“أستطيع أن أفعل ذلك وحدي. لا تعاملني كما لو كنت طفلة تحتمي في أحضانك. في كل مرة تفعل ذلك، أشعر وكأنني عاجزة لا تصلح لشيء.”
أنا زوجة كليف. إلى جواره، أستطيع أن أكون إنسانة كاملة، تؤدي نصيبها كاملاً.
لا أحتاج إلى حمايته، بل أستطيع أن أكون له عوناً. أستطيع أن أمدّه بالقوة، حتى وهو ينهض وحيداً لمواجهة العار الذي لحق باسم كروفورد.
“فهمت… أعتذر.”
قالها بكلمة مقتضبة. لكن إيزين ظلّت تبتلع أنفاسها الغاضبة وهي تحدّق فيه بنظرة حادة.
لماذا أشعر نحوه بكل هذا الضيق؟ لماذا كل هذا…؟
إيزين مور… تذكّري ما عليك فعله. لا تلومي كليف. لقد بذل أقصى ما يستطيع. فكّري في كل ما تحمّله من أجلك.
أفاق عقلها قليلاً، فأمسكت بيده وجذبته معها بقوة لم تخلُ من الصرامة. كانت لفتة مدروسة ليراها بنات الأسر النبيلة من حولهما، لكنها لم تدرك أن تلك الحركة زادت كليف توتراً.
“ليتفضل ماركيز وماركيزة مور!”
انفتح الباب، وانصبت أنظار الحاضرين على الزوجين الشابين اللذين كانا حديث المدينة بأسرها. عضّت إيزين على شفتها وهي تستحضر كلماتها للملك:
سأثبت له أنه يستطيع أن يقف شامخاً وبكامل قوته، حتى وأنا إلى جواره.
لن أكون عبئاً عليه بعد الآن.
تماسكت، وفي اللحظة نفسها غمرتها أنوار الثريا الفاخرة كما لو كانت في انتظارها.
***
“إذن تلك هي ماركيزة مور التي يتحدثون عنها؟”
“لكنها لا تشبه ما قيل عنها…! قالوا إنها امرأة كالشوك في وردة، فإذا بها تبدو كزهرة برية تنكسر لأقل لمسة.”
“انظروا إلى فستانها! أليس هو المصنوع من خيوط فراشة حاكها الإلف بيديه؟ كيف حصلت عليه؟”
كان حديث الحفل كله يدور حول ماركيزة مور، التي ظهرت للمرة الأولى منذ زواجها. كل لفظ تنطق به، وكل خطوة تخطوها، كانت تحت أعين الجميع.
رغم أنهم ظنوا أنها غريبة عن أجواء المجتمع الراقي، فإنها أبهرتهم بآدابها المثالية التي أخفت أي أثر لابتعادها عنه.
“الجميع يحدقون فيك، سيدتي.”
همست سيدات من الموالين للتاج، كنّ قد التقين بها في حفلة الشاي السابقة. بفضل تلك المعرفة المسبقة، بدت لهنّ صحبتها أهون من الاقتراب من الغرباء الذين يرمقونها وجهاً لوجه.
“هل ترين ذلك الرجل الممتلئ البطن بزي أصفر؟ ذاك هو السير مالكوم، القائد العام. والمرأة ذات الفستان الأحمر، الواقفة قرب الأوركسترا وهي تحتسي النبيذ، هي زوجته. احذري منهما، فهما يحملان ضغينة عميقة تجاهك أنتِ والماركيز.”
هكذا أسدين لها النصح.
نظرت إيزين نحو مالكوم، الذي كان ينفث دخان سيجاره بعينين جشعتين، وعيناه تراقبان كليف الواقف إلى جوار الملك. شعرت باليقظة تسري في جسدها.
“ألا ترين دوقة ماكايزان هنا؟” سألت بصوت هادئ.
“في الحقيقة، لم نرها أبداً اليوم. حتى حين وصل الدوق، كان بمفرده. ربما لم تحضر الحفل أصلاً.”
أمالت السيدات رؤوسهن متعجبات.
طوال الأمسية، واصلت إيزين البحث عن الدوقة. لكن إلى جانب الدوق كانت تتحرك شابة بفستان أرجواني فاتح، تلازمه في كل مكان.
لا يمكن أن تكون الدوقة… فمن هذه إذن؟
كان للدوق ثلاثة أبناء فقط، فلا يمكن أن تكون ابنته. لكن قبل أن تسترسل في التفكير، استدارت مسرعة تبحث بعينيها في القاعة.
“أوه… ومن هذه؟ أهي حقاً الماركيزة مور الشهيرة؟ يا له من ترحيب ناري في لقائنا الأول، بإلقاء كأس في وجهي! أشكرك على هذه الحفاوة.”
في صوتها الجرئ كان يختبئ قدر واضح من العداء.
اصطدام متعمد. فستان أحمر. رفعت إيزين بصرها.
“كونتيسة مالكوم.”
“أوه، أنت تعرفينني!”
قالت الكونتيسة بنبرة متصنّعة عالية، وهي تضع يدها على صدرها بحركة مسرحية، متظاهرة بالتأثر.
ومع ارتفاع الصوت، بدأت الأنظار تلتفت إليهما. من جهة الكونتيسة تقدّم أفراد من حزب النبلاء، ومن خلف إيزين اقترب أنصار التاج.
“مع كل هذه الفوضى في البلاد بسبب منصب القائد العام، كنت أظن أن الماركيزة ستأتي لتحييني بنفسها. لكن يبدو أنني كنت غير مرئية بالنسبة لها، فاضطررت إلى المجيء بنفسي.”
كانت لهجتها استفزازية، مع أن إيزين، وهي زوجة رجل من أنصار الملك، لم يكن من المتوقع أصلاً أن تذهب لتحيي زوجة رجل من حزب النبلاء.
ابتسمت إيزين ببرود وقالت:
“لم أكن أعلم أنكم تنتظرونني بشوق إلى هذا الحد. هل أصابكم شيء؟ في المرة القادمة، لستم بحاجة لأن تأتوا ومعكم كأس… يكفيني أن تحضروا فقط، وسأكون سعيدة برؤيتكم.”
أشارت إيزين إلى قسوتها بأسلوب ملتفّ، ثم ألقت نظرة نحو الكأس المكسور. لحسن الحظ كان فارغاً، فلم يتناثر شراب على أحد. احمرّ وجه الكونتيسة وتبدّل بين حمرة وخضرة.
قالت إيزين بصوت بارد:
“أكثر ما يقلقني ليس الكأس المكسور، بل أن يتحطّم شرفكما أنتِ وزوجك. منصب القائد العام مسؤولية جسيمة، فهو لا يعني قيادة الجيش فحسب، بل صون أمن المملكة كلها. وأنتِ، كما أظن، تدركين أن التجربة والحكمة أهمّ بكثير من الموهبة وحدها.”
تظاهرت الكونتيسة بالجهل:
“لا أفهم ما تعنين.”
“أعني أن عليكما أنتِ وزوجك التحلي بالمزيد من التواضع. كان عمي يردد عليّ دوماً: على المرء أن يعرف قدر نفسه.”
كانت بلا شك تشير إلى عمّها، الوزير كليمنتاين.
كم بدا مثيراً للسخرية أن تهرع إليّ، لا إلى كليف، لتطلب مني أن أُقنعه بالتنازل عن منصبه، وكأنها تخشى أن يقع في يده!
ابتسمت إيزين بخفة وقالت:
“أما هذا المنصب، فشأن يقرّره جلالة الملك وحده، وليس من شأني أن أتدخل فيه. وكما عوّدنا جلالته، أثق بأنه سيختار الأفضل لهايتس.”
هنا رفعت الكونتيسة صوتها وقد نفد صبرها:
“وذلك الأفضل هو…!”
لكن إيزين لم تمنحها الكلمات التي كانت تنتظرها.
مع أن الذي سيُمنح المنصب هو كليف نفسه، إلا أن الكونتيسة تشبثت بإيزين وكأنها تمسك بطرف الخيط.
ابتسمت إيزين بهدوء:
“أتمنى فقط أن يكون الأفضل حقاً.”
قبضت الكونتيسة أسنانها محاولة التظاهر باللطف، وفي عينيها بريق خبث باحث عن منفذ لتسديد سهامها.
“سمعت أنكما رزقتما بطفل، فهنيئاً لكما. ألم تستقدمي مربّياً منزلياً بعد؟ أظن أن تعليم نجل الماركيز أمر عاجل.”
“ما زال صغيراً أودّ أن أحتضنه بين ذراعي. أشكركِ على قلقك.”
“لكنني أعرف مربياً ممتازاً، أترغبين أن أوصي به؟ ستحتاجينه قريباً.”
“هناك بالفعل من أفكّر فيهم.”
عندها أطلقت الكونتيسة ضحكة ساخرة وقالت:
“آه، لكنني كنت أقصد شخصاً يصلح فعلاً، يبدو أنني لم أُحسن التعبير.”
“يصلح؟ ماذا تعنين؟”
“أعنيها كما قلتها تماماً. أنتِ تفهمين قصدي يا سيدتي. فالكل يعرف قصة زوجكِ وزوجك… إلى درجة يصعب معها اختيار شخص مؤتمن على التعليم.”
ثم أسدلت حاجبيها، متظاهرة بالأسى:
“البعض يسميها حكاية بطولية، لكنني ما زلت أذكر قسوة الماركيز يوم قطع رأس الشاب دونوفان في أوج شبابه. وها أنا أكرر، إنما كان خوفي من أن يكشف وهو في منصبه عن ذلك الوجه الدموي، فيزهق أرواحاً بريئة. أو لنقل… هو قلق عمي الوزير.”
ما الذي تقوله هذه المرأة؟
حاولت إيزين أن تكبح غضبها.
لا بد أن يظل صوتها هادئاً، لا يختلف عن نبرة الكونتيسة التي تتظاهر باللطف.
اهدئي… وردّي بعقل.
لكن فجأة، انبرى السير مالكوم نفسه من حيث كان يتسكع قريباً:
“صدقتِ يا زوجتي. ومن ذا الذي لا يقلق؟! فالأب قتل أعداداً هائلة في ساحة المعركة، والأم تحمل دمَ خائن عظيم تجرأ على إهانة جلالته… فكيف نجد مربياً مؤهلاً لتعليم ابن كهذا؟”
ارتفعت الحرارة في وجهها. لم يكن يضيرها أن يستهينوا بها، لكن أن يمسّوا كليف… هذا ما لا يُحتمل.
مجزرة؟!
وهم لا يعرفون شيئاً… لا كيف نجا من تلك المعركة، ولا كيف ظلّ يسعى جاهداً ليمنع اندلاع حرب مع إيفرون.
كليف يجوب الليل والنهار، يرهق نفسه من أجل سلامهم الزائف… وهو يعلم أنه لن يُفهَم، وأنه لن ينال مديحاً، بل لن يسمع إلا كلمات قذرة كهذه. ومع ذلك يتركها، ويخرج في البرد قبل الفجر، ويعود وقد ابتلعه الظلّ.
اشتعلت عينا إيزين لأول مرة:
“يبدو أنكم نسيتم أن تلك “المجزرة” أنهت الحرب وأعادت السلام إلى هايتس. أفهمكم… من السهل أن لا تدركوا قيمة التضحية وأنتم جالسون قرب المدفأة تحتسون الشاي، وتحضرون الحفلات، وتكتفون بزيارة عابرة للجيش الملكي أو القيام بجولات قريبة من العاصمة.”
كان هذا توصيفاً دقيقاً لما فعله مالكوم بصفته قائداً عاماً خلال الحرب القارية التي استمرت اثني عشر عاماً؛ إذ بقي معظم حزب النبلاء في العاصمة ينعمون بالراحة، وكان هو في طليعتهم. ثم استغل نفوذ الوزير، فصعد وتمادى في ترفه، ولم يجرؤ أحد على مواجهته بذلك علناً… حتى اليوم.
لم يسبق لإيزين أن هاجمت أحداً بهذه المباشرة.
تباً… لقد أفسدت كل شيء.
كانت على الأقل تأمل ألا تولّد المزيد من الضغينة تجاه كليف… لكن كل محاولاتها باءت بالفشل.
زمجر مالكوم:
“تجرؤين! سأحاسب الماركيز نفسه على وقاحتك هذه. قالوا إنكِ لا تبرحين المنزل، فإذا بكِ لا تعرفين للخوف معنى!”
رفعت حاجبيها وقالت:
“أتُنكر ما قلت؟ أتدّعي أنك كرّست حياتك لهايتس، وأنك رفضت كل رفاهية ونعيم، وأنك بذلت شبابك كله في سبيل المملكة؟ أيمكنك قول هذا هنا، أمام من يعرفك ويعرف تاريخك؟”
“اخرسي! ما أبشع ألفاظك!”
احمرّ وجهه حتى بلغ أذنيه، وارتجفت طبقات اللحم أسفل ذقنه.
تدخل بعض النبلاء الموالين للملك، هامسين في أذنها:
“ماركيزة مور، اعتذري الآن. قولي إنكِ أخطأت لأنكِ غير معتادة على مجالس المجتمع.”
لكنها أجابت بصرامة:
“لم أقل شيئاً أستحق الاعتذار عليه. بل نحن من يستحق أن يُعتذر له، أنا وزوجي.”
حاولوا إقناعها بلطف، لكنها كانت تنظر إليهم بصمت، تقرأ في وجوههم ذلك الضيق المكتوم:
ضيقهم من أن يُمنح كليف شرفاً عظيماً، خوفهم من أن يتفوق عليهم، قلقهم من أن تُسحب منهم مناصبهم… تلك الضغينة التي ظلّت تلاحق الماركيز حتى من داخل حزبه نفسه.
الاستماع لِما يُقال شيء، ورؤية وجوههم عند سماعه… شيء آخر.
همس بعضهم في سخط:
“لقد تجاوزتِ الحد بكلامك.”
“حتى لو سمعنا ما سمعتِ…”
وترددت في الأجواء أفكارهم المسمومة:
ما إن تحرك الزوج حتى بدأت الزوجة تجري وراءه بلا وعي.
أتظن أن زوجها بطل في ساحة القتال، وسيكون كذلك هنا أيضاً؟ وأنه ما دام يستند إلى الملك، فلن نجرؤ على التصدي له؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 63"