“…صديقتي تعمل في بيت دوق نورد، وتقول إن الدوقة وزّعت دنانير ذهبية على الخدم فرحاً، بعدما سمعت أن مولاتنا طُردت ليلاً من غرفة النوم الخاصة بالدوق.”
“أوه، وهل وصل الخبر إلى هناك بهذه السرعة؟”
“رآه بأم عينه أكثر من شخص، فكيف لا ينتشر الخبر؟ يا لها من فضيحة… انها وحدها تحمل عار نساء الأرض جميعاً.”
“عامان كاملان من الزواج بلا ليلة زفاف واحدة، فما المانع أن ترتكب أي حماقة؟ لو كنت مكانها لجننت واندفعت نحوه بدوري. لا بد أن جسدها يحترق من الشوق حتى…”
“هُشش!”
توقفت الحوارات الرخيصة فجأة. فبينما كنّ يصعدن الدرج بحماسة، وقعت أنظار الخادمات على نيـنا، الواقفة هناك بوجه متجمد كالصخر، ونبرتها الصامتة أشد برودة من السيف.
“م… مولاتي…”
نورد دوقة، ريبيكا.
حفيدـة مركيز كرو، وزير مالية الإمبراطورية، وابنة دوق ويسلر الكبرى.
رغم أنها اليوم زوجة دوق نورد بفضل زواج سياسي مدبَّر، إلا أنها في الماضي اشتهرت بولعها المجنون بآش دي باييرن.
لذلك كانت تلتقط أخبار زواج نيـنا التعيس كما لو كانت ذبابة على الجيف، ثم تبالغ في تضخيمها ونشرها كعدوى سامة.
إن بلغ خبر تلك الليلة مسامعها، فلن يطول الأمر حتى تغرق به أروقة المجتمع الراقي.
“اللعنة…”
عندما خطرت ريبيكا ببال نيـنا، عضّت على أسنانها بغضب.
“…يقولون إنكِ طُردتِ من غرفة النوم؟ لعل الخطوة التالية أن يستقدم دوق باييرن إحدى الخليلات إلى القصر.”
“أواه، لا بد أنكِ تبالغين! هل يعقل أن يحدث ذلك فعلاً؟”
“عامان قضياهما في غرف منفصلة. وإن لم يشأ أن يورّث لقب العائلة لابن أخيه، فسيُضطر لإدخال خليلة. دعينا نواجه الحقيقة… حالة الدوقة النفسية لا تبشّر. لو أنجبت وريثاً وهو على شاكلتها، ألا يُخشى أن يرث جنونه معها؟”
نيـنا أغمضت عينيها لحظة، والذكريات انفتحت في ذهنها كجرح.
حفل خيري ضخم برعاية الإمبراطورية.
سمعت يومها بأذنيها همساتهم الآثمة، فانفجر رأسها بالغيظ حتى فقدت السيطرة، وانقضّت على شعر ريبيكا تمزّقه وسط الحاضرين.
“تلك الحماقة هي التي جلبت عليّ سخط البلاط الإمبراطوري، ومن يومها سارت ريبيكا متبخترة في كل مكان، تزيد في غيّها وصلفها.”
…أترمي إليه أوراق الطلاق وتفرّ من كل هذا؟
كلما تذكرت أنها ستضطر إلى مواجهة استفزازات دوقة نورد مرة بعد مرة، سال لعابها للهرب.
لو لم تكن عائقاً لخطط آش في حماية منصبه كوصي، لما كان في الأمر خطر.
“لا، استفيقي!”
السبب الذي يجعلها تحسب خطواتها بدقة هو أن أي زلة قد تؤدي بعد عام واحد فقط إلى النهاية المأساوية لعائلتها بأكملها.
لا بد أن تتجنب كل ما من شأنه أن يزيد كراهية زوجها لها.
“هؤلاء… فقط لأنني بقيت حبيسة الغرفة، تطاولن حتى انفلت زمامهن…”
تماسكت نيـنا بصعوبة، ثم أطلقت صوتها بارداً كالنصل:
“…هل يجدر بي أن أشكركن على هذا القدر من الفهم لأحوالي؟”
“مولاتي!” صاحت مارشا، مشدودة الأعصاب حتى قبضت يديها، كأنها على وشك أن تنقض عليهن. “دعيني أستدعي الجنود حالاً. لنسجنهن بتهمة إهانة النبلاء!”
ارتعشت أجساد الخادمات كالصفصاف في العاصفة، وخرجن يتوسلن:
“مولاتي، لقد ارتكبنا إثماً عظيماً!”
“سامحينا… أرجوك، هذه المرة فقط!”
رمقتهن نيـنا بنظرة جليدية وقالت:
“مارشا، اذهبي وأحضري رئيسة الخدم.”
“ماذا؟ ألا تريدين استدعاء الجنود مباشرة؟”
“افعلي كما أقول الآن.”
“إن كان هذا أمر مولاتي…”
رمقت مارشا الخادمات بنظرات احتقار قبل أن تنطلق مسرعة إلى الطابق الأول.
ولم يمضِ وقت طويل حتى عادت برفقة رئيسة الخدم.
“ما الأمر؟”
امرأة في منتصف الخمسينيات، شعرها بني وعيناها بنية.
ميلاني—رئيسة خدم آل باييرن، التي طالما وقفت في وجه نيـنا تحت مظلة حماية الدوق نفسه، وكانت من أكثر من يُظهر كراهيته لها داخل القصر، بعد زوجها مباشرة.
وقفت ميلاني أسفل الدرج، ورفعت حاجبها نحو نيـنا الواقفة في الأعلى.
تلك النظرة تسألها بوضوح: أي ورطة تسببتِ بها هذه المرة؟
حدّتها الجارحة، المليئة باليقين بأن أصل المشكلة دائماً نيـنا، لم تزدها إلا غيظاً فوق غيظها.
“رئيسة الخدم، ما العقوبة التي تنالها الخادمة إن زلّ لسانها؟”
فوراً انصبّ بصر ميلاني من فوق نيـنا إلى الخادمات المرتجفات.
“الأمر يختلف بحسب جسامة ما قيل. عادةً يُعاقبن بالحرمان أو الحسم من الأجر، وإن كان الأمر خطيراً فقد يُطردن، أو تُرفع عليهن دعوى اعتماداً على تعهّد السرية.”
“وماذا لو كان الكلام يسيء إلى سمعة السيد أو سيدته؟”
لعل ميلاني أدركت فحوى الأحاديث التي انطلقت منذ قليل، فأطلقت تنهيدة قصيرة، ثم قالت:
“…هل تفكرين في معاقبتهن بجريمة إهانة النبلاء؟ إن أردتِ إحالة الأمر إلى المحكمة، فلا بد أن أرفع تقريراً مفصلاً إلى الدوق.”
“أعرف الخزي مثل أي إنسان. ما سمعته لن يصل إلى مسامع زوجي. لهذا السبب استدعيتكِ أنتِ.”
ميلاني، بصفتها رئيسة الخدم في بيت الدوق، كانت تفاخر باعتدادها بمهنتها. ورغم أن علاقتها بنيـنا كانت شائكة، إلا أنها لم تكن تمزج مشاعرها الشخصية بعملها.
قالت الخادمات، متردّدات وقد غمرهن الندم:
“نحن… لم نفعل سوى أن نتناقل ما شاع في الخارج منذ أيام. غفلنا وفعلناها بلا تفكير…”
لكن حتى وهن يعتذرن، بدا الخجل ينهش أصواتهن، فكيف لهن أن يرددن بأفواههن ما تفوهن به آنفاً؟
حين راحت الخادمات تدور بأعينهن باحثات عن أعذار واهية للهروب من الورطة، أحست نينا بالحنق يتصاعد في صدرها. ومع ذلك لم يخطر ببالها قط أن تُعاقبهن بتهمة “إهانة النبلاء”.
فلكي تُزج بهن في السجن، يتعين عليها أن تكرر بنفسها ما سمعته أمام زوجها ورجاله. أحقًا تريد أن تذيع على الملأ ما يجلد كرامتها؟ ذلك أشبه ببصقٍ في وجهها وهي مستلقية. لا، لن تدفعها الحماقة إلى رفع دعوى كهذه.
لكن ثمّة أمر لا يمكن التغاضي عنه. كان لا بد من تصحيح الخطأ.
قالت ببرود وهي ترمي كلماتها كالرصاص:
“…فضيحة النساء كلّها حملتُها وحدي، وأنا لهفى حتى أتهالك عليه… أهذا حقًا كلام يُقال بلا تفكير؟”
مع هذه العبارة، اتسعت عينا ميلاني، ورمت الخادمات بنظرة حادة، حتى تجمد الدم في عروقهن. فذلك التصريح وحده يكفي ليُجرجرن إلى المحكمة بتهمة ازدراء النبلاء.
ثم حوّلت بصرها عن الخادمات المرتعشات، اللواتي تهاوت دموعهن على وجوه شاحبة كالورق، والتفتت نحو نينا بوجه بالغ الجدية:
“مولاتي، كيف تأمرين أن يُعاقَبن؟”
ابتسمت نينا بمرارة وقالت:
“أنا، التي جعلتُ بيت باييرن أضحوكة للناس، بأي وجه أحكم على غيري بالعقاب؟ ومع ذلك، هذا الكلام مساس بكرامة الدوق نفسه. فلتتولي أنتِ الأمر وتقدّري العقوبة بما ترينه مناسبًا.”
للحظة بدت الدهشة على وجه ميلاني، واتسعت عيناها قليلاً. لم تعهد من نينا أن تترك معاقبة الخدم لغيرها، إذ كانت من قبل لا تهدأ إلا إذا اقتصّت بيدها.
فكيف تُحيل الأمر لغيرها الآن؟ بل وكيف تذكر خطاياها السابقة بلسانها، وتبقى متزنة بعد أن نالتها الإهانة؟ لو لم ترَ ذلك بنفسها لظنت أنّه محض إشاعة.
أن تفوض أمر العقوبة لرئيسة الخدم، معناه أنها لا تريد أن تتعسّف في استعمال سلطتها كسيدة القصر.
وميلاني… هي اليد اليمنى لآش دي باييرن.
أملت نينا في أن تصل أخبار تغيّرها إلى زوجها من خلالها، وهي تغادر المكان بخطوات مثقلة.
—
كان سبب متاعب معدتها اليوم واضحًا: ذاك الطعام الذي ابتلعته على مضض البارحة، وهي تشتعل غيظًا من همسات الخادمات.
منذ ذلك الصباح لم يزل ثِقَلٌ جاثم في جوفها، لا يزول.
لقد اعتادت طويلًا على العيش بجسد “جانغ سويونغ” الصلب، حتى كادت تنسى أن جسد “نينا” أضعف بكثير.
هل لأنها وُلدت قبل أوانها؟ لقد كانت منذ طفولتها عليلة كثيرة السقام، وأثقلت أبويها بالهمّ.
أمعاؤها كانت أضعف ما فيها، حتى إنها لم تكد تفارق الدواء طوال مراهقتها، ولم تتحسن حالها إلا بعد أن بلغت.
لكن هذا الألم الجديد بيّن أن العلة ما زالت كامنة، لا تزول.
“آه… لو أني مزّقت تلك الأفواه القذرة قبل أن يطردن، لكان شفاءً لصدري.”
لكن فات الأوان. فالخادمات المشكلات قد طُردن بالأمس من القصر.
وكان ذلك متوقعًا. فهي التي ضبطتهن بنفسها، ولا سبيل لرئيسة الخدم إلى حفظ هيبة البيت إلا بطردهن.
قالت مارشا، وعيناها تتلألآن بابتسامة ظافرة:
“ثم إن رئيسة الخدم لم تعطهن حتى توصية مكتوبة. لن يُسمح لهن بالعمل عند أي أسرة نبيلة بعد الآن. انتهى أمرهن… حياتهن دُمّرت.”
زفرت نينا وهي تنظر إلى خادمتها التي بدت سعيدة بالانتقام أكثر مما يليق:
“هاه… كل هذا، وأنا أشعر أنني أموت حقًا…”
“أتريدين أن أذهب لأحضر دواءً آخر؟”
“لا، لا جدوى. تناولته صباحًا، وها أنا لا أزال أشعر بالغثيان وكأن معدتي ستقلبني رأسًا على عقب.”
راودتها فكرة خفية:
لو أن بوسعي أن أفقأ إصبعي بالإبرة لأخفف هذا الثقل…
آه لو كان بين يديها إبرة الحجامة، لشرعت فيها الآن.
ظلت تضغط براحة يدها على مواضع معينة، تفكر في وخز أصابعها لتخفيف الألم، حتى قطع تفكيرها طرقٌ خفيف على الباب.
طَرق… طَرق… طَرق.
“مولاتي، أيمكن أن أدخل لحظة؟ عندي أمر أسألكِ عنه.”
تبادلت مارشا النظرات مع سيدتها بقلق وقالت:
“مولاتي، هل أسمح لها بالدخول؟”
“دعِيها تدخل. على الأقل نسمع ما جاء بها.”
اعتدلت نينا جالسة بعدما كانت مستلقية على جنبها، فأدخلت مارشا الخادمة.
“ما الأمر؟”
ترددت الخادمة قليلًا وهي ترى نينا شاحبة متكئة على رأس السرير، ثم قالت بصوت متردد:
“لقد جاء الكونت أثلوت لزيارتك يا مولاتي، وقال إنه على موعد معك. أردت التأكد من صحّة ذلك. لكن… لا تبدين في حال يسمح باستقبال الضيوف. لقد استضفته في قاعة الاستقبال، فهل أعيده أدراجه؟”
“آه…”
كونت أثلوت .
ذلك الرجل من فروع آل باييرن، الذي رفع دعوى من قبل ضد آش دي باييرن ليسلبه حق الوصاية على ابن أخيه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات