لحظة الاعتراف بالواقع الذي لا سبيل لتجنّبه قد حلّت.
“سيدتي، إلى أين تمضين منذ الصباح الباكر؟”
تجمّدت خطاها عند سماع الصوت الماكر يجيء من خلفها.
“هذا الصوت…”
استدارت نينا بوجه متصلّب.
كان هناك رجل بملامح ثعلب ضاحك، السير سومردن، أقرب المقرّبين إلى زوجها، واقفًا أمامها بابتسامته المعهودة.
السير هوشي ب. سومردن.
طوال حياتها في هذا القصر، لم يتصرّف بوقاحة مباشرة نحوها، لكنه لم يُظهر لطفًا كذلك، ولهذا أحست نحوه دائمًا بنفورٍ غامض.
كان يبتسم أبدًا، لكن ابتسامته لم تَحْمِل يومًا شائبة من صدق. فوق ذلك، كانت تنبعث منه رائحة خطر مبطّنة.
وخاصة تلك العيون النصف مغمضة.
كلما لمحَت بؤبؤيه الزرقاوين يلمعان بخبثٍ أشبه بعيون الأفاعي، شعرت كأنها أمام رجل يخفي خنجرًا وراء ظهره.
“ثم…”
تذكّرت ذلك اليوم المشؤوم حين طُردت من هذا البيت.
كيف وقف عند النافذة يلوّح لها مبتسمًا ببرود، كأنّه يسرّح يدًا لمغادرةٍ كان هو سببها.
-يا لهذا الوغد… كم هو ماكر وحقير.
قطّبت حاجبيها من شدّة رفضها الغريزي له، لكنها ما لبثت أن استدركت، متذكّرة أنه من خاصّة زوجها، فارتسمت على وجهها ابتسامة مصطنعة.
“خرجتُ لأتنزّه قليلًا، وأنت، ماذا تفعل هنا في هذا الوقت؟”
“وأنا أيضًا كنتُ أتنزّه. كي أستطيع تحمّل مشقّة الأعمال الصعبة، فلا بدّ من العناية بصحّتي هكذا.”
أعمال صعبة، قال…
“لا يكون يقصد التحضير لإسقاط جدّي؟”
كانت ترجوه في قلبها أن يكون مخطئًا، لكن ابتسامة هوشي الموحية، التي ارتسمت عند فمه، أوحت لها بأن حدسها صحيح.
اللعنة.
أما آن لها أن تتوقف عن العيش أسيرةً لقلق النهاية؟
“مع ذلك… أظن أنه إن استعنتُ بهذا الرجل فسوف تمرّ الأمور على خير.”
بينما كانت نينا غارقة في التفكير بما يمكن أن تفعله في الحفل الخيري، كانت قد خطرت لها فكرة فجأة، ثم تخلّت عنها خوفًا من أن تثير الريبة. غير أنها الآن رأت أن وجود هوشي بجوارها سيُطمئن زوجها، كأنها وضعت كاميرات تراقبها أينما ذهبت.
رفعت رأسها نحو هوشي، الذي كان يميل برقبته متسائلًا، وسألته بنبرة خفيفة:
“بالمناسبة، هل يمكنك أن تفرغ لي وقتًا بعد الغداء؟”
“وقتًا، همم… لستُ واثقًا.”
ذلك الصوت المسترخي المتثاقل كلما طرح عليه سؤال مباشر، وتلك الطريقة في الكلام… كانت تستفز أعصابها بالقدر ذاته.
ضغطت نينا على عضلات حاجبيها لتكبح الانقباض الذي يوشك أن يظهر على وجهها.
إن كان ما تبقى لها من عامٍ واحد في المجتمع الراقي سيمرّ بسلام، فما المشكلة أن تلجأ إلى ذلك الذي لوّح لها يوم طُردت بابتسامة سخرية؟
قالت بابتسامة مجاملة ثابتة:
“في الحقيقة، ثمة أمر أودّ أن أطلبه منك بشأن الحفل الخيري الذي ستقيمه العائلة الإمبراطورية قريبًا.”
“الحفل الخيري؟ أليست هذه فرصة مثالية كي تستعرض سيدتي مواهبها؟ حفلة شاي، نصائح في اختيار الأزياء، تمييز الأحجار الكريمة… وما شابه.”
– هذا الحقير…
لم يبدُ أنه يصدّق بأنها قد تنوي أن تتعامل مع الأمر بجدّية.
لكنها لم تستسلم. إذ لا يوجد ما يعدل في أهميته حدثًا تقيمه الأسرة الإمبراطورية نفسها.
فكشفت له بنبرة متحفّظة خطتها التي كانت تحتفظ بها في ذهنها.
“كنتُ أفكر مؤخرًا في شيءٍ ما، وهو…”
ومع اتساع كلماتها، كان هوشي يفتح عينيه نصف فتحة كأنه يتحدّاها أن تُكمل، ثم فجأة ظهر في نظرته بريق دهشة.
“همم… الفكرة جيدة من حيث المبدأ. لكن، هل هناك سبب يجعل سيدتي تحتاج لمساعدتي أنا تحديدًا؟”
“أنت رجل نافذ البصيرة وواسع الاطلاع في شؤون القوانين. أرجوك، أطلب منك هذا الأمر. وأعدك بمكافأة مجزية، فقط ساعدني.”
ظلّ يحدّق في عينيها للحظات كأنّه يقرأ نواياها، ثم ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه وقال:
“حسنًا. ما دامت سيدتي تطلب، فكيف لخادمٍ أن يدير ظهره لنداء معبوده؟”
كانت تعرف أن وراء موافقته سببًا خفيًّا، فما من شخص بمثل دهائه يقبل بلا مقابل. لكن الأمر لا يهم الآن. يكفي أنها بوجوده إلى جانبها لن تلفت إليها شكوكًا غير ضرورية.
***
في الآونة الأخيرة، حين يذكر الخدم اسم نينا، غالبًا ما تُقال عنها أشياء طيبة.
كانوا يشتكون من إجهاد أعينهم حين يضطرون للعمل على ضوء الشموع حتى ساعات متأخرة، لكن بزيادة الأيدي العاملة لم يعد ذلك لازمًا.
أو أنهم صاروا ينامون براحة بعد أن استبدلت لهم الفراش العفن المتّسخ بآخر نظيف.
أو كيف صاروا يستخدمون الصابون بحرية من دون خوف.
بل وحتى حصولهم على زيٍّ إضافي أعفاهم من مشقّة غسل الثياب كل يوم.
وما إن شاع أن إصابتها في ساقها حدثت وهي تحاول إنقاذ آش، حتى بدأت في أرجاء القصر موجة تعاطف لصالحها.
ومع ذلك، لم يتغيّر الانطباع العام عنها بالكلية.
في صباح أحد الأيام، وبعد الإفطار، كان آش متجهًا إلى مكتبه، وفجأة أبطأ خطواته وأسدل على وقعها الصمت.
فأمامَه بقليل كانت بعض الخادمات يتبادلن الهمسات بنبرة عصبية.
“…لماذا استدعَتنا الآن؟ كانت هادئة لفترة، فما الذي حدث؟”
“لا أعرف، لا بد أنها ستطلب شيئًا غريبًا مجددًا.”
كانت نبرتهن تنذر بسوء.
“هيا، أما فهمتِ؟ ألم ترَي أنها تناولت الفطور وحدها؟ لو كان بينهما وئام حقيقي، أفكانا ما زالا يأكلان منفصلين؟”
“صحيح، كيف لهما أن يتصالحا فجأة بعد كل تلك الفوضى؟”
“على أي حال، فلنسرع، لو تأخرنا ستوبّخنا.”
كان وجه آش المرسوم بصرامة ينقبض شيئًا فشيئًا، حتى التوى فمه بتجهّمٍ لاذع.
“…….”
كما توقّع تمامًا.
تظاهر بالجرح، وتظاهر بالتغيير. لكن كما يُقال، “الطبع يغلب التطبع.”
كان يعرف تمامًا ما الذي تطلبه زوجته كلما استدعت الخدم على حدة.
وهذه فرصته ليُسكت ما راوده مؤخرًا من شعور بالذنب أو ارتباك سبّبته لحظة إنقاذها له.
غير مساره عن المكتب، ولحق بالخادمات بخطى صامتة، تحمل عيناه برودًا كأنهما شفرات حادة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات