الفصل 05
حلّت اختبارات القبول للمرحلة الثانوية في أوج الصيف، كما كان مُخططًا لها.
تابعت تشو يي حياتها على نحو طبيعي. كانت هي ووين ييهنغ مفصولَين بمقعدٍ واحد لا أكثر ولا أقل.
كانت تشو يي ممتنّة للغاية لأنها حصلت على ثلاث درجات أكثر من الشخص الذي يليها.
كان في المدرسة الثانوية التابعة صفّان خاصّان، يضمان أفضل خمسين طالبًا في المدينة. وقد تمّ ترتيب المقاعد بحيث يكون الأول في المقعد الأول، والثاني في المقعد الثاني، والثالث في المقعد الثالث…وهكذا حتى تم توزيع الخمسين الأوائل.
وبعد انتهاء اختبارات القبول للمرحلة الثانوية، بدأت عطلةٌ صيفيةٌ امتدّت لشهرين.
سافرت تشو يي مع والديها إلى الخارج في رحلة امتدّت شهرًا، ثم عادوا إلى البلاد. اقتنت عددًا كبيرًا من كتب المرحلة الثانوية، وما إن قاربت على إنهاء أولها، ولأن أصدقاءها كانوا قلائل، آثرت البقاء في المنزل خلال الشهر المتبقي، تقضي وقتها ما بين الدراسة والقراءة بصمت.
بانتهاء الشهرين، أطلّ سبتمبر، وبدأت معه المرحلة الثانوية.
وصل الزيّ المدرسي الجديد إلى المدرسة الثانوية التابعة، بلونيه الأبيض والأسود. بدا واسعًا قليلًا حين ارتدته، ومع ذلك راق لها شكله. وقفت أمام المرآة، شعرها مرفوعٌ إلى الخلف في تسريحة مرتّبة، وياقة الزيّ نظيفة تستقرُّ بثبات عند عنقها. انعكس جبينها المكشوف ناعمًا وجميلًا تحت الضوء، أما وجهها فظلّ على حاله. شاحبًا كما عهدته، بعينين جامدتين، يصعب على الناظر إليهما أن يقرأ ما تخفيه الأعماق.
وسط حشود الطلاب، كانت أشبه بالشبح، بلا وجودٍ يُذكر.
غير أنها غيّرت لون ربطة شعرها إلى قرمزيٍّ فاتح. وقد بدت متدلّية على شعرها الأسود اللامع كزهرةٍ ناصعة.
وصلت تشو يي متأخّرة نوعًا ما.
كان نصف الفصل قد وصل بالفعل، وكان الصف يعجّ بالصخب والحيوية.
تردّدت تشو يي عند الباب برهةً، ثم دخلت أخيرًا.
وكادت أن تصطدم مباشرةً بفتى طويل كان يخرج في تلك اللحظة.
“أنا آسفة.” وقفت تشو يي مكانها، ولم تقل شيئًا…وحين أمعنت النظر في وجهه، أصابها الذهول.
رفعت رأسها وحدّقت فيه شاردةً.
مرّ شهران فقط.
وفجأةً خطرت في بالها أولى لحظاتهما قبل عامين حين قالت له. ‘أنا أطول منك.’
وبعد عامين، حين تبادلا النظرات مجددًا، باتت رقبتها تؤلمها من شدة رفع رأسها للنظر إلى عينيه السوداوين الصافيتين.
أخفى وين ييهنغ الابتسامة الطفيفة التي علت شفتيه.
“ييهنغ.” ناداه الفتى الذي كان يسير خلفه، ثم لفّ ذراعه على كتفيه. وحين التفت جانبًا ورأى تشو يي، وقبل أن يتمكن وين ييهنغ من قول شيء، قبضت تشو يي على حزام حقيبتها، وقد أصابها الهلع، ثم تسلّلت إلى داخل الصف هاربة.
“مَن تلك؟” سأل الفتى وهو يحدّق في ظهر تشو يي.
أجابه وين ييهنغ بهدوء. “زميلتي في الصف.”
ابتسم الفتى. “لقد توقعتُ ذلك، إذن هي زميلتي أيضًا.”
لكن هذه لم تكن قاعته الدراسية، فمن أين له الوقت ليأتي إلى هنا؟
قال وين ييهنغ. “ليست زميلتك.”
ساور الفتى بعض الشكّ في قلبه، لكن قبل أن يتمكّن من تحليل الأمر بتمعّن، كان وين ييهنغ قد غادر الصف بالفعل. فتخلى الفتى عن تساؤلاته على الفور، وركض خلفه. “أخي ييهنغ، انتظرني.”
لم يلتحق عدد كبير من طلاب مدرستهم الإعدادية بهذه المدرسة الثانوية، وكان عدد المنضمين إلى الصف الخاص أقلّ.
باستثناء تشو يي ووين ييهنغ، لم يكن من طلاب مدرستهم السابقة سوى اثنين أو ثلاثة، ولم يكن أيٌّ منهم في الصف نفسه. وباستثناء لقائهم في قاعة الامتحانات، لم يكن بينهم أي تواصل يُذكر.
أما بالنسبة لـ تشو يي ووين ييهنغ، فقد كانا زميلين في الصف ذاته.
كان مقعد وين ييهنغ في الصف الخلفي. وبعد دخول المرحلة الثانوية، لم يظهر على تشو يي أي نمو يُذكر. فمقارنة بطولها في السنة الثانية من المرحلة الإعدادية، لم تزد سوى سنتيمتر أو اثنين.
يفصل بينهما الآن أكثر من نصف الصف، ولم يعُد ممكنًا أن يجتمعا في المقعد نفسه، خلفًا أو أمامًا كما في السابق.
بالنسبة لـ تشو يي، لم تجد فرقًا يُذكر بين حياة الإعدادية والثانوية.
فالتعلّم لم يكن يومًا أمرًا شاقًا عليها. ولم تكن ترى نفسها جزءًا من التغيّرات من حولها. كانت الأيام تمرّ على هذا النحو. ما بين الدراسة، والدروس، ولا يهم إن كانت الأمور تجري في الخفاء أو على الملأ، فقد بدأ واضحًا أن بينهما شيئًا يتكوّن، أشبه ببداية علاقة.
ومن الطبيعي أن يُستدعى أولياء الأمور إلى المدرسة لمعالجة هذا الوضع بأسرع وقت ممكن.
في الخفاء، وتحت أنظار الزملاء جميعًا، بخفوتٍ وتكتم، كانا يتناولان الإفطار معًا قبل الحصة الصباحية، ثم يمسكان بأيدي بعضهما خفيةً بعد الحصة المسائية. ونمت مشاعرهما شيئًا فشيئًا.
رأت تشو يي كل شيء بوضوح.
وفكرت في نفسها أن هذه الأمور لا تعنيها بأي شكل من الأشكال.
لم تشعر بالاشمئزاز، ولم تنتابها الغيرة أيضًا، إذ لم ترَ في الأمر شيئًا يستحقّ الانشغال به أو الحديث عنه.
وربما، لو كان البطل هو وين ييهنغ، لربّما ظهرت على وجهها علامات غيرةٍ مشوّهة.
مرّ الوقت بسرعة.
ولحسن الحظ، لم يصبح أيٌّ منهما بطلًا في قصة حب تجمعهما.
حلّت السنة الثانية من المرحلة الثانوية.
اختار كلاهما الفرع العلمي.
ومع اقتراب نهاية السنة الأولى، صدرت الخطة الدراسية للسنة الثانية مبكرًا. وحين نظرت تشو يي إلى اللوحة، شعرت كأن طنينًا مدوّيًا يملأ رأسها. كانت تلك أول مرة تعاني فيها من الأرق، فذهبت إلى المدرسة وعيناها محاطتان بهالات سوداء كثيفة.
“هل سهرتِ الليل من جديد تكتبين المقال؟” قال زميلها الجالس بجانبها، وكان يرتدي نظارة سميكة الإطار، بنبرة تمزج بين المزاح والجد، غير أن صوته كان خاليًا من أي دعابة حقيقية.
ضمّت تشو يي شفتيها ولم تُجب.
وخلال حصة التربية البدنية، جلست تحت شجرة، تنظر بهدوء إلى الغيوم في السماء.
تدحرجت كرة سلة برتقالية اللون حتى توقفت قرب قدميها.
فجمعت تشو يي ساقيها، وخفضت نظرها، ولم تلتفت إلى الجهة الأخرى. تقدّمت نحوها خطوات، لكنها لم تبتعد، بل توقّفت بهدوء عند موضعها.
رفعت تشو يي عينيها للحظة ثم صرفتهما سريعًا. كانت تسند ذقنها إلى ركبتيها، ورموشها الكثيفة تُلقي بظلالها على وجهها الشاحب. وكانت الهالات السوداء بارزة جدًا تحت عينيها الغائرتين، أما شفتيها فكانتا منطبقتين بإحكام كعادتهما. كانت الهالة التي تحيط بها منطوية وغريبة، تنفر منها أيّ محاولة اقتراب.
كان وين ييهنغ يقف هناك وهو يحمل الكرة، وظلّه النحيل يمتد تحت قدميه.
ولم يكن هو الآخر يقول شيئًا.
هبّت نسمة ريح، فشعرت تشو يي بإحساس مألوف وغريب في آنٍ واحد. لوهلة فقط، رفعت عينيها بدهشة، ثم اختفى ذلك الشعور سريعًا. وفي مجال رؤيتها، لم يبقَ سوى ظهر وين ييهنغ النحيل وهو يبتعد، والكرة بين يديه.
يُتبع….
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"