كان يتلفت حوله، ورأسه يدور بقوة وعيناه تبحثان بلا هدف، بشكل غير مستقر.
“سيدي! استيقظ!”
تجمدت في مكاني بينما كنت أضرب صدره.
“أيزين؟ هذه أنت؟ أليس كذلك؟”
فجأة تراجع للخلف، ثم بدأ يجول في القبو بخطوات سريعة، وذراعيه ممدودتان.
“هل أنت هنا؟”
“سيدي، ما الذي تفعله؟ أرجوك استعد وعيك. عد إلى عظمتك السابقة!”
“اصمت!”
اندفع نحوه كوحش مفترس. وأمسك بحلق الفارس الكبير ودفعه إلى الحائط.
“اصمت، لا أستطيع سماعها. الصوت الذي سمعته منذ قليل يضعف بسبب صوتك …”
“سيدي، أرجوك!”
بدأ يهمس بكلمات لنفسه، ثم عاد ليتلفت حوله، وكأنه يبحث عن شيء بلهفة.
صرخ الفارس: “لقد ماتت!”
صرخ وهو يمسك بالذراع التي كانت تخنقه بيأس.
“لم تعد موجودة في هذا العالم! سيدي، أرجوك استعد وعيك. لا تتخلى عنّا، نحن الذين ننتظرك وحدك…”
“لا، لا يمكن أن يكون هذا ما حدث”
همهم بذلك، رافضًا بشدة كلام الفارس وكأنه لم يسمعه.
لكن صوته كان ضعيفًا لدرجة أنه بدا وكأنه يدرك أن ما يقوله ليس الحقيقة.
“لقد دفنتها بيدي!”
كان الفارس قريبًا بما يكفي ليسمعه.
“بيدي! لقد دفنت جثتها بالتراب. لقد رأيت ذلك، كنت هناك! رأيت كل شيء بعينيك! سيدي، أرجوك، لا تخيفني.”
“……”
ساد صمت قاتل. كان الصوت الوحيد الذي يسمع هو أنفاس الفارس الثقيلة وهو يختنق.
“……”
ببطء، أطلق قبضته عن رقبة الفارس. كانت عيناه الزرقاوتان تنطفئان بعمق. رأيت النار التي كانت تشتعل فيه تُخمد بهدوء.
“اخرج.”
“سيدي…”
“اخرج.”
أمسك برأسه. خطاه المتراجعة بدت وكأنها تتعثر.
“سأعود غدًا. سيدي، آمل بصدق أن أرى الأسد الأسود الذي أعرفه غدًا.”
تراجع الفارس بوجه قاتم. كان صوت خطواته وهو يصعد الدرج يبتعد تدريجيًا.
“……”
وقف وحيدًا، يحدق في الفراغ. وقفت أمامه، وهو رجل بدا وكأنه سيتحد مع الظلام في أي لحظة. الغضب تجاهه الذي لم أكن أعرف كيف اوقفه، والذي كان يهدد بحرقي، توقف فجأة عندما رأيت حالته الغريبة.
“……أنا.”
ماذا عليّ أن أفعل؟ أين أقف؟ وماذا يجب أن أفعل؟
هل ما اعتقدت أنه النهاية لم يكن نهاية؟ هل ما اعتقدت أنه بداية لم يحدث خطوة واحدة في التغيير؟
“…….”
مدّ يده ببطء. كانت أطراف أصابعه التي تمتد في الهواء ترتجف.
فتح يده. تباعدت أصابعه الخمسة الممتدة للحظة عن بعضها، ثم انكمشت. قبض بيده كما لو كان يمسك بشيء، لكن لم يكن هناك شيء في يده.
“…….”
بعد أن قبض على الهواء وفتح يده عدة مرات، سقطت ذراعه أخيرًا إلى الأسفل.
استدار بوجه خالٍ من التعبير وعاد يمشي نحو الكرسي بخطوات ثابتة. لم يعد هناك أي تمايل في مشيته. كانت تلك هي مشيته المستقيمة والقوية التي عرفتها دومًا.
بدأت أمشي ببطء نحوه. كلما اقتربت منه، تمكنت من رؤية وجهه بوضوح أكبر. كان أكثر وضوحًا مما أتذكر، لكن عندما فحصته بعناية، بدأت عيني تجد بعض التباينات الصغيرة.
عينيه الخاليتين من الحياة، ولونه الشاحب، وجسمه الذي بدا أنحف من ذي قبل، وحدته التي باتت أكثر حدة، كلها كانت تبدو غريبة. لم أعرف كليف مور بهذا المظهر، بهذا الوجه، أو بهذه الهالة.
في القبو المظلم، لم يبقَ سوى ظله المدفون عميقًا تحت الكرسي، وصوت سائل يتدفق بلطف، ورائحة البراندي القوية التي بدأت تنتشر بعمق.
بعد أن فرغ من زجاجة البراندي، مال بجسده على الكرسي بكسل. أغمض عينيه.
فقلت : “يشبهه.”
في ملامحه المألوفة، عثرت على وجه طفل.
باستثناء التباين بين ابتسامة الطفل التي كانت كالملاك ووجهه الخالي من التعابير، كان هو والطفل متشابهين جدًا. كان من المدهش أنني لم أتذكره من ملامح الطفل مباشرة.
بحركة خفيفة، كان يبدو وكأنه ميت وهو يغلق عينيه، مدّ يده داخل معطفه. أخرج شيئًا ما. لم أستطع أن أرى ما هو بسبب قبضته عليه. فتح عينيه. ظل يحدق في الشيء الذي في يده لفترة طويلة.
“…….”
أخيرًا، أغلق يده على الشيء مرة أخرى وأعاده إلى معطفه. وكأنه قد أكمل مهمته، أعاد رأسه ليسترخي على الكرسي وأغلق عينيه مرة أخرى.
قلت لنفسي :”توقفي، توقفي الآن.”
حاولت أن أستدير وأغادر كما فعلت حين خرجت مسرعة من غرفة الطفل. حذرني حدسي من البقاء هنا أكثر. لم أعد أرغب في رؤيته.
لو لم ألاحظ اللمعان الناعم الذي انساب على طرف عينه المغمضة، لكنت تركته بالتأكيد.
في النهاية، لم أتمكن من أن أخطو خطوة واحدة، ووقفت هناك أنظر إليه بذهول.
عندما استعدت وعيي، وجدت نفسي واقفة مرة أخرى في منتصف الممر المظلم.
لم يكن هناك أي أثر لكلّيف أو القبو البارد المظلم الذي ينفث البرودة القارسة.
“كيف يمكن أن يحدث هذا…؟”
نظرت حولي لأجد نفسي في ممر طويل في قصر، يبدو كما كان عندما استيقظت هنا لأول مرة. بالكاد كانت هناك إضاءة كافية لرؤية ما أمامي. لم يكن هناك نوافذ أو سلالم في أي مكان؛ كان كل شيء يمتد بشكل مستقيم فقط.
“أين هذا المكان؟”
أردت الهروب من هنا على الفور. تأثير وجود الطفل وذلك الرجل قد زعزعني بالفعل. لم أعد أملك الشجاعة لرؤيتهما مرة أخرى. أردت الهرب، كما فعلت من قبل.
حاولت فتح أقرب مقبض باب.
“إذا فتحت الباب، سأجد شيئًا ما، أليس كذلك؟ لا بد أن يؤدي إلى مكان ما، أليس كذلك؟ بالتأكيد، سيكون كذلك…”
كررت تلك العبارات بتوتر، على أمل العثور على مخرج.
صوت محاولة فتح المقابض تكرر مرارًا.
لكن الأبواب لم تكن تفتح.
ضربت الباب بقدمي.
“هل من أحد هنا؟ أي شخص! هل من أحد هنا؟!”
قرعت الباب بقبضتي، لكن حتى مع الضوضاء الكبيرة التي تردد صداها في المكان، لم يكن هناك أي رد. كنت وحدي في هذا المكان.
حاولت فتح الأبواب على الجانب الآخر وركضت حتى نهاية الممر. لكن الممر المستقيم لم يكن له نهاية. لم ألاحظ تكرار الزخارف واللوحات على الجدران إلا بعد فترة طويلة.
“المسافة لا تقل حتى عندما امشي.”
كنت أتحرك بكل قوتي، لكن كل شيء لا يزال كما هو. مهما حاولت، لم أستطع الخروج من هذا المكان.
“تبا…”
عضضت على شفتيّ. بدأ الخوف يتسلل إلى صدري ويرتجف جسدي.
الافتراض بأن النهاية لم تكن نهاية يمكن أن يزعزع اختياري الأناني للغاية، ويجعلني أشك في اعتقادي بأن هذا كان أفضل ما يمكن فعله.
ظهر ضوء خافت في نهاية الممر. تراجعت بخطوات إلى الخلف. ماذا سأرى هذه المرة؟ من سيكون هناك؟ حاولت الابتعاد عن الضوء، لكن ما كان خلفي كان ظلامًا دامسًا.
“…”
لم يكن لدي خيار آخر. قبضت يدي وسرت نحو الأمام.
وقفت قريبة من الباب الذي كان يتسرب منه الضوء. المدهش أنه كلما سرت باتجاه الضوء، تقلصت المسافة في الممر. يبدو أن هذا المكان موجود فقط ليوجهني إلى مكان ما.
نقرة.
فتحت الباب. بعد أن اعتادت عيني على الضوء الساطع، استطعت أخيرًا رؤية الغرفة بوضوح.
كان مكانًا أعرفه. كان ذلك الجزء الداخلي الناعم والدافئ، وسرير الأطفال القديم الفخم، والمخمل الأرجواني…
“…”
تجمدت في مكاني مرة أخرى. أدركت أنني عدت إلى غرفة طفلي، ورأيته يقف بجوار سرير الطفل.
كان ينظر إلى طفلي.
“لا…”
ركضت نحوه بسرعة، خشية أن تمتد تلك اليد الكبيرة التي كانت ممسكة بإطار سرير الطفل إلى رقبة طفلي في أي لحظة، أو ربما كانت تذكرني بشيء قد تم مسبقا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات