“……صحيح. قد يكون من الصعب التصديق حين تطلب الزوجة، التي كانت مهووسة بزوجها حتى حدّ المطاردة، الطلاق فجأة.”
ربما بدا الأمر وكأنه محض سخرية أو مزحة ثقيلة.
نيـنا، وقد اعتقدت أن حدّة رد فعل زوجها تعود إلى شكوكه، حاولت تهدئة حذره بصوت هادئ:
“إن كان سببك أنك لا تثق بي، فيمكنني الآن، أمامك، أن أكتب تعهداً خطيّاً…….”
ابتسم آش دي باييرن ابتسامة باهتة وقال ببرود:
“تساءلتُ عن أي هراء ستتفوهين به، فإذا بكِ هذه المرة تستعملين عقلك حقاً.”
“تستعمل عقلي…؟ ماذا تقصد بذلك…….”
قاطعها آش بصوت مبحوح ومكبوت، وقد قبض كفيه بقوة على ركبتيه حتى بدت عروقه الزرقاء نافرة:
“زوجتي، في الآونة الأخيرة كنت مشغولاً بالتحقيق في إجراءات التبنّي.”
“ت… تبنّي؟”
“إذا أردتُ أن أتبنّى ابن أخي، فلا بد أن أُبقي على الزواج ثلاث سنوات كاملة على الأقل. فماذا تظنين أن يخطر ببالي عندما تطلبين الطلاق فجأة في هذه المرحلة بالذات؟”
“لك… لكن أليس من الممكن أن يُتَبنى القريب حتى دون شرط مدة الزواج؟”
“لو كان ذلك ممكناً، لما تزوجتكِ من الأصل.”
كان يكفيه عندها أن يباشر التبنّي مباشرة، دون أن يدخل في معركة قضائية مريرة ليصير وليّاً شرعياً.
“آه…….”
إذن، هل هذا ما جعله في حياته السابقة يحتمل ثلاث سنوات كاملة؟
لأجل أن يتبنى ابن أخيه؟
سارعت نيـنا إلى التبرير:
“أدرك أن الأمر صعب التصديق، لكنني حقاً لم يكن لي أي قصد آخر. بعد ما جرى قبل أيام……!”
“كفى.”
زمَّ زوجها حاجبيه بشدة، فازداد بريق رماديتَي عينيه قتامةً ووعيداً. وعلى ظهر يده العريضة، التي استقرت فوق ركبته الصلبة، ارتعشت عروق زرقاء كالأفاعي، تكشف بوضوح أنه يكبح غضبه بصعوبة.
“لقد أضعت وقتي عبثاً.”
قال ذلك وهو ينهض من مقعده، كأن لا حاجة لمزيد من الكلمات.
“انتظر لحظة!”
انتفضت نيـنا، التي شلها ما أبداه من احتقار وغضب، لتلحق به على عجل.
“حبيبي، أرجوك استمع لي لحظة فقط……”
كل ما أرادت قوله أنه إن حدث الطلاق فلن يضير أحداً؛ بل سيكون في صالح الجميع.
أنها لم تفكر ولو للحظة في إفساد خططه.
لكن حين صدمتها نظراته المحتقرة، التي اخترقتها كخنجر، انكمشت يدها الممدودة بلا وعي كما تنكمش الأعصاب من صدمة الكهرباء.
“آه…….”
وبما أنها لم تستطع متابعة حديثها تحت ضغط هيبته الطاغية، استدار آش بلا تردد وخرج من المكتب كما لو أنهى كل شأن له بها.
وحين استعادت نيـنا وعيها وركضت خلفه، كان قد ابتعد كثيراً، بعيداً عن متناول يديها.
***
كان آش قد بدأ مؤخراً يتقصّى إجراءات التبنّي بسبب ذلك القريب اللعين.
فقد علم أن عمّه يخطط لرفع دعوى لتغيير الوصي، مدفوعاً بالابن البكر الذي تزوّج حديثاً.
صحيح أن احتمال قبول مثل هذه الدعوى ضعيف، لأن المحكمة قد ترى أن لا فائدة عملية منها، لكن أن وجود جدّ زوجته في منصب قاضٍ في المحكمة العليا يجعله عاجزاً عن توقّع ما يمكن أن يحدث من مفاجآت.
ولهذا السبب، وبعد أن جرّ نفسه عبر جحيم زواج دام عامين، قرر أن يتحمّل عاماً ثالثاً كاملاً ليتبنى ابن أخيه، واستشار مؤخراً محامياً متخصصاً في قانون الأسرة.
هو لم يشأ قط أن يسطو على لقب الدوق، ولا على مكانة الأب التي تركها له أخوه غير الشقيق الذي قاده جحيم أمه إلى الموت……
لكن الشيء الوحيد الذي استطاع أن يقدمه ككفارة هو أن يحمي إيان.
“……وكما توقعت، لم يخرج الأمر قيد أنملة عمّا حسبته.”
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه، كقطع زجاج حاد.
ذلك لم يكن جديداً؛ تلك المرأة دأبت على ملاحقة حركاته وسكناته بتطفّل لا ينتهي.
وكان يتوقع، إن عرفت بخطته، أن تحاول التلاعب به عبر ورقة الطلاق لتكسب اليد العليا…… لكنه لم يظن أنها ستفعلها بهذه السرعة.
“هل فاتني فأر بين الشقوق؟”
بدأ ذهنه يستعرض الوجوه التي تستخدمها نيـنا كأذرعٍ لها.
“يبدو أن وقت التنقية قد حان.”
لقد أبقاهم حتى الآن عمداً، لأنه كان أهون عليه أن يسيطر على المعلومات وهو يعرف قنوات تسربها، بدلاً من اجتثاثهم جميعاً.
صحيح أن الأمر يبعث على الاشمئزاز—أن يدخل حرب معلومات ضد زوجته—لكن تلك المرأة لم تكن عادية في عنادها وشرّها.
ومن كان ليتخيل أن زوجة من سلالة دوقية عريقة مثل آل تايلور، قد تهبط إلى درك سافل فتستخدم قروض الربا القذرة لتستعبد أتباعها؟
ما يؤسف أكثر أن جدّ تلك المريضة بالغيرة والشكّ يشغل منصب قاضٍ في المحكمة العليا.
لو لم يكن منصب الوصاية على ابن أخيه على المحك، لما تردد لحظة في تطليقها.
وأثناء انشغاله في الخفاء بالإعداد لسقوط القاضي العجوز تمهيداً لطلاق ميسّر، ترك لها بعض الحبل ليزداد رصيد أخطائها. ولم تخيّب ظنونه؛ ها هي الآن تغرق أكثر فأكثر في مهازلها.
“أدرك أن الأمر صعب التصديق، لكنني حقاً لم يكن لي أي قصد آخر. بعد ما جرى قبل أيام……!”
قصد آخر؟
آش لم يصدّق كلمة واحدة من زوجته.
وحين لم يفلح جسدها في إغوائه، ها هي الآن تلوّح بورقة الطلاق، محاولةً السيطرة على زمام العلاقة بطريقة جديدة……
***
ركب آش دي باييرن العربة استعداداً للخروج، ثم ألقى أمراً على جيفري الذي كان واقفاً خارج النافذة.
“يبدو أن أخبار تحركاتي الأخيرة وصلت إلى أذن زوجتي. تحقّق من مصدر تسرّب المعلومات.”
“نعم، سيدي.”
ثم حوّل آش بصره إلى الأمام، فغاصت عيناه الرماديتان في عتمةٍ أشبه بغياهب هاوية بلا قرار.
***
بعد أن عادت نيـنا من مفاوضات الطلاق الفاشلة مع زوجها، ظلت ليلتين كاملتين تتقلب في سريرها بلا نوم. لذلك، ما إن أشرقت شمس الصباح حتى داهمها صداع ثقيل.
“سيدتي… وماذا سنفعل الآن؟”
سألتها مارشا بلهجة يغلبها القلق.
بللت نيـنا حلقها برشفة من شاي الصباح الخفيف، ثم قالت بفتور:
“وماذا عساني أن أفعل؟ سنعيد المفاوضات من جديد.”
هل يعود السبب إلى أن قوانين الأحوال الشخصية صارمة، لأن الطبقات الأرستقراطية مرتبطة بالوراثة والنسب؟ أم أن قانون هذا العالم ببساطة متخلف ورجعي؟
أياً كان التفسير… فالأمر يثير الغثيان.
حتى إن كان المتبنَّى من أقارب الدم، فاشتراط ثلاث سنوات من الزواج لإتمام التبني… أليس هذا ظلماً صارخاً؟
لو لم يكن هذا الشرط قائماً، لكانت الآن حرّة، قد حسمت الطلاق وانتهى الأمر!
“لكن لماذا الإصرار على التبني أصلاً؟”
منصب الوصي وحده كافٍ ليحمي ابن أخيه.
“…مهما يكن، فلا بد أن هناك سبباً وجيهاً.”
رجل يتوق إلى الطلاق أكثر منها، ومع ذلك يرفضه… فلا بد أن السبب قهري.
“لكن، كيف لي أن أجد فرصة ثانية للحديث معه؟”
لكي تفاوض زوجها المتشكك الأبدي، عليها أولاً أن تظفر بلقاء. لكن، على الرغم من أنهما يعيشان تحت سقف واحد، فإن مقابلة زوجها أشبه بترتيب قمة بين الكوريتين!
ولست أبالغ: على مدار عامين لم يجلسا معاً على مائدة واحدة، ولا حتى لفنجان شاي.
في البداية حاولت مراراً، لكنها كيف تمسك برجلٍ ناضج يقفز واقفاً كلما اقتربت منه؟
“في المرة الأخيرة لم أظفر بخمس دقائق إلا بعدما توسلت…”
لكن الحادث المفاجئ الذي وقع بعدها جعل جدار شكوكه يرتفع أكثر من ذي قبل، حتى باتت الجولة القادمة من التفاوض أصعب بما لا يُقاس.
“هل أبدأ أولاً بتصفية الديون؟”
كانت خطتها أن تنهي قضية الطلاق قبل كل شيء، لكنها الآن تميل إلى البدء بإنقاذ أولئك الغارقين في ديون مرابية ذات فوائد وحشية لا تقل قسوة عن شبكات القروض السوداء.
ثم بعدها—تكتب رسالة إلى زوجها، أو تلحّ عليه بالطلب صباح مساء—لا بأس.
“آه، لو أنني عدت إلى ما قبل الزواج! لماذا كان لا بد أن أعود إلى هذه اللحظة بالذات…!”
أما يوجد شيء اسمه مبدأ عدم محاكمة الشخص على الجريمة نفسها مرتين؟
لقد دفعت بالفعل ثمن أخطائي في حياتي السابقة، فكيف أُجبرت على العودة إلى النقطة عينها التي سقط فيها سيف الكارما عليّ؟
“إنها، بلا شك، عقوبة إنسانية جائرة… لا، مهلاً.”
أطفأت نيـنا غضبها المتأجج سريعاً بسكب ماء بارد من عقلها.
“…يا أنا، أين دفنتِ ضميرك؟”
فلنقل إن ما جنته على زوجها قد كفّرته بما عانته.
لكن ماذا عن عائلتها التي ابتليت بجرائرها؟ ومارشا، التي جرتها معها إلى الهاوية؟
هل موتها كان تعويضاً كافياً لهم؟ لا. لم يكن ليكفّر الكارما.
بل ربما هذه العودة هي العقوبة الحقيقية.
أن تعيش فيما كل من حولها يعرف سواد ماضيها، ويراها بعين تلك الذنوب… هذا بحد ذاته جحيم.
“لا بأس. لا مفر.”
هذا قدرها، وهي وحدها من عليه أن يتحمله.
“…مارشا، أخبري الطباخ أنني من اليوم فصاعداً سأتناول الطعام في قاعة الطعام.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات