رفع سيزار كتفيه بلا مبالاة، ثم حرّر أصفاد القيود التي كبّل بها آلان.
“إنها رغبة جلالته، وكان لا بدّ أن أُبعد عينيك… أو بالأحرى عيني كليف، عن المشهد لبعض الوقت.”
قال آلان بصوت متحجر وهو يقبض على قبضته:
“لو أصاب سيدتي مكروه، فإني أقسم بسيفي أن أقتلك.”
ابتسم سيزار باستخفاف: “هذا ليس ما سمعته من قبل. قيل لي إن فرسان كليف السود لا يكنّون كثيرًا من المودة لماركيزة مور… آه، ها هي هناك، أنظر، لم ألمس طرف إصبع منها.”
حين لمح سيزار إيزيـن قادمة من بوابة المعبد، أطلق ضحكة ماكرة. لكن ما إن رفع آلان رأسه حتى كان الرجل قد تبخر من المكان.
“سيدتي.”
نهض آلان على الفور واتجه نحوها بخطوات مسرعة.
“أعتذر… لقد قصّر حراسي في واجبهم ولم أستطع حمايتك كما يليق.”
قالت بهدوء جازم: “يكفي، أعلم أن الذنب ليس ذنبك. هيا بنا.”
مرّت إيزيـن بجانبه، تتجاوز سيزار دون أن تلتفت إليه، متجهة إلى عربة آل مور. تبعها آلان فورًا، بينما كان سيزار يراقب ظهريهما يبتعدان، يحكّ رأسه وكأنه أمام لغز عصيّ:
“ليس أنني صرت شبحًا… لكن لم يسبق أن جُوبهت بمثل هذا التجاهل إلا من كليف مور نفسه. لعلّها تشبهه لأنها زوجته.”
في العربة التي غادرت أسوار المعبد، قالت إيزيـن بصوت منخفض:
“لا تخبر كليف.”
توقّف آلان لحظة ثم طأطأ رأسه.
“عذرًا سيدتي، لكنني لا أستطيع.”
“على الأقل… حتى ينتهي حفل دوق ماكايزان.”
كان في نبرتها شيء من العجلة غير المألوف. رفع آلان بصره إليها.
“دوق ماكايزان سيأتي قريبًا إلى هايتس. لا بد أنك تتخيل من قابلتُ في المعبد.”
“… نعم.”
“لقد أمرني جلالته… إن أحسنتُ أداء هذه المهمة، فسوف يعترف بي كزوجة لكليف.”
ارتجف آلان قليلًا من وقع المفاجأة، قبل أن يرد ببرود متماسك:
“سيدتي، أنت لستِ بحاجة لاعتراف أحد، حتى لو كان ملك البلاد.”
“أنا لست زهرة مدللة في دفيئة، ولن أبقى مختبئة خلفه إلى الأبد. ولن أسمح بذلك. أنا لا أطلب منك ألا تخبره أبدًا… فقط أرجوك، أَجّل الأمر حتى ذلك الحين. أيمكنك فعل هذا من أجلي؟”
لم يجب، فمالت نحوه قائلة: “أرجوك.”
كان في ملامحها بريق إصرار متقد، نظرة إنسان يطلب أن يُمنح فرصة لإثبات ذاته. عندها فقط بدأ آلان يفهم سر التغيّر الجريء الذي طرأ على سلوك سيدة القصر في الآونة الأخيرة. وفي النهاية، أومأ برأسه موافقًا، لكن مرارة ثقيلة خالطت فمه.
—
بعد أيام، وفي صباح لقائها الأول بكليف منذ غيابه، استجمعت إيزيـن أنفاسها كمن يقدم على قرار مصيري، وقالت:
“سأحضر الحفل القادم.”
“حفل؟”
ارتسم على وجهه تعبير يدل على أنه لم يكن يتوقع هذه الجملة.
“سمعت أن دوق ماكايزان سيزور هايتس قريبًا، وسيقام له احتفال ترحيبي…”
“لا، فهمت أي حفل تعنين. أنا فقط…”
توقّف قليلًا، وكأن فكرة ما خطرت بباله، ثم عقد حاجبيه بتوجس.
تذكّر وصية الملك الأخيرة: “ولا تنسَ، الحضور مع شريكة.”
راحت عيناه الزرقاوان تتفحصانها من رأسها حتى قدميها.
“… هل دعاك فيليموري لمرافقته؟”
“ماذا؟ لا.”
“إذن…؟”
كانت نظرته تقول بوضوح: ومن الذي أوحى إليك بهذه الفكرة إذن؟
شعرت إيزيـن بالهواء يثقل كتفيها، وخزات حادة تدب في جلدها.
كليف، الذي قضى نصف حياته في ساحات القتال، كان يبث هالة قاتمة تكفي لشلّ خصمه حين يريد انتزاع إجابة. سمعت عنه يومًا أنه لم يقابل أحدًا يخرج من استجوابه صامتًا.
وحين تراجعت إيزيـن خطوة إلى الوراء، بدا وكأنه أدرك ما يفعله. أسرع يكبح قسمات وجهه ويسحب تلك الهالة الخانقة.
“لم أكن… أستجوبك. آسف، هل آذيتك؟”
تلاشت تلك القسوة فجأة، وحلّ محلها قلق مضطرب وهو يخطو نحوها. امتدت يده ليلمس بشرتها، لكنها انسحبت في اللحظة الأخيرة.
“أنا بخير.”
أجابت وهي تدلك ذراعها البارد، بينما عينا كليف لم تفارقها.
هبط الصمت بينهما كستار ثقيل. ثم بدا عليه التردد، وكأنه يعرف أن عليه أن يبرر سبب ما بدر منه، وإن كان الأمر لا يروقه.
“… حفلة الرقص الملكية ليست كتلك الحفلات الشاي التي تعرفينها.”
تساءلت إيزين، وهي تراقبه يتردد في الكلام، عمّا ينوي قوله.
“… خلف الألحان العذبة، وخلف تبادل الضحكات والمديح، تدور حرب خفية على النفوذ. ولا أريدك أن تنجري إليها. فيلي موري ليست سوى معلمة آداب بلا لقب، ولن تتمكن من حمايتك بالكامل. لذا… إن حاولت هي، أو أي شخص آخر، أن يغريك بكلمات منمّقة لحضور تلك الحفلة…”
حين التقت عيناها ببرودة نظرته، أدركت إيزين أن اليوم الذي سيكتشف فيه كليف لقاءها بالملك لم يعد بعيدًا.
لكن، بحلول ذلك اليوم… ستكون الحفلة قد انتهت بالفعل.
“أنا أعرف تمامًا ما هي حفلة الرقص. وأعرف أيضًا أنها ليست براقة كما تبدو للعيان.”
“إن رغبتِ، فسأقيم لكِ حفلة في قاعة الرقص، حفلة تضاهي الحفل الملكي، بل وتفوقه فخامة…”
“كليف.”
صحيح أنها لم تظهر رسميًا في المجتمع بعد، لكنها كانت ابنة أسرة نبيلة قد أنهت كل الاستعدادات اللازمة لذلك. وإيزين، وهي تسمع كلماته، لم تستطع منع نفسها من الظنّ بأنه ما زال يراها فتاة يافعة في الثامنة عشرة تنتظر بفارغ الصبر يوم ظهورها الأول.
“ألا يمكنني فقط أن أبقى هنا، في أمان؟”
سأل بصوت بارد، جعل إيزين تشك للحظة إن كانت تسمع جيدًا. ولم يدرك هو نفسه أن نبرته بدأت ترتفع قليلًا.
“سأمنحك كل ما تريدينه… كل ما ترغبين في اقتنائه أو تعلمه أو حتى لقائه، سأجلبه إليك. أعلم أنك تشعرين بالاختناق، وأعرف أن هذه القصر الضيق لا يليق بكِ… لكن إن انتظرتِ قليلًا فقط…”
“توقف عن هذا الهراء، كليف. لستَ إلهًا. كيف تزعم أنك تعرف ما أريده وتمنحني إياه كل مرة؟ ماذا لو لم يكن شيئًا ملموسًا أو شخصًا يمكن إحضاره؟ ماذا لو… كان هو هايتس نفسه؟ ماذا لو قلتُ إنني أريد هذا الملكوت بأسره، ماذا كنتَ ستفعل؟”
“أهذا ما تريدينه؟”
سأل بعينين تتوهجّان مثل نار باردة.
“إيزين، هل تريدين هايتس؟”
شعرت إيزين للحظة بالخوف، إذ أحسّت أن كلمة واحدة منها قد تلوّي مسار الأمور لدرجة لا رجعة فيها.
“لا! ما أريده هو حضور الحفل الملكي! أن تمنحني أنت تلك الحرية، بل… أن تكون تلك الحرية ملكي بالكامل. أريد أن أحكي لك عن يومي، وكل ما عليك يا كليف أن تهز رأسك موافقة. هل هذا… صعب إلى هذه الدرجة؟”
“…”
بدت كلماته المباشرة وكأنها باغتته، حتى أن بؤبؤيه اتسعا على غير العادة.
وتصلّبت ملامحه وشحب وجهه قليلًا، واقفًا باستقامة كمن يحاول منع نفسه من التمايل.
“إيزين… لديّ أعداء أكثر مما تتصورين.”
أعرف… ولهذا أريد الذهاب.
لكن بدل أن تنطق بذلك، حاولت أن تلتقي بعينيه بثبات.
“ألا تثق بي؟”
“…”
“أريد حضور الحفل. وسأحسن التصرف، ولن يقع شيء مما تخشاه. وإن كنتَ لا تريد إرسالي، فسأذهب وحدي.”
“…”
كانت جادة تمامًا فيما تقول. وتحت وطأة تحديقها، زفر كليف أخيرًا وهز رأسه.
“افعلي ما تشائين.”
كان صوته جامدًا، ما جعلها تتساءل للحظة إن كان قد جرحه كلامها. وربما بهذا المزاج لن يوافق حتى على مرافقتها.
“… حسنًا، سأبحث عن شريك بنفسي، فلا داعي للقلق.”
“ماذا تقولين؟” سأل بحدة أقرب إلى الزجر.
“هناك آلان، أو هاردين، وإن لم يتيسر، فحتى أحد فرسان الظل… إيجاد شريك ليس بالأمر الصعب…”
“ليجرب الموت من يقف إلى جانبك.”
همس بها ببرود، لكن صوته كان واضحًا تمامًا.
“مكانك… إلى جواري أنا وحدي. من البداية وحتى النهاية. تخلّي عن أي فكرة أخرى.”
لم يزل كليف عابس الملامح، وكأن شيئًا ما يعتمل في داخله. سمعت إيزين أسماء آلان أو هاردين تتسلل من بين كلماته، لكن هالها ما انبعث منه من هالة تهديد حتى لم تجرؤ على السؤال.
أطرق لحظة، ثم رمقها وكأنه أدرك أمرًا ما.
“هل… تريدين الذهاب مع شخص آخر؟”
حاول أن يقولها بخفة، لكن ارتعاشة بؤبؤيه وتصلّب ملامحه فضحتا توتره الشديد.
“لا.”
عندها فقط لانَت ملامحه المرسومة كأنها منحوتة من الصخر، وأطلق نفسًا قصيرًا. وخطر لإيزين فجأة سؤال: لو قلتُ له إنني سأذهب مع غيرك، هل كان ليدعني أرحل؟
“سأذهب إلى ساحة التدريب. سأصطحب هاردين، فلا تفزعي إن لم تريني.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات