مرّت لمعةُ حزنٍ خافتة في عينيها الزرقاوين، لكنها بدّدت الذكرى بسرعةٍ بابتسامةٍ هادئة.
“يكفي أن لا يتسرّب الهواء، وأن نجد ما نستند إليه. لا حاجة للتدلّل أكثر من ذلك.”
نينا صرفت النظر عن تذمّر مارشا الذي انبعث من إخلاصٍ صادق.
فما كان يليق أن تشتكي بينما الجميع من حولها يكدّون في تثبيت الأرض ونصب الخيام.
“لكن يا سيدتي…”
“همم؟”
“أشعر أن هناك شيئًا… غريبًا بعض الشيء.”
نينا حملقت فيها، تنتظر أن تُكمل، لكن مارشا كانت تتردد، تفتح فمها وتغلقه كمن يبحث عن الكلمات.
“ما الأمر؟ قولي بوضوح، ما الذي يثير قلقك؟”
“أظن… أظن أني لا أرى الخيمة التي ستنامين فيها يا سيدتي…”
“هاه؟ ماذا قلتِ؟”
كانت نينا تتابع نظرات مارشا وهي تتفقد الخيام المنصوبة. ومع تلك النظرات المريبة، دبّ في صدرها إحساسٌ خافت بالقلق.
“انتظريني قليلاً، سأتحقق من الأمر!”
ركضت مارشا نحو العمّال بخطواتٍ متوترة، بينما تابعتها نينا بعينٍ متسائلة.
بعد لحظات، بدأت ملامح الحيرة ترتسم أيضًا على وجوه أولئك الرجال، ثم راحوا يفتشون عربات الأمتعة بارتباكٍ واضح.
(لا يمكن… لا يمكن أن يكون ما أفكر فيه…)
تجمّد ذهن نينا للحظة، إذ أخذت تلك الفرضية التي راودتها قبل قليل تتحول شيئًا فشيئًا إلى حقيقةٍ واقعة.
(لا، هذا مستحيل… بالتأكيد ليس هذا ما حدث…)
لكن دعواتها لم تُستجب.
“سيدتي…”
عادت مارشا بعد برهةٍ قصيرة، تتلعثم وهي تقول:
“يبدو… يبدو أننا نسينا خيمتك بين الأمتعة. لم تُحمَّل مع البقية…”
أظلم كلّ ما حولها.
يا للكارثة.
—
داخل خيمة آش.
قال آش بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى نينا التي كانت جالسة أمامه بوجهٍ متجهم:
“خيمتك غير موجودة؟”
“حتى لو امتلكت عشرة ألسنة، فلن أجد ما أقوله.”
كانت كتفاها تهويان إلى الأسفل يأسًا، وعيناها مطرقتين بحرجٍ شديد.
نهض آش، ارتدى معطفه، وقال دون تردد:
“عندما نصل إلى المدينة، سنشتري تجهيزاتٍ جديدة. أما الليلة، فستنامين هنا.”
“لا داعي، يمكنني أن أنام قرب النار. لستُ بحاجةٍ لأن تزعج نفسك.”
“أتريدين أن أبدو كرجلٍ عديم الشرف يترك زوجته تنام في العراء؟”
تطلعت إليه نينا بدهشةٍ خفيفة.
“ولِمَ تصبّ غضبك عليّ؟ لستُ أنا من نسي الخيمة…”
تنهد آش بعمقٍ قبل أن يجيب:
“لم أكن غاضبًا منك.”
ثم أضاف بهدوءٍ متماسك:
“الخطأ يقع على أولئك الذين نسوا خيمتك، لا عليكِ أنتِ. لم أكن أنوي أن أرفع صوتي. إنها عادة سيئة… إن بدا كلامي حادًّا، فاعذريني.”
كانت نبرته الآن أكثر رقة، لكنها حملت في طيّاتها تعبًا دفينًا من ماضٍ ثقيل.
أما نينا فهزّت رأسها ببطء.
“…لا بأس، فقط خشيتُ أن تسيء فهمي. لا أريد أن يحدث أي سوء ظن بيننا.”
“اي سوء ظن؟”
تساءل آش وهو يقطب حاجبيه، بينما أشاحت نينا بوجهها عنه وقالت بصوتٍ خافتٍ يكاد لا يُسمع:
“لا شيء… الامر ليس مهمًا.”
لكن احمرار وجنتيها، الذي امتد إلى أذنيها بلونٍ ورديٍّ يشبه لون شعرها، فضح اضطرابها.
وفي لحظةٍ خاطفة، انبثق في ذهن آش مشهدٌ من الماضي.
“لقد مضى عامان على زواجنا يا آش! أما حان الوقت لأن تقوم بواجباتك الزوجية؟ إلى متى ستتركني هكذا؟!”
آه… ذلك “النوع” من سوء الفهم.
تحركت زاوية فمه بتوترٍ خفيف، ورفع يده ليغطي نصف وجهه، محاولًا حجب تلك الذكرى المحرجة التي داهمته فجأة—اليوم الذي اقتحمت فيه نينا غرفته بجرأةٍ غريبة، مرتديةً ثيابًا لا يمكن وصفها إلا بأنها مثيرةٌ على نحوٍ غير لائق.
تلك الصورة التي لطالما أراد محوها من ذاكرته…
لكن الآن، وهو يراها أمامه—شفتيها المطبقتين بقلق، حمرة وجنتيها الخفيفة، عنقها الطويل المنحني—شعر بتوترٍ غامض يسري في صدره.
قال على عجلٍ، محاولًا كسر الصمت الثقيل:
“على أي حال، لا تقلقي. أنا أستطيع النوم في أي مكان، فارتاحي أنتِ هنا.”
ثم استدار ليغادر، لكن صوته توقف عند أول خطوةٍ خارج الخيمة حين سمعها تقول:
“لِمَ لا ننام معًا؟!”
تجمّد مكانه.
هل سمعها حقًا؟
“عفواً؟”
“أعني!” رفعت يديها بتوتر وهي تهزّ رأسها سريعًا، “أعني أنني أنام على الأرض، وأنت على السرير! لا تفهم الأمر خطأ! ما قلته كان مجرد زلّة لسان، أقسم!”
“على الأرض؟”
نظر إليها آش طويلًا، بعينٍ يصعب تفسيرها، كأنه لا يصدّق ما سمع.
“إن طردتك من خيمتك، فلن يطمئن قلبي. لا أريد أن أرتاح بينما أنتَ هناك في الخارج…”
ربما بسبب تلك “الزلّة”، بدا وجهها الآن كغروبٍ ورديٍّ هادئ، يغمره الخجل حتى أطراف أذنيها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 36"