“آلان يأتي بعده. لا ينبغي أن يترك الحراس مواقعهم جميعًا في وقت واحد.”
“حسنًا… ثم، كليف، هل…”
جالت إيزين بنظرها عليه من رأسه حتى قدميه، تبحث عن أثر قد يشير إلى وجود منديل كان في خاطرها، لكن ملامحه البريئة لم تكشف شيئًا.
“لا شيء… ليس مهمًا.”
تساءلت في سرّها: هل لم يره بعد، أم أنه يتجاهله عمدًا؟
كنت أود رؤيته يحمله…
في الحقيقة، كانت تترقب بلهفة أن ترى على وجهه ملامح الفرح، وربما يمدحها على غرار طفل صغير إذا اكتشف أن تطريزها كان متقنًا.
خيبة خفيفة اعترت قلبها، لكنها رفعت رأسها بثبات لتشيّعه بابتسامة.
ورغم أنه لم يكن مرحبًا بفكرة حضورها الحفل، فإن كليف لم يبخل عليها بأي دعم في استعداداتها له.
“من طرف مركيزكم الموقر.”
قالها رجل أنيق المظهر وهو يعرّف بنفسه عند باب القصر.
كان خياطًا بارعًا، وأخبرتها إميلي أنه أشهر مصمم في العاصمة، حتى إن قائمة الانتظار لاقتناء فساتينه تتجاوز العشر صفحات.
عجيب… وهو الذي لم يرغب أصلاً في ذهابي.
لكن كل ما يقدمه لها كليف كان من أجود ما يمكن الحصول عليه.
تناقض طريف، غير أن إيزين قررت أن تقبله بسرور.
فالفساتين ضرورة على أي حال، وإن استطاعت اختيار الألوان بما يتناسق مع ما سيرتديه هو، فذلك أفضل.
“سيدتي، هل أعددتِ الكورساج؟”
“الكور… ساج؟”
“زهرة الكورساج التي ترسلها السيدة لشريكها قبل الحفل.”
آه… أجل، كانت قد نسيت الأمر تمامًا.
لقد مضى زمن طويل منذ آخر مرة حضرت فيها حفلاً، وفي السابق كان والدها هو من يختار كورساج شريكها لأسباب سياسية، ولم يكن لها أي رأي في ذلك، بل كانت مجرد وسيط يتسلّم ويُسلّم.
“هل ترغبين أن أطلبه من أشهر بائع زهور في العاصمة؟”
“لا، هذه المرة أريد أن أختاره بنفسي.”
نزلت إيزين بنفسها إلى الدفيئة، تفتش بعناية بين الأزهار وهي تستحضر صورة كليف في ذهنها.
إن لم يكن يحب الزهور، فماذا لو لم يتقبله مني؟ لكن… ألم يقل إن الشريك يجب أن يكون أنا وحدي؟ إذًا سيأخذه.
تمتمت في داخلها وكأنها تعاهد نفسها: “إذًا، سيقبله.”
لكنها كانت تدرك أنها إن رأت الكورساج يُلقى في مكان مهمل كما حدث مع المنديل، فسيكون وقع ذلك عليها أشدّ هذه المرة، وربما تفقد أعصابها وتصرخ في وجهه تسأله لماذا يرفضها.
“إنها فاتنة…”
تنفّست عمقًا، فعبق الأزهار المتفتحة في الحديقة أطاح بكل الأفكار الداكنة التي كانت تختمر في ذهنها.
وبدأت تختار الزهور بعناية لتصنع منها الكورساج.
“الديزي… تبدو رقيقة أكثر من اللازم. الورد… لكن فيه أشواك قد تجرحه.”
لم تكن تلك هي إيزين المعتادة الهادئة. بل انحنت برشاقة، وجبينها يتصبب عرقًا، وهي توازن بين الألوان وأنواع الأزهار في ذهنها بدقة.
من بعيد، كان البستاني يتململ في مكانه، وقد عرض مساعدتها، لكن لأنها أول مرة ترافق فيها كليف إلى مناسبة اجتماعية، أرادت أن تصنع له هديتها بيديها بالكامل.
“إيزين.”
“آه!”
قفزت فجأة عند سماع صوته من خلفها. وكادت قدماها تضعفان، لكن ذراعًا قوية أحاطت بخصرها لتعيدها واقفة.
“كليف…”
كان واقفًا أمامها، متألقًا أكثر بفعل أشعة الشمس التي انعكست على ملامحه، حتى كاد أنفاسها تُحبس من المشهد.
“لم أظنك ستفزعين هكذا. أعتذر.”
“لا… لا بأس. لكن… ما الذي جاء بك؟”
كان يرتدي زيه العسكري الرسمي الذي اعتاد ارتداءه عند دخوله القصر، ولا يزال مظهره يوحي بالانشغال.
عند مدخل الحديقة، كان مساعده يذرع المكان قلقًا. لا شك أن أفكاره كلها كانت مشغولة بالحرب مع إيفرون.
تساءلت إيزين إن كان هناك ما يدفعه للعودة فجأة إلى المنزل، لكن كليف حسم فضولها وهو ينظر إليها من أعلى بابتسامة خفيفة.
“مررت فقط… لأعطيك شيئًا.”
مدّ يده، وفيها صندوق مخملي فاخر.
“افتحيه.”
كان صوته رتيبًا، لكن عينيه ترصدان ردة فعلها بدقة.
فتحت إيزين الصندوق ببطء، ليعكس ضوء الشمس بريق عقد ماسي مذهل.
“هذا…”
قال كليف وهو يمد الصندوق نحوها:
“ظننتُ أنه سيليق بك.”
آه… إذن هذا جزء من استعدادات الحفل. همّت إيزين أن تهز رأسها موافقة وقد اقتنعت بتفسيره، لكن كليف، الذي ظل مترددًا لحظة، أضاف:
“ثم إنكِ طلبتِه مني بنفسك.”
“…”
“لهذا جئتُ.”
أحست إيزين أن فرحتها لم تكن بسبب العقد نفسه، بل لأن كليف تذكّر ما قالته له.
أن يجد وقتًا ليحضر لها شيئًا كهذا وسط انشغاله الشديد، كان كافيًا ليجعلها تسامحه حتى لو رفض الكورساچ لاحقًا.
بل بدا لها أن بينهما شيئًا يشبه انفتاح مجرى الحوار بعد طول انسداد.
قالت وهي تحدق في العقد الماسي الذي يلمع داخل الصندوق:
“إنه جميل.”
ظل صامتًا، فابتسمت وأضافت:
“جميل حقًا.”
كانت عيناها تتألقان وهي تنظر إلى العقد، الأمر الذي بدا وكأنه أربك كليف قليلًا؛ فهي لم تُبدِ رد فعل حيًّا ومباشرًا كهذا من قبل.
ثم، ومن غير وعي منها، اندفعت نحوه وألقت ذراعيها حول عنقه.
ربما كانت قد أغمضت عينيها في تلك اللحظة… وبعدها قبلته بخفة على خده سمع كليف صوت القبلة خافتًا، وأحس بها، وفوسع عينيه و هو ينظر بدهشة، قبل أن تحمر وجنتاها بسرعة وتبتعد عن صدره.
“هذه… هدية شكر. لأنه لا يوجد الآن ما أستطيع أن أقدمه لك.”
توقف كليف عن الكلام، وفتحت شفتاه كأنه سيقول شيئًا، لكنه لم يجد الكلمات، فاكتفى بالتراجع خطوة إلى الوراء.
“إيزين، أنا…”
لم ترَه مضطربًا على هذا النحو من قبل. كان رد فعله على مجرد قبلة على الخد مبالغًا فيه مقارنة برجل سبق أن عانقها وتقاسما حرارة الجسد أكثر من مرة.
توقف عن التراجع فجأة، وكأن شيئًا ما جذبه إليها، فمد يديه وأمسك بخصرها.
شعرت أنه يحاول أن يخفف قوة قبضته حتى لا يؤلمها، لكن يديه ظلتا تمسكانها بقوة ملحوظة.
قال بصوت عميق مائل إلى الحزن:
“إن واصلتِ هذا… فسأرغب في التظاهر بأنه لم يحدث شيء .. وان الماضي هو وهم .”
تطلعت إليه باستفهام:
“ماذا تعني؟”
“أن أغمض عينيّ وأغلق أذنيّ… أمر يسير عليّ. بل هو أفضل طريقة لترويض الوحش.”
“…”
“وهذا الوحش هو ملكٌ لكِ وحدك.”
رأت حلقه يتحرك وهو يبتلع ريقه، وفي الصمت الممزوج بالأسى الذي خيّم بينهما، راودها فضول لتسأله عمّا كان يحاول ابتلاعه حقًا.
“… عليّ أن أذهب.”
“ألا يمكنك البقاء قليلًا؟”
مدت يدها وأمسكت بيده، وكان هذا أكثر جرأة مما كانت تفعله من قبل حين تكتفي بالإمساك بطرف كمّه.
“هل التدريب عاجل إلى هذا الحد؟”
“الحرب قد تندلع في أي لحظة. دوق ماكايزان يحتشد بجنوده عند الحدود، ولن يستغرق دخولهم العاصمة أكثر من أسبوع.”
لهذا، كان على إيزين أن تمنع هذه الحرب. وحتى مع ثقل العبء الذي أحسّت به على كتفيها، لم يبدُ الأمر عسيرًا ما دام هو إلى جانبها.
دخل دوق ماكايزان البلاد، وبعد ثلاثة أيام كان من المقرر أن يقام له حفل استقبال في القصر الإمبراطوري.
في تلك الأثناء، أنهت إيزين صنع الكورساچ الذي ستقدمه لكليف. كان يتألف من أزهار الكوبية الزرقاء المتفتحة تحيط بها زهرات البنفسج الصغيرة وزنابق الوادي ذات اللون الفضي الرمادي، تعلوه ربطة من الساتان الكحلي. لم يكن الكورساچ فخمًا، لكنه كان يملك سحر التفاصيل التي تدعو الناظر إلى تأمله طويلًا، كما أنه سيلائم فستانها البنفسجي الفاتح الذي ستتألق به في الحفل.
“ألم يصل كليف بعد؟”
تقدمت بخطوات حذرة نحو مكتبه. كان الهواء البارد يشي بغيابه.
مشت على أطراف أصابعها كأرنب يدخل جحره، تبحث بحجة عن مكان مناسب لوضع الكورساچ، لكنها في الحقيقة كانت تتفقد مكتبه أملًا في أن تجد منديلها هناك.
ربما كان يحتفظ به هنا…
لكنها لم تجد شيئًا. أخفت خيبة أملها، ووضعت الكورساچ المزخرف بعناية على مكتبه.
راحت الكوبية الزرقاء تنشر عبيرًا قويًّا في المكان.
هل سيعجبه؟ أم سيرفضه لأنه ليس على ذوقه؟
كان قلبها يخفق بشدة، وغادرت المكتب كما دخلته، بخفة حذرة.
***
“سيدي، هل أنتم هنا؟”
لم يكن كليف هو أول من دخل المكتب الخالي بعد رحيلها، بل نائبه لور.
“ما هذا…؟”
اخترق أنفه عبق الزهور العذب، فاستغرب. لم يكن كليف من النوع الذي يضع الزهور إلا بوصفة من طبيب .. انها شيئًا نادر الاستعمال في مكتبه ، فانعقد حاجباه.
“إنه من السيدة. رجاءً لا تمسه. سيدي لا يزال غائبًا.”
دخل كبير خدم آل موورغا من الباب المفتوح وأوضح الأمر.
لم تكن إيزين تعرف أن الخادم شاهدها تتسلل إلى المكتب كما تتسلل قطة برية، ثم تغادر خالية اليدين بعدما كان الكورساچ بيدها.
من الطبيعي إذن أن يخمّن أنه مُعدّ للسيد.
“السيدة، وضعته؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 61"