“إيزين، دوق ماكايزان لم يأتِ إلى هنا ليُسرِّي عن نفسه بالترحال. وكلما تحركت الدوقة الكبرى، اتسع مجال عمله. وهكذا سنمنحه ذريعة لاستكشاف قوة هايتس العسكرية. وإن نشبت حرب، قد تنصبّ اللائمة عليك أنتِ. أفهمت قصدي؟”
“أعرف هذا… ولهذا بالذات عليّ أن أواصل لقاءها. كليف، أرجوك، دعني أذهب.”
“أنتِ تعرفين، إذن؟”
اختنق نفسها للحظة، وقد أفلتت منها الكلمات من غير حساب في غمرة محاولتها إقناعه.
“من الذي أسرّ إليك بذلك؟ ألستِ أنتِ من اختارت أن تتقرّب من الدوقة الكبرى؟”
“لا… لقد أسأت التعبير.”
“إيزين.”
كليف لم يكن غبياً. بل على العكس، كان من الحدة والذكاء بحيث يكفيه بضع كلمات وسلوكيات متناثرة ليجمع خيوط الصورة كاملة.
الحجارة التي لم تكن تتناسق في عقله انزلقت الآن إلى مواضعها الصحيحة. عيناه الزرقاوان انغرستا فيها كما لو كان يستنطقها.
ثم أخيرًا تمتم بصوت منخفض، لكن ما حمله كان كئيبًا إلى حد أن إيزين نفسها ارتجفت كتفيها:
“إنه جلالة الملك.”
وأطبق شفتيه بعدها. لم يحاول فهمها أو سؤالها، بل نهض واقفًا. سار نحو الباب كمن يحكم أمره.
تشبثت إيزين بذراعه بصعوبة وهي تلهث:
“لا تفعل ذلك، أرجوك…”
“كان عليك أن تخبريني.”
خرجت أنفاسه خشنة من بين أسنانه. ونظراته الباردة الصارمة أفصحت بوضوح عن غضبٍ عارم يغلي داخله.
قالت مسرعة:
“لكن كل شيء سار على ما يرام! لقد نجحت في ما طُلب مني، أليس هذا كافيًا؟ إذن، فلنـ…”
“سأتأخر الليلة. نامي قبلي.”
كلماته قاطعة، ووجهه متصلب. لكن اليد التي أبعدتها عنه بحذر كانت تحمل من الرقة ما جعل قلبها يتهدج بالدموع. لأنها عرفت إلى أين ستحمله خطوات زوجها المتقدة غضبًا، كشرارةٍ متطايرة في كل خطوة.
* * *
“إذن، مملكة الإيمان تعتزم إرسال أرجيي؟”
“نعم، يا مولاي. كما توقعتم تمامًا.”
“مع أنهم أظهروا قوة الآلهة، إلا أن التبرعات لم تأتِ كما أرادوا. لا بد أنهم يضطرمون قلقًا. في هذه الحال نستطيع نحن أيضًا أن نبدأ بخفض دعمنا تدريجيًا.”
ارتجّت القاعة مع سقوط باب الباولونيا العظيم عن مصراعيه.
وتوقف النقاش الدائر في المجلس فجأة.
“ماركيز موور، ما هذا التطاول؟! كيف تدخل بلا إذن إلى حجرة جلالته؟!”
انفجر الكونت العجوز صائحًا،
“حتى وإن كنت تتمتع بثقة الملك، فهذا لا يبرر غطرستك التي بلغت عنان السماء!”
كانت فرصة طالما ترصّدها ليوجه الطعن. أما الملك فابتسم بمرارة ولوّح بيده.
“لقد أذنت له. تنحَّ يا أورين.”
“لكن يا مولاي!”
“قلتُ: تنحَّ.”
فاضطر الكونت إلى النهوض على مضض، وظل يرمق كليف بنظرات مسمومة وهو يغادر.
في الأحوال المعتادة كان كليف ليقابله بوجه جامد خالٍ من أي انفعال. لكن هذه المرّة كان مختلفًا.
حين بلغت يده مقبض سيفه، تدارك الملك الأمر.
“كليف.”
كانت تحذيرًا خافتًا، لكنه حمل وزنًا ثقيلًا. عندها فقط أدرك الكونت، وقد مسّ رقبته نسيم حاد كالخنجر، أنه لو استمر لحظة أطول لربما طارت رأسه على يد كليف موور. فأسرع بالخروج.
“أورين هذا من المخلصين الذين ساندوني بلا انقطاع منذ أن كنت وليًا للعهد. هو معلمي وربيع عائلتي. هل فقدت عقلك؟”
أجابه كليف ببرود صاعق:
“أردّ عليكم بالسؤال ذاته.”
لم يكن في عينيه إلا عاصفة مظلمة، جعلت الملك يبتسم بسخرية.
“آه… إذن قد علمت أخيرًا. متأخرًا عمّا توقعت.”
ثم تمتم كما لو يحدث نفسه:
“فارسك الذي أوكلته بحراسة إيزين، يبدو قلبه أضعف من أن يحتمل. أليس كذلك؟”
وعرف كليف أن الحارس “ألان”، الذي ألزم نفسه الصمت بطلبٍ من إيزين، قد أفشى الأمر بطريقته.
فتشوّه وجهه الوسيم بالغيظ أكثر.
قال بصرامة:
“إن كانت الحرب ما تريدون، فقد عرضت أن أكون في طليعتها.”
ارتجفت القاعة مع تدفق الشرر من كيانه وهو يقبض يده.
“إن أمرتموني بقطع رأس القائد المعادي، سأفعل. وإن أمرتم بذبح مئة ألف جندي، سأفعل! لكن كيف تجرؤون…”
لم يسبق للملك أن رأى كليف موور يثور بهذا الشكل. لم يكن مجرد غضب؛ كان بركانًا حيًّا يتفجر.
“لكن أن تجروا زوجتي إلى صراع سلطوي تافه؟! هذا، حتى أنتم يا مولاي، لن أقبله.”
رفع الملك زاوية فمه بابتسامة متهكمة:
“يبدو أنك ترى زوجتك قطعة زجاج، تتحطم إن لُمسَت، وتنشطر إن مُست، أليس كذلك؟”
“بعد أن التقيت بها، تبيّن لي أنها ليست تلك التي تستحق كل هذا القلق منك.”
رأى الشرر يتطاير من عيني كليف. زمجر كليف موور كوحشٍ مقيّد، كاشفًا عن أنيابه.
“لم تكن زهرةً برية تنكسر متى انحنت، ولا كانت سُمًّا قاتلًا يخنق خصمه كما يشيع الناس.”
قال الملك ذلك، فاندفع كليف يرد بغضب مكتوم:
“ليكن ما يكون، لكن لا تلمس إيـزين. إنها تخصني.”
“إيزينك أنت؟”
أعاد الملك تساؤله ببطء، وإذ ذاك أدرك كليف أنه أفلت باعترافٍ جسيم، فأحكم لجام مشاعره سريعًا. لكن الوجه المتصلّب كالصخر لم يُخفِ قتامته.
“أما يكفيك سيفك يا جلالة الملك؟”
في تلك اللحظة أدرك الملك أن خططه كُشفت. في الحقيقة، لم يكن يعوّل كثيرًا على إيزين كروفورد.
فإن نجحت فذلك ربح إضافي، وإن فشلت فذلك ذريعة لاستغلالها، وجعلها قناة لبث إرادته داخل أوساط المجتمع الراقي.
ابتسم الملك ابتسامة باردة وقال:
“إذن، هدنة رسمية، واستعادة رويسِن. اجلبهما بالمفاوضات، بلا حرب، بلا قطرة دم واحدة من هايتس. عندها سأدع زوجتك وشأنها.”
لقد طرح الملك ورقة يستحيل تحقيقها.
رويسِن كانت أرضًا فقدتها هايتس قبل أربعين عامًا في حربها مع إيفرون. والآن، أن يُطالب بإرجاعها في وقتٍ بلغ فيه التوتر بين الدولتين ذروته، ليس إلا دعوة صريحة إلى الحرب.
تأمل الملك وجه كليف، كمن يترقب رد الفعل. لكن الملامح التي نزعت منها العاطفة لم تفصح عن شيء.
“حسنًا.”
جاء الجواب من كليف صريحًا. في اللحظة ذاتها زفر الملك نفسًا عميقًا، وكأنما تذكّر أنه كان يحبس أنفاسه توترًا من غير أن يشعر.
قال كليف بعدها، بصرامة:
“لكن بشرط واحد، إن أنا أتيتكم بمعاهدة عدم اعتداء، فعليكم أن تعدوني.”
“ماذا تقول؟”
“أن لا تبحثوا في اسم كروفورد عندها، وألا تحملوها خطايا أسرتها. أن تتعهدوا أن لا يجرؤ أحد — لا أنتم ولا سواكم في هايتس — على إهانتها. اعترفوا بها لا بوصفها كروفورد ولا بكونها زوجة موور، بل فقط إيزين، إنسانة تقف إلى جانبي.”
كان في كلامه إعلان صريح لحمايتها. رفع الملك حاجبيه، وقال ساخرًا:
“أليس ذلك دورك أنت؟”
“لقد أيقنت أن قوتي وحدها لا تكفي لحمايتها تمامًا. فحتى لو ذبحتُ كل أعدائها، فإن للحياة طريقة لتجديد خصومها. وإن نزعتُ أنفاسهم جميعًا، لن أكون بعد ذلك سيفكم، بل مجرد سيفٍ بلا سيد.”
قهقه الملك ساخرًا:
“ها! أتقول إنك كنت تنوي ذبح رعيتي أمامي؟ هل جننت؟”
أجاب كليف ببرودٍ أشد:
“كما لا يُستثنى أحد، فإن أتباع كليمنتاين الذين ترغبون في إسقاطهم لن يكونوا استثناء كذلك.”
ضحك الملك بمرارة، يرمق سيفه البشري الفريد، ذاك الذي يعجز عن التخلّص منه كما يعجز عن الاستغناء عنه.
(اللعنة… إيزين، إيزين، إيزين! ما الذي جعل تلك المرأة تُفقده صوابه إلى هذا الحد؟!)
قال كليف، نبرته حادة لكنها في الوقت نفسه ممتلئة برجاءٍ عميق:
“أريدها أن تنعم بالحماية تحت ظلكم يا مولاي. أن تُعامل باعتبارها إنسانة أسمى من كل الظنون والأحكام المسبقة. أريدها أن تكون آمنة. وأن لا يكون الموت جاثمًا في مستقبلها بعد الآن.”
“كليف، أنت…”
“لو تحقق ذلك، فسأفعل أي شيء. وساعتها سيمتلك جلالتكم السيف الأشد مضاءً، والأكثر إخلاصًا.”
لكن حين لمح الملك في عينيه الزرقاوين، خلف صوته الخافت، لهبًا لا يزال يتأجج لا يطفأ…
قال كليف ببطء:
“كل ما أطلبه منكم، هو هذا فقط.”
عندها فقط، أدرك الملك أنه مضطر للاعتراف بهما معًا. كليف موور لن يتراجع. ولو حاول أن يقتلعها منه، فسيفقد سيفه إلى الأبد.
وربما، ربما كانت كلمات إيزين موور صحيحة منذ البداية.
* * *
“ابتعدي عن هذا الأمر. سأحلّه بنفسي.”
كان ذلك أول ما قاله كليف حين عاد من القصر الملكي في ساعةٍ متأخرة.
“لا، كليف، انتظر لحظة!”
تعلّقت به، وهو يمر بجانبها ببرود. لم يزحها عنه، لكنه أيضًا لم يبدِّد قسوة ملامحه المتجمدة.
بدأ الغضب يتسلل إلى إيزين. ما الذي حمّله هذه المرّة ليبعدها؟ الملك لم يكن رجلًا يفوّت فرصةً سنحت له.
“لا تقل كلامًا فارغًا. هذه اتفاقية بيني وبينه. لا يحق لك التدخل كما تشاء!”
“الأمر حُسِم بالفعل بيني وبينه. ومن الآن، عليكِ ألا تتدخلي.”
كان وجهه متعبًا، ملامحه غارقة في الإرهاق، ما أفقدها القدرة على الرد.
لقد بدأت ذلك لأجل مساعدته، كي لا تكون عبئًا عليه. لكن النتيجة أن حملها على كتفيه أيضًا.
“أتراك لا تثق بي إلى هذا الحد؟ تظن أنني لن أقدر على إتمام ما بدأت؟”
قال بهدوء، يكاد يُكسر قلبها بوقعه:
“إيزين، تعلمين أن الأمر ليس متعلقًا بقدرتك.”
“فلماذا إذن؟!”
كادت صيحتها الحادة تنفجر، ولم يكن هو أيضًا بعيدًا عن الانفجار.
صرخ فجأة:
“أتظنين أن الأمر سينتهي عند ماكايزان؟!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 67"