ثم جذب أوتار الهارب بعنف، فانقطعت وأدمَت أصابعه. تناثر الدم مع أنين الوتر الممزق.
“أخبريني، كيف كان جسد أخي الميت؟ في هذا القصر الملطّخ بدمائه، كم صرختُ وبكيتُ؟ أيمكنكم أنتم أن تتخيلوا؟! يقال إن حديقة الورود كانت المكان، أليس كذلك يا كليف؟ المكان الذي قتلتَ فيه أخي. هل جئتَ إلى هنا ثانية؟ هل تذكرتَه يومًا، ذلك الذي لم يجد حتى نومًا هانئًا في أرضه؟!”
“فيليب، أعلم أنك تحمل لي الضغينة… لكن الطفل بريء، لا يعرف شيئًا. إيان لم يخطئ في شيء. لذا، فلتكن بي أنا العقوبة!”
“لستَ أنت من يحقّ له الكلام، وقد نسيتَ أخاك بهذه السرعة. حاولتُ أن أفهم، إيزين كروفورد. قلتُ لنفسي إنك ضحية أيضًا، وأن كليف مور أجبرك على زواج لم تريديه. حاولتُ حتى النهاية أن أفهمك. لكنك الآن… الآن تريدين أن تعيشي سعيدة معه؟ أظننتِ أنني سأدع ذلك يحدث؟!”
صرير أسنانه كان كحجر يُطحن بين فكيه، وملامحه التي كانت رقيقة غدت مشوّهة، مشحونة بحقدٍ عتيق.
هل ظلّ هكذا طوال الوقت بقربي؟ يحترق بهذا الغيظ والكراهية وأنا لم أبصره؟ لمَ لم أُدرك نظراته التي تنخرني من الداخل؟
(إيزين… اعتنِ بها.)
حينها فقط لمح كليف إشارة سريعة من عينيه نحو هاردين الواقف بجانبه.
ولم تدرك إيزين متى غاب كليف عن مكانه أمامها، حيث كان يحميها من فيليب. وبينما كان ذهنها مشدودًا إلى مواجهة فيليب، كان كليف يقترب خطوة بعد خطوة من الرجل.
“لا تقترب!”
صرخ فيليب حين أدرك وجوده، ورفع إيان بين ذراعيه.
“قلتُ إنني سأرميه! خطوة واحدة أخرى فقط!”
فقال كليف بصوت عميق تردّد في القاعة كلها:
“انتقم مني أنا، فيليب دونوفان.”
أدركت إيزين على الفور ما ينوي فعله.
إنه يريد أن يتحمّل العبء وحده… يريد أن يموت وحده، لينقذني وينقذ إيان.
“لا!”
صرخت، وحاولت أن تهرع إليه.
“سيدتي، لا يجوز!”
“دعني! دعني أمر!”
لكن هاردين، الذي تلقى أمرًا مسبقًا من كليف، أمسك بها. صرخت، قاومت، لكنها لم تستطع الإفلات.
قال كليف:
“لا تريد أن تقتل إيزين، ولا الطفل أيضًا. القاتل الحقيقي لنَايجل دونوفان هو أنا. اقتلني أنا.”
خلع سترته، فلم يبقَ عليه سوى قميص رقيق. ثم أخرج خنجره، وألقاه نحو فيليب.
“ها هو. اغرسه فيّ.”
تلاقت عيناهما.
فيليب ضحك ساخرًا:
“هه! أتظن أن هذا ممكن؟ ألا تعرف من أنتَ؟ الأسد الأسود في ساحة الحرب… أتظنني أجهل من تكون؟!”
لكن كليف، بصمت، رفع الخنجر وشقّ جِلدي ساعديه.
“لا! توقف! لا تفعل هذا!”
صرخة إيزين الممزقة شقت السكون.
من دون أن يصدر أنينًا واحدًا، فتح جرحين عميقين في ذراعيه. تساقطت قطرات الدم الثقيلة على الأرض، نقطة إثر أخرى.
ثم بسط ذراعيه، خفضهما، واستسلم بكامل جسده.
هل يُعقَل أن كليف مور، الذي لا يعرف الضعف، يطرح نفسه هكذا بلا دفاع؟
فيليب ضحك بخبث.
“أهكذا أراك الآن؟ ظننتَ أن بضع طعنات تكفي؟ أنني سأدعك تموت سريعًا كما مات أخي؟ لا، سأذيقك عذابًا طويلًا، حتى تعرف ثِقل الضغينة التي أحملها!”
لكن كليف لم يرد. أغمض عينيه فقط، في هدوء غريب.
وهذا المشهد وحده كان كافيًا ليُشعل النار في رأس فيليب. رفع الخنجر واندفع نحوه.
اندسّ النصل الحاد في كتف كليف. وعلى القميص الأبيض انتشرت بقعة حمراء، أخذت تتسع.
“آه…”
ابتلع كليف أنينه القصير، وقضَم شفتيه ليكتم الألم.
“لا! لا! أرجوك، لا تفعل هذا! توقف!”
صرخت إيزين بجنون، فيما كان هاردين يلهث محاولًا أن يمنعها.
“سيدتي! أرجوك، تراجعي! سيدتي!”
لم تكن إيزين في كامل وعيها. كانت تتخبط بجنون، تحاول أن تفلت لتندفع نحو كليف، لكن هاردين تشبث بها بكل ما أوتي من قوة، مانعًا إياها. لم يستطع أن يسمح بتبديد تضحية سيّده الذي جرح نفسه ليحمي إيزين والطفل.
ومع ذلك، أن يُجبر على الوقوف مكتوف اليدين وهو يشاهد كليف يتلقى الطعنات بلا دفاع… كان ذلك يمزقه حتى راح يعضّ على أسنانه بقوة حتى سال الدم في فمه.
ومرة أخرى، شُقَّت ذراع كليف.
صرير النصل، ثم انبثاق الدم من صدره.
صرير آخر… وهذه المرة من فخذه. لم يدرك أحد كم أن صوت شقّ اللحم يمكن أن يكون مقززًا إلى هذا الحد.
“أرجوك… أرجوك يا فيليب، كفى… لا تفعل هذا.”
لكن فيليب زأر:
“إن خطا مور خطوة واحدة بعد الآن، سأركل طفلك. هنا، الآن.”
كان الطفل موضوعًا على حافة الدرج، في متناول ساقه. صرخاته الحادة لم تنقطع، تمزق الفضاء كاستغاثة مذعورة، بينما كليف يقبض على أنفاسه، يكمم أنينه كيلا يخرج.
“سيدي!”
“لا تقترب!”
لمّا لم يحتمل ليور أكثر، حاول أن ينهض، لكن صرخة كليف دوّت قاطعة:
“لا يتحرك أحد دون إذني!”
ضحك فيليب ضحكة ملتوية، ورفع شفرة سيفه إلى عنق كليف.
“تراك ستبقى متماسكًا هكذا حتى وأنت تلفظ أنفاسك؟”
“سيدي! أيها الوغد!”
لم يتمالك ليور نفسه، فاندفع برمحه نحو فيليب.
لكن سلاحه كان ضخمًا أكثر من اللازم، فاختلّت ضربته وانحرفت، لتصيب لا جسد فيليب، بل عمودًا متآكلاً من أعمدة القاعة.
دوّى ارتطام مريع.
تشقق العمود المتهالك، الممتلئ بالصدأ والتآكل منذ سنين. الشرخ امتد بسرعة، كعنكبوت منكسرة، حتى بلغ الدرج. اهتزّت الأرض، وكاد الطفل عند الحافة أن يتدحرج.
“سيسقط الفتى!”
صرخة أحد الفرسان السود اخترقت القاعة.
ترنّح جسد الصغير إلى الأمام.
فاندفع كليف كالصاعقة، وارتمى ليحتضنه، لكن جسديهما انقلبا معًا، يتدحرجان عبر الدرج. اصطدما أرضية منتصفه ارتطامًا صاعقًا، فاهتزّ الدرج أكثر واتسعت الشقوق.
“كهْه!”
سعل كليف بقوة، فتفجرت من فمه قطرات الدم.
“كليف!”
لكن في اللحظة التالية، بدا أن القدر لم يكتفِ بعد. فالثريا القديمة، المعلّقة منذ زمن بعيد، والتي طالما تباهى بها كونت كروفورد لغلاء ثمنها، أخذت تتأرجح، ثم انقطع حبلها الحديدي.
رأى كليف بأمّ عينيه السلاسل تصدأ وتنكسر. أطبق جفنيه، وضغط إيان إلى صدره بكل قوته ليحميه.
تحطّمت الثريا العملاقة على الأرض بصوت مهول، وانداحت شظايا الزجاج في كل اتجاه.
لكن حين رفع كليف رأسه، لم يكن الزجاج ولا الحديد قد سقطا فوقه ولا فوق الطفل. كان فيليب هو من اعترضهما بجسده.
وقف أمامهما، يتلقى السقوط المدمر. رأسه، كتفاه، وجسده بأسره تمزق من حدة الزجاج المتناثر، ودماؤه انحدرت حمراء قاتمة.
التقت عيناه المتفاجئتان بعيني كليف، ثم انجذبتا نحو الطفل. بعدها أبصر من بعيد إيزين، تركض نحوه بوجه مشبع بالهلع.
“تبًّا…”
الكلمة انسابت من فمه قبل أن ينهار جسده.
“أحضروا الطبيب، حالًا!”
انتزع كليف نفسه من الصدمة، وأطلق أوامره بصرامة.
إيزين، بوجهها المبلل بالدموع، وضعت يدها على فمها وتقدمت بخطى مترددة نحو جسد فيليب الملقى أرضًا.
“لماذا؟… لِمَ فعلت هذا؟”
بجهدٍ عظيم فتح فيليب عينيه المثقلتين. وقع بصره على إيزين كروفورد، تبكي فوقه. وجهها الغارق في الدموع كان جميلاً كما قيل له دائمًا.
جميلة…
لو أنها تبتسم فقط… لماذا كانت عيناها حمراوين كل مرة؟ وكأنها لا تفعل سوى البكاء… أليس الضحك أجمل عليها؟
بدا وكأن صوت أخيه الراحل يهمس مع الريح:
أتمنى أن تكون سعيدة. حتى لو لم تخترني. لا أريدها أن تبكي بعد الآن… أريدها أن تضحك.
تمتم فيليب، صوته يذوب:
“إنكِ… إن بكيتِ، فسيحزن أخي…”
نعم، كان أحمق. لم يكن سوى أخ غبي لم يدرك إلا متأخرًا أن أخاه لم يكن يتمنى انتقامًا حقيرًا. ولم يكن هو أصلًا أهلًا لأن يثأر له.
“لقد قال إنه… يريد أن يراكِ سعيدة… يريد أن يرى ابتسامتك…”
أغمض عينيه ببطء، يسلّم نفسه لظلام يبتلعه.
“لا! لا… لا تمت…”
صرخت إيزين، تهز جسده بوجهٍ شاحب مزرقّ، لكن وعيه كان قد غاب.
“فيليب! فيليب!”
قال كليف، صوته حازم لكنه مبحوح من الألم:
“ما زال يتنفس… أسرعوا، انقلوه إلى المعبد.”
التفتت إيزين نحوه، وصرخت مرتجفة:
“لكن… كليف، أنت أيضًا! جُرحت كثيرًا… دمك، دمك لا يتوقف!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات