“لكن… مع ذلك، أليست مصابة؟ ألا يجدر بكم أن تظهروا لها وجهكم؟”
توقف آش عن السير.
“جيفري.”
في صوته المنخفض ارتجفت نبرة كراهية باردة.
انحنى كبير الخدم على الفور، كأنه تلقى صفعة.
“أعتذر يا سيدي.”
لم يكن آش يظنه يتكلم بنية سيئة، لذلك لم يُطل الحديث، بل أدار ظهره.
(أن أظهر وجهي لها؟)
تذكّر المشهد الذي لا يزال يثير غثيانه: زوجته، ثملةً، شبه عارية، تتوسل عند باب حجرته.
إنها تظن ما تشعر به حبًا… لكن ما يراه هو مرض لا أكثر: هوس، شك، سيطرة، جنون.
أجل، إنها مجنونة.
وكيف يُطاق أن يعيش المرء مع امرأة كهذه تحت سقفٍ واحد؟
كيف لا يصبح القصر – الذي يفترض أن يكون أكثر الأماكن دفئًا – سجنًا خانقًا، يضيق فيه صدره حتى العذاب؟
زفر بين أسنانه، يتذكر صوتها الذي يلاحقه ككوابيس:
“لقد مرّ عامان على زواجنا! أليس الوقت قد حان لنؤدي واجباتنا كزوجين؟ إلى متى ستتركني مهمَلة؟!”
أي عبث هذا؟
مجرد أن يتنفس الهواء ذاته معها كان كابوسًا… فكيف تطلب “واجبات الأزواج”؟
حتى لو مات وعاد إلى الحياة من جديد، فلن يسمح أبداً بأن يجمع جسده بها .
كان آش في تلك اللحظة، وفي كل لحظة، لا يفكر إلا في موعد انفصاله عنها.
***
مضت سبعة أيام منذ أن أغلقت نينا باب غرفتها على نفسها.
لم يزرها أحد خلالها سوى خادمتها المخلصة، مارشا.
من عادة سيدات النبلاء أن يفتتحن صباحهن بقراءة الصحف، والإشراف على شؤون القصر، كبيرها وصغيرها.
ونينا فعلت ذلك بانتظام طوال عامين.
غير أنّها الآن، وكأنها أعلنت انسحابها من كل ما اعتادت عليه، علّقت مهامها كلها، وأقفلت بابها بالمزلاج.
الرسائل الممهورة بخاتم الأسر الرفيعة، الدعوات المتتالية إلى الحفلات والمجالس، ردّت عليها جميعاً بذريعة المرض والاعتلال.
فمجرد أن تقف أمام أولئك الذين شهدوا سقوطها المخزي، كان يتطلب منها قدراً من الشجاعة لم تعد تملكه.
ولم يكن أحد في القصر يبدو متضايقاً من غيابها.
بل على العكس، ربما كان الجميع مسرورين لأن السيدة لم تعد تتدخل في كل صغيرة وكبيرة باسم “الهيبة”، ولا تلحّ عليهم لتزويدها بأخبار زوجها.
على السرير، بينما كانت تقضم بفتور قطعة بسكويت وضعتها مارشا على الصينية، تمتمت نينا لنفسها:
“لكن… ما الذي كنت أفعله طوال تلك الفترة؟”
فقد كان واضحاً أنّ ذاكرتها تخونها.
بعد أن طلّقها زوجها، لم تعش أكثر من عامين قبل أن تموت ميتة بائسة، ثم تعود إلى الحياة من جديد في جسد “جانغ سويونغ” وتستمر ستة وعشرين عاماً أخرى.
كيف تتوقع من عقل بشري أن يحفظ تفاصيل مضى عليها تسع وعشرون سنة كاملة؟
كل ما تملكه الآن خطوط عريضة، صور باهتة لا أكثر.
“أتذكر شيئاً واحداً على الأقل… الربا.”
يا لها من كلمة قبيحة تخرج من فم سيدة مجتمع!
في ذلك الوقت، لم تكن مكانتها الاجتماعية قد تداعت فحسب، بل هوت إلى الحضيض، إلى ما هو أعمق من الحضيض نفسه.
ومن ذا الذي يجلّ امرأة نبيلة تهمل مسؤولياتها، وتنفق يومها في الصخب والفضائح؟
لكن نينا كانت تملك وسيلة لا تخيب في انتزاع الطاعة من الآخرين.
وسيلة مكّنتها، رغم كل شيء، من أن تصبح دوقة باييرن.
كانت تعرف كيف تضرب على موضع الضعف.
خاصة حين يتعلق الأمر بالعائلة.
ولهذا عمدت إلى منح المال لآباء الخدم أو إخوتهم الفقراء.
كان أولئك المساكين يظنون أنّ سيدتهم تجود عليهم بعطفها، لكن الحقيقة أن ما فعلته لم يكن سوى شَرَك.
فهي لم تُقرضهم سوى بعقود قاسية، كُتبت بفوائد مركّبة لا يطيقها بشر.
ومتى وقّعوا، صارت رقابهم في قبضتها.
وبهذه الأوراق كانت تهددهم: إمّا أن يزوّدوها بما يفعله زوجها خطوة بخطوة، أو تراهم وأسرهم مطرودين إلى الشوارع، بعد أن تستولي بحكم القضاء على كل ما يملكون.
كيف لهم أن يرفضوا؟ أليس بقاء الأهل على قيد الحياة أهم من أي شيء آخر؟
“يا إلهي… أي عقل خبيث كان عقلي في حياتي السابقة؟”
ضحكت بمرارة وهي تستعيد تلك الحيل السوداء.
ومع ذلك، كانت متيقنة أنّ ضحايا الربا ما زالوا حتى اللحظة يلهثون خلف أخبار زوجها، كالسناجب تجمع الفتات.
لكنها الآن، وقد تذكرت، حسمت أمرها:
“يجب أن أطلب الطلاق.”
وأما مسألة التخلص من جواسيسها، فستعالجها في يوم دفع الفوائد، حين تكون العقود ذريعة مناسبة للتمزيق.
تنفست بعمق، ثم حرّكت حبل الجرس إلى جانب السرير، فدخلت مارشا مسرعة.
“هل ناديتِني يا سيدتي؟”
“مارشا، أين يكون الدوق الآن؟”
“في مكتبه، يحتسي شاي الحادية عشرة. لم يحن الظهر بعد. هل أبلغه برسالة من حضرتك؟”
“نعم. أخبريه أنّ لديّ أمراً بالغ الجدية، وأرجو أن يمنحني بعض الوقت لمقابلته.”
“حسناً.”
خرجت مارشا بخفة.
غير أنّ نينا لم يخدعها الأمل.
كانت تعرف أن آش لن يقبل، كما لم يقبل يوماً أن يشاركها وجبة، أو فنجان شاي، أو أي لحظة عابرة.
ومع ذلك أرسلت الخادمة، لتثبت أنّها لم تعد تلك المرأة المتهورة التي تقتحم كل شيء بعناد طفولي.
لكن… سرعان ما عادت مارشا بعينين دامعتين، تقول بصوت مرتجف:
“سيدتي… لقد رفض مجدداً. بل وهددني أنّه إن جئتُه برسالة من هذا النوع مرة أخرى، سيطردني من الخدمة بسلطته كدوق.”
حدقت نينا فيها بوجوم، ثم نهضت بتثاقل.
لا مفرّ.
إذا أرادت أن ترى ملامحه المتجهمة، فستضطر أن تمشي إليه بنفسها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات