ما هذا الشعور المزعج، وكأنني نسيتُ أمرًا في غاية الأهمية…
“نعم، لحسن الحظ توقّف الأمر بسرعة، فلم يُصب أحد بأذى، لكن قوارير نبيذ عدة تحطّمت في القبو. أظن أنهم عانوا منذ الفجر في تنظيف الفوضى.”
ارتسمت على وجه نينا ملامح جديّة ثقيلة.
كان واضحًا أنّ شيئًا ما قد وقع في ذلك اليوم… لكن ما هو بالضبط؟
“…تحطّم النبيذ بسبب الزلزال؟ زلزال؟ نبيذ؟ ثريّا؟”
راحت تكرّر في ذهنها الكلمات: زلزال، نبيذ، ثريّا… حتى انهمرت عليها فجأة ذكرى كانت مطموسة في الأعماق، لتفتح عينيها بذهول.
“…كيف… كيف لي أن أنسى ذلك؟”
حتى لو كان قد مضى ثلاثون عامًا، كيف أمكنها أن تطمر هذه الحادثة في غياهب النسيان؟
انتفضت نينا من مقعدها.
“مارشا، لا بد أن أذهب أنا أيضًا.”
“ماذا… ماذا تقولين؟”
“أقصد حفل ميلاد دوق غرينفيل، عليّ أن أحضره.”
“الآن؟”
“نعم، في هذه اللحظة!”
ارتبكت مارشا من قرار سيدتها المفاجئ، لكنها ما لبثت أن نهضت بسرعة وركضت إلى غرفة الملابس. فزينة السيدات الأرستقراطيات تستغرق وقتًا طويلًا، وكان لابد من الإسراع قدر المستطاع.
الذاكرة… يا لها من أمر عجيب.
أحيانًا يخلو الرأس من كل صورة كصفحة بيضاء، وأحيانًا لا يتبقى سوى شذرات مشوّهة، وأحيانًا أخرى تنبثق الذكريات دفعة واحدة من لمحة صغيرة. تمامًا كما حدث الآن.
“ليتني لا أصل متأخرة…”
كانت نينا تفرك راحة يديها داخل العربة المسرعة لتخفّف من توتّرها.
كيف أمكنها أن تنسى شيئًا كهذا؟ شيء لا ينبغي أن يُنسى أبدًا.
“قالوا إن النبيذ انكسر في الصباح نذيرًا بالشؤم… كأنما كان إيذانًا بدم سيُراق.”
لقد تمتمت بمثل هذه الكلمات في حياتها السابقة، والسبب أنّ حادثًا وقع في حفلة ميلاد دوق غرينفيل في ذلك اليوم بالذات.
“كان ذلك اليوم الذي تعرّض فيه مركيز سولدسفورد للإصابة… أليس كذلك؟”
بسبب آثار الزلزال الذي هزّ المنطقة منذ الفجر، اضطربت الثريّا في قاعة الولائم الكبرى.
آلن إم سولدسفورد، المركيز.
كان أعزّ أصدقاء زوجها، وفي ذلك اليوم سقطت إحدى أرجل الثريّا عليه، فأصابته إصابة بالغة في ساقه.
بتروا له الساق، ثم انزوى في عزلته، وما لبث أن توفي بعد أشهر قليلة، إذ لم يقوَ على مضاعفات الجراحة.
تذكّرت نينا بوضوح أنها خلال فترة جنازته لم تُثقل كاهل زوجها بمشاحناتها المعتادة، بل تركته لحداده الصامت.
تذكّرت ظهره وهو جالس أمام شاهدة القبر طوال اليوم بلا حراك، كتمثال على وشك الانهيار لو مسّه أحد.
“…إن فكرت في الأمر، فقد كان ثمة شيء غير طبيعي.”
مهما يكن الناس أنانيين في هذه الحياة، هل يُعقل أن يترك الجميع بيت صديق عزيز ينهار من غير أن يُظهروا حتى محاولة للمساعدة؟
الأصدقاء لا يشيحون بوجوههم عن بؤس بعضهم. لا بد أن يسعوا، كل بما يملك، لمدّ يد العون.
لكن دوق غرينفيل لم يفعل.
“أم لعلّه لم يتعمّد الامتناع… بل لم يستطع المساعدة أصلًا؟”
فحين يقع حادث في حفلة ما، يكون صاحب الدعوة هو المسؤول. وفي ذلك اليوم كان الضحية مركيز سولدسفورد، من كبار النبلاء، وصديقًا مقرّبًا لآش.
فكيف تحمّل بيت غرينفيل تبعات تلك الفاجعة؟
“هل يمكن أن يكون آش قد تدخّل…؟”
احتمال كبير.
وكما فقدت هي صديقًا عزيزًا، ربما تكبّد دوق غرينفيل ألمًا مماثلًا بسببه.
ومع هذا الإدراك، اشتدّ إصرارها على منع وقوع الحادث هذه المرة.
وبينما كانت العربة تنهب الطريق مسرعة، توقفت أخيرًا أمام قصر الدوق غرينفيل.
رحلة كهذه تستغرق عادة أيّامًا وليالي، لكنها وصلت بسرعة بفضل البوّابة السحرية.
رغم أن عصر السحر انقضى وحلّت محله سطوة الفرسان، بقيت بعض مخلفات الزمن الغابر حاضرة.
بوابة الانتقال.
لا تنقل المرء إلا بين أماكن محدّدة ما تزال تحتفظ بها، وكان باييرن وغرينفيل من بين القلائل الذين امتلكوها.
بفضلها، وصلت نينا قبل فوات الأوان.
ومن داخل العربة، رتّبت ثيابها على عجل، ثم خطت بثبات إلى داخل قصر دوق غرينفيل.
ما إن دخلت نينا القاعة حتى انغرست فيها عيون المدعوين الذين كانوا يتوجّهون نحو مائدة الولائم.
(…لا تبالي، لا تلتفتي إليهم، ركّزي على ما جئتِ من أجله.)
ترى هل هو جرحٌ قديم عاد ليُستثار، جرحٌ حسبت أنها تجاوزته بعد عودتها للحياة؟
تدفّق العرق البارد على ظهرها، قلبها يخفق كطبول الحرب، وعقلها يكاد يغرق في غشاوة قاتمة. لكنها استحضرت في ذهنها ما شهدته في ذلك اليوم المشؤوم، فتشبثت بخيط عقلها الممزق.
الوقت ليس مناسبًا لارتجافٍ كهذا.
إن أنقذت مركيز سولدسفورد، فقد يتسامح الجدّ مع زوجها حين يطلب الطلاق، معتبرًا ما حدث ظرفًا مخفِّفًا.
(تماسكي… عليكِ أن تتمالكي نفسك.)
حين أضاءت عيناها بصفاء جديد، عادت إليها حدة العقل.
“…لن أعلن عن وصولي، سأدخل بهدوء.”
وحين وصلت إلى مدخل القاعة، طلبت نينا من الخادم ألّا ينادي باسمها، ثم خطت إلى الداخل بصمت.
أول ما وقع بصرها عليه كان الثريّا المعلّقة.
(أظن أن مكانها هناك…)
قطبت جبينها وهي تحدّق فيها، لكنها بدت من الخارج سليمة بلا عيب.
(…هل سيصدّقني أحد؟)
أطبق الحزن على ملامحها.
(لا أثر ظاهر للخطر… الأغلب أنهم سيعتبرون كلامي عبثًا ويهزؤون به.)
صحيح أن الحقائق ستثبت لاحقًا صدقها، لكن ما جدواه إذا جاء بعد وقوع الكارثة؟
(الأفضل أن أراقبها… إن ظهر أي خلل عندها سأصرّح حينها.)
فلو بادرت الآن لاعتبروها مخرّبة لأجواء الحفل، نغمة نشازًا وسط تهانيهم.
جالت نينا بنظرها في القاعة.
وكان أول من استرعى انتباهها دوق غرينفيل وزوجته.
“……”
ثم وقع بصرها على أخيها نيفيل، والمركيز سولدسفورد، وزوجها آش دي باييرن، ومعهم هوشي. كانوا جميعًا يتبادلون الحديث مع دوق غرينفيل وزوجته.
نيفل تايلور.
وريث آل تايلور المرتقب، وأخوها الأصغر بسنتين.
وما إن التقت عيناه بعينيها حتى أدار رأسه بوجه مشوّه بالاشمئزاز.
تصرّف يستفزّها لحدّ اللعن، ومع ذلك شعرت بالحنين يلسع قلبها.
هذا الأخ نفسه الذي سيعلن اليوم أمام الجميع قطع صلته بها، بعدما تراكمت عليها السمعة السيئة. ومع ذلك… هو نفسه الذي ظلّ يحاول حتى النهاية أن يقنعها بألّا تدق مسمارًا آخر في قلب والديهما وجدهما حين كانت هي من أعلنت القطيعة أولًا.
ولمّا انكشف له لاحقًا، بعد سقوط الجدّ، الوجه الحقيقي لهذه الزيجة، لم يتخلَّ عنها قط. ظلّ وحده يكافح ليُبقي بيت تايلور صامدًا، إلى أن أنهكه العبء وأسقطه موتًا مبكرًا.
ارتسمت على شفتي نينا ابتسامة مُرّة غارقة في مرارة الحنين والفقد.
“سيدي الدوق، أهنئكم بعيد ميلادكم.”
“…أه، جئتِ إذن. مرحبًا بكِ.”
رحّب بها دوق غرينفيل بابتسامة حائرة.
كان واضحًا أن معظم الوجوه هنا ليست سوى “أصدقاء واجهة عرض”، يكرهون بعضهم في الباطن، لكنهم يُظهرون وُدًّا زائفًا بدافع السياسة. ظهورها بينهم فجأة زاد الجليد جليدًا.
“سمعنا من دوق باييرن أن السيدة لن تتمكن من الحضور، يبدو أنّ ثمة خطأ ما.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات