عقدت شفتيها باستياء عندما رأت الرجل الذي طلب منها أن تتناول الطعام معه، يجلس بملامح باردة وهو يضع منديلًا على ركبته.
– …لماذا طلب مني أن آكل معه إذًا؟ كان عليه أن يطردني كعادته.
لم يكن هناك أي بادرة على أن الجليد سيزول عن وجهه الوسيم.
-حسنًا، لا بأس…
بدأت حماستها التي كانت قد ارتفعت قليلًا، بالهدوء شيئًا فشيئًا. فكونه طلب منها أن تأكل معه، فهذا يعني أنه يقر بأنه كان مبالغًا في رد فعله في وقت سابق من اليوم.
وهذا وحده كفيل بإعطاء نينا السلام الداخلي الذي كانت تبحث عنه.
“هل يمكنني أن أقول له إنني سأحضر الحفل الأكاديمي بمفردي الآن؟”
تجاهلت نينا نظرات الخادمات الفضولية، واحتست من النبيذ، وهي غارقة في أفكارها.
كان آش يحاول أن يعقد هدنة معها، فماذا لو أفسدت الأجواء بذكر هذا الموضوع الحساس؟
صحيح أن الأجواء الآن ليست رائعة. فغرباء يتناولون الطعام في مكان واحد يمكن أن يبدو أنسهم أفضل من أنسهما.
ولكن إذا أفسدت الجو الآن، فستتحول المأدبة إلى عشاء أخير بين خصمين، مما سيجعل الأمر صعبًا.
“دعني أفكر أولًا.”
أجرت نينا محاكاة في رأسها. كان رده المتوقع…
“يا دوق، هل يمكننا التحدث قليلًا؟”
“قلتُ لكِ إننا سنتناول الطعام معًا فقط، ولم أقل إنني سأتبادل الحديث معكِ.”
إما أن يرفض الحوار تمامًا، أو ينهض من مكانه وكأنه قد فقد شهيته. وإذا حدث ذلك، ستنتشر شائعات غريبة بين الخدم. وهذا لن يساعدها أبدًا، خاصة وأن “الفأر الصغير” لم يُكشف بعد.
-لا يزال هناك متسع من الوقت، لذا لن أقول أي شيء اليوم.
رمقت آش بنظرة خاطفة، وهو يقطع شريحة اللحم بأناقة وبوجه خالٍ من التعبير، ثم تنهدت وهي تستسلم للأمر الواقع.
في تلك اللحظة، وضع آش أدوات الطعام جانبًا وقال:
” …ألم تقولي لي سابقًا، أن علي أن أفكر بجدية؟”
“نعم؟”
“قلتِ لي إن إيان ربما ينتظرني، ألم تقولي ذلك؟”
اتسعت عينا نينا من المفاجأة. لم تتوقع أبدًا أنه كان يفكر في نفس الموضوع، أو أنه هو من سيبادر بالحديث عنه.
” …أجل، قلت ذلك.”
اعتقدت أنه قد يتجاهل كلامها، لكنها تساءلت، هل استمع إليها حقًا؟
شربت نينا رشفة من الماء وهي تشعر بالارتباك، وانتظرت أن يكمل حديثه.
“حتى لو كانت علاقتي بذلك الطفل أكثر حرجًا مما تتصورين، هل تعتقدين أنه قد ينتظرني؟”
الضوء الذي لمع في عينيه الرماديتين وهو يحدق في مكان ما على الطاولة، وصوته الأجش المنخفض… كلاهما أظهر أنها ليست الوحيدة التي كانت غارقة في أفكارها.
– …هل إيان يعتبر هذا الرجل من نفس فئة الكونت أثلوت؟
من الناحية المنطقية، ربما. كان محيط إيان مليئًا بالحيوانات المفترسة التي تطمع في ممتلكاته، مثل الكونت أثلوت.
وبالإضافة إلى ذلك، لو كان إيان راشدًا الآن، لكان هو دوق باييرن، وليس آش، لذا فاحتمال أن يظن إيان ذلك مرتفع جدًا. فإذا كان الطفل لا يثق في آش، فمن المنطقي أن يطرح آش مثل هذا السؤال على نفسه.
جمعت نينا يديها على المنديل، وقومت ظهرها. ثم أجابته، وهو يحدق بها بعينين هادئتين.
“أنا أعلم جيدًا أنك تهتم بإيان بصدق. كما تعلم، أنا ايضا كنت أهتم بك كثيرًا في الماضي، أليس كذلك؟”
ضحك بابتسامة عابرة.
كانت ابتسامته مختلفة عن سخرية الاستهزاء أو الازدراء التي كان يظهرها لها.
دقات…
ارتجف قلبها قليلًا.
ظنت أنها تخلت عن كل مشاعرها تجاهه في حياتها السابقة، بل واقتلعتها من جذورها في حياتها الحالية. ولكن ربما لأنه يمتلك وجهًا كنزا وطنيًا، فقد سحرها للحظة.
على أي حال.
“أنت وصيه. وحتى أنك تخطط لتبنيه بعد عام واحد.”
منصب الوصي وحده يفرض عليه مسؤولية كبيرة، لكن إذا أصبح والده بالتبني، فإن المسؤولية ستتضاعف.
هذا هو دور الوالدين. إنهما يؤثران بشكل كبير على طفولة شخص آخر، بل وعلى مستقبله البعيد.
“إذا كنت تدّعي أنك الوصي، فعليك أن تُظهر ذلك بأفعالك لكي لا يشعر الطفل بالقلق. أنت رجل راشد، وفوق ذلك، الجلوس مكتوف الأيدي لن يحل شيئًا، أليس كذلك؟”
قالت نينا وهي ترفع كتفيها. عندها، أطلق هو الذي كان يستمع إليها بجدية ضحكة خافتة.
“…تمامًا كما أظهرتِ أنتِ بأفعالك، هل تقصدين؟”
ما هذا؟
أهو يمزح معي؟
“ليس بتلك المبالغة…”
لماذا أسمع في أذني صوت طنين الأمل يتجدد؟
لقد عاهدت نفسها بالأمس القريب فقط أن تحافظ على موقف متحفظ، لكن هذا التغير البسيط والواضح جعل الابتسامة لا تفارق شفتيها.
جلس آش على السرير وهو يزفر تنهيدة عميقة.
في اللحظة التي عاتبها فيها قائلًا إنها جاءت عمدًا في هذا الوقت، أدرك أخيرًا.
أدرك من عينيها الزرقاوين اللتين تملأهما الكآبة، ومن صوتها الذي يملؤه اليأس، ومن صوت معدتها الذي لا يمكن إخفاؤه، أن رد فعله كان مبالغًا فيه بسبب الخلاف البسيط الذي حدث في وقت سابق من اليوم.
وأدرك أيضًا أنه هو من تأخر في الحضور إلى غرفة الطعام.
” …لا أعلم إن كان هذا التصرف صحيحًا أم لا.”
لكن على عكس كلماته، لم يكن هناك أي أثر للندم في عينيه الرماديتين.
“سأذهب إلى الحفل الأكاديمي.”
“نعم، أظن أن هذا قرار جيد.”
“وأريد منكِ أيضًا أن تذهبي معي في ذلك اليوم.”
عندما قال ذلك، تذكر عينيها الزرقاوين الواسعتين اللتين فتحتا على مصراعيهما كفأر في مصيدة، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ما.
لقد طلب من زوجته أن تذهب معه.
لماذا فعل ذلك؟
لقد كانت كلمات خرجت منه دون تفكير عميق.
دون تفكير… دون تفكير.
…هذه ليست علامة جيدة.
فهذا يعني أن تغير مظهر زوجته قد خفف من حذره.
“هل أنت مستعد لتثق بهذه المرأة بعد كل ما مررت به خلال العامين الماضيين؟”
في اللحظة التي طرح فيها هذا السؤال على نفسه، تحول فمه الذي كان يبتسم تدريجيًا إلى خط مستقيم.
هل بدأت الفجوة التي لم تكن موجودة من قبل في قلبه، منذ أن بدأت زوجته، التي كانت تسبب له المتاعب باستمرار، تشتكي من آلامها، مما جعله يشعر وكأنه هو المذنب؟
“إذا كنت تدعي أنك الوصي، فعليك أن تظهر ذلك بأفعالك لكي لا يشعر الطفل بالقلق.”
تلك الكلمات الحادة التي جعلته يدرك جبنه.
هل كل هذه الأمور أثرت على كراهيته وغضبه اللذين استمرا لعامين؟
عندما أدرك ذلك، ضحك ضحكة فارغة.
لقد كان يشك فيها ويراقبها باستمرار وينكر تغيرها، لكنه في الحقيقة، ودون أن يدرك، بدأ يؤمن بها.
إنه إيمان لا يزال صغيرًا كشجرة حديثة النمو يمكن سحقها في أي وقت، ولكنه رغبة حقيقية في تصديقها.
طبيعة الإنسان لا تتغير بسهولة.
ما لم تشق قلبه، لن تتمكن من معرفة ما إذا كانت قد تغيرت أم لا.
والدليل على ذلك، هو أن لديها نظرة حادة يمكنها أن تخترق نقاط ضعف الآخرين.
كما ادعى أقاربها في المحكمة، فإن أولئك الذين لا يعرفون القصة كاملة اعتبروه رجلًا وقحًا يطمع في ثروة ابن أخيه الصغير.
لم يظن أحد أن إيان هو نقطة ضعفه، والوحيدة التي أدركت ذلك كانت نينا.
…لذلك، ماذا لو أنها قد رأت الفجوة التي لم يدركها هو بنفسه؟
اقترب من النافذة على صوت الضحك القادم من الخارج.
تحت ضوء القمر الساطع، رأى زوجته تتنزه ليلًا برفقة الخادمة.
“…”
كانت تضحك بابتسامة مشرقة، كأنها في قمة سعادتها.
إنها ابتسامة مريحة لم يرها على وجهها من قبل.
ظل يحدق طويلًا في تلك الابتسامة التي كانت ترسمها الشفاه التي كانت في الماضي تصرخ وتصب اللعنات. فجأة، عادت إليه ذكرى اللحظة التي ألقت فيها نفسها بين ذراعيه دون خوف.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات