أطلق ضحكة قصيرة، لكن صوته بدا مثقلًا بخيبة أمل خفية.
“إذن، إيزين… لم تستمعي إلى أي شيء منذ البداية، أليس كذلك؟”
شعرت إيزين بالارتباك. تذكرت كيف جاءت إميلي قبل بضعة أيام، تحمل صندوقًا صغيرًا مزخرفًا، وهي تتمتم بشيء لم تلقِ له بالًا. كانت خادمتها تتحدث بنبرة أعلى من المعتاد ذلك اليوم.
ضعيه هناك.
ألن تفتحيه، سيدتي؟
سيكون مثل كل مرة، أليس كذلك؟ مجوهرات، فستان، أو شيء فاخر آخر؟
كما اعتادت دائمًا، افترضت إيزين أنه مجرد هدية شكلية أخرى، أرسلها كليف عبر كبير الخدم، مثلما كان يفعل دائمًا. لم تكلف نفسها عناء فتح الصندوق، فقط تركته جانبًا.
بدت ملامحها متلبدة بالحيرة والارتباك.
“لم أكن أعلم أنه منك…”
“…”
كان ذلك عذرًا خرج منها بتلقائية، لكن كليف اكتفى بإيماءة هادئة، متقبِّلًا كلماتها دون أي اعتراض، كما لو كان استسلامه لرأيها أهم من مشاعره الشخصية.
“أتفهّم ذلك.”
ورغم كلماته التي بدت وكأنها تقبلٌ غير مشروط، إلا أن خيبة الأمل لمعت في عينيه لوهلة قصيرة. كان بارعًا في إخفاء مشاعره، لكن إيزين التقطتها بسهولة.
شعرت بتيار من الضيق يجتاحها، فملأت رئتيها بالهواء قبل أن تزفره بقوة.
“لكنك لم تخبرني بشيء!”
تحركت بسرعة نحو خزانتها، فاهتز طرف فستانها مع خطواتها المتوترة.
لم تكن قد فتحت الهدية، لكنها كانت تعرف تمامًا أين وضعتها. كانت تتجاهل كل الهدايا التي أرسلها، ومع ذلك… كانت دائمًا تعي مكانها، وكأنها رغمًا عنها لا تستطيع أن تغض الطرف عنها تمامًا.
مدّت يدها وسحبت الصندوق المزخرف، وقدّمتْه له.
“ها هو، انظر بنفسك. هل هناك أي إشارة إلى اسمك عليه؟”
كان الصندوق مغطى بشرائط براقة متشابكة، وحين أدارته قليلاً، ظهرت زواياه السداسية اللامعة.
“أنت دائمًا ترسل الهدايا فحسب، بلا رسالة، بلا كلمة، حتى مجرد تحية بسيطة غير موجودة. كيف لي أن أعرف أنه منك؟”
رفع حاجبه، وكأنه يسأل: ماذا تعنين؟
ترددت قليلًا قبل أن تضيف بصوت أكثر هدوءًا:
“ما أعنيه هو… حتى لو قلتَ إنه منك، لم أكن لأصدّق. كنتُ أظن، كما في كل مرة، أن كبير الخدم هو من اختارها وأرسلها إليّ دون أن تبذل جهدًا فيها. خاصة أنني… لم أكن في مزاج يسمح لي بالاهتمام بأي شيء.”
“لم تكوني في مزاج جيد؟ ولماذا؟”
كان واضحًا أنه شعر ببعض الألم حين علم أنها لم تفتح هديته، لكن بدلًا من التوقف عند ذلك، بدا وكأن ما يهمه أكثر هو معرفة سبب حالتها تلك.
تأملتها عيناه الزرقاوان بتركيز شديد، مما جعلها تزفر ببطء.
‘كيف يمكنني قول الحقيقة وأنا أنظر في عينيه مباشرة؟’
لا، لم تستطع أن تبوح بأن السبب ببساطة كان أنه أعاد إليها ذكريات ماضٍ ثقيل بينهما، ذكريات كانت تحاول أن تطويها دون جدوى. مجرد التفكير في قول ذلك بصوت عالٍ بدا مخيفًا.
“إيزين.”
أراد إجابة، لكنها أغمضت عينيها قليلًا قبل أن تقول بهدوء:
“هل تذكر كيف افترقنا آخر مرة؟”
لم تقلها بوضوح، لكنها ذكّرته بطريقة غير مباشرة.
ذكّرته بذلك المشهد الذي تحاشى فيه كلٌّ منهما النظر في عيني الآخر، تبادلا تحية متكلفة، ثم استدارا مبتعدين بصمت، وكأنهما لم يكونا يومًا أقرب مما ينبغي.
حينها فقط، أدرك كليف السبب الحقيقي وراء حالتها تلك. لكنه، بحكمته المعتادة، لم يرتكب الحماقة بذكر ذلك صراحةً، بل اكتفى بتوضيح نواياه.
“لهذا السبب… أردتُ أن تتحسّن حالتكِ.”
كانت كلماته مراوغة، لكنها حملت معاني كثيرة. وفي تلك اللحظة فقط، فهمت إيزين المغزى الحقيقي من تلك القلادة.
لقد كانت، بطريقته الخاصة، طريقته في الاعتذار.
‘لكن هذا يعني أنه كان يفكر في الأمر على الأقل.’
قال بصوت هادئ: “ثم إن الخدم لم يختاروا أي شيء من قبل. ربما كان ذوقي أقل رقيًا من ذوقك، فلم يعجبك ما أهديتك، ولكن—”
حين همّت إيزين بفتح فمها لتنفي ذلك، قاطعها بصوت ثابت، مضيفًا حقيقة أخرى: “الهدايا كانت دائمًا من اختياري.”
‘حتى الآن؟’
مرت أمام عينيها سريعًا صور للهدايا التي أرسلها، مزينة بأشرطة ضخمة، تحتوي على جواهر براقة، مترفة إلى حد يفوق الوصف، ولمعانها يكاد يكون ساحقًا.
سألت بدهشة: “دائمًا؟”
نظر إليها بصمت، فازدادت دهشتها وهي تكرر بصوت متردد: “منذ البداية…؟”
كانت تظن أنها مجرد تذكير منه بمصير والدها وإخوتها الذين هلكوا بسبب طمعهم، رسالة واضحة ألا تنسى نهايتهم البائسة. كانوا يعيشون في ترف بالغ، لكن خاتمتهم كانت أكثر بؤسًا مما يتخيله أحد.
ظنت أن تلك الهدايا لم تكن سوى سخرية، تذكيرًا بمكانتها بعد انهيار عائلتها، وإشارة إلى أنها لولا كرمه لكانت تعيش حياة مهينة، تمامًا كما عاش هو. كانت تعتقد أنها مجرد استهزاء، مطالبة مبطنة بأن تكون ممتنة.
لكن الآن، بعد كل هذا الوقت، تدرك أن تفكيرها كان قفزة متسرعة في الاستنتاجات. كانت محاصرة، وكانت تظن أنه يكرهها، ففسرت كل شيء على هواها. لكنها لم تتخيل أبدًا أن كل تلك الهدايا كانت اختياره هو، وليس قرارًا رسميًا بلا معنى.
تمتمت، وكأنها لا تصدق: “لماذا… لماذا فعلت ذلك؟ لماذا أرسلت إليّ تلك الأشياء؟ ولماذا لم تأتِ بها بنفسك؟ أنت لم تأتِ إليّ قط…”
في صوتها خليط من الذهول والعتاب، وفي أعماقها ندم على المسافة التي ظلت قائمة بينهما طوال هذا الوقت.
الهدايا كانت تُرسل عبر الآخرين، بلا لقاء مباشر، بلا كلمات. ومع كل مرة، كانت الفجوة بينهما تتسع.
‘لو أنه أتى إليّ ولو لمرة، لو أنه أعطاني تلك الهدايا بنفسه، كما يفعل الآن، هل كانت الأمور ستختلف؟ هل كنت سأرحل عنه؟’
أجاب بصوت منخفض: “ظننتُ أن رؤيتي ستؤلمك.”
“كليف…”
رفع يده إلى عنقه، وكأنه يبحث عن كلمات مناسبة، لكنه لم يجدها. مرر أصابعه على فكه، ثم حكّ صدغه بتوتر واضح.
وأخيرًا، بعد صمت طويل، قال: “الهدايا… كانت دائمًا أشياء أردت أن أهديك إياها منذ زمن بعيد.”
“منذ متى؟”
ابتسم ابتسامة حزينة وقال: “منذ زمن لم تتوقعيه أبدًا.”
“متى بالتحديد؟”
اقتربت منه خطوة، لكنه تراجع فورًا للخلف، نظر إليها لبرهة، ثم أطلق ضحكة قصيرة، مريرة.
“ما الذي أفعله؟ ما الذي أتفوّه به أمامك؟”
“لا، كليف، أخبرني.”
“إيزين، لا داعي لأن تعرفي. هذا… ليس أمرًا أريد الحديث عنه.”
صوته أصبح باردًا فجأة، وكأنه يرسم حدًا لا يريدها أن تتجاوزه. وعندما التزمت الصمت أخيرًا، غرق كلاهما في هدوء ثقيل.
ثم قالت، بصوت هادئ لكنه يحمل إصرارًا: “إذن، من الآن فصاعدًا، أعطني إياها بنفسك. إن كانت هدية مهمة، كالعقد الذي منحتني إياه اليوم، فيجب أن تأتي بها أنت. وإلا… فسأنساها. كما نسيت اليوم من الذي أرسلها، وكما كنت سأنسى… ما الذي كنت تشعر به عندما أرسلتها.”
نظر إليها طويلًا، ثم همس: “سأفعل.”
أضافت كلماتها وكأنها تهديد مستتر، لكنه استجاب بهدوء، وكأنه يقرّ ضمنًا بأن الخطأ لم يكن منها، بل منه هو.
قالت بعد لحظة صمت: “وسيُقام حفل الشاي الأسبوع القادم. ربما أخبرك الخادم بذلك بالفعل، لكن…”
أومأ برأسه إشارةً إلى أنه يعلم.
ترددت قليلًا، ثم سألت بحذر: “هل يمكنك الحضور؟”
شجعتها استجابته الهادئة، فطرحت السؤال على استحياء.
لكنه توقف للحظة، ثم أجاب بصوت منخفض: “أظن أنه من الأفضل ألا أفعل.”
تشنجت شفتيها وهي تعض عليهما، محاولةً إخفاء خيبة أملها.
‘لا يجب أن يلاحظ خيبتي. لم أفتح حتى هديته، ومع ذلك لم يغضب.’
استنشقت نفسًا عميقًا قبل أن تهز رأسها ببطء، ثم تمتمت بصوت متردد، فيه نبرة خافتة من الخجل: “أجل، صحيح. نسيت أنك مشغول لدرجة لا تُحتمل. آسفة، لم يكن عليّ إزعاجك بذلك.”
كان لديها آلاف الأسئلة؛ لماذا أعاد فنجان الشاي الذي أرسلته؟ ماذا يفعل في الأيام الأخيرة؟ ما الذي يدور في ذهنه؟ كيف يشعر؟ لكنها ابتلعت كل ذلك عندما رأت ردة فعله الباردة، مما جعلها تشعر بكآبة غامضة.
حاولت أن تستعيد تماسكها، فتابعت الحديث: “سنعقد حفل الشاي في الصالون الملحق بالقصر. قاعة الرقص تبدو واسعة أكثر من اللازم لعدد الحضور، كما أن الملحق قريب من الدفيئة، مما يجعله أنسب.”
ثم أضافت، محاولة إشراكه في الحديث: “لذا علينا تزيين الصالون قبل الحفل. أخبرتني السيدة فيلياموري أن العرف السائد هذه الأيام هو تزيينه بما يتناسب مع طابع العائلة أو شخصية ربّها. يسمونه عادةً ‘السمة المميزة’، حيث يُترك الأسلوب والزخارف متنوعة، لكن يُوحد اللون العام. ولكنني… لا أعلم أي لون أختار…”
تركت جملتها الأخيرة تتلاشى في الهواء بينما كانت تنظر إليه، وكأنها تنتظر منه إجابة. كان يستمع إليها بصمت، يُبدي اهتمامًا خفيفًا بإيماءات صغيرة، لكن عندما لاحظ توقفها عن الحديث، رفع نظره إليها أخيرًا.
“وما رأيكِ أنتِ؟”
صمت للحظة، كأنه يقلب الأمر في ذهنه. نظرت إليه بحذر، تشعر وكأنها تطلب أكثر مما ينبغي.
وأخيرًا، تساءل بنبرة هادئة، لكنها حملت شيئًا غير متوقع: “وهل لرأيي أهمية؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات