نبت في قلوبهم شعور طفيف بالذنب، وكأنهم جروْا مخلصًا لا يهتم إلا بأمن البلاد إلى معركة السلطة عنوة.
“همم، آه، سيدة ماركيز موور، لديّ شيء أود تقديمه لكِ.”
قدّمت كونتيسة تشولن هدية صغيرة، لعبة أطفال تتدلّى منها جرسات ذهبية تطنّ برقة.
“رغم تأخري، أود تهنئتكِ. قيل إنه صبيّ شجاع، أليس كذلك؟ لا بد أنكما، أنتِ وزوجكِ، مطمئنان بوجوده.”
رحّب الحضور بتغير الموضوع بحرارة، وتوالت كلمات التهنئة الموجهة إلى إيزين.
“لم يبدأ حتى بالمشي بعد. لكن إيان سيسرُّ بها كثيرًا، أشكركِ.”
“هل لم يُقم له طقس التعميد بعد؟”
في مملكة هايتس، يُقام طقس التعميد قبل أن يبلغ الطفل الخامسة. وهو طقس يُعلن فيه عن ولادته أمام الإله ويُدعى له بالصحة والازدهار. وكلما علا مقام العائلة، زاد احتفالها بهذا الطقس، لما فيه من تعزيز للعلاقات بين الأسر النبيلة. وكان التعميد بمثابة أول ظهور رسمي للطفل في هذا العالم.
“لا. نخطط لتأجيل التعميد قليلاً.”
“إن كان قد ورث ملامح والده الماركيز، فلا بد أنه شديد الوسامة.”
“عيناه زرقاوان. ورثهما منه…”
فور ما خطر إيان ببالها، ارتسمت بسمة لا إرادية على شفتيها.
“إن لم يكن في ذلك تطفل… هل يمكننا رؤيته؟ نود أن نُباركه.”
ولأن إيزين نادرًا ما شاركت في الحياة الاجتماعية، لم يحظَ ابنها إيان باهتمام كبير لحظة ولادته، بل كاد أن يُنسى.
(ربما أستطيع أن أجد له بعض الأصدقاء في سنّه…)
وبما أن المناسبة شكلت فرصة طبيعية لعرض الطفل، وافقت إيزين بهدوء.
“هلّا أحضرتِ إيان، يا إيميلي؟”
أومأت إيميلي برأسها وغادرت.
مضى بعض الوقت. ثم ظهر إيان ملفوفًا ببطانية، مستلقيًا داخل عربة ذهبية. كان قد أنهى طعامه مؤخرًا، وقد غطّ في نوم هادئ.
“يا إلهي… إنه كالملاك وهو نائم.”
“يشبه الماركيز كثيرًا.”
رأى الحاضرون في ملامحه ظلّ والده، ماركيز موور. ولعلهم بدأوا يتخيلون بالفعل كم من القلوب النسائية سيكسر هذا الطفل حين يكبر.
لكن حينها، وقعت الحادثة.
“آآه!”
كانت خادمة تحمل إبريق شاي، لكنها تعثرت، وسقط منها الإبريق الساخن نحو الجهة التي استلقى فيها إيان.
“إيان!”
وبينما كانت المياه المغلية على وشك أن تنسكب فوقه، اندفع شخص كالسهم وحضن الطفل بجسده، حاميًا إياه. انسكب الماء على كتفه وامتد حتى ذراعه.
“أهغ…”
سمع صوت أنين خافت، ثم ارتطم الإبريق بالأرض.
“أآآآه!”
صرخة إيان ارتجّت في الغرفة.
“يا إلهي! ماذا نفعل؟!”
“أحضروا الطبيب حالاً!”
تحول حفل الشاي إلى ساحة فوضى تعمّها الصرخات والذعر.
“إيان… إيان…”
وكانت الأكثر رعبًا بينهم هي إيزين.
رغم محاولاتها لاستجماع نفسها، خيّم الفراغ على عقلها. لم تستطع سوى أن تهمس باسم طفلها، متجمدة من الخوف.
وحينها، ظهر كليف.
تجاوز الخادمات المرتبكات، واتجه مباشرة نحو فيليب، الذي كان قد سقط أرضًا وهو يحتضن الطفل. أخذ الطفل بيد، وبالأخرى رفع جسد فيليب.
أصدر كليف أوامره إلى آلان:
“خذه إلى الطبيب فورًا. وسيتطلب الأمر قسًّا، فاتصل بالمعبد أيضًا.”
ما إن أنهى كلامه حتى استدار وتوجه نحو إيزين بخطى ثابتة. لم تكن ظلاله الثقيلة وهي تخيم فوقها باعثة على الطمأنينة بقدر ما كانت تلك اللحظة.
“كليف! إيان، ماذا نفعل… طفلنا إيان…!”
تشبثت بذراعه، دموعها تتفجر من عينيها.
“إيزين، لا تقلقي.”
“لقد أصيب، إيان… سقط الماء المغلي… لو أنني لم أجلبه… لو لم أحضره… ماذا أفعل… إيان، إيان―”
“كل شيء على ما يرام. إيان بخير.”
كان يحتضن الطفل بذراع، وبالأخرى شدّها إلى صدره واحتضنها بشدة، ثم طبع قبلة على جبينها وهو يربت على ظهر الطفل الباكي.
“كأنني… كأنني في كابوس… مثل الحلم ذاك…”
“اهدئي، إيزين. لم يحدث شيء. كل شيء بخير.”
بدأت رعشتها التي كانت كأوراق الشجر في العاصفة بالانحسار تدريجيًا.
كان دفء جسده هو ما طمأنها. نُقل فيليب على عجل، وبدأت الخادمات بتنظيف قاعة الاستقبال التي تحولت إلى فوضى.
تفهمت السيدات حالة الذعر التي ألمّت بإيزين. فلو ساءت الأمور، لفقدت العائلة وريثها. ألم يكن هذا الطفل هو أول ثمرة زواجها بعد خمس سنوات من الانتظار؟
لكن ما استرعى انتباه الحاضرات أكثر من أي شيء، هو كليف موور، الذي ظهر كالعاصفة لينقذ الموقف، وحمى زوجته وابنه بعزم هائل.
“هشش، إيزين. كل شيء بخير، كل شيء…”
كان صوته العميق، الذي يحاول طمأنة زوجته المرعوبة، كافياً ليجعل وجوه النبيلات تكتسي حمرة الخجل.
“……إذًا، كل ما قيل عن سوء العلاقة بينهما… كان محض شائعات.”
تمتمت إحداهن، وأومأ الجميع موافقين.
هكذا انتهى حفل الشاي في منزل آل موور بشكل مفاجئ.
لكن في ظل الحضور الكاسح الذي ظهر به الماركيز، بدأت شائعة خصامه مع زوجته التي سادت العاصمة، تذوي وتضمحل شيئًا فشيئًا.
فيليب، الذي تلقّى الماء المغلي بدلًا من إيان، كان يتلقى العلاج الآن في المعبد.
في عصرٍ لم تكن فيه الصناعات الطبية متطورة، كانت المعابد تُعدّ من أعلى المؤسسات الطبية مرتبة في مملكة هايتس.
ورغم أنه أنقذ ابن سيد عظيم، إلا أنه، وهو شاعر متجول من عامة الناس لا يملك أي صلات، ما كان ليحظى بعلاج فوري متقدّم في المعبد لولا تدخل ماركيز موور.
“لا تقلقي، لقد اتخذنا كل الإجراءات الممكنة. الشاعر سيعود كما كان. حتى صوته لن يتغير.”
هكذا قال كليف. وكانت كلماته صادقة بما يكفي ليُطمئن قلب أي شخص. لكن إيزين، رغم ذلك، لم تستطع سوى الإيماء برأسها بصمت.
لقد كادت أن تفقد إيان. لم تستطع أن تقف مكتوفة اليدين تجاه من أنقذ حياته. لذا، شقّت طريقها نحو المعبد.
“آه، تقصدين الشاعر؟ من هنا، تفضلي.”
قادها أحد الكهنة بلباس أبيض بلطف.
طرقة خفيفة، ثم فُتح باب غرفة صغيرة.
بعد لحظات، ظهر فيليب.
“سيدتي.”
انحنى فور أن رآها.
“هل أنت بخير؟”
“نعم. بفضل الماركيز وسيدتي حصلت على العلاج سريعًا.”
لكنّ الضمادات البيضاء التي تغطي ذراعه وكتفه لم تنكر فداحة الإصابة. لو أن إيان أصيب بدلًا منه، كيف كان سيكون حاله؟
“شكرًا لك. لولاك، لما بقي إيان…”
حتى تخيّل الأمر جعلها ترتجف.
“طالما أنه بخير، فهذا يكفيني. لست غريبًا عن هذه الإصابات.”
“ولكن…”
“حين كنت صغيرًا، أصبت بما هو أسوأ. كُسرت ساقي، وسقطت من السطح حتى كادت عظامي أن تُرى من شدة التمزق. فالماء المغلي ليس شيئًا يُذكر مقارنةً بذلك. في الحقيقة، لم أتلقَّ في حياتي معاملة ترفيهية كتلك: غرفة خاصة وكاهن خاص… أنا من طبقة لا تحلم بهذا أبدًا.”
ابتسم برقة. كان من الصعب تخيّل طفولة مليئة بالحوادث لهذا الشاب ذي الملامح الهادئة.
كأنّه يحاول أن يخفف من وطأة شعورها بالذنب.
“كنتَ شقيًا إذن.”
“جداً. وكان أخي دائمًا يوبخني بعد كل إصابة.”
“أكان لكَ أخ؟”
سؤال طبيعي في سياق الحديث، لكنه بدا وكأنه ارتبك للحظة.
“نعم. كان طيبًا وجميلًا جدًا. وقد أرهقته كثيرًا.”
تحدث بصيغة الماضي، وعيناه غابتا في ذكريات عائلة كانت، يومًا ما، دافئة.
“لقد كان حبًا أعمى، لا يُفسّر. حتى أمي، التي ولدتني، كانت تنأى عني، بينما هو وحده من كان يحميني. حتى إنه كان يتنافس مع نفسه ليمنحني الحلوى. كان يقول إنني مثل الإصبع الجريح الذي لا يُنسى.”
كان كلامه مؤلمًا رغم ما فيه من دفء الذكريات. ابتسامة حزينة اختلطت بصوته الجميل.
“ولذا، حين رحل، لم أستطع تقبل ذلك. فالحب الأعمى دائمًا ما يترك أثرًا عميقًا.”
ربما كانت أغانيه الحزينة انعكاسًا لخسارة لم يشفَ منها بعد.
“زوجكِ قلق للغاية… عليكِ.”
تردد للحظة، ثم تابع:
“الحب الأعمى يؤذي. يجعلكِ هشّة. ويحوّل النهايات السعيدة إلى مآسٍ. آمل فقط ألا تتألمي.”
نظر إليها بعينين تحملان قلقًا صادقًا.
حب أعمى؟ مآسٍ؟ ضحكت إيزين في سرّها. ألم تعد من جديد لتمنع تلك المأساة؟
“أعتذر. لست أعلم ما الذي دفعني للحديث بهذا الشكل… سامحيني على وقاحتي.”
لكنها لم تجبه. لم يكن قدومها اليوم من أجل هذه الكلمات. كانت فقط تريد أن تطمئن على حاله ــ وهذا ما فعلته.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 56"