“فرسان الظلام قد أفنوا نصف حياتهم في ميادين القتال. مقارنةً بالمعارك، فإن هذا لا يعدو كونه مجرد إحماءٍ لهم، بما في ذلك صاحب السمو.”
لم يكن لألان أن يرتكب نفس الخطأ مرتين. أدرك متأخرًا أنه قد أغفل ذكر كليف كأحد أطراف الحديث. كان من الغريب أن يجد نفسه يطمئن على سلامة الأقوى بين الجميع، فمهما كانت حال فرسان الظلام، كان كليف دائمًا في أوج قوته.
“……أوه.”
أومأت برأسها. تساءل ألان في داخله إن كان قد نطق بكلمات لا داعي لها، لكنه آثر الصمت واتخذ مكانه بجوارها.
لا يدري كم مضى من الوقت. حتى جسده المعتاد على الألم بدأ يشعر بثقل الجلوس القرفصاء، أما السيدة فلم تبدِ أي نية للمغادرة.
“سيدتي، ألا تودين الدخول؟ لا يزال أمامهم الكثير لينتهوا من تدريبهم.”
“ألان.”
كانت إيزين تراقب الفرسان في الأسفل، يلهثون من شدة التدريب القاسي، قبل أن تسأل بصوت هادئ:
“ما الذي يحتاجون إليه؟”
“ماذا؟”
ظل كليف واقفًا كما كان عند بدء التدريب، لم يتغير فيه شيء سوى أن حبات الرمل قد تناثرت على وجهه، فمسحها بيده في هدوء.
“هل تقصدين صاحب السمو؟”
“لا، بل أقصدهم.”
أشارت إيزين بنظرة هادئة إلى الفرسان المنتشرين على أرض ساحة التدريب، بعضهم منهك، وبعضهم بالكاد ينهض.
“أريد أن أفعل شيئًا لهم، دون أن يبدو كأنه تجاوزٌ لحدودي. لكني لا أعرف ما قد يفيدهم، فلو أخبرتني، سيكون ذلك عونًا لي.”
تأملها ألان لوهلة، وكأنه لم يتوقع منها هذا السؤال. لكنها انتظرت بصمت، واثقة من أنها ستحصل على إجابة.
‘هل تسرعتُ في الأمر؟’
ظنت أنها لن تجد عنده تحيزًا، فهو فارس لا يظهر مشاعره بسهولة، تمامًا ككليف.
” هذا ليس أمرًا، فلا تشعر بالحرج إن لم ترغب بالإجابة.”
“لا، ليس كذلك. فقط… لم أتوقع أن تسألي عن شيء كهذا.”
بعد لحظة من التفكير، قال بصوت هادئ:
“فرسان الظلام يحظون بأفضل الامتيازات في المملكة، لذا، لا أعتقد أن هناك حاجة لدعمك، سيدتي. وحتى لو قدمتِ ذلك، فلا يمكنني أن أضمن ألا تحدث أمور غير متوقعة.”
“……”
“سيدتي، أنتِ الزوجة الرسمية لرب عائلة الدوقات، وكل ما تأمرين به يقع ضمن حدود سلطتك. لا أحد يمكنه وصفه بتجاوزٍ أو تعدٍّ. مع احترامي، أرى أنه من الأفضل ألا تمنحيهم فرصة لينظروا إلى كرمك كشيء مُسْتَهَان به.”
كانت كلماته التفافية، لكنها حملت تحذيرًا غير مباشر، كأنما يخبرها أن الفرسان قد لا يتقبلونها بسهولة. ورغم جفاف نبرته، لم يكن من الصعب ملاحظة النية الطيبة خلفها.
كان يخبرها، ببساطة، ألا تسمح لنفسها بأن تُجرح برفضهم، بل أن تستخدم سلطتها بدلاً من ذلك.
‘لم أتوقع أن أسمع نصيحة من أحد فرسان الظلام.’
تأملته بصمت.
“معظم الفرسان هنا من عامة الشعب، انضموا إلينا من ساحة المعركة نفسها، لذا فهم أشخاص خبروا التحيز في كل أشكاله… لكنهم في ذات الوقت أسرى له. وإن كنتِ تحاولين إقناعهم—”
“هل تعتقد أنني أريد نيل رضاهم؟”
“أنتِ تصدرين الأوامر، ونحن ننفذ. هكذا يجب أن يكون، لذا فافعلي ما تشائين.”
“لكنهم لا يتبعونني إلا لأنني زوجة كليف، أليس كذلك؟ مجرد اسم… لو تلاشى، لتلاشت هذه السلطة الزائفة معه.”
قالت ذلك بهدوء.
“ألان، لا أحتاج إلى مودتهم أو اعترافهم. ما أفعله الآن، هو لسببين فقط.”
رغم أنها جلست مختبئة خلف الشجيرات، ضامةً ركبتيها في وضع لا يخلو من الارتجال، إلا أن النبرة الأرستقراطية التي تسربت من صوتها وتعبيرات وجهها أفصحت بوضوح عن انتمائها إلى طبقة الحُكّام لا المحكومين.
“أولًا، لأنني لم أعد أرغب في حياة لا أفعل فيها شيئًا. ثانيًا، لأنهم فرسان كليف.”
امتدت نظراتها نحو ساحة التدريب، حيث كان فرسان الظلام يخوضون تدريبات شاقة، وعند ليور، الذي كان يصرخ بالأوامر بقوة بجوار كليف، يعاونه في توجيههم.
‘هؤلاء هم الذين حاولوا انتشاله… الذين رفضوا التخلي عنه.’
حتى لو انتهى بهم الأمر إلى العجز، لم يكن ذلك ذنبهم وحدهم.
“جلالتك، أرجوك!”
ما زالت تلك الصيحة العالقة في ذاكرتها، النداء اليائس الذي أطلقه أحد الفرسان في قبوٍ مظلم، بينما كان كليف غارقًا في سُكره.
“لست بحاجة إلى اعترافهم بي، لذا لا داعي للقلق. كل ما أريده هو أن أمنحهم شيئًا دون أن يصبح القصر ساحة للفوضى بسبب ذلك. والآن بعد أن سمعتُ ما قلته، يبدو أن إبقاء الأمر سرًا هو الخيار الأفضل. إن لم يعرف أحد، فلن يكون هناك ما يُقال.”
“…….”
“بالطبع، هذا يعتمد على قدرتك على كتمان السر.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة، بالكاد واضحة، لكنها حملت شيئًا نادرًا، وكأنها أول ابتسامة تراها منه. ربما لهذا السبب بدت مشرقة رغم شحوبها.
لأول مرة، ظهر على وجه الفارس المتجهم لمحة من الارتباك.
“قلتَ سابقًا إن معظمهم من العامة، صحيح؟ هل يحصل أفراد عائلاتهم على امتيازات عند نيلهم لقب الفروسية؟”
اختفى ارتباكه سريعًا مع سؤالها التالي، فردَّ على الفور كما لو أنه يستعيد نص القانون في ذهنه:
“لا، وفقًا لقانون مملكة هايتس، فإن ترقية النبالة تمنح لصاحبها فقط، ولا تمتد لعائلته.”
“حقًا؟ إذن، ماذا لو بحثنا عن طريقة لدعم عائلاتهم؟ سواء في تعليمهم أو أوضاعهم المالية… فرسان كهؤلاء، يقضون أغلب حياتهم في ساحة التدريب، لن يكونوا على دراية بتلك الأمور الدقيقة، أليس كذلك؟”
كان ذلك جانبًا لم يخطر في بال ألان من قبل، لكن شيئًا في حديثها جعله يشعر بعدم ارتياح، وكأنه أُخذ على حين غرة. لم يمهله تفكيره طويلًا، إذ طرحت سؤالًا جديدًا:
“هل ظل تشكيل فرسان الظلام ثابتًا منذ تأسيسهم؟ أعني، بخلاف من ماتوا أو تعرضوا لإصابات بالغة.”
“……معظمهم ما زالوا من قدامى المحاربين، لكن هذا لا يعني أنه لم تحدث تغييرات. من تعرضوا لإصابات دائمة إما اعتزلوا الفروسية أو عادوا إلى ديارهم، أما من ماتوا، فقد حظوا بجنازات تليق بهم.”
“ألا تعتقد أن أولئك أيضًا بحاجة إلى دعم؟”
اتسعت عينا ألان قليلًا، فقد كان هذا أمرًا لم يفكر فيه قط.
طوال ركضهم المستمر خلف كليف، أولئك الذين تقاسموا معه العرق والحديدة، كانوا يسقطون واحدًا تلو الآخر، يتهاوون بلا حول ولا قوة.
لم يكن هناك وقت للتفكير فيما بعد وداعهم، لم يكن هناك متسع للنظر إلى ما تركوه خلفهم من واقع يستوجب الاهتمام. لكنها الآن تدرك ذلك.
“تحقق من الأمر… سيكون من الجيد الالتفات إلى الفرسان الذين لم يعودوا ضمن الفيلق، سواء بسبب التقاعد أو الوفاة.”
مرة أخرى، هناك شيء غريب في حديثها.
“سيدتي… هل أنا من عليه التحقق من ذلك؟”
“ألم أخبرك أن تنفذ؟”
أعادت السؤال بسؤال آخر، وكأن الإجابة كانت واضحة منذ البداية.
“إذا أردتَ إبقاء الأمر سرًا، فعليك أن تكون الوحيد الذي يتعامل معه.”
“أتثقين بي؟”
خرج السؤال منه بنبرة تحمل في طياتها شيئًا من التحدي غير المقصود. لكنها فقط ابتسمت، تلك الابتسامة الخافتة التي بالكاد تظهر.
“وهل هو أمر يستدعي الثقة؟”
وجد نفسه في مواجهة منطقه الخاص، فلم يكن هناك ما يرد به.
في تلك اللحظة، خطر لألان احتمال لم يفكر فيه من قبل… ربما لم تكن ايزين تصدق أيًّا من نصيحته حول فرض السيطرة من خلال سلطتها، ربما لم تكن ترى فيها جدوى أصلًا.
تلك السيدة، التي بدت هشة لدرجة أن أي قوة قد تكسرها بسهولة، ربما كانت ترى الأمور بوضوح أكثر مما اعتقدوا. ربما كانت تعرف أكثر مما تخيلوا.
وها هي الآن، رغم كل ما قد يُقال، تتحرك من أجلهم فقط لأنهم فرسان كليف.
ألان لم يستطع إلا أن يتساءل… كيف سيكون تعبير سيده إن سمع كلماتها؟
‘هناك شيء ما… الظلال التي لم تفارق كليف، يبدو أنها بدأت تحيط بها أيضًا.’
تذكر حين كان ليور يصرخ مصممًا على قطع الحلقة المشؤومة بينهما. كان ليور يؤمن بأنها علاقة لا يجب أن تستمر، لكنه هو… كان يرى أنها، رغم كونها قدرًا ثقيلًا، إلا أنها كانت أوثق من أي رباط آخر.
استعاد في ذهنه كل ما أمره به كليف، لكنه لم يجد في نفسه أي نية لرفض ما تطلبه السيدة الآن.
‘ألستُ أنا من قال إنني سأنفذ ما يُطلب مني؟ يبدو أنني سأكون مشغولًا أكثر من ذي قبل، ولكن… لا بأس في ذلك.’
“سأبلغكِ فور أن أتحقق من الأمر.”
“أعتمد عليك.”
وبينما كانت ايزين تومئ برأسها، شق صوت بارد الهواء فوقهما:
“ما الذي تفعلانه؟”
تجمدت في مكانها، ذلك الصوت الحاد، البارد إلى حد يبعث القشعريرة، وكأنه انبعث من أعماق الجحيم ذاتها، جعل جسدها ينتفض، حتى أن طرف فستانها ارتجف بشكل ملحوظ.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "47"