي احتوى روزيت.
حين أبصرت روزيت لأوّل مرّة، راودها القلق. لم تُعارض قدوم أختٍ جديدة، لكنّها خشيت أن تعجز تلك الطفلة الرقيقة عن الصمود في غابة المجتمع المخملي المتوحّش.
‘إذن، فلأهبها راعيًا يظلّلها.‘
هكذا أقنعت نفسها: أن يُطلق عليها لقب “الموهوبة برعاية آل أدريان” خيرٌ من أن تُرمى بوسم “ابنة التبنّي من عامّة الشعب.”
لكنّها، مهما أنكرت، لم تستطع أن تمنع قلبها من الانجراف؛ ففي غضون شهر واحد فقط، أسرتها روزيت وأذابت في أعماقها جليد التمنّع.
‘لا… بل عليّ أن أحميها بنفسي.‘
فلا دانيال ولا لوكاس – وهما رجلان – يعرفان كم هو مرعبٌ هذا العالم الموشّى بالذهب. يكفي عيبٌ صغير ليكون طُعماً لمخالبه. أليست هي نفسها قد ذاقت همزًا ولمزًا لأنّها تعلّمت فنون السيف؟
فما بالهم إذن بروزيت، تلك الطفلة الناعمة؟
“أخبري الجميع… أنّ آل أدريان جميعًا يضعون روزيت في حدقات عيونهم.”
“مفهوم، يا آنستي.”
كانت تلك وصيّة، بل إنذارًا مبطّنًا: لا ينسينّ أحد أنّ خلف روزيت يقف مجد آل أدريان بكلّ جبروته.
ابتسمت السيّدة وايد، وهي تراقب إيزابيل ترتشف الشاي ببرودٍ مصطنع.
“نعم… سيّدتي لا تُجيد المصارحة قط.”
* * *
كانت السيّدة وايد أوّل من بعثت بهديةٍ إلى الصغيرة الجديدة؛ فأرسلت ثوبًا منامًا ناعمًا، يكاد يُضاهي في رِقّته منامات السيّدة إيزابيل التي ارتدتها طوال الشهر الماضي، غير أنّه جاء على مقاسٍ دقيقٍ يلتفّ حول الجسد كما لو صيغ له خصيصًا.
وبينما كانت تفعل ذلك، كانت جوان – التي صارت خادمتها الخاصّة – تراقبها مبتسمة.
“آن لكِ أن تنامي، سيدتي الصغيرة.”
“نعم…” أجابت روزيت بخجلٍ رقيق.
في أعماقها كانت ترغب أن تُباهي بهذا الثوب أمام إخوتها وعائلتها، لكنّها لم تستطع أن تجرؤ. فاكتفت بأن تُلقي بجسدها على السرير، حاملةً تلك الرغبة في قلبها.
ولعلّه سحر الثوب الجديد، إذ ما هي إلّا لحظات حتى انغمست في نومٍ عميقٍ وهادئ.
لكن ذلك السكون لم يدم طويلًا.
“هيه، أيتها الصغيرة!”
كان صوت لوكاس أدريان هو أوّل ما شقّ غياهب نومها بعد ساعات.
“أيتها الصغيرة، استيقظي!”
ولمّا لم تنهض روزيت – وقد كانت غارقة في أثر أحلامٍ ورديّة – اندفع لوكاس قافزًا إلى سريرها، فاهتزّ الفراش الوثير لحظة ثم عاد واعتدل.
“أيتها المشاغبة… استيقظي!”
“همم…” تمتمت بصوتٍ ناعس، ودفنت رأسها أكثر في الأغطية.
ابتسم لوكاس ابتسامةً واسعة، تتراقص في عينيه شرارةٌ من الحنان والمرح.
كم هي لطيفة…!
قبل شهرٍ واحدٍ فقط، كان الدوق الجليل – والدهم – قد غادر مع دانيال، الأخ الأكبر، ليتفقدا ميتمًا اعتادا رعايته بالصدقات. كان من المفترض أن يعودا في مساء اليوم ذاته، لكنّ أمرًا عاجلًا أبقاهما أيّامًا خارج القصر.
وحينها أسرّ الخادم الأكبر، سيباستيان، خبرًا لم يكن في الحسبان:
– “سيأتي مولاي هذا المساء بفتاةٍ صغيرة، ينوي تبنّيها.”
– “فتاة؟ تبنّي؟”
– “نعم، أيّها السيّد الصغير. ستُرزق أختًا من اليوم.”
أخت…!؟
كان الأمر صاعقًا مفاجئًا، لكنّه لم يُغضب لوكاس، بل ملأه نشوةً لم يعرفها من قبل. لطالما تمنى أن يكون له أخٌ أو أخت أصغر منه، وقد جاءته الأمنية من حيث لا يحتسب!
ثم جاء أبوه وأخوه الأكبر بعد أيام، ومعهما طفلة صغيرة، أشبه ما تكون بملاكٍ وُلِد من خيوط الفجر.
كانت خصلاتها وردية كغزل البنات، وعيناها زرقاوان بصفاء سماء الربيع، وبشرتها بيضاء كأنّها لم تعرف شمسًا قطّ، على عكس أبناء آل أدريان الذين لوّحتهم شمس التدريب والسيوف.
صغيرة، نحيلة، تبدو ضعيفة، ومع ذلك… يكفي أن تُزيّن بلمسةٍ واحدة لتغدو كدميةٍ من الأحلام. تلك كانت روزيت أدريان، الطفلة التي صارت من تلك اللحظة جزءًا من دمه وعائلته.
‘كيف كُتِب لي أن أنال أختًا جميلةً كهذه؟‘
كان لوكاس يحلم بأختٍ تركض وتلعب معه. لكن روزيت لم تكن بتلك القوة؛ جسدها ضعيف، وخجلها يسبقها. لم تكن رفيقة لهوٍ كما أراد. لكنّه أحبّها على حالها، وأيقن أنّه سيُنشئها ويقوّيها بيديه.
تأمّل وجهها النائم، ثم هتف بحماسٍ متجدّد:
“انهضي، انهضي!”
فتحت روزيت عينيها ببطء، وهي تفركهما بأناملها الصغيرة، وإذا بزرقةٍ عميقة، صافية كالجواهر، تشعّ من حدقتيها.
ضحك لوكاس قائلًا بحماسٍ صاخب:
“هيا! حان وقت التدريب الصباحي!”
* * *
حين سلّمها لوكاس سيفًا خشبيًا في السابق، كانت قد وعدته أن تتعلّم فنون القتال. فقد رأت أنّ ابنة آل أدريان لا بدّ أن تملك من السيف أساسًا كما يملكه إخوتها.
لكن ضعف جسدها جعلها تؤجّل ذلك الوعد يومًا بعد يوم.
واليوم، حانت اللحظة حقًا. وفي قلبها الصغير خفق شيءٌ من البهجة لم تستطع إظهاره.
لكن سرعان ما انقلب حماسها إلى ندمٍ ثقيل.
“لنبدأ بتمرينات اللياقة! ثلاث جولاتٍ كاملة حول ساحة التدريب!”
كان لوكاس، وقد اقتحم حجرتها مع بزوغ الفجر، قد سحبها من مخدعها مباشرةً إلى ساحة المبارزة، محتجًّا بأنّها وعدته بالتدريب عند الفجر.
ولم يكتفِ بهذا، بل أعلن أنّه سيكون معلّمها بنفسه.
“هيا، لمَ تتباطئين؟”
“نعم…” أجابت روزيت بخجل، مرتديةً زيّ التدريب الخاصّ بإيزابيل.
بدأت بخطواتٍ بطيئة، تمشي نحو الساحة، فإذا بجميع الأنظار تلتفت إليها؛ الفرسان الذين كانوا يتدرّبون أوقفوا حركاتهم، وشرعوا يتساءلون همسًا:
“أليست تلك…؟”
“كنتُ أظنّ أنّها لا تتعلّم المبارزة.”
“أما زالت صغيرة على ذلك؟”
لكنّ عيونهم، رغم الدهشة، لم تُخفِ عطفًا صادقًا. كانت خطواتها الصغيرة، المتعثّرة، تحاكي خطوات فارسٍ يسعى إلى أن يُثبت نفسه، فبدت في أعينهم عذبةً، مُلهِمة.
فآل أدريان… لم يُخلَقوا إلّا ليحملوا السيوف، وكانوا دومًا أكبر قامةً، أشدّ قوّةً من أقرانهم.
~~~~~~~
– ترجمة: ستيفاني
– حساب الواتباد: vminve
~~~~~~~~
ثقل ميزانك بذكرِ الله :
– سُبحان الله 🌿
– الحمدلله 🌸
– لا إله إلا الله 🌴
– اللهُ أكبر ☀️
– سُبحان الله و بحمدهِ ✨
– استغفر الله 💜
– اللهُم صلِ على نبينا محمد 🌠
“لقد سمعتُ هذا الحديث مرارًا وتكرارًا على امتداد الشهر الماضي. كنتِ تؤجلين استدعاء السيّدة وايد في كلّ مرة، متذرّعةً بأنّك قد تزدادين وزنًا فلا تلائمكِ الفساتين. والآن تريدين منّي أن أُرجئ الأمر مجددًا؟”
“لا أقصد التأجيل… إنّما فقط أن تُوسَّع قليلًا…”
“أبدًا. لم أعُد أطيق أن أراكِ ترتدين ثيابًا تضيق بجسدك. وإن ضاقت عليكِ مستقبلًا، فآنذاك نُفصّل لكِ غيرها. أمّا اليوم… فافعلي ما آمرك به.”
ارتسمت على ملامح روزيت دهشةٌ بريئة، فيما انعقد حاجبا إيزابيل بحدةٍ نافرة.
“لا تُبدي ذلك الوجه القَلِق من أجل ثمن الثياب. تلك ليست همومكِ.”
كانت روزيت تدرك أنّ أيّ اعتراضٍ آخر قد يُشعل غضب أختها الكبرى، فآثرت أن تُذعن في خجلٍ مُطأطئة الرأس.
“حسناً…”
“إذن… إن فرغنا، فلنقِس مقاساتك.”
صفّقت إيزابيل بكفّيها، فما لبث الخدم أن اندفعوا حاملين أشرطة القياس، يُحيطون بروزيت ويقتادونها إلى خلف الستار.
لم تخرج من فم روزيت إلا مناجاة مرتعشة: “أختي؟ أختي…؟” قبل أن تبتلعها الظلال وراء الحجاب.
غير أنّ إيزابيل قاطعتها سريعًا، قبل أن تتمّ عبارتها:
“أليست لطيفة؟”
كان صوتها رتيبًا، خالياً من حرارة، كأنّها تُلقي ملاحظةً عابرة عن صفاء الطقس. لكنّ السيّدة وايد، وقد رافقت إيزابيل منذ نعومة أظفارها، لم يَخفَ عليها أنّ قلب السيّدة الكبرى قد غرق في محبّة شقيقتها الصغرى.
“صغيرة آل أدريان لطيفة، لكنّ السيّدة إيزابيل نفسها لا تقلّ عنها عذوبة.”
لكنّ إيزابيل كانت تمقت أن تُعامَل كطفلة. فمنذ رحيل والدتها، ألقت الحياة على عاتقها أعباء بيت أدريان، فنضجت قبل أوانها وتطلّعت لتكون امرأةً كاملة لا فتاة مدللة… مع أنّ عمرها ما زال عمرًا يصرخ بحاجته إلى الحبّ.
إلا أنّ السيّدة وايد خبّأت يقينها ببراعة.
“نعم، يا آنستي… إنّها لطيفة بحق.”
“إذن… فاعتني بها جيّدًا.”
“بالطبع، سأُعنى بفستانها كما ينبغي…”
“لا، ليس هذا ما أعنيه.”
“آه… فهمت.”
ولم يَطل الأمر حتى أدركت السيّدة وايد المغزى المكنون في كلامها.
“حسناً. سأشيع أنّها فتاة محبوبة، عذبة الخصال.”
إذ إنّ الصالونات كانت مرتعًا للأقاويل، لا يهدأ فيها لغط ولا يخبو همس. وكلّ الأنظار اليوم مسلّطة على السيّدة الصغيرة الجديدة لبيت أدريان: روزيت أدريان.
غير أنّ الدوق الجليل شدّد على خدمه بالكتمان الصارم، فلم يتجرّأ أحدٌ على إفشاء أمرها. لكن، وكما هي سُنّة البشر، كلّما زاد الغموض، اشتدّ الفضول.
وخلال الشهر المنصرم، لم تُسأل السيّدة وايد عن شيء أكثر من سؤال: “أرأيتِ السيّدة الجديدة؟”
وبذلك كان مقصد إيزابيل جليًّا: أن تُلجَم الألسن، فلا تجرؤ على النيل من سمعة شقيقتها الصغرى.
“تحبّين شقيقتكِ بحق، آنستي.”
قهقهت إيزابيل باستهانةٍ بارزة.
“لا حبّ ولا عاطفة. إنّما لا أسمح بثرثرةٍ تُدنّس اسم آل أدريان.”
لكن، على الرغم من قسوة نبرتها، ارتسمت على فمها ابتسامةٌ صغيرة وهي تُلقي بنظرها نحو الستار الذي احتوى روزيت.
حين أبصرت روزيت لأوّل مرّة، راودها القلق. لم تُعارض قدوم أختٍ جديدة، لكنّها خشيت أن تعجز تلك الطفلة الرقيقة عن الصمود في غابة المجتمع المخملي المتوحّش.
‘إذن، فلأهبها راعيًا يظلّلها.‘
هكذا أقنعت نفسها: أن يُطلق عليها لقب “الموهوبة برعاية آل أدريان” خيرٌ من أن تُرمى بوسم “ابنة التبنّي من عامّة الشعب.”
لكنّها، مهما أنكرت، لم تستطع أن تمنع قلبها من الانجراف؛ ففي غضون شهر واحد فقط، أسرتها روزيت وأذابت في أعماقها جليد التمنّع.
‘لا… بل عليّ أن أحميها بنفسي.‘
فلا دانيال ولا لوكاس – وهما رجلان – يعرفان كم هو مرعبٌ هذا العالم الموشّى بالذهب. يكفي عيبٌ صغير ليكون طُعماً لمخالبه. أليست هي نفسها قد ذاقت همزًا ولمزًا لأنّها تعلّمت فنون السيف؟
فما بالهم إذن بروزيت، تلك الطفلة الناعمة؟
“أخبري الجميع… أنّ آل أدريان جميعًا يضعون روزيت في حدقات عيونهم.”
“مفهوم، يا آنستي.”
كانت تلك وصيّة، بل إنذارًا مبطّنًا: لا ينسينّ أحد أنّ خلف روزيت يقف مجد آل أدريان بكلّ جبروته.
ابتسمت السيّدة وايد، وهي تراقب إيزابيل ترتشف الشاي ببرودٍ مصطنع.
“نعم… سيّدتي لا تُجيد المصارحة قط.”
* * *
كانت السيّدة وايد أوّل من بعثت بهديةٍ إلى الصغيرة الجديدة؛ فأرسلت ثوبًا منامًا ناعمًا، يكاد يُضاهي في رِقّته منامات السيّدة إيزابيل التي ارتدتها طوال الشهر الماضي، غير أنّه جاء على مقاسٍ دقيقٍ يلتفّ حول الجسد كما لو صيغ له خصيصًا.
وبينما كانت تفعل ذلك، كانت جوان – التي صارت خادمتها الخاصّة – تراقبها مبتسمة.
“آن لكِ أن تنامي، سيدتي الصغيرة.”
“نعم…” أجابت روزيت بخجلٍ رقيق.
في أعماقها كانت ترغب أن تُباهي بهذا الثوب أمام إخوتها وعائلتها، لكنّها لم تستطع أن تجرؤ. فاكتفت بأن تُلقي بجسدها على السرير، حاملةً تلك الرغبة في قلبها.
ولعلّه سحر الثوب الجديد، إذ ما هي إلّا لحظات حتى انغمست في نومٍ عميقٍ وهادئ.
لكن ذلك السكون لم يدم طويلًا.
“هيه، أيتها الصغيرة!”
كان صوت لوكاس أدريان هو أوّل ما شقّ غياهب نومها بعد ساعات.
“أيتها الصغيرة، استيقظي!”
ولمّا لم تنهض روزيت – وقد كانت غارقة في أثر أحلامٍ ورديّة – اندفع لوكاس قافزًا إلى سريرها، فاهتزّ الفراش الوثير لحظة ثم عاد واعتدل.
“أيتها المشاغبة… استيقظي!”
“همم…” تمتمت بصوتٍ ناعس، ودفنت رأسها أكثر في الأغطية.
ابتسم لوكاس ابتسامةً واسعة، تتراقص في عينيه شرارةٌ من الحنان والمرح.
كم هي لطيفة…!
قبل شهرٍ واحدٍ فقط، كان الدوق الجليل – والدهم – قد غادر مع دانيال، الأخ الأكبر، ليتفقدا ميتمًا اعتادا رعايته بالصدقات. كان من المفترض أن يعودا في مساء اليوم ذاته، لكنّ أمرًا عاجلًا أبقاهما أيّامًا خارج القصر.
وحينها أسرّ الخادم الأكبر، سيباستيان، خبرًا لم يكن في الحسبان:
– “سيأتي مولاي هذا المساء بفتاةٍ صغيرة، ينوي تبنّيها.”
– “فتاة؟ تبنّي؟”
– “نعم، أيّها السيّد الصغير. ستُرزق أختًا من اليوم.”
أخت…!؟
كان الأمر صاعقًا مفاجئًا، لكنّه لم يُغضب لوكاس، بل ملأه نشوةً لم يعرفها من قبل. لطالما تمنى أن يكون له أخٌ أو أخت أصغر منه، وقد جاءته الأمنية من حيث لا يحتسب!
ثم جاء أبوه وأخوه الأكبر بعد أيام، ومعهما طفلة صغيرة، أشبه ما تكون بملاكٍ وُلِد من خيوط الفجر.
كانت خصلاتها وردية كغزل البنات، وعيناها زرقاوان بصفاء سماء الربيع، وبشرتها بيضاء كأنّها لم تعرف شمسًا قطّ، على عكس أبناء آل أدريان الذين لوّحتهم شمس التدريب والسيوف.
صغيرة، نحيلة، تبدو ضعيفة، ومع ذلك… يكفي أن تُزيّن بلمسةٍ واحدة لتغدو كدميةٍ من الأحلام. تلك كانت روزيت أدريان، الطفلة التي صارت من تلك اللحظة جزءًا من دمه وعائلته.
‘كيف كُتِب لي أن أنال أختًا جميلةً كهذه؟‘
كان لوكاس يحلم بأختٍ تركض وتلعب معه. لكن روزيت لم تكن بتلك القوة؛ جسدها ضعيف، وخجلها يسبقها. لم تكن رفيقة لهوٍ كما أراد. لكنّه أحبّها على حالها، وأيقن أنّه سيُنشئها ويقوّيها بيديه.
تأمّل وجهها النائم، ثم هتف بحماسٍ متجدّد:
“انهضي، انهضي!”
فتحت روزيت عينيها ببطء، وهي تفركهما بأناملها الصغيرة، وإذا بزرقةٍ عميقة، صافية كالجواهر، تشعّ من حدقتيها.
ضحك لوكاس قائلًا بحماسٍ صاخب:
“هيا! حان وقت التدريب الصباحي!”
* * *
حين سلّمها لوكاس سيفًا خشبيًا في السابق، كانت قد وعدته أن تتعلّم فنون القتال. فقد رأت أنّ ابنة آل أدريان لا بدّ أن تملك من السيف أساسًا كما يملكه إخوتها.
لكن ضعف جسدها جعلها تؤجّل ذلك الوعد يومًا بعد يوم.
واليوم، حانت اللحظة حقًا. وفي قلبها الصغير خفق شيءٌ من البهجة لم تستطع إظهاره.
لكن سرعان ما انقلب حماسها إلى ندمٍ ثقيل.
“لنبدأ بتمرينات اللياقة! ثلاث جولاتٍ كاملة حول ساحة التدريب!”
كان لوكاس، وقد اقتحم حجرتها مع بزوغ الفجر، قد سحبها من مخدعها مباشرةً إلى ساحة المبارزة، محتجًّا بأنّها وعدته بالتدريب عند الفجر.
ولم يكتفِ بهذا، بل أعلن أنّه سيكون معلّمها بنفسه.
“هيا، لمَ تتباطئين؟”
“نعم…” أجابت روزيت بخجل، مرتديةً زيّ التدريب الخاصّ بإيزابيل.
بدأت بخطواتٍ بطيئة، تمشي نحو الساحة، فإذا بجميع الأنظار تلتفت إليها؛ الفرسان الذين كانوا يتدرّبون أوقفوا حركاتهم، وشرعوا يتساءلون همسًا:
“أليست تلك…؟”
“كنتُ أظنّ أنّها لا تتعلّم المبارزة.”
“أما زالت صغيرة على ذلك؟”
لكنّ عيونهم، رغم الدهشة، لم تُخفِ عطفًا صادقًا. كانت خطواتها الصغيرة، المتعثّرة، تحاكي خطوات فارسٍ يسعى إلى أن يُثبت نفسه، فبدت في أعينهم عذبةً، مُلهِمة.
فآل أدريان… لم يُخلَقوا إلّا ليحملوا السيوف، وكانوا دومًا أكبر قامةً، أشدّ قوّةً من أقرانهم.
~~~~~~~
– ترجمة: ستيفاني
– حساب الواتباد: vminve
~~~~~~~~
ثقل ميزانك بذكرِ الله :
– سُبحان الله 🌿
– الحمدلله 🌸
– لا إله إلا الله 🌴
– اللهُ أكبر ☀️
– سُبحان الله و بحمدهِ ✨
– استغفر الله 💜
– اللهُم صلِ على نبينا محمد 🌠
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 16"