وقف الحارس أمام باب المكتب الرسمي، متصلّبًا كالصخرة، وكأنه لا ينوي مطلقًا أن ينقل خبر حضورها إلى الدوق. قال ببرود:
“أعتذر يا سيدتي، لكنّ صاحب السمو منشغل الآن بعمل بالغ الأهمية، وقد أوصى ألّا يُقاطع على الإطلاق.”
حاولت نينا التفاهم معه أكثر من مرة، لكنّ إصراره على رفض حتى إيصال الرسالة أوحى لها أن لا سبيل للوصول إلى الداخل إلا باقتحام الباب عنوة.
“سيدتي، فلنعد في وقت لاحق…” تمتمت مارشا من خلفها، والقلق بادٍ في نبرتها.
لكن نينا ابتسمت لها ابتسامة متكلَّفة، محاولة أن تبدّد ارتباكها.
“لا بأس، علينا أن نتحمّل مثل هذا.”
لم يكن هذا الموقف خارج توقعاتها. لو كان من السهل رؤية وجه زوجها الثمين، لما قضت حياتها الماضية تلاحقه بجنون وهي تترزّق من المراباة.
“سأنتظر هنا إذن.”
“كما تشائين.”
أجاب الخادم بفظاظة، رافعًا رأسه في تعالٍ.
“أيها الوقح…!” تمتمت مارشا، وقد قبضت يدها حتى كادت تندفع نحوه لتؤدّبه. فموقفه لم يكن يليق أبدًا في حضرة دوقة.
لكن نينا كتمت سخرية مريرة في صدرها، ونبّهتها بصوت خفيض:
“مارشا.”
“لكن يا سيدتي، هو الآن يتجرأ…!”
“يكفي. لا أريد ضوضاء قبل حديث بالغ الأهمية.”
عضّت مارشا على شفتها بقهر، والغضب يلمع في عينيها. كانت كجرو شجاع صغير، لا يبالي في الدفاع عن سيدته مهما كان الثمن. وكيف لنينا أن تجهل ذلك؟ غير أنّ ما ينتظرها من حوار مع زوجها يتعلّق بالطلاق، ولا مجال فيه لأي إرباك ولو كان بسيطًا.
“مارشا، بعد أن أنتهي من لقائي مع الدوق، أود أن أستريح. أعدّي لي حمامًا.”
“سيدتي…”
“هيا.”
كانت مارشا ترغب في البقاء إلى جانبها، لكن نينا لم تشأ أن ترى أعزّ من تملكها وهي في ضعفها. فنظرة حازمة واحدة منها دفعت مارشا إلى التراجع والانسحاب مكرهة.
وهكذا، بقيت نينا وحدها في مواجهة الخادم المتجهم، فانتَصبت في مكانها كتمثال، تنتظر أن يُفتح الباب.
(لا بدّ أنهم يظنّون أنني جئت لأحاسبه على لياليه التي قضاها خارج البيت)، حدثت نفسها.
ولعلهم يتخيلون أنّها ستنفجر في نوبة غضب ثم ترحل صاخبة، كما تكرّر مرارًا خلال العامين الماضيين. لم يكن غريبًا أن يتوقعوا ذلك.
لكنها، رغم مظهرها المتماسك، كانت تشعر أن الحياة قد ضاقت عليها حدّ الموت. نظرات السخرية في عيني الخادم، وعيون الخدم العابرة في الممر، اخترقت كبرياءها كالسهام. كثير منهم لا بدّ رأوا سقطاتها في لحظات سُكرها، أو على الأقل سمعوا بها.
شعرت بالعار يحرق وجهها حتى كادت تختفي من الخجل. ومع ذلك، كانت تكرر في ذهنها وكأنها تُلقّن نفسها:
(أنا بخير، أنا بخير، أنا بخير…).
حين تنتهي إجراءات الطلاق، وتمضي السنوات، سينمحي اسمها من ذاكرة الناس.
وبدأ العرق البارد يتصبّب من ظهرها. فما زال جسدها عليلًا، كدماته لم تزل بعد، والوقوف الطويل أوهن خصرها وركبتيها، حتى خُيّل إليها أنّ الحمى تسري في أوصالها.
لا تدري كم طال الانتظار، حتى—
صرّ الباب الموصَد طويلًا وهو يُفتح أخيرًا.
وخرج منه… زوجها. أو بالأحرى، (سابق زوجها). لا، ما زال زوجها في القانون.
كان طويل القامة، يقارب المتر والتسعين، شعره الأسود مصففًا إلى الخلف، جبهته مستقيمة، أنفه شامخ، وعيناه الرماديتان عميقتان كسحيق الليل. بدا وكأنه ممثل عالمي من زمنٍ مضى، مهيب الطلعة إلى حدّ يثير الذهول.
غير أنه، ما إن وقعت عيناه عليها، حتى انعقد ما بين حاجبيه باستياء. كأنّه يتساءل ببرود: ما زلتِ هنا؟
قال بصوت قاطع:
“في هذه اللحظة، لا بد أن عائلتك قد تلقّت عريضة دعوى الطلاق.”
“ماذا تقول يا عزيزي؟ ما الذي…”
“إن أردتِ الرد خلال المهلة القانونية، فالأجدر بك أن تنطلقي الآن.”
“أيّ طلاق هذا!؟ إن علم جدي…”
“لا تقلقي بشأنه. لقد أزحتُه بنفسي عن منصبه قبل أيام.”
“لا… لا يمكن… هذا مستحيل!”
“أحقًا كنتِ تظنين أنني سأعيش إلى الأبد حبيس هذه الزيجة؟”
في ذلك اليوم، حين أخبرها بقراره بالطلاق، نظر إليها بالطريقة نفسها: نظرة تفيض احتقارًا، كما لو كانت لا تساوي شيئًا.
حينها تجمدت في مكانها، شاعرة وكأنها أُعيدت إلى ذلك المشهد المستقبلي، أو ربما الماضي، لتواجه مجددًا تلك النظرة التي حطّمتها.
ثم أطلق ضحكة ساخرة، ونقر لسانه مستهزئًا، ومضى متجاوزًا إياها… كما لو لم تكن أكثر من حشرة في طريقه.
استفاقت نينا متأخرة على وقع الصدمة، فسارعت لتقبض بذراع زوجها.
“يا… يا عزيزي، انتظر قليلًا…!”
صفع يدها بعنف.
“آه!”
ارتسم على وجهه تعبير مقزَّز، وكأن شيئًا دنسًا قد لامسه.
مال برأسه قليلًا، ناظرًا إليها من أعلى إلى أسفل، وقال ببرود:
“ماذا تريدين؟”
كان أطول منها بكثير، حتى إن عليها أن ترفع عنقها إلى أقصى حد لتلتقي بعينيه. ومع ذلك، بدا كأنه يأنف من مجرد أن ينحني لها، فاكتفى بإسقاط نظراته عليها من علٍ.
موقف يبعث على الغضب والمهانة، لكنها لم تجد في نفسها سوى الامتنان لأنه على الأقل سمح بفتح باب الحديث.
(كم هو مخيف هذا الجو الآن…)
شهقت لتلتقط أنفاسها، وارتجفت زوايا ابتسامتها وهي تحاول أن تبدو متماسكة.
ولمّا اصطدمت بعينيه الباردتين، اضطرب قلبها بعنف.
كانت نظراته قادرة على سحق الروح.
(كيف تجرأت في حياتي الماضية أن أطارده بجنون كهذا؟ لا بد أنني كنت مجنونة.)
بلعَت ريقها الجاف، ثم تكلّمت بصوت متردّد:
“لدي أمر مهم حقًا… أرجو أن تمنحني قليلًا من وقتك.”
أخرج ساعة جيب من صدره، وكأنه كان يستعد للخروج، وألقى نظرة باردة على عقاربها.
“قصيرًا إذن. ادخلي في صلب الموضوع.”
“ليس هنا… أفضّل أن نتحدث في مكتبك.”
قهقه ساخرًا.
“ظننت أنني كنت واضحًا في شرحي سابقًا. أم أنّ بياني لم يكن كافيًا؟”
“ماذا تقصد؟”
“إن كنت تخططين لخلع ثيابك والاندفاع عليّ في المكتب كما فعلتِ آنذاك، فدعيني أرفض. ذلك الجسد لم يحرّكني حينها، ولا أظنه سيفعل الآن.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات