“قولكِ في محلّه. حين أفكر بما فعلته تلك الابنة العادية لكونت بحق النبيلة في أيام الأكاديمية… شيء لا يُصدق.”
ماذا أيضًا؟
أصبح الفضول ينهش روين، حتى أنها –وهي صاحبة الشأن– لا تذكر ما الذي حدث في تلك الفترة.
لكن جيريمي بدا وكأنه لا يرغب بذكر نيان أكثر من ذلك، فتحوّل بنظره إلى الطبيب قائلًا:
“كغصنٍ شتوي غير مُقلم، مزعج للغاية. هيا، أعطني الدواء أولًا.”
عندها فقط، تحرّك الطبيب نحو الداخل وكأن أحدهم أحرق باطن قدميه، بينما تابعت روين بعينيها مؤخرة رأسه.
في تلك اللحظة، جاءها من خلفها صوتٌ ساخر:
“لقد حافظتِ على هدوئكِ لشهرٍ تقريبًا، أليس كذلك؟ حسنًا، شهرٌ واحد يُعد إنجازًا بحد ذاته. خذي الدواء وابقِ هادئة.”
أسلوبه في الحديث وقح، لكن على الأقل… يبدو أنه يقلق عليّ نوعًا ما.
فهو مجرد شاب لا يُحسن التعبير عن مشاعره. لذا، مالت برأسها قليلًا بانحناءة خفيفة:
“كونك أبديت القلق بنفسك، فذلك… يُشعرني بدفء في القلب…”
“قلق؟ هل تظنين أنني جئت إلى هنا قلقًا عليكِ؟”
قاطعها جيريمي بسرعة، وحدّق بها بوقاحة قبل أن يضحك بسخرية:
“لطيف جدًا مع النبيلة، تختفين وقت الغداء دون أن يراكِ أحد، وكل ما تتداوله الخادمات أنهن خائفات من أن ترتكبي كارثة ما. هل تدركين أن تصرفاتكِ اليوم تُثير الشكوك؟”
رغم ما في كلامه من إجحاف، إلا أن روين أومأت برأسها مع ابتسامة مصطنعة.
فبعد شهرٍ واحد فقط من التصرف الحسن، من المستحيل أن تُمحى السمعة التي تسببت بها على مدى عمرٍ كامل.
“أعترف ببعض ما قلت، لكنك يا سيدي وقعت في سوء فهم كبير. كل ما في الأمر أنني شعرت بالتوعك، ربما بسبب ما حصل البارحة، فجئت فقط لأطلب دواء. لا شيء أكثر من ذلك.”
“ولكن، الطبيب قال شيئًا عن سُم الفئران، أليس كذلك؟ أم ستقولين إن ذلك أيضًا مجرد سوء فهم؟”
“ذلك سوء فهم من الطبيب وحده. كل ما فعلته هو أنني طرقت الباب فقط.”
ابتسم جيريمي ببطء وقال:
“يا ابنة الكونت، نُطلق على ذلك اسم ‘السمعة’. أليس كذلك؟”
ولأنه انحنى قليلًا حتى تلاقت عيناه بعينيها، كان على روين أن تبذل جهدًا مضاعفًا للحفاظ على ملامح وجهها ثابتة.
“نعم… هذا صحيح.”
“سمعة الآنسة ديبيار التي لم تتهشم فحسب، بل سُحقت ودفنت في زنزانة تحت الأرض! تظنين أن الجميع سيصدقكِ لمجرد أنكِ التزمتِ الهدوء شهرًا واحدًا؟ لقد عشتِ حياتكِ صاخبة بكل ما تعنيه الكلمة، والآن تتوقعين أن يصدقكِ الناس لأنكِ هدأتِ شهرًا؟ يا له من عالم مثالي!”
رغم سخرية جيريمي اللاذعة، لم تتغير ملامح روين.
ابتسامتها ظلت ثابتة، وإن كان الغضب الخفيف يظهر في عينيها بين الحين والآخر.
تبادل معها نظرة مباشرة وقال:
“من الآن فصاعدًا، لا تغيبي عن أي وقت للوجبات دون إذني. حتى لو صدّقكِ الجميع، أنا وحدي لن أصدقكِ أبدًا.”
كانت نظراته الحمراء، المليئة بالشكوك، تلتصق بها بلا هوادة.
شعرت روين بعدم الراحة حيال هذا الإصرار، ولم تعرف كيف تتصرف، فيما ابتعد جيريمي ببطء ثم أغلق الباب بقوة خلفه.
‘…هل جُن؟ هل من الضروري أن يحدّق بي حتى إغلاق الباب؟ يا له من مزاج… حقًا، إن تركته وشأنه فسوف يلتهمني حيّة.’
هزّت روين رأسها محاولة تبديد صورة العينين الحمراوين العالقة في ذهنها.
***
في تلك الأثناء، ما إن أغلق جيريمي الباب بعنف، حتى توجه بخطى واسعة إلى المبنى الرئيسي لقصر الدوق.
وعندها، أسرع السيد تود نحوه شبه راكض، وكأنه كان يبحث عنه منذ مدة.
همّ بسؤاله: “أين كنتَ؟”
لكن جيريمي سبقه بالكلام:
“السيد تود، هل قرأت الصحيفة اليوم؟”
“نعم، سيدي. تقصد حادثة السرقة في متجر الأسلحة، صحيح؟”
تابع جيريمي سيره دون توقف وهو يتفحّص محيطه بنظرة خبيرة، ولحقه السيد تود بخطوات متناسقة.
ثم، بعد أن تأكد من خلو المكان من الآذان المتطفلة، قال بصوت هادئ:
“في الواقع، وبما أن المتجر يبيع سلعًا تابعة لدوقيتنا، فقد ذهبت بنفسي إلى هناك مساء البارحة.”
التعليقات لهذا الفصل " 11"