لو كانت قد فقدت ذاكرتها حقًا، لربما كانت قد ابتهجت وهي تظن أن “علاقتهم الرومانسية” قد بدأت.
لكن الان لقد مضت بعيدًا جدًا عن مثل تلك الأوهام.
“آسفة!”
اعتذرت نينا بسرعة وهي تبتعد عن بين ذراعيه.
غير أنّه في تلك اللحظة، تقدّم منها بخطوة مفاجئة.
“د… دوقي…؟”
اقترب منها حتى غمرها عبير جسده الثقيل والدافئ، حتى كاد أن يملأ أنفاسها.
ارتبكت نينا، فتراجعت حتى التصق ظهرها برفوف الكتب.
… دقّات، دقّات، دقّات.
لم تكن المسافة بينهما تزيد على عرض كفّ.
رفع ذراعه ببطء فوقها، حتى صار الفاصل بينهما ضئيلًا، خطيرًا.
“…….”
توتّر حادّ تخلّل الهواء بينهما، مسافة نصف كفّ فقط، كأنها سلك مشدود على وشك الانقطاع.
كانت متأكدة من أنها لم تعد تحمل أي مشاعر تجاه زوجها، ولم يسبق أن شعرت نحوه بهذا الوعي الغريب من قبل…
لكن المسافة القصيرة، والملامسة التي لم تحدث بعد، خلقت صمتًا مشحونًا لا يُفهم سببه.
ثم، فجأة—
سُووق.
ابتعد بخطوة واحدة.
“هل هذا ما كنتِ تبحثين عنه؟”
“آه…”
في يده كان قاموس المصطلحات القانونية، السبب الحقيقي وراء كل هذه الفوضى.
مدّت نينا يدها بدهشة لتأخذه.
“شكراً…”
“هل ستطالعينه هنا؟”
تطلّع إلى يده، ثم رفع القاموس قليلاً وهو يسألها بنبرة هادئة.
“ها؟ لا، لا. كنت أنوي أخذه إلى غرفتي.”
ردّت بارتباك، فما كان منه إلا أن اتجه نحو الباب دون كلمة أخرى.
أحقًا سيتكلف كل هذا العناء من أجلها؟
وقفت نينا مذهولة، تنظر إليه في صمت غير مصدّق، حتى التفت نحوها وسأل:
“ألستِ قادمة؟”
“آه! آتي، بالطبع!”
أفاقت من شرودها ولحقت به مسرعة.
يا إلهي، ما الذي لم تختبره منذ أن عادت بالزمن؟
تناولت الطعام معه، اختبرت ما يشبه اللمس العابر بينهما، وتلقّت مساعدته أيضًا.
لم يعد الأمر مجرّد وهم أو أمل زائف.
بعد كل هذا، لو كان هناك من لا يدرك أنهما باتا أقرب إلى الطلاق الآمن خطوةً أخرى، فلا شك أن بديهته قد خذلته تمامًا.
راودها خاطر ساخر: ربما كان على المرء أن يعيد الزمن فعلًا ليكتشف مثل هذه الأشياء.
عند وصولهما إلى الغرفة، وضع آش القاموس على الطاولة.
“في المستقبل، إن احتجتِ إلى كتاب ثقيل كهذا، استدعي أحدهم بدلًا من أن تحاولي حمله بنفسك.”
“سأفعل. شكرًا لك حقًا على المساعدة.”
قالت نينا بامتنان وهي تبتسم، وقد عاد المزاج الطيب إلى وجهها.
“…….”
ما الأمر؟ هل على وجهي شيء؟
تطلّع إليها مليًّا، فرفعت يدها ومسحت وجهها بخفّة.
لم تكن قد أكلت شيئًا قد يترك أثرًا، فما الذي يراه إذن؟
هل عليها أن تنظر في المرآة؟
مالت برأسها قليلاً في حيرة، وعندها فقط أومأ هو بخفة ثم استدار وغادر الغرفة.
“…….”
تابعت خروجه في صمت، ثم نظرت إلى القاموس الضخم فوق الطاولة.
“كم يزن هذا الشيء بالضبط؟”
أمسكته بكلتا يديها لترفعه، فشعرت بالثقل يجذب ذراعيها إلى الأسفل.
كانت تتوقع أن يكون ثقيلًا، لكن ليس إلى هذا الحد.
أهذا وزن كيس أرز كامل؟
حينها فقط أدركت مغزى سؤاله السابق: هل جننتِ؟
أيّ عقلٍ ذاك الذي يدفع شخصًا لمحاولة إنزال هذا الكتاب الضخم من رفّ عالٍ دون مساعدة؟
لو لم يمرّ من هنا صدفة، لربما كانت الآن مصابة إصابة خطيرة.
ارتجفت كتفاها بخفّة وهي تتنفس الصعداء.
لكن المهم أنها بخير. والآن، عليها أن تبدأ بتلخيص المصطلحات الأساسية.
فتحت القاموس، فتقابلت عيناها مع صفحات مملوءة بأحرف دقيقة متلاصقة.
كادت تصاب بالدوار، لكنها تعلم أن الطريق أمامها طويل.
قرّبت رأسها من الكتاب حتى كادت أن تلتصق به، وبدأت استعدادها للمحاضرة القادمة.
—
كانت غرفة الكتب القديمة، حيث تُحفظ المخطوطات، المكان المفضل لآش في هذا القصر.
كانت هدوءها العتيق يمنحه شعورًا بالسكينة، وكأن الزمن نفسه قد تجمّد ليريحه.
“…….”
خرج آش من غرفة نينا بوجه متصلّب، وتوقف في الممر فجأة.
نظر إلى راحة يده.
ما زال الدفء الرقيق لجسدها النحيل يخيّم على جلده.
كان ملمسها ناعمًا… هشًّا.
ضعفها كان كعودٍ جافّ يمكن أن ينكسر من مجرد ضغط بسيط.
《 “سمعت أن اجتماع الفصائل سيُعقد في المكان الذي أعدّه الكونت كانون، لكن أين كنت بالضبط؟ لقد تأخرت ساعة كاملة!”
“وهذا، لمن تكون بطاقته؟ الاسم المكتوب هنا اسم امرأة، أليس كذلك؟ لا تقل لي أنك كنت تلتقي بكورتِزان سرًّا من وراء ظهري؟”
“أنت رجل متزوج، عليك أن تتصرف بما يليق! هل حقًا لا تدرك أن تلك المرأة كانت تغازلك بوضوح؟ أتظن أنني أفتعل المشكلات بلا سبب؟”
“لن أتركها وشأنها! سأجعلها منبوذة في مجتمع النخبة إلى الأبد! كيف تجرؤ تلك التافهة على التودد إلى زوجي بهذا الشكل الوقح…!” 》
لم تكن نينا قد أدركت حتى تلك اللحظة أن جسدها هي أيضًا هشّ مثل أجساد النساء الاخريات.
“ولكن…”
اجتاحه إدراك متأخر: سقوطها من الدرج لم يكن حادثًا بسيطًا كما ظنّت.
ولم تكن حادثة سقوط الثريّا سوى مثال آخر.
أن تسقط بجسدها النحيل من ذلك الارتفاع دون أن تُصاب بكسر واحد كان ليكون معجزة.
“أيعقل أن تلك المرأة لا تعرف التفكير؟”
إلى أي حدّ كانت تفتقر إلى الإحساس بالواقع لتُحاول انتزاع كتابٍ يوازي جسدها حجمًا، بذراعين نحيلتين كهاتين؟
بل وهي واقفة على سُلَّم ضيّق، تتأرجح دون أن تدرك الخطر الذي يحدق بها!
رمق آش دي باييرن غرفة نينا بنظرة ثقيلة.
تذكّر وجه زوجته وهي تبتسم ببراءة، دون أن تعي أنها كادت تتعرّض لحادث خطير.
لم يعرف إن كان انقباض صدره نابعًا من الغضب على تهورها، أم من ذلك الاضطراب الغريب الذي اجتاحه فجأة فجر ذلك اليوم.
نبض قلبه تسارع، كأن شيئًا في أعماقه يشتعل ولا يريد أن يعترف به.
* * *
كانت قوّة الختم الذي اعطاه لها جلالة الإمبراطور مذهلة حقًا.
“كنت أخشى أن يرفضوا التعاون، لكن يبدو أنني قلقت بلا داعٍ.”
حصلت نينا أخيرًا على الوثائق التي كانت تحلم بها منذ أيام.
بفضلها عرفت تفاصيل دقيقة حول تكاليف القضايا الجنائية والمدنية والأسرية، ومتوسط أتعاب المحامين في كل نوع منها.
“كما توقعت، مخاوفي كانت غير مبرّرة.”
أن يكون متوسط أجرة الاستشارة ثلاثين سيلفرًا؟ هراء!
لم تكن هناك سوى بضع مؤسسات تتقاضى هذا المبلغ، أما الغالبية فكانت تتراوح بين خمسة وعشرة سيلفرات لكل نصف ساعة.
كما أن الرسوم المسبقة يمكن التفاوض بشأنها بسهولة.
إن خُفِّضت قيمة العربون، يمكن تعويضها برفع نسبة أتعاب النجاح في النهاية.
وفوق ذلك، لم يقدّم رئيس الجمعية هذه المعلومات فقط، بل زوّدها أيضًا بتفاصيل عن برنامج المساعدة القانونية الذي تُشرف عليه الجمعية، وإن كان لا يزال محدود النشاط.
بل عرض عليها أن يُخصَّص لها بعض المحامين من الجمعية لمساعدتها أثناء فترة الفعالية الخيرية القادمة.
قال إن بعضهم أبدوا رغبتهم في المشاركة إلى جانبها، وألحّوا في ذلك بشدّة.
لكنها لم تصدّق تمامًا أن نواياهم كانت بريئة.
الأرجح أنهم يطمعون في توثيق صلةٍ ما بجَدّها أو بعائلة باييرن.
ومع ذلك، إن أرادوا المساعدة، فلمَ ترفض؟
فالمحامون التابعون للجمعية أدرى من غيرهم بأنظمتها وآليات عملها.
بفضل رئيس الجمعية، استطاعت تعديل خطتها بطريقة أكثر فاعلية.
بل أخبرها أيضًا أنه تواصل مع المحامي الذي سيتولّى قضيتي جيسي ويونا، ووجّه إليه تعليماته، ولم يبقَ عليهما سوى التوجّه إلى مكتبه لتلقّي الاستشارة.
وهكذا، أوفت بوعدها لهما.
“سأشكره لاحقًا على دعمه، لا بد من ذلك.”
تبيّن أن الجمع بين التوضيح الصادق لهدف محاضرتها وارتداء الخاتم الإمبراطوري كان القرار الأمثل.
فقد أصبحت تحضيراتها أسهل مما توقعت.
“الآن لم يتبقَّ سوى إعداد قائمة بالمصطلحات القانونية الشائعة، والتدرّب على إلقاء المحاضرة.”
فتحت القاموس الضخم، تقلب صفحاته الثقيلة بحثًا عن الكلمات التي سمعتها عرضًا هنا وهناك، لتعيد صياغتها بأسلوبٍ بسيطٍ يسهل على العامة فهمه.
كان حجم العمل وحده كفيلًا بإصابة رأسها بالدوار، لكنها شدّت من أزر نفسها.
“لا بأس، أستطيع فعلها… هيا، نينا، تشجّعي!”
كان هذا الحدث الخيري نقطة تحوّل حاسمة في حياتها الاجتماعية المقبلة.
لكن الأهم من ذلك بالنسبة إليها لم يكن الحضور ولا الشهرة.
لقد أرادت أن تطلب الصفح من جدّها ووالديها.
من الجدّ الذي اضطرته إلى كسر أخلاقيات مهنته تحت ضغط عنادها وغرورها،
ومن الوالدين اللذين توسّلا إليها بدموعهما أن تتخلى عن أنانيتها وغرورها الطفولي.
خيبة الأمل التي غرستها في نفوسهم لم يكن يمكن محوها بكلمة “أعتذر”.
لكنها رجت أن يُعيد عرضها في الحفل الخيري شيئًا من إيمانهم بها،
أن يصدقوا أن نينا تحاول هذه المرة حقًا أن تتغير.
“إن أحسنتُ الأداء، فسيستطيع الجد والوالدان أن يرفعوا رؤوسهم من جديد…
بعد أن أعود من الأكاديمية، سأضاعف جهدي في التحضير.”
نعم، بعد أن تعود.
خرجت نينا من القصر بخطى ثابتة، تتقدّمها الحماسة.
وراءها كانت مارشا تحمل حقيبتين ضخمتين، تركض للحاق بها.
“كم أنا متشوقة لرؤية المكان الذي يتعلم فيه الأطفال!”
“ستجدين أشياء كثيرة مثيرة هناك، فلنأكل بعض الحلوى ونستمتع باليوم.”
كان مهرجان سانت هينيدج الأكاديمية يُقام مرة واحدة فقط في العام،
وهو واحد من القلائل الذين يُسمح فيه لأولياء الأمور بزيارة المدرسة.
وأخيرًا، ستذهب لرؤية ابن زوجها العاشر، الطفل الذي لم تره لا في حياتها السابقة ولا الحالية.
ذلك الصغير الذي نال اهتمام آش الكامل ذات يوم، بينما كانت هي تنظر إليه من بعيد.
تساءلت بابتسامة هادئة، تفيض بالحنين والفضول:
“يا تُرى، أيّ طفلٍ هو؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 29"