قالت السيدة إيزين بنبرة ناعمة تشوبها مسحة من الذنب:
“أعتذر مجددًا لجعلك تمر بكل هذا بدلًا من إيان. سأحرص على ألّا ينقصك شيء خلال فترة علاج فيليب.”
أجابها فيليب بلطف، مترددًا قليلًا قبل أن ينطق:
“أنا بخير، ولكن، إن كنتِ مصمّمة فعلًا على تقديم اعتذارك لي…”
ثم رفع نظره إليها بثبات وأضاف:
“فهل لي أن أطلب أن تزوريني أنتِ وسيدي من حين إلى آخر؟ فما من وسيلة لي، أنا الرجل الحقير المتواضع، لرؤية من هم في مقامكما إلا تلك.”
ترددت إيزين قليلاً، ثم تمتمت:
“الصالون… ليس مكانًا يليق بأن أزوره كثيرًا.”
هزّ فيليب رأسه بابتسامة حزينة:
“ولا أنا أعدّه مكانًا أستطيع التواجد فيه بفخر. ولكن، مجرد أن تزوراني حين تخطر بباليكما… سيكون ذلك كافيًا. لذا، أرجوكِ…”
فقد علم أن هذه الحادثة ستبعده عن العزف على الهارب لفترة. ولعل هذا الرجاء لم يكن إلا محاولة منه لتوطيد صلة جديدة مع نبلاء الطبقة العليا، إذ إن تلك العلاقات قد تكون خلاصه الوحيد.
فأومأت إيزين برأسها وقالت بلطف:
“بالطبع.”
****
في قاعة المجلس الملكي، حيث أشعة الشمس تنهمر بحرية من النوافذ العريضة، كانت مناقشات الحرب المرتقبة مع إفْرون تملأ الجو توترًا وضجيجًا.
إلى جانب الملك وكلٍّ من كليف وسيد الفرسان الملكيين “سيزار”، كان النقاش يدور في حضرة الجلال.
قال الملك، وهو يقطّب حاجبيه وقد ارتسمت على وجهه ملامح من الضيق:
“لدينا ما يكفي من المبررات لشنّ الحرب. السؤال الحقيقي هو: هل يمكننا الفوز؟”
وتابع بتهكم واضح:
“كل من هبّ ودبّ يستطيع إشعال حرب، لكن الفارق يكمن في كمّ العضة التي سنتلقاها. إفْرون على مشارف تتويج الأمير الصغير، وهذا الصغير… هو من يدفع لعجلة الحرب. ملك ناشئ يتلهف لإثبات نفسه. أما أنا… فلستُ من يغضّ الطرف عن استفزاز، ولا من يفوّت فرصة للقبض على إفْرون.”
ثم نظر إلى كليف، وتابع بسخرية مريرة:
“لكن مشكلتي لا تكمن فقط في الأعداء من الخارج. أستطيع أن أتخيل ما سيقوله النبلاء المعارضون عني مجددًا: طاغية؟ سفّاح؟ ابن شيطان مخمور بالدم؟”
ردّ سيزار، بنبرة وفاء مطلقة:
“دعهم، أولئك الحمقى، يقولون ما يشاؤون، جلالتكم. لا ينبغي لمثل تلك الترهات أن تعكّر صفو قلبكم.”
ضحك الملك ساخرًا:
“آه، يا سيزار، يا مَن لا يبالي بما يُقال عنه. أما أنا، فموقفي يختلف قليلًا.”
رمقه سيزار بنظرة مازحة وقال:
“حقًا، إن قورنت بوصفي كمهووسٍ بالنساء، فإن ما يُقال عن جلالتكم يبدو… حلوًا.”
ابتسم الملك، ثم تراجع قليلاً في مقعده وقال بنبرة تحمل طابع التهديد اللطيف:
“بالمناسبة، عليك التوقف عن جلب النساء. بدأت أسمع شكاوى تصلني، وقد أضطر لاتخاذ إجراء.”
ثم رمقه بنظرة ذات مغزى، وأردف:
“ربما شيئًا شبيهًا بحزام العفة؟ سمعت أنه يوجد منها نماذج خاصة للرجال هذه الأيام.”
تلاشت ابتسامة سيزار، وبدت على وجهه علامات الارتباك الطفيف، لكنه تدارك نفسه فيما الملك حوّل نظره إلى كليف، الذي كان يقلب في الأوراق بلا اهتمام ظاهر بما يدور من حوله، فالتفت إليه الملك وقال بمزاح ساخر:
“أما أنت، فربما تحتاج إلى العكس تمامًا. لو أنّ امرأة من على بُعد عشرة أميال فقط لم تعرض نفسها عليك، فسأعدّ ذلك معجزة. لكنك لا تستجيب لأي منهن، أليس كذلك؟”
كليف لم يرفع رأسه. لا كلمة، لا حركة. فقط صفحاته تنقلب بصمت، في إشارة واضحة إلى رغبته في إنهاء هذه المهاترات والدخول في صلب الموضوع. تنهد الملك وضحك بسخرية، ثم فتح لفافة مختومة بختم ملكي وقال:
“الدوق الأكبر من دوقية ماكايزان سيزور هايتس قريبًا. رسميًا، ليعيد أسرى حرب العشر سنوات إلى بلادهم. لكن لا يعقل أن يقطع كل هذه المسافة من أجل أقل من مئتي أسير، أليس كذلك؟”
وتابع وهو ينظر إلى كليف:
“الدوق هذا هو عم ملك إفْرون، وركيزة من ركائز دعمه. رجل عسكري حتى النخاع. سيأتي ليتفحّص قوتنا، وليرى سيفي الأقوى — أيك، يا كليف.”
ثم ابتسم، لكن ابتسامته لم تخلُ من البرودة.
“هل تشعر بالخوف؟ سمعت أن هذا الدوق يفوق الملك نفسه في القوة والوحشية. الوزير الأعظم جاهز لإعلان تمرد إن عيّنتك قائدًا عامًا. هو لا يجرؤ على ارتكاب خطوة غبية كهذه، لكنه ببساطة لا يقبل أن تمسك بزمام القوة.”
ثم حدّق إليه بعمق:
“لذا، لا يمكنني حمايتك علنًا. الوزير سيستغل اسمك كطُعم لتشويهي. وإذا نجح، حتى النبلاء المؤيدون لي سيتراجعون.”
كل هذا الكلام لم يكن من عادة الملك، الذي نادرًا ما يشرح نفسه. لكنه فعل ذلك اليوم، محاولًا أن يُخفّف شعور الذنب داخله، وهو يدرك تمامًا أن كليف يعلم ذلك كله سلفًا.
أما كليف، فلم يظهر على وجهه أي تعبير. فقط هز رأسه باحترام وقال:
“لا تشغل بالك، يا جلالة الملك.”
نظر الملك إليه بضيق. لا شيء يهم ذلك الفارس. لا السمعة، لا المناصب. بدا كأنه لا يعيش في ذات العالم.
“هه، حتى الشائعات التي كانت تطالك بدأت تنحسر، والفضل في ذلك يعود… إلى زوجتك. الناس في الأسواق لم يعودوا يتحدثون عن طموحاتك، بل عن قصة حبكما. لقد سلبتَ النار منهم قبل أن يشعلوها. لكن حذارِ… سيحاولون النيل منك بطريقة أخرى.”
فقال كليف، بنبرة جادة:
“امرك، جلالتكم.”
كانت تلك طريقته للقول: “دعونا نُنهي هذا الحديث عن زوجتي.”
ضحك الملك:
“آه، لا تستطيع حتى سماع اسمها، أليس كذلك؟ يا لك من رجل صعب.”
ثم أضاف بنبرة أكثر جدية:
“اقتراحي السابق لا يزال قائمًا. إن احتجت.”
لكن كليف لم يرد. وكأنّه لم يسمع شيئًا.
قال الملك، ملوحًا بورقة جديدة:
“سيقام حفل راقص بمناسبة قدوم الدوق.”
صوت ضجر خفيف تسلل إلى نبرته، ما يدل على أن الحفل لم يكن من فكرته.
“الدوق سيحاول سحقنا باسم الأمير الصغير. وسيقيّم قوتنا ونفوذنا، لا سيما في صراعي مع كليمنتاين. لن نقتله، بالطبع، لكن لا بد أن نردعه.”
ثم أضاف فجأة:
“ويُشترط حضور الشريك.”
توقف كليف لحظة. قال الملك بجدية:
“لا تأتِ وحدك. يجب أن أظهر له سيفي الأمهر، وأثبّت سلطتي. كل شيء يجب أن يكون مثاليًا.”
كانت زوجة كليف، الماركيزة، قد اعتزلت الحفلات العامة. وحدها حفلة شاي صغيرة خرجت بها مؤخرًا بعد طول غياب. أما الحفل الملكي… فتلك قصة أخرى.
قال الملك بلهجة تنذر بما هو قادم:
“إن لم تكن لك شريكة، سأختار لك واحدة.”
لكن كليف رفض بهدوء:
“أعتذر، لن أقبل.”
قال الملك محتدًا:
“ستتعرض للإهانة مجددًا! كليمنتاين ستسخر منك، وستعود الشائعات القديمة إلى الواجهة.”
فرد كليف، بحزم:
“ما يقوله الناس لا يهمني. ولكن نكران وجود زوجتي… هذه هي الإهانة الحقيقية.”
“هَه…”
“سأرفع القبعة لجلالتكم، وأستأذن بالانصراف.”
وبخطى واثقة، خرج كليف من المجلس دون أن يُخل بتوازنه قيد أنملة. زفر الملك بغضب:
“أي احترام هذا؟ لم يترك لي حتى مجالًا لأذكر اسم أسترِد!”
ضحك بمرارة:
“ذلك الرجل لا يمكن اختراقه. لا يهتم لو لطّخ الناس اسمه، لكنه لا يحتمل أن تُمسّ زوجته بكلمة.”
ثم ساد صمت ثقيل، إلى أن قال سيزار بابتسامة مثيرة:
“ماذا لو حاولنا مهاجمة القلعة من داخلها؟ القلاع الشاهقة قد تكون دلالة على هشاشة ما تحرسه.”
“تقصد…؟”
“أقصد، أن نحاول مع إيزين مور.”
في المعبد، كان فيليب ينشد ترنيمة دينية. صوته، النقي والنابض بالعاطفة، اختلف عن الأغاني الساحرة القاسية التي كان يؤديها في الصالون.
إيزين وقفت تراقب، فحتى الكهنة الذين مرّوا قربه كانوا يتوقفون ليصغوا، متوارين خلف الجدران.
وحين رآها، توقف وغمر وجهه نور من الفرح:
“آه، سيدتي!”
“كنت تغني؟”
“نعم، صوتي بخير، أليس ذلك مفرحًا؟”
رفع ذراعه الملفوفة بالضماد. بدا أن الإصابة تلتئم.
“قال الكاهن إن أسبوعين فقط وسأتعافى تمامًا. أشعر بتحسن… وأردت أن أغني. لقد مر وقت طويل منذ شعرت بهذا.”
كانت روحه مشرقة، كأن القرب من الآلهة أنعشه من الداخل.
احتسيا الشاي في حديقة المعبد. كان المكان ساكنًا، لا يُسمع فيه إلا نسيم رقيق يلامس الخدود برقة.
“كيف بدأت علاقتك بالموسيقى؟” سألت فجأة، بعدما أراها قطعة موسيقية ألّفها حديثًا.
ورغم أنه لا يستطيع العزف، بدا أن إلهامه لا ينضب. نوتات كثيرة، أوراق متراكمة… أشبه بدليل عبقريته.
“ببساطة… لا أظن أن لها بداية. كنت أسمع الألحان وأراها أمامي. أعرف متى أُصعّد الصوت، ومتى أتنفس. أول من لاحظ ذلك… كان أخي.”
ثم أطرق بعينيه، وصوته غمره الحنين:
“هو من أعطاني الثقة. لم أكن أصدق أحدًا، لكنني لم أستطع الشك بكلماته. غنيت لأرضيه. والآن، أصبحت الموسيقى ملاذي الوحيد. لكنه لم يعد هناك… ليطمئنني.”
تذكرت حين لمح فيليب سابقًا إلى وفاة أخيه. فقال، وعيناه دامعتان:
“أردت أن أرد له الجميل، لكنني لم أستطع. لم يسمع مني شيئًا، قبل أن يرحل.”
ثم حدّق بإيزين بصمت، كأنّه يريد منها أن تفهم شيئًا أعمق:
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 57"