اقتربت إميلي بوجه يملؤه القلق، ولم تدرك إيزين أنها قد وخزت إصبعها إلا عندما شعرت بلسعة الألم الحادة.
وحين رأت قطرات الدم الصغيرة تتفجر من طرف إصبعها، سارعت إميلي بإحضار قطعة قماش نظيفة.
“اضغطي عليها قليلًا، سيتوقف النزيف قريبًا.”
رشت على الجرح مسحوقًا أبيض شبيهًا بالدقيق، ثم لفّت إصبعها بعناية، بينما أوصتها بحرص:
“لحسن الحظ، لم تكن الوخزة عميقة. كدتِ تلطخين التطريز بها، وهو الذي ظللتِ تعملين عليه طوال الليالي الماضية. آه! التصميم أوشك على الاكتمال! هل هذه… أسد؟”
التقطت إميلي طارة التطريز التي كانت قد انزلقت من يدها، ونظرت إليها بفضول.
على الطاولة أمامها، كانت هناك إبرة براقة، يتدلى منها خيط أزرق، وعلى القماش الأبيض، كانت العينان السوداوان لوحش صغير قيد التطريز.
“حجمه صغير… يبدو شبلًا… آه، إنه منديل السيد الصغير! لكن، يا إلهي، ليس هذا وقت التحديق!”
صفقت الفتاة الوصيفة الصغيرة بيديها وهي تستدرك نفسها.
“سيدتي، يجب أن أعود إلى القاعة الآن. البستاني نقل الأزهار المخصصة لحفل الشاي إلى الدفيئة، وأحتاج إلى التأكد من بقائها نضرة حتى موعد الحفل. قد نضطر لاستخدام بعض المواد للحفاظ عليها. وإذا شعرتِ بأي ألم في إصبعك، أخبريني فورًا! لا يجب الاستهانة بهذه الأمور، فقد يؤدي الجرح الصغير إلى التهاب خطير!”
بالطبع، مجرد وخزة إبرة لن تتسبب في شيء خطير، لكن وجه إميلي كان مليئًا بالقلق.
اكتفت إيزين بإيماءة خفيفة، مما طمأن إميلي، فانحنت لها قبل أن تغادر الغرفة.
مدّت إيزين يدها وأخذت تتأمل التطريز الذي كانت تعمل عليه، الأسود الداكن لصورة الشبل الصغيرة. ثم، بانسيابية، سحبت القماش، فكُشف عن قطعة أخرى تحته، عليها تطريز أكبر… هذه المرة كان أسدًا بالغًا، مهيبًا، بعينين زرقاوين تتلألآن في الضوء.
“…”
ظلت تحدق في التطريز المكتمل بصمت.
كان موعد حفل الشاي يقترب.
“هل تعلمين مدى الضجة التي أثارها حفل الشاي هذا؟ عائلة مور لم تفتح أبوابها لأحد من قبل، والآن، ليس فقط أن البوابة التي ظلت موصدة لسنوات ستُفتح، بل إن الماركيز نفسه قد يحضر! هذا بمثابة حديث المدينة.”
في كل مرة التقت بها إيزين مع فيليموري لمناقشة ترتيبات الحفل، كانت المحادثة تنتهي بالإشارة إلى كليف.
“لكن، إذا لم يظهر في الحفل، وبقيتِ وحدكِ، فيجب أن تكوني مستعدة لذلك. ربما عليكِ ارتداء بعض المجوهرات التي منحها لكِ زوجكِ، على سبيل المثال. أجل، هذا هو الحل، إيزين.”
“ماذا؟”
أغمضت فيليموري عينيها قليلًا قبل أن تتابع بنبرة ذات مغزى:
“يجب أن نُظهر للجميع أن الشائعات حول مشاكل بينكما غير صحيحة. تعلمين ماذا أعني، صحيح؟ يجب أن تتفقا على التفاصيل مسبقًا، حتى لا يتناقض أي منكما مع الآخر!”
‘نتفق على التفاصيل’…
دخلت الكلمات من أذن وخرجت من الأخرى، باستثناء ذلك التعبير وحده، الذي بقي عالقًا في ذهنها.
بالنسبة لفيليموري، لم يكن الأمر سوى تعبير مجازي، لكن عقل إيزين، بلا وعي، عاد إلى ذكرى تلك الليلة… إلى لمسة دافئة مست خدّها.
سرعان ما توهج وجهها احمرارًا، ثم خفت ذلك التورد وهي تسترجع نظرة الألم التي أعقبتها.
“إيزين؟ هل أنتِ بخير؟ تبدين شاردة.”
“أنا بخير.”
أبدت فيليموري قلقها عليها، لكن إيزين سرعان ما أخفت مشاعرها تحت سطح هادئ، وأقنعتها أنها لا تعاني من شيء، ثم عادت إلى القصر.
جلست إلى الطاولة، وأخذت تلامس بأطراف أصابعها صورة الأسد المطرزة.
كان المنديل قد اكتمل منذ فترة، ومع ذلك، ظلت تمسك به.
‘كيف يمكنني أن أقدمه له؟ هل يمكنني أن أستخدمه كذريعة للتحدث إليه مرة أخرى؟’
بينما كانت تحاول جمع شجاعتها، لاحظت أن السماء خارج نافذتها قد بدأت تغرق في الظلام.
‘فقط سأذهب وأعطيه إياها ثم أعود. وإن رفض استلامها… لا، لا يجب أن أفكر في ذلك. يكفيني أنني أعبر عن مشاعري.’
تنفست إيزين بعمق، وبعد صراع طويل مع أفكارها وحسمٍ حازم، غادرت غرفتها. لكنها ما إن فتحت الباب حتى وجدت رؤيتها محجوبة بسواد قاتم.
“آه…”
كان كليف واقفًا أمامها.
بدا وكأنه كان على وشك أن يطرق الباب، فقد ثبتت عيناه عليها للحظة بدهشة، ثم أسدل يده التي كانت مرفوعة في الهواء بتردد. يبدو أنه جاء إلى هنا مباشرة بعد مغادرته القصر. حتى في زيه الرسمي المتقن، كان يحمل معه أثر الرياح الباردة.
“آه…”
تحركت شفتي إيزين دون أن تخرج الكلمات. لم تكن تتوقع أن تجده أمام الباب. كانت قد أعدت حديثًا كاملاً في عقلها قبل أن تنهض بحماسة، لكن الآن، وقد وقفت وجهًا لوجه معه، بدا أن عقلها قد أصبح صفحة بيضاء.
كان هذا أول لقاء لهما منذ تلك الحادثة في ساحة التدريب، وكانت الأجواء بينهما مشحونة بالصمت والتوتر.
“هل يمكنني الدخول؟”
كان كليف هو من كسر الصمت أولًا. أومأت إيزين بخفة، متراجعة خطوة لتفسح له المجال.
بمجرد أن عبر عتبة غرفتها، شعرت فجأة بأن المكان الذي بدا لها واسعًا في العادة قد أصبح ضيقًا على نحو غريب. ربما لأن الهواء المشترك بينهما كان مشحونًا بحالة من الترقب، ما جعل أنفاسها ثقيلة.
“…”
عادةً، كانت هي من تبادر بالحديث، تحاول كسر الجليد بينهما، لكنه هذه المرة لم يكن الأمر كذلك. لزمت الصمت، وكأنها تخشى أن تؤذي كلمتها مشاعره مجددًا، كما حدث في السابق.
لكن بالنسبة لكليف، الذي لم يكن على دراية بما يدور في ذهنها، بدا الأمر وكأنه ارتباك، أو ربما… تردد. خطواته كانت أسرع قليلًا من المعتاد، وتنفسه كان متقطعًا، كما لو كان متوترًا بدوره. نظراته تراقب أدق تفاصيل وجهها، وكأنه يبحث عن شيء ما في تعابيرها.
طال الصمت أكثر مما ينبغي، مما دفعه في النهاية لأن يتحدث أولًا.
“سمعت أنك رفضت حضور العرض.”
لم يدرك كليف أن هذه لم تكن الطريقة المثلى لبدء الحديث.
‘إذن، هو يعرف كل شيء عن تحركاتي…’
لم يكن الأمر جديدًا عليها. حتى في حياتها السابقة، كانت تعلم أنه دائمًا على علم بكل خطواتها. فوجود آلان، حارسه الشخصي الذي يرافقها، كافٍ ليبقيه على اطلاع بكل شيء عنها.
في السابق، كان هذا يزعجها، لكن الآن، باتت تفهم أن ذلك ينبع من قلقه عليها. ومع ذلك، لم تستطع إخفاء تنهيدة خفيفة من خيبة الأمل. كانت تنتظر أن يسألها عن شيء آخر، شيء أكثر… أهمية.
“نعم.”
انتظر كليف أن تكمل حديثها، لكنها التزمت الصمت مجددًا.
“هل لم يعجبك أداء الفرقة الموسيقية؟”
“لا.”
“إذن، هل كان العرض سيئًا؟ أم أن القصة لم تعجبك؟”
“لا، ليس هذا السبب.”
“هل كان هناك من تصرف معك بوقاحة؟”
“لا، الجميع عاملني بلطف.”
“إذن، لماذا لم تخرجي من غرفتك طوال هذه الفترة؟”
“لا يوجد سبب معين.”
“إيزين.”
ناداها بصوت يحمل في طياته نفاد صبر.
لكنها تجنبت النظر إليه، متظاهرة بعدم سماعه، بينما راح هو يتفحصها بعمق، وكأنه يحاول فك شفرة صمتها. بدا عليه القلق، وكأن عدم قدرتها على الحديث تجعله أكثر اضطرابًا مما توقع.
ضغط على شفتيه، كما لو كان يحاول منع نفسه من قول شيء لا يجب أن يقوله، لكن توتره كان واضحًا.
“ما المشكلة إذن؟”
“لا توجد مشكلة.”
“إيزين.”
“كليف.”
عندما ناداها مجددًا، زفرت إيزين أنفاسها بخفة، بينما ارتفع حاجباه قليلًا، كعادته حين يلتقط حتى أدق ردود فعلها. كانت تنهيدتها تعني بوضوح: لا تسأل أكثر من هذا. ويبدو أنه فهم ذلك.
“هذا كل ما لديكِ لتقوليه؟”
حاول أن يجد تفسيرًا لردودها المقتضبة، وصمتها الذي لم يفسح له المجال. وبينما كان يتنقل بين الاحتمالات العديدة، استقرت أفكاره عند احتمال واحد…
“هل الأمر متعلق بالقلادة؟”
القلادة؟ لم تتوقع أن يتخذ الحوار هذا المنعطف المفاجئ.
“هل لم تعجبك؟ لا تخبريني أن السيدة فيليموري ذكرت لكِ أنني أخذتها كبدل عن دينٍ مستحق، بعدما صنعتها أصلاً لابنة الكونت ليوفورد؟ هل لهذا السبب؟”
“السيدة فيليموري؟”
رمشت إيزين بعينين متسعتين، متفاجئة. ما علاقته بهذا؟
“لكنني دفعت ثمنها بالكامل. لم أختلسها، لقد كانت صفقة عادلة. يبدو أن الشائعات تلاعبت بالحقيقة، لكن ذلك التاجر، الذي أفسدته القمار، كان مستعدًا لبيع ابنته نفسها لو كان ذلك سيحفظ له اسم عائلته. ما فعلته كان إنقاذًا له، منحتُه الفرصة للحفاظ على لقبه وابنته، وأخذت ما يعادل ذلك في المقابل، وفقًا لعقد واضح وصريح.”
كان شرحه طويلًا، أطول مما اعتاد عليه. كليف لم يكن من أولئك الذين يطيلون الحديث، لكنه شعر بحاجته إلى توضيح موقفه. التقى بنظراتها المتفحصة، وتردد لثانية قبل أن يواصل بصوت أقل حدة.
“حسنًا، سأعترف… لقد شاهدتُ سقوطه، لكنني لم أفعل شيئًا لمنعه. كنت بحاجة إليه. لم يكن هناك سوى حجر الياقوت الأزرق من روزكورت، ولم يكن هناك صائغ قادر على صقله بالطريقة التي أريدها سوى ت الأحمق المثير للشفقة…”
حجر الياقوت الأزرق من روزكورت.
يُقال إنه رمز للحقيقة والثبات، ودرع يحمي صاحبه من كل سوء. لكن… ما علاقته بهذه المسألة؟ وما الذي يعنيه بقوله إنه كان يحتاجه؟ بل والأهم، ماذا كان يقصد عندما قال إنه أراد أن “يصب قوته” في الحجر؟
لم تستطع إيزين أن تتابع خيط أفكاره، فظلت تنظر إليه بعدم فهم.
“إيزين، أنا…”
كان على وشك الاسترسال في الدفاع عن موقفه، لكنه تجمد عندما رأى تعبير وجهها الحائر. كانت ملامحها تنطق بأنها لم تفهم كلمة مما قاله. أدرك، أخيرًا، أن حديثهما يسير في خطين متوازيين لا يلتقيان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات