رنّ الجرس الصغير.
كان صاحب المتجر، الذي بدا وجهه متجهماً وهو يلمّع مسدسًا دوّارًا، قد نادى من دون أن يرفع عينيه لرؤية من دخل:
“مرحبًا بكم!”
لكن بسبب السيجار الذي كان يمضغه، خرج صوته غير واضح ومشوّش. انعكس وجهه القاسي خلف ماسورة المسدس الفضية، وبدا كرجل كاوبوي وهو يلوك السيجار وينظر إلى الزائر الجديد، الذي لم يكن سوى شابة صغيرة.
من هو الزبون المزعج الذي سيجعل قلبي يخفق اليوم؟ — هكذا تساءل في نفسه بينما عبس قليلاً محاولاً ترهيبها.
“أوه؟! آنسة… آنسة!”
لكنه ما إن رأى وجهها حتى قفز واقفًا من مقعده.
“يا إلهي، آنسة ديبيار! ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟! لا، لا يجوز هذا! القتل لا يجوز!”
صدمت روين من رد فعله غير المتوقع، وأخذت تلوّح بيديها في الهواء نافية:
“قتل؟! لا، لا، لقد فهمتني خطأً تمامًا!”
“لا يمكنني بيع أي سلاح لكِ، أبدًا! آنسة، أرجوكِ فكّري بلحظة واحدة فقط في الكونت ديبيار! ما ذنبه هو؟!”
ثم تابع، وقد غمره التوتر والهلع:
“الأوضاع في الإقطاعية مريبة جدًا هذه الأيام! أرجوكِ، لا تزيدي الأمر سوءًا!”
“أولًا، أولًا… هلّا هدأت قليلًا؟ يبدو أنني تسببت في سوء فهم دون قصد، لكنني لم آتِ إلى هنا من أجل شيء كهذا. فقط… أنا، يعني، أجل! كيف يمكنني المرور بجوار متجر أسلحة رائع كهذا دون أن ألقي نظرة؟! هاها، هاهاها…”
تناثر ضحكها المتكلف في الهواء كفقاعات سرعان ما تلاشت.
تنهد صاحب المتجر بعمق، ثم قال متوسلًا مجددًا:
“على كل حال، لا يمكنني بيع الأسلحة لسيادتكِ، لذا أرجوكِ، عودي من حيث أتيتِ. هلّا فعلتِ؟! فحتى دون هذا، أصبحت حوادث السطو ليلًا تزداد بشكل مقلق!”
“في الليل؟”
بدا على وجهه ظل قاتم وهو يتحدث.
“أجل. لحسن الحظ أن السيدة في البوتيك المقابل ذكية وحسن تدبيرها ساعد في بقاء الفتيات يترددن عليه، لذا صارت الدوريات تمر من حين إلى آخر، لكن ذلك لا يحدث سوى في وضح النهار.”
“لابد أن الأمر يثير قلقكم كثيرًا.”
“بالضبط. كما ترين، أغلب المحلات في هذه المنطقة أغلقت أبوابها. ومع اقتراب عيد الميلاد، عليّ أن أشتري هدايا للأطفال… لكن ماذا عساي أفعل؟”
كان يقصد أنه لا سبيل للكسب دون التجارة.
“على الأقل، لا قلق من السطو خلال النهار، لذا نفتح المحل رغم ذلك. غير أن معظم زبائني يأتون مساءً، مما يجعل الأمر بالغ الخطورة.”
“…أفهم.”
نظر إليها بطرف عينه، ثم عاد ليؤكد مجددًا بتحفظ:
“حتى لو كان الثمن أن أفلس، أعذريني، لا يمكنني بيع السلاح لكِ.”
وبذلك، عادت المحادثة إلى نقطة البداية. لم يظهر عليه أي نيّة لتصديق روين.
تنهدت بهدوء وهي تلتقط أنفاسها، ثم أشارت إلى بندقية ضخمة معروضة.
“بالمناسبة، مخزن الرصاص في تلك البندقية كبير جدًا، أليس كذلك؟ يبدو أنه يتسع للكثير من الطلقات.”
“هاه؟ آه، تلك؟ نعم، صُممت لذلك في الأساس…”
“واو، أنت تُنظّف المسدسات ببراعة حقًا! أستطيع رؤية وجهي منعكسًا على الماسورة.”
“آه، هذا؟ حسنًا، لا أفعل طوال اليوم إلا التلميع.”
“لا بد أنك تعمل بجد لتُبقي كل هذه الأسلحة مرتبة وصالحة للبيع.”
“لا تذكّريْني، أعرضها بأرخص الأسعار، وأكاد أبيعها بثمن القطع فقط. لا أحد يبيع بأسعار مثل أسعاري.”
“أنت رجل شريف حقًا.”
“بلا فخر، إن لم يكن لي من فضيلة سوى الضمير، فأنا على الأقل أمتلك ذلك. ولهذا قلت لكِ: حتى لو متّ، فلن أبيع لكِ سلاحًا!”
كان شريفًا حقًا بطريقته الخاصة.
“اطمئن. لم أدخل المتجر لأشتري سلاحًا أصلًا. فقط مررتُ من البوتيك المقابل وقررت أن ألقي نظرة، لا أكثر، أعدك.”
“…حقًا؟”
تفحّصها كموظف بنك يقف في مواجهة لصّ مسلح، ونظر إليها بريبة واضحة.
رغم أن المعروضات كانت جميعها خلف أقفال وزجاج مضاد، إلا أنه بدا في غاية التوتر لمجرد اقترابها منها.
“أنتِ حقًا لا تنوين سوى التفرّج، أليس كذلك؟”
“بكل تأكيد.”
ورغم كلامها، راحت روين تمسح بنظرها الأسلحة واحدًا تلو الآخر.
جذبت الأسلحة اهتمامها أكثر من الملابس المعلقة في البوتيك. كانت براقة، مشذبة، تشبه التحف أكثر من كونها أدوات للقتل.
شعرت بنبضها يتسارع، وكأن الدم فيها يستجيب لنداء قديم.
واو، لم أرَ مثل هذه في أي متحف! أليست تلك بندقية استخدمت في الحرب الأهلية؟
كانت البنادق من القرن السابع عشر أكثر تأثرًا بالزمن، مغطاة ببعض التآكل، لكنها في نظر لوين لم تكن عيوبًا، بل آثار تاريخية حيّة.
النجاة، في حد ذاتها، دليل على القوة.
‘وها أنا أمتلك كل ما أحبه، أليس كذلك؟ لديّ “الشخصية المفضلة”، والأسلحة…’
وبما أنها في رواية “فانتازيا رومانسية كورية”، فلابد أن هناك رجالًا وسيمين أيضًا، هذا بالإضافة إلى هويتها الجديدة كابنة لكونت نبيل.
‘قد تكون تجربتي في هذا التجسيد… ناجحة للغاية؟’
مقارنةً بأول يوم تجسّدها، كانت الأمور تتحسن شيئًا فشيئًا. خفق قلبها مجددًا بشدة.
ثم، في اللحظة التي كانت تستعد فيها لتفقد الأسلحة المعروضة في الجزء الداخلي من المتجر، انفتح البابان بعنف.
دوّي!
فجأة، انطلقت صرخة فتيات البوتيك المقابل، تزامنًا مع ذلك الصوت المدوّي الذي اجتاح متجر السلاح.
“مـ، ما هذا…! أوه!”
نهض صاحب المتجر محاولًا استيعاب الموقف، لكنه سرعان ما سقط أرضًا بانبطاح، بعدما عرقلته روين متعمدة.
رمقها بنظرة مليئة باللوم، لكنها وضعت إصبعها السبّابة على شفتيها إشارةً للصمت. عندها فقط أغلق فمه، وتناول مقبض مسدسه.
لكن قبل أن يفعل شيئًا، تلقى ضربة عنيفة على رأسه من خلفه باستخدام مؤخرة بندقية، ففقد وعيه على الفور.
أخفضت روين عينيها إلى الأرض، غريزيًا.
‘يا إلهي، بعد التجسيد، أواجه أيضًا عملية سطو؟
هاها… ما هذا اليوم المشؤوم؟!’
تجمّدت في مكانها، مذهولة تمامًا من المفاجأة.
“ما هذا؟ لماذا تكون الآنسة هنا…؟”
“جاي! جاي! هل أمسكت بهيكتور؟”
“أجل، أمسكته. لكن… هنا توجد فتاة نبيلة.”
“ماذا؟ لا تعبث معها، قد تتعقد الأمور. وما الذي يمكن أن تفعله سيدة نبيلة؟ دعنا نُكمل حسب الخطة!”
ضحكوا بازدراء، متسائلين إن كانت قادرة حتى على حمل مسدس.
ثم شرعوا بنهب المتجر بحرية، فيما انضمّ إليهم الرجل الذي كان يشتبه بأمر روين سابقًا.
دوّي!
“تبا…”
أسقط أحدهم بندقيته، ثم التقطها مجددًا ووضعها في كيس كبير.
واصلوا جمع الأسلحة المعلّقة على الجدار، حتى بدا وكأنهم يحملون هدايا عيد الميلاد على أكتافهم.
“هيا بنا، بسرعة!”
لكن عند عبور أولهم الباب المحطم إلى الخارج—
بانغ!
سقط أرضًا بعنف.
“آه، أغه… تبا… اللعنة!”
حاول الردّ بإطلاق النار، لكن ذراعه اليمنى لم ترتفع.
بدلًا من ذلك، تدفّق الدم الغزير وبلّل الأرض من حوله.
“جاي!! تبًا…”
استدار اللصان الآخران في اللحظة ذاتها—
بانغ! بانغ!
رصاصة في كل كتف. سقطت البنادق من أيديهما، تبعتها صرخات ألم مدوّية.
في تلك الأثناء، أطلّ رجل من خلف العربة التي جاء بها اللصوص، ناظرًا بحذر نحو المكان.
“هـ… هل ماتوا؟ هيكتور! هل ما زلت حيًا؟!”
تقدم الرجل المرتجف ليتأكد من جثة رفاقه، ثم رفع رأسه نحو متجر السلاح.
هناك، وسط المتجر، وقفت فتاة تشبهه تمامًا.
“رـ، رو… روين؟ روين؟!”
فيما صاح الكونت ديبيار مذهولًا، كانت روين تضع المسدس الذي استخدمته في يد صاحب المتجر المغمى عليه.
“روين!”
عندما ناداها مجددًا، حركت روين عينيها يمنة ويسرة قبل أن ترمش فقط، بلا كلمة.
لقد كان لقاءً دراميًا بين أب وابنته.
***
أصبح البوتيك، الذي كان مزدحمًا قبل قليل، هادئًا إلى حد السكون.
كانت الفتيات قد هربن جميعًا في خضم الفوضى.
بحثت روين عن السيدة المختبئة، دفعت ثمن الهدية، ثم أخذت العلبة المغلفة.
وخلال ذلك، أنهى الكونت ديبيار ترتيباته وانضم إلى روين، ليصعدا معًا إلى عربة دوقية لانكريسيوس.
ما إن بدأت العربة بالتحرك، حتى تنهد الكونت بعمق وأسند جسده إلى ظهر المقعد، متعبًا حتى النخاع.
“أظنني سأفقد عقلي…”
“هل كنت بخير يا والدي؟”
“هل كنتُ بخير؟! روين، ما الذي خطر ببالكِ لتذهبي إلى متجر أسلحة، هاه؟”
لم تجد ما تقوله. وفي مثل هذه الحالات، الهروب إلى الأمام هو الحلّ الأفضل.
“دافع الفضول فقط، أردت رؤية المتجر لا أكثر.”
“لكنّكِ حملتِ السلاح وأطلقتِ النار! متى تعلمتِ شيئًا كهذا؟”
“لابد أنك رأيت الأمر بشكل خاطئ، والدي.”
“هاه؟!”
أشار إلى عينيه بسبابته ووسطاه.
“رأيتكِ بعينيّ هاتين، واضحًا جليًا!”
“شش، والدي، اخفض صوتك. إن سمعنا أحدهم، ماذا سيكون موقفك؟”
“أنتِ بحقّ…!”
أمسك يدها فجأة ونظر إليها مليًا.
كيف ليد صغيرة وهشة كهذه أن تطلق رصاصًا من ذلك المسدس الثقيل؟
فقط بعد أن تأكد أنها لم تُصب بأذى، ترك يدها.
“هل يدرّسون الرماية في الأكاديمية؟”
“…نستخدم شيئًا شبيهًا باستخدام السحر أحيانًا.”
لم يكن الكونت قد التحق يومًا بأكاديمية السحر، لذا لم يكن يعلم الفرق.
وبكل وقاحة، كذبت روين، وانشغلت بملامسة الغلاف المزخرف للهدية.
عندها، أشار الكونت إلى العلبة.
“وما هذا؟ هدية اشتريتها من البوتيك؟”
“إنها مهمة أوكلها لي السيد الشاب.”
“السيد الشاب طلب منكِ شخصيًا أن تقومي بالمهمة؟”
“أجل. وكنت سأذهب إلى منزلنا على أي حال، فكان من حسن الحظ أنني التقيت بك.”
رغم ذلك، ظل الكونت يحدّق فيها كمن فقد روحه، ثم تمتم مرارًا: “يا إلهي، يا إلهي…”،
قبل أن يتحدث بوجه جاد:
“هذا… هذا اختبار. السيد الشاب يختبركِ. قولي الحقيقة الآن: هل تلاعَبتِ بسعر الهدية؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"