ومع ذلك، كانت الحركة المتعثرة ليدين الطفل مرئية بين قضبان السرير. بدأت نبرة البكاء تظهر في صوت الطفل.
دون أن أشعر، خطوت خطوة أخرى إلى الأمام.
“كيااه!”
عصر الطفل ذراعيه. كان الأمر كما لو كان يطلب مني أن أعانقه. في تلك اللحظة، مددت ذراعي دون أن أدرك ذلك، حيث شعرت بتدفق لا يطاق من العاطفة.
“نعم؟ هل تريد عناق؟”
لم يكن هذا دوري. ولابد أن المربية قد قرأت سلوك الطفل ورفعته.
لم يكن لدي أي خيار سوى أن أضع يدي الفارغة مرة أخرى وأقف هناك مذهولة.
“آه! آه!”
“أوه، سيدي المسكين، لقد اشتقت لامك اكيد.”
استمر الطفل في التلوي محاولاً التعبير عن شيء ما، لكن المربية كانت تهمس وتربت على ظهره. كانت تحاول تهدئته بصوت مليء بالحزن باحتضانه.
“صاحب السمو غير مبالٍ. مهما كان يشتاق لزوجته الراحلة، يجب على الأحياء أن يعيشوا… كيف يمكن أن يترك ابنه الوحيد هكذا؟… واليوم هو عيد ميلاد سيدنا الصغير… متى سيعود إلى حالته الطبيعية؟… هه.”
توقفت المرأة عن التربيت على ذراعه للحظة ومسحت دموعها.
“لا تقلق يا سيدي. قد لا يكون ذلك كافيًا، لكنني هناك من أجلك. حسنًا، لن أتمكن أبدًا من القيام بعمل جيد مثل ابوك، ولكن هذه المربية ستكون دائمًا بجانبك.”
“أوه، أوه!”
حبست دموعها … تكلمت وكأنها توعدني، لكن الطفل ظل ينظر إلي ويمد ذراعيه. حاولت أن أتجاهل اليد المكافحة اللطيفة وأدرت ظهري.
“أوو، أوو!”
بدأ الطفل بالبكاء. لم أجرؤ على النظر إلى الوراء. لقد دق ناقوس الخطر كتحذير غريزي بأنني لا يجب أن أنظر، وأنني لا يجب أن أكون هنا.
“آه!”
“يا إلهي، سيدنا الصغير، ما الأمر؟ آسفة، ربما قلت شيئاً لا ينبغي أن اقوله أمامك…”
بدأ الطفل بالبكاء. وكانت المربية مشغولة بتهدئة الطفل، ربما لأنها ظنت أنها تنقل مشاعرها وهي تمسح دموعها.
خرجت من الغرفة كأنني أهرب. مجرد سماع صرخات الطفل المؤسفة يجعل قلبي يؤلمني.
لم أستطع النظر إلى الوراء. عندما نظرت إلى تلك العيون الزرقاء الدامعة، شعرت وكأنني على وشك الانهيار.
“آآه!”
ركضتُ، تاركًة ورائي صرخات الطفل. حتى يتلاشى صوت المربية المذعور، حتى لا أستطيع أن أتصور الطفل وهو يبكي ويتواصل معي.
*
“هاه أوه أوه … “.
أخذت نفسا عميقا. كان المكان الذي ركضت فيه دون النظر إلى الخلف بمثابة ممر لا نهاية له مرة أخرى.
أنا لا أعرف حتى أين انا. كانت صرخات الطفل الصغيرة لا تزال ترن في أذني، لكنني تمكنت أخيرًا من استعادة رباطة جأشي.
ظهر ضوء آخر على الجانب الآخر من الردهة.
كان الضوء خافتًا أكثر من ذي قبل.
مشيت نحو الضوء مرة أخرى.
كنت خائفة قليلاً مما كان ينتظرني هذه المرة.
لا أعرف كم من الوقت مشيت، لكن لم يمض وقت طويل قبل أن أقف أمام الضوء الخافت الخارج من الباب الصغير.
ترددت وفتحت الباب مرة أخرى ودخلت.
على الرغم من أن الغرفة لم تكن مظلمة مثل الردهة ، إلا أنه قد استقبلني مدخل مضاء بشكل خافت حيث بالكاد أستطيع تمييز الأشياء أمامي.
بينما كنت أسير في الردهة، شعرت مرة أخرى بإحساس غير مفهوم بالألفة وعدم الألفة في نفس الوقت.
بالنظر إلى الزخارف على الجدران، وكذلك غرفة الطفل، يبدو أن مالك هذا القصر المجهول هو نبيل من رتبة عالية جدًا.
وكانت هناك لوحات وزخارف أثرية معلقة على جدران الردهة.
بعض اللوحات كانت لفنانين مشهورين كان والدي يحاول جاهداً جمعها.
بالطبع، قال إنه لا يستطيع إنفاق هذا القدر من المال على شيء مثل اللوحة، لذلك قام فقط بجمع النسخ المقلدة التي يمكنه التباهي بها أمام الناس.
خطوة، خطوتين، ثلاث خطوات…. انتهى مدخل الغرفة عند الخطوة الثالثة والعشرين بالضبط.
ثم رأيت درجًا صغيرًا يؤدي إلى الأسفل.
نزلت على الدرج وكأنني ممسوسة.
في النهاية، رحب بي قبو ذو ضوء أغمق من ضوء الردهة.
كان الجو باردًا يجعل جسدي يرتجف، على عكس الطاولة القديمة ذات اللون البني الدافئ.
كان هناك رجل جالس ظهره إليّ، ورجل آخر يقف بجانبه بدا عليه آثار الزمن. بالنظر إلى زي الرجل الآخر المتقن وموقفه المستقيم، بدا وكأنه فارس.
“صاحب السعادة، هذا أمر من جلالته بأنه يجب عليك دخول القصر اليوم.”
تحدث الفارس بصوت متوسل للرجل الجالس.
كان يحمل لفافة منقوشة بالذهب بين ذراعيه، وانطلاقًا من ما قاله منذ لحظة، يبدو أنها رسالة من الملك.
“يقول أنه لا يستطيع تركك هكذا لفترة أطول. هل تدرك أنك منعزل داخل منزلك لمدة ثلاث سنوات بالفعل؟ إن موقعك، الذي ظل شاغرًا لفترة طويلة جدًا، معرض للخطر إذا استمرت الأمور على هذا النحو.”
“إنهم يتعاملون بالفعل مع غيابك. إنهم يحاولون إلقاء اللوم في الهزيمة الساحقة في معركة إبرون على حقيقة تجنب سيادتك المشاركة. جلالة الملك يحاول يمنع طرح مقترح اقالتك. “.
“قل له أن يتركهم يفعلون ذلك.”
توقفت عندما سمعت صوتًا جهوري ينتشر في الطابق السفلي .
لقد كان صوتا كاسرا قدر على تحطيم أجواء هذا المكان الشبيهة بالحلم وجعلنا نواجه الواقع البارد.
“.’لا، مستحيل…’
مشيت نحو الطاولة. شعرت بحاجة ماسة للتحقق من الأمر بنفسي.
“صاحب السعادة، كيف يمكنك أن تقول مثل هذا الشيء! كيف وصلت إلى هنا يا صاحب السعادة!”
“لا تهتم.”
“سيدي!”
صاح الفارس.
“هل نسيت رفاقك الذين ماتوا في معارك لا حصر لها؟ لقد بذلت حياتي من أجلك دون تردد. لأنه كان يستحق ذلك، يا صاحب السعادة. شغفك وطموحك أذهلنا. أردت أن أفعل شيئا. أردنا أن نساهم في التاريخ الجديد الذي ستصنعه فخامتكم، حتى لو كان ذلك يعني حرق كل شيء. لكن ماذا تفعل الآن … !”
لا يبدو أن اليأس الموجود في الصيحات الغاضبة يمتد إلى الرجل.
سمعت صوت سائل يتساقط، كإجابة غير متوقعة. فغضب الفارس وانتزع الزجاجة من الرجل.
“من فضلك استعد وعيك!”
الزجاجة طارت في الهواء وسقطت وتحطمت.
انتشر سائل الدم الأحمر على الأرض.
“لو سمحت… “.
ركع الفارس ببطء. وكأنه خاضع، أسند جبهته على مسند ذراع الكرسي الذي يجلس عليه الرجل.
“من فضلك استعد وعيك.”
“ما الذي يزعجك كثيرا؟ يا صاحب السعادة، ما الذي في قلبك يسبب لك كل تلك المتاعب؟”
“ماذا؟”
صدر صوت الكرسي المتحرك وهو يرحع للوراء.
نظرت إلى الظل المرتفع أمامي وكأنني مسحورة.
“هل هناك اي شيء اخر تريد قوله؟”
نهض الرجل متجاهلاً الفارس
“لم يكن لدي إلا شيء واحد دائماً.”
“سيدي!”
بدا كما لو أن مشهد التفاف الرجل كان يتباطأ أمام عيني.
وضعت يدي على فمي.
“لماذا…؟”
لماذا أنت هنا؟
كليف مور، لماذا أنت هنا… لماذا؟
صُدمت ثم استيقظت من الحالة الضبابية في لحظة. نظرت إلى الرجل أمامي.
رغم أنه بدا أكثر نحافة، ولكن بملامح مظللة بعمق، وشعر أكثر سوادًا من الظلام، وعينان تتألقان باللون الأزرق بشكل مفرط، وظلال غامرة لدرجة أنها تغطي الشخص
في تلك اللحظة، ارتفع شيء ما في صدري.
“كلام فارغ!”
ركضت إليه. على الرغم من أنني كنت أعلم أن صوت صراخي عالي ومنتحب، وعلى الرغم من أنني كنت أعرف أنني سأبدو مجنونة عندما أركض نحوه مثل الثور الغاضب هكذا، إلا أنني لم أستطع التوقف.
وصلت أمامه بسرعة. و ضربته بكلتا يدي على صدره. لقد ضربته بكل قوتي.
“كلام فارغ! لا!”
أردت تدميره. أردت أن أدفع حجرًا في هذا الصدر الصلب.
لكنه لم يتحرك على الإطلاق.
كل ما أمكنه فعله هو التحديق في الأرض، حيث كان الخمر الشبيه بالدم ينتشر باللون الأحمر.
ولم يكن ينظر الي . كنت أمامه ولم يراني.
“مرة أخرى؟ حتى لو اخترت الموت، لا أستطيع الهروب منك! كيف فعلت ذلك وكيف تركت طفلي؟”
انتحبت.
ولقد لاحظت ذلك في نفس الوقت.
كان طفلي.
الطفل غير المألوف الذي كان جميلًا جدًا بمجرد النظر إليه، والذي جعل زاوية من قلبي تذوب، كان طفلي.
كيف لم أكن أعرف؟
شعر بني رمادي، عيون زرقاء، وجه مفجع يذكرني بشخص ما..
“كيف يمكنك أن تفعل هذا! كيف يمكنك أن تفعل هذا بي!”
لقد ضربته بذراعي دون توقف. أردت أن أخنقه إذا استطعت.
“لماذا لا تسمح لي بالرحيل! كيف انتهي بي الأمر هنا مرة اخرى !”
“إيزين؟”
في تلك اللحظة رفع رأسه. ولمحت الشرارة في عينيه الميتة.
“إيزين؟”
كرر مرة أخرى. كان صوته المستقيم دائمًا مثل القلم، يحتوي على ارتعاشة طفيفة.
لا أستطيع أن أصدق ذلك، لا، كما لو كنت لا أريد أن أصدق ذلك.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات