حدّق إيجيتِن في جوسي كمن سُحر بمنظرها، ثمّ أكره نفسه على رسم ابتسامة ودودة على وجهه، محاولًا طمأنة شبل النمرة البيضاء، الذي ما زالت ترمقه بريبةٍ وخوف.
ربّما… يمكننا أن نحاول التفاهم فحسب.
بهذا، لن تحزن أمّي.
أشرق وجه إيجيتِن بابتسامة هادئة.
“مهلا، ما بكِ؟”
“كاانغ , كاانغ, كاانغ!” (اخرُج! ابتعِد عنّي!)
‘ماذا تعني ‘ما بكِ’ ؟ أنتَ الذي تتصرف بغرابه هنا!’
ازداد ارتباك جوسي أكثر، وهي ترى وليّ العهد إيجيتِن الذي كان يهددها قبل لحظات بقدراته الخارقة، يبتسم لها الآن ابتسامة ماكرة.
حذّرته من الاقتراب من سوفي، فقفزت يمينًا ويسارًا بشراسة.
توقّف إيجيتِن عن الحركة، يتأمل شقيقته الصغيرة وهي تقفز بحذر.
“آه.”
جثا على ركبةٍ واحدة، واختفت ابتسامته، ورفع خنصره بخفوتٍ.
“هل هو بسبب الخالة سوفي؟ أعدكِ، لن ألمسها أبدًا.”
“كياانغ…”
“تْش. إذًا تعالي إلى هنا، لديّ ما أقوله لكِ.”
تمتم إيجيتِن بضجر.
ظلت جوسي متحفّزة، تتنقل بنظرها بين إصبع إيجيتِن المرفوع والوحوش الآدمية المحيطة.
تساقطت رقاقات الثلج الكبيرة، التي ما زالت تتلألأ بالضوء، داخل القاعة.
وربّما بسبب ذلك الثلج، خيّم على المكان جوٌّ أكثر هدوءًا وسكينة.
نظرت جوسي من جديد نحو إيجيتِن، وقد زال الخوف من قلبها وسط هذا السكون المطمئن.
لم يبدُ عليه أنه يكذب.
‘سوفي بأمان الآن. هل أقترب لأسمع ما يريد قوله؟’
لم تفهم كيف حدث، لكنها قد أيقظت لتوّها قدرتها الخارقة.
وإن ساءت الأمور، فبإمكانها القتال مجددًا.
فكّرت جوسي بتفاؤل.
وفوق ذلك، كانت غريزتها الحيوانية تخبرها أنّ إيجيتِن لم يعد يحمل نية عداءٍ تجاهها.
لقد شعرت بوضوح أنّ هالته العدوانية تجاهها قد هدأت.
‘هل غيّر موقفه لأنني أظهرت قدرتي؟ يا له من انتهازيّ.’
تمتمت في سرّها، ثمّ رفعت ذقنها بكبرياء، وتقدّمت نحوه بخطواتٍ صغيرةٍ ولكن واثقة، تحاول أن تبدو مهيبة قدر استطاعتها.
وقفت أمام إيجيتِن وحدّقت فيه بثبات.
‘حسنًا، إن كان لديك ما تقوله، فقله!’
ثبتت في مكانها، غير أنّ قرب المسافة بينهما أظهر الفارق الهائل في الحجم.
‘لقد سمعتُ أن الوحوش الآدمية التي اكتملت إنسانيّتها تستطيع العودة إلى شكلها الأصلي متى شاءت.’
تخيّلت جوسي هيئة إيجيتِن الحقيقية؛
نمرٌ ضخم، ذو فروٍ ذهبي تتخلله خطوط قرمزية عميقة، ومخالب مهولة، وأنصال من الأسنان، وعينان ذهبيتان تبرقان بوحشية.
نمرٌ ذهبيّ مهيب، مخيف القوة.
‘اللعنة.’
فكّرت أنه لو واجهته في هيئته الحقيقية، لابتلعها قضمة واحدة قبل أن تبدأ المعركة أصلًا.
ارتعد جسدها الصغير.
“همم…”
ظلّ إيجيتِن راكعًا، وانحنى قليلًا إلى الأمام، متأملًا وجه جوسي، ولا سيّما عينيها الزرقاوين.
اقترب وجهه منها إلى حدٍّ جعلها تراه بوضوحٍ أكبر، فخفّ خوفها وتلاشى حماس القتال في داخلها.
‘ما… ما هذا!’
غمرها شعور بالارتباك.
صحيح أنّه يشبه ريتاين في شبابه، وهو وسيم بلا شك، إلا أنّ وسامته تلك، المتوشّحة بالهيبة والرهبة، لم تكن على هواها.
“…”
‘لماذا ناديتني إن كنتَ لن تتحدث؟ أهو تحديقٌ كالذي يفعله والدي؟’
تمكّنت جوسي من مجاراته في نظراته الثابتة، فقد تمرّست على مثل هذه المبارزات البصرية مع الإمبراطور نفسه، لكنها لم تستطع أن تفهم إيجيتِن، الذي ظلّ يحدق فيها بلا كلمة.
ومع ذلك، كانت واثقة من أمرٍ واحد.
أن وليّ العهد إيجيتِن هو بالفعل شقيقها.
فرغم وسامته، لم تشعر تجاهه بأي رفّةٍ في قلبها، بل رأت فيه شبهًا واضحًا منها.
شكل عينيها، كأنثى نمرٍ أبيض، كان مطابقًا لعينيه في هيئته البشرية.
وبينما تحدق فيه عن قرب، خطر ببالها وجه فتى آخر…
فتى رقيق، جميل القسمات، لطيف الملامح.
أحبّت هدوءه ورصانته وذكاءه، رغم صِغَر سنّه.
تذكّرت جوسي الفتى الذي رأته في حلمها.
‘ليت ذاك الفتى كان موجودًا حقًّا… لوددتُ لقياه. لكنّه لم يكن سوى حلم.’
“نمرتنا البيضاء الصغيرة.”
في تلك اللحظة، قطع إيجيتِن الصمت أخيرًا، فتصلّبت جوسي في مكانها.
“عيناكِ جميلتان.”
غير أن كلماته التالية المربكة جعلت ساقيها تضعفان فتترنح.
“كياانغ؟!”
“لم أرَ من قبل زرقةً كهذه. ليست لون البحر… بل شيءٌ فاتن.”
“كاانغ…!” (وما شأنك!)
“جميلةٌ لدرجةٍ جعلت أمّنا تخاطر بحياتها لتلدكِ.”
قالها بصوتٍ هادئٍ، لكن ابتسامة حزينة ارتسمت على شفتيه.
التعليقات لهذا الفصل " 10"