“كروفورد وموور… هل تظنون أن جلالته لا يدرك هذا العداء؟ إذا كان أكثر من يعلم حجم الكراهية بين العائلتين قد اختار السيدة في النهاية، ألا يمكنكم أن تتخيلوا ما يعنيه ذلك؟”
ساد الصمت.
“لقد مرّ على الأمر اثنتا عشرة سنة… أنتم من علق في الماضي، وليس جلالته. كفى هراءً، لقد سئمت من هذه الترهات.”
قالها هاردين بضيق وهو يمرر يده بين خصلات شعره بغيظ قبل أن يخرج من الغرفة. وحين غاب عن الأنظار، عاد الفرسان إلى أماكنهم تدريجيًا، يجلسون بصمت ثقيل يلفّ المكان.
—
في اليوم التالي، بعد انتهاء التدريب، بدا واضحًا أن الفرسان أكثر حذرًا في حضور هاردين. لكنه، على غير المتوقع، تصرف بود أكثر من المعتاد. بل إنه أطلق بعض النكات هنا وهناك، مما خفف الأجواء المشحونة. ويبدو أن كلماته بالأمس أثرت فيهم، إذ خفت حدة التذمر والعداء تجاه إيزين بشكل ملحوظ.
‘حقًا… إلى متى سيبقون أسرى للماضي؟ ربما حان الوقت لنمضي قدمًا، وندعم جلالته فيما هو قادم.’
كان وقع كلمات هاردين بالأمس كمن يزيح الستار عن حقيقة حاول الجميع تجاهلها.
“يبدو أن القصر في حالة فوضى.”
تمتم أحد الفرسان وهو يتابع الحركة الدؤوبة حوله.
“لابد أنه بسبب حفلة الشاي التي تنظمها السيدة. الجميع منشغلون بها الآن.”
نطق بها دون أن يدرك أن ليور كان قريبًا يسمعه.
ثم أضاف، كمن يحاول التخفيف من وقع كلماته:
“في الواقع… قد يكون هذا في صالحنا. صحيح أن القائد المساعد يعارض هذا الحفل، لكن كشف أولئك الذين يخططون لإيذاء السيدة هو أمر لابد منه في نهاية المطاف، أليس كذلك؟”
“أجل… في بعض الأحيان يكون من الحكمة اقتلاع الشر من جذوره بدلًا من تركه ينمو في الخفاء. وربما ما يجري الآن هو فرصة سانحة. جلالته لا يبادر عادةً بالهجوم، وقد سئمت من رؤية الآخرين يستهدفونه بلا توقف. هذه المرة، جعل تلك الأفاعي العجوزة وبعض النبلاء الجبناء يتراجعون خطوة.”
“على أي حال، لا يمكن تجنب المواجهة مع كليمنتين إلى الأبد. ربما ما فعله جلالته هو الخطوة الصحيحة. رؤية ذلك العجوز الغاضب يكاد يفقد أعصابه كانت مشهدًا يستحق المشاهدة.”
ضحك أحدهم بخفة، بينما سأل آخر، بنبرة مترددة:
“هل تعني أن السيدة بدأت تتحرك بالفعل؟”
أجاب أحد الفرسان بحماس ظاهر:
“بالتأكيد. الجميع يعلم أنها بدأت تتواصل مع السيد فيلياموري، وهذا وحده كفيل بإحداث ضجة. هذا الحفل ليس إلا البداية، وستستخدمه كنقطة انطلاق.”
“مثير للاهتمام…”
علّق فارس أعزب، وقد بدا وجهه أكثر إشراقًا من المعتاد، وهو يهز كتفيه بحماس غير خافٍ.
“تشعر أن هذا القصر البارد بدأ يتحول إلى مكان يعج بالحياة، أليس كذلك؟ وجود السيد الشاب إيان، واستعداد الخدم للحفل، كل هذا يمنح القصر دفئًا افتقدناه. لم أعتقد أنني سأرى يومًا كهذا، فجلالته لم يكن يومًا يهتم بالمظاهر أو الاحتفالات.”
“أشعر وكأن هذا القصر يتغير شيئًا فشيئًا… وجود السيد إيان، وانشغال الخدم بتنظيم حفلة الشاي، يجعلني أُدرك أننا بالفعل فرسان في بيتٍ نبيل. لم أتصور أنني سأرى يومًا كهذا، فجلالته لم يكن يومًا يهتم بالمظاهر أو الاحتفالات.”
“ومع ذلك، ألم يشهد القصر تحوّلًا جذريًا أثناء مرض السيدة؟ أظن أنه لم يعد هناك مكان في العاصمة يفوقه أناقة وفخامة. بالمناسبة، هاردين، بما أن سيدات المجتمع سيحضرن، ألا يجدر بنا أن نولي ساحة التدريب بعض العناية، مثل باقي أرجاء القصر؟”
نظر إليه هاردين وكأنه نطق بالهراء، فتراجع الفارس قليلًا ورفع كتفيه باعتذار خفيف.
“أعني، كل شيء هنا يبدو أنيقًا وزاهيًا، باستثناء ساحة التدريب، التي تبدو كئيبة مقارنة بباقي القصر.”
“في الحقيقة، هذا رأي معقول. سمعت أن توحيد الألوان في الديكور أصبح موضة رائجة في مجتمع النبلاء.”
“ومن أين لك بهذه المعلومات؟ ألم تكن تدّعي أنك تكرّس وقتك بالكامل للتدريب؟ يبدو أنك تجد الوقت لتتطفل هنا وهناك.”
“هل نسيت أن شقيقتي تدير مشغلًا للأزياء؟ هذه الأخبار تصلني دون أن أبحث عنها.” قالها مدافعًا عن نفسه، لكن الفرسان لم يعودوا مهتمين بحديثه، فقد انتقل انتباههم إلى مسألة أخرى.
“على أي حال، ما اللون الذي سيتم اختياره للزينة؟ لم ألحظ أي استعدادات بعد…”
“القصر يعود للأسد الأسود، لذا من البديهي أن يكون اللون الأسود، أليس كذلك؟”
قالها الفارس جيمس بلا مبالاة، لكنه واجه على الفور اعتراضات غاضبة من رفاقه.
“أيها الأحمق! هل تظن أننا في جنازة؟ من سمع من قبل عن حفلة شاي تُزيَّن بالأسود؟”
“هل تسخر من جلالته؟ فهو أيضًا يفضّل اللون الأسود!” ردّ جيمس بغضب، مما أشعل جدالًا بين الفرسان.
كان النقاش يتمحور حول ما إذا كان اختيار اللون الأسود لأول حفلة شاي في القصر فكرة سخيفة أم لا.
لكن صوتًا حاسمًا قطع الجدال:
“جلالته لا يفضّل الأسود.”
كان ذلك صوت ليور، القائد المساعد، الذي دخل الغرفة بنظرة صارمة. وعلى الفور، بدا وكأن كلماته حسمت الخلاف.
لكن جيمس لم يستسلم بسهولة، فاحتج قائلًا:
“ولكننا ارتدينا الأسود طوال فترة الحرب! ولهذا أصبحنا معروفين بالأسد الأسود وفارس الظلام!”
“ذلك لأن اللون الأسود كان يخفي بقع الدم بسهولة.”
أضاف ليور ببرود، وكأنه يتحدث عن أمر بديهي، فكان وقع كلماته كالصاعقة على الفرسان. اللون لم يكن اختيارًا أنيقًا أو ذا مغزى نبيل، بل مجرد تدبير عملي لتغطية الدماء التي لم يكن هناك وقت لغسلها أثناء المعارك.
“لكن…”
وقبل أن يتمكن جيمس من استكمال اعتراضه، انفتح الباب ودخل كليف، رافعًا حاجبيه عند رؤيته للأجواء المشحونة. شعر ليور بأن عليه التدخل فورًا لإنهاء هذا الجدال العقيم قبل أن يتطور أكثر.
“أعتذر، سأعيدهم إلى صفوفهم فورًا.”
“جلالتك، هل من غير اللائق أن تُزيَّن حفلة الشاي التي ستقيمها السيدة باللون الأسود؟”
سأل هاردين بجرأة، متجاهلًا النظرة الحادة التي ألقاها عليه ليور، وكأن السؤال بحد ذاته أمر سخيف. لكنه لم يتراجع.
“إن كانت إيزين ترغب بذلك، فلا بأس.”
جاء رد كليف هادئًا.
“سمعتم ذلك؟! جلالته قد وافق!”
هتف جيمس بانتصار، متغافلًا عن كون الإجابة لم تكن تأييدًا مطلقًا.
“لكنها تظل حفلة شاي في نهاية المطاف…”
تمتم أحد الفرسان، الذي كان على دراية بعادات المجتمع المخملي.
“إذن، ما هو اللون الذي يفضله جلالتك؟”
اغتنم هاردين الفرصة لطرح سؤال آخر، غير آبه بكونه يتجاوز حدوده قليلًا. فلو اختارت السيدة اللون المفضل لجلالته، ربما يقرّب ذلك المسافة بينهما.
“هاردين، لا تتجاوز حدودك. الزم مكانك.”
وبينما كان ليور يوجه إليه توبيخًا صارمًا، جاء الرد من كليف نفسه، على نحو غير متوقع:
“الأخضر.”
“آه، جلالتك تفضل اللون الأخضر؟”
كرر هاردين السؤال، لكن الصمت الذي أعقب إجابة كليف كان كافيًا لتأكيدها.
عندها، تلاقت نظرات الفرسان على قبضة سيف كليف، حيث استقرت زمردة تتلألأ بلونها العميق.
ذلك السيف، الذي منحه الملك لكليف مكافأة لانتصاره في الحرب العظمى، كان يُقال إن به جوهرة تُعرف بدمعة الإله، وكانت من الياقوت الأحمر… ولكن، زمردة؟
هل كان كذلك منذ البداية؟
لم يجد أحد إجابة لهذا السؤال، لكنهم لم يملكوا الوقت للتفكير فيه أكثر. لأن كليف، بصوت هادئ بالكاد يُسمع، قال:
“لأنه يشبهها…”
‘من تقصد؟’
السؤال تسلل إلى أذهانهم جميعًا، لكنه ظل معلقًا في الصمت، غير منطوق.
إلا أنهم لم يحتاجوا إلى إجابة، فقد كانوا يعرفون جميعًا…
لون عينيّ السيدة، الخضرة العميقة لعينيّ إيزين مور.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "52"