『لا أعتقد أن هناك شخصًا في الإمبراطورية يُزوّر الوثائق الرسمية كما لو كان يشرب الماء، باستثناء الآنسة ديبيار.』
عندما اعترض المساعد تود بهذه الكلمات، زمجرت روين وكأنها دب صغير محاصر داخل سياج.
“لذا، أطلب منك إحضار السيد. سأقوم بعلاجه بنفسي، أليس كذلك؟”
بالرغم من أن قدرات روين السحرية كانت مشهورة، إلا أن تود لم يستطع إخفاء شكوكه تجاهها.
فمعظم الفضائح التي يتحدث عنها النبلاء كانت مرتبطة بتصرفات الآنسة ديبيار الغريبة. وحتى بالنظر إلى مشاكلها الأخيرة فقط:
1. تزوير توصية بتقليد خط معلمها.
2. لم تكتفِ بذلك، بل زوّرت شهادة إتمام خدمات تطوعية.
3. تزوير جميع الوثائق الرسمية باستثناء “شهادة التخرج المبكر بتفوق”.
4. استخدام الوثائق المزورة لتقديم طلب توظيف إلى عائلة دوق لانكريسيوس.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. كل صباح، كانت الآنسة ديبيار تتسبب في فوضى عند بوابة قصر دوق لانكريسيوس، صارخة.
“لقد جئت لإجراء المقابلة! لماذا لا تمنحوني فرصة لإجرائها؟!”
استمر هذا الضجيج لأسبوعٍ كامل.
ومع ذلك، ظل قصر الدوق هادئًا بفضل المساعد تود، الذي كان يعالج الأمور بهدوء حفاظًا على صحة سيده، السيد جيريمي، وريث عائلة لانكريسيوس.
لكن اليوم، انتهى كل شيء.
فقد رأت روين جيريمي وهو يتنزه مع كلبه في حديقة القصر الأمامية.
“سيد جيريمي؟! يا إلهي… ما أروعك.”
كان وجهه الوسيم يمتزج بملامح شبابية تضفي عليه جاذبية ونقاءً لا يُقاوم. توقفت روين عن الحركة، مذهولة بجماله.
ولكن لم يدم ذهولها طويلاً.
سريعًا ما استعادت رباطة جأشها، وقررت استغلال الفرصة للظفر بمصدر ثروة مستدام.
رفرفت برموشها الطويلة عدة مرات بطريقة مقصودة، محاوِلة لفت انتباهه.
إلا أن جيريمي لم يبدِ اهتمامًا، بل أطلق ضحكة خفيفة ساخرة واستدار ليغادر.
صرخت روين بفزع وهي تركض نحوه.
“هاه! سيد جيريمي! لحظة فقط! سمعت أنك تبحث عن معلم سحر خاص…! أستطيع أن أقدم لك الدروس! أنا جادة، أرجوك!”
لكن جيريمي لم يكترث لكلامها ولم يلتفت خلفه، مواصلاً طريقه بعيدًا عنها.
عندما لحق به تود متأخرًا، علّق جيريمي ببرود.
“تبدو وكأنها وحش مفترس هارب من حديقة الحيوانات، وليست الآنسة ديبيار.”
رد تود سريعًا.
“أعتذر منك يا سيدي.”
لكن جيريمي أضاف، بنبرة تعبّر عن نفاد الصبر.
“إنها مزعجة. لماذا لا نوظفها فحسب؟”
“ماذا؟ يا سيدي. صحيح أن قدرات الآنسة ديبيار السحرية استثنائية، لكن شخصيتها غريبة وأطماعها… لا حدود لها…”
“أعلم. وأعلم أيضًا أنها ستبيع كل ما يمكنها من معلومات عن القصر للجواسيس بمجرد دخولها.”
منذ أيامها في الأكاديمية، عُرفت الآنسة ديبيار باستخدام كل الوسائل القانونية وغير القانونية لجني المال.
والسبب الوحيد الذي دفعها لاختيار العمل لدى عائلة دوق لانكريسيوس بعد تخرجها من الأكاديمية كان واحدًا.
المال.
ليس أي مال، بل المال الذي يأتي بسهولة ودون عناء.
حتى لو باعت معلومات بسيطة عن القصر الذي تحيطه الأسرار، يمكنها أن تصبح مليونيرة في غمضة عين.
ومع ذلك، كان جيريمي مستعدًا لتوظيفها.
السبب؟
كان الخيار الأقل سوءًا لتجنب الموت الوشيك.
بالنسبة لجيريمي، الآنسة ديبيار كانت الخيار “الأقل ضررًا”.
“لقد وصلت درجة حرارتي إلى 39 درجة منذ أيام. إذا استمر الوضع هكذا، سأموت قبل أن أصبح دوقًا. وقبل أن تطأ قدما الساحر الشمالي الذي استأجرته أرض الإمبراطورية، سأكون قد انتهيت.”
ظل السير تود صامتًا، عاجزًا عن الرد بالرغم من أن كلام سيده كان صحيحًا تمامًا.
لم يكن بوسعه الموافقة بسهولة، ليس فقط بسبب سمعة الآنسة ديبيار السيئة، بل لأن التوصية التي قدمتها كانت مزورة وغير مستوفية لشروط التوظيف.
ومع ذلك، لم يستطع المجادلة خوفًا من أن يثير غضب سيده ويفقد القصر هدوءه.
“لذا، قم بتوظيفها. لا أرى أنني سأخسر شيئًا.”
“… حسنًا، لكنني سأراقبها بنفسي.”
ضحك جيريمي بسخرية على كلام تود.
“لا داعي لذلك. خصص لها غرفة في القصر لتقيم فيها دون حاجة إلى المغادرة. سيكون ذلك أفضل.”
“كما تأمر، يا سيدي.”
ثم أضاف.
“وأيضًا…”
فكر جيريمي، وهو يتأمل الآنسة ديبيار، في موعد مناسب للتخلص منها بعد أن تقدم له العلاج السحري.
في تلك اللحظة، نبح الكلب الذي كان برفقته بقوة، ملوحًا بذيله بسعادة بسبب نزهته.
تأمل جيريمي الكلب ثم نظر إلى الآنسة ديبيار، قبل أن يقول بهدوء.
“ضعها تحت المراقبة. إذا قامت ببيع معلوماتنا للجواسيس كما نتوقع، يمكننا حينها محاسبتها.”
ثم ربت على رأس الكلب، مردفًا بنبرة باردة.
“كأن نجعلها خادمة لتنقية السحر.”
كان يعني بذلك أنه سيحتجزها في القصر ويستغلها طوال حياتها لتنقية الطاقة السحرية، كعقاب لما قد ترتكبه.
في تلك الليلة.
“الكونت هازن، هنا…!”
كانت روين تبتسم بخفة وهي تخرج خلسة عبر الباب الخلفي للقاء الكونت هازن.
‘يا لها من صفقة رابحة في اليوم الأول.’
كان كل شيء يسير بسلاسة، صفقة خالية من العيوب، حتى قابلت جيريمي.
***
عندما أزاح جيريمي برفق غطاء رأسه الأسود وحرك خصلات شعره الداكنة، تجمدت تعابير وجه روين على الفور.
بدا وجهه تحت ضوء القمر وكأنه يلمع. كان وجهًا نبيلًا، تجسيدًا للجمال الفائق الذي يليق بمكانته الرفيعة.
كان طويل القامة لدرجة أن روين اضطرت إلى رفع رأسها كثيرًا لتتمكن من النظر إلى وجهه.
أما عيناه الحمراوان، فقد توهجتا حتى في المساء، وكأن شمسًا صغيرة تطل من بين ظلال الليل.
كان هذا هو جيريمي الذي قرأت عنه فقط، لكنه ظهر الآن أمامها وكأنه في “جودة 4K” وضوحًا ودقة.
كيف يمكن لعقلٍ سليم أن يصدق هذا المشهد؟
“انتظر… لحظة.”
في تلك اللحظة، قام الكونت هازن بوضع قرطي ألماس في يد روين بقوة، قائلاً.
“هيا، أسرعي! أعطيتكِ قرطي الألماس كما اتفقنا، لذا أعطني الآن الرق الملعون!”
كانت كلماته وتصرفاته مشبوهة للغاية، حتى بالنسبة لشخص لا يعرف ما يحدث. بدا وكأنه تبادل رشوة.
ومن بعيد، اقترب جيريمي أكثر، وبدأ وجهه الوسيم يصبح أوضح تحت ضوء القمر. كان الجمال الساحر الذي رآه كافيًا ليجعل روين تتساءل للحظة.
هل الكاتب شديد الإبداع لدرجة أنني أرى كل شيء بهذه الدقة؟
وفي تلك اللحظة، توقفت خطوات جيريمي بجوارها، وصوت حذائه اللامع الذي انعكس عليه ضوء القمر جعل الحقيقة أخيرًا تتضح أمامها.
‘هل… هل أنا مجنونة؟ هل أنا الآن… أعيش في جسد شخصية؟’
وللأسف، لم يكن أي جسد بل جسد روين لوف ديبيار. بل والأسوأ من ذلك، في اللحظة التي كانت تلك الحمقاء تتلقى فيها رشوة!.
وفي تلك اللحظة، تذكرت عبارتين من الإصدارات الجانبية للرواية التي كانت تقرأها قبل أن تجد نفسها هنا.
『إذا باعت المعلومات للجواسيس كما نتوقع، يمكننا حينها محاسبتها… كأن نجعلها خادمة لتنقية السحر.』
خادمة؟!
شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وبدأت عتمة تغشى بصرها.
***
كيم تشاي هي، طالبة جامعية في العشرين من عمرها، كانت تعيش حياتها كأن يومها يتكون من 48 ساعة بدلًا من 24.
لأنها كانت تعمل بلا توقف لتغطية تكاليف دراستها، متنقلة بين التدريبات المكثفة كطالبة رياضية ومدربة للرماية، وبين إعطاء الدروس الخصوصية ليلاً.
5:00 صباحًا: الاستيقاظ
6:00 صباحًا – 6:00 مساءً: تدريبات رياضية
6:00 مساءً – 7:00 مساءً: عشاء واستراحة قصيرة
8:00 مساءً – 11:00 مساءً: التنقل بين منازل الطلاب للدروس الخصوصية
رغم هذه الحياة المرهقة التي تشبه الجري داخل عجلة الهامستر، كانت تجد متعتها الوحيدة في قراءة رواية مشهورة ومعقدة تحمل اسم “رصاصة غارقة في المستنقع”.
“واو، حتى الإصدارات الجانبية مذهلة! شكرًا لكِ أيتها الكاتبة!”
الرواية كانت مشهورة بسبب جرأتها في وصف المشاهد العاطفية، لكنها أيضًا حملت حبكة معقدة ومظلمة للغاية، بطلها “جيريمي دي رونغ لانكريسيوس”.
جيريمي كان شخصية لا تعترف بالندم، بل كان مثالًا لرجل غارق في الظلام.
حبسه لعروستهُ “نيان بليير” في غرفة النوم بعد الزفاف مباشرة.
إبقاؤه لها تحت الإقامة الجبرية بينما يتم تدمير عائلتها.
حبه لها لم يمنعه من احتجازها مرارًا وتكرارًا.
وحتى لحظة موته على يدها، لم يبدِ أي ندم.
『“كان عليّ أن أحتفظ بكِ بجانبي منذ غادرتِ الأكاديمية….”』
كان جيريمي شخصية خالية من أي شعور بالندم، مما جعل النقاشات حوله تشتعل حتى بعد انتهاء الرواية.
لكن بالنسبة لكيم تشاي هي، فقد علّقت يومًا على أحد منشورات النقاش.
“جيريمي لا يجب أن يندم. شخصيته تكمن في كونه بلا ندم، هذا هو جيريمي الحقيقي.”
لكنها الآن لم تعد مجرد قارئة تستطيع الإدلاء بآراء جريئة، بل أصبحت عالقة في مواجهة مباشرة مع هذا الرجل.
***
عندما رفعت روين رأسها لتواجه جيريمي، أدركت أن وصفه في النصوص لم يكن مبالغة. طوله الشاهق، عينيه الحمراوين التي تشع بقوة، وهيبته الساحقة جعلتها تبتلع ريقها بصعوبة.
تقدم جيريمي بخطوات بطيئة حتى وقف بجانبها. نظراته الحادة انخفضت تدريجيًا نحو يدها التي كانت تحمل قرطي الألماس.
“ثمن زهيد جدًا لحياة بأكملها.”
نبرته كانت تسخر بوضوح، وكأنه يستهزئ بمدى غباء روين في قبول رشوة تافهة كهذه.
وفجأة، صرخ الكونت هازن في حالة ذعر.
“ليس لي علاقة بالأمر! إنها من دبّرت كل شيء!”
ثم حاول الهرب، لكنه تعثر وسقط بطريقة محرجة على الأرض.
نظر جيريمي ببرود إلى المشهد، ثم أعاد نظره إلى روين. تساؤل واضح ارتسم على وجهه، كما لو كان يحاول فك لغز ما حدث للتو.
“هل قمتِ بتسميمهُ؟”
رغم سخافة الفكرة، لم يجد تفسيرًا آخر لردة فعل الكونت.
وقبل أن يتمكن جيريمي من قول أي شيء آخر، جثت روين على ركبتيها فجأة وصرخت بحماس.
“كنت في انتظارك، يا سيدي! لقد قدمت حياتي كطعم للإيقاع بالجواسيس!”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"