وضعت إيزين يدها فوق يد الطفل الصغيرة اللطيفة، وحلّت العقدة التي كانت تربط الطرد بعناية. وبمجرد أن انفكت الشريطة، ظهر ما كان مخفيًا بداخلها.
“إنه مريلة للصغير! هذا رائع، لقد كنا بحاجة إليها حقًا… لقد بدأ الصغير في الثرثرة، ومعها أصبح يسيل لعابه كثيرًا.”
أومأت إيزين برأسها، كانت المريلة مصنوعة من قماش أبيض ناصع، وقد زُينت بتطريز شجرة الدردار بخيوط زرقاء.
“شجرة الدردار…”
تساءلت السيدة ماري للحظة، ثم سألت بحذر:
“هل هذا من صنعكِ، سيدتي؟”
“نعم. يُقال إن شجرة الدردار رمزٌ لطول العمر…”
بعد ذلك الحلم الذي راودها، شعرت بأن عليها صنعها بنفسها. كانت تأمل من أعماق قلبها أن تظل جميع المخاطر بعيدة عن طفلها.
رغم أنها لم تكن متأكدة من جدوى هذه المعتقدات، فإنها أرادت التمسك بأي شيء يمنحها الطمأنينة.
“كياا!”
بدأ الصغير يتلوّى، ممسكًا بالمريلة كأنها بطانيته المفضلة. ربما لم يعتد على وجودها حول عنقه بعد، لكنه كان يبدو ظريفًا وهو يتمسك بها.
اتسعت ابتسامة إيزين، وشعرت بسعادة خالصة تغمرها.
“لم أكن أعلم أنكِ بارعة في التطريز، سيدتي. تطريز شجرة الدردار ليس بالأمر السهل…”
في الواقع، لم يكن صعبًا عليها. فهي كانت تبذل جهدًا أكبر في تطريز شيء آخر، أكثر تعقيدًا بكثير.
“تصوير لبدة الأسد صعب للغاية…”
مقارنة بتطريز أسد نابض بالحياة، كان تطريز شجرة مجردة أمرًا يسيرًا.
لكن المشكلة كانت أن هذا التطريز البسيط يمكن أن يُهدى بسهولة للطفل، أما القطعة الأخرى التي تعمل عليها… لم يكن بإمكانها أن تقدمها لصاحبها بسهولة.
—
في تلك الليلة، أوفى كليف بوعده نوعًا ما.
لقد بات يعود إلى القصر أكثر مما كان عليه في السابق، لكن حتى عندما يكون هناك، كان ينشغل بالأعمال الورقية أو يتوارى في التدريب، مما جعل إيزين تجد صعوبة في الاقتراب منه.
كلما ألقت نظرة خاطفة إلى مكتبه، كانت ترى الأوراق مكدسة كأنها جبال، وحين تمر بجانب ساحة التدريب، كانت الغبار والضوضاء لا تنقطع أبدًا. لم تملك الجرأة على مقاطعته أو مطالبته بقضاء بعض الوقت معها.
بدا الأمر كما لو كان يريد أن يُظهر للعالم مدى انشغاله.
رغبت في رؤيته، لكن أكثر ما خشيت منه هو أن تصبح عبئًا إضافيًا عليه.
وهكذا، انتهى بها المطاف…
—
“التالي! تقدم.”
كانت تجلس القرفصاء خلف شجيرات هولي القريبة من ساحة التدريب.
منذ متى أصبحت تفعل هذا؟ منذ متى قبلت بمراقبته من بعيد هكذا؟ مضى وقت طويل منذ أن تساءلت عن مدى غرابة ما تفعله.
لم يكن أمامها خيار آخر. على الأقل، هنا، في الساحة المفتوحة، كان بإمكانها رؤيته بوضوح أكثر مما لو كانت تتسلل للنظر إليه من فتحة باب مكتبه.
تشااانغ— تشااانغ!
رنّ صوت ارتطام المعدن بالمعدن عاليًا في الأرجاء، ليصل حتى المكان الذي كانت فيه.
في وسط الساحة، كان التدريب مستمرًا على قدم وساق. في كل جولة، كان أحد المتبارزين يتغير، لكن الشخص على الجانب الآخر ظل ثابتًا دون تغيير.
الرجل الذي بدا كجذع شجرة راسخ في مكانه، فارس لا يتزحزح عن موضعه أبدًا— كان زوجها، كليف مور.
“خفض ركبتك. إذا كنت ستهاجم من الأسفل، فاضبط نظرتك وفقًا لذلك.”
تشااانغ—
حرك شفتيه قائلًا شيئًا ما، لكن إيزين لم تستطع سماع كلماته من حيث كانت جالسة.
كان كل ما تستطيع فعله هو قراءة الموقف من خلال تحركاتهم. في كل مرة يهمس كليف بشيء، كان خصمه ينقضّ عليه بوحشية أكبر.
كانت المواجهة أشبه بملحمة من الضربات العنيفة.
السيف يشتبك بالسيف، والدروع تصطدم، وكل مرة يسقط فيها أحد الفرسان، كان ينهض مرة أخرى، ليبدأ جولة جديدة من القتال الضاري.
كوواااانغ—
دوى صوت التصادم القوي في أنحاء الساحة، حيث احتدمت المعركة بلا هوادة.
كان صوت احتكاك الدروع، وصليل السيوف، ورائحة العرق والغبار— كل ذلك خلق جوًا ثقيلًا كاد يُشعرها بالاختناق.
“قد يصاب…”
همست لنفسها وهي تشعر بالقلق.
لم تعتد إيزين على مشاهدة مثل هذه المشاهد، فوجدت نفسها، دون وعي، تقبض يديها بقوة وهي تراقبه.
“سيدتي.”
فجأة، دوى صوت خلفها، جعلها تنتفض من مكانها. كادت تصرخ لكنها بالكاد استطاعت كبح شهقة الفزع التي كادت تفلت منها. عندما التفتت، رأت فارسًا يحدق بها من أعلى.
كان ذلك آلان.
“لم أكن أعلم أنكِ هنا. إن كنتِ قد شعرتِ بالفزع، فربما يجدر بي أن أستدعي الطبيب—”
“شش!”
رغم دهشتها من ظهور آلان المفاجئ، كانت لا تزال تملك ما يكفي من الاتزان لتدرك أمرًا مهمًا— قامته الطويلة تتجاوز بسهولة ارتفاع شجيرات الهولي، مما يعني أن الفرسان في الساحة قد يلاحظون وجودها قريبًا.
“اجلس!”
ربما كان في صوتها ما يوحي بالعجلة، أو ربما كان جذبها لمعصمه بقوة كافيًا لإجباره على الجلوس، لكنه في النهاية، وبتعبير جامد، انحنى على ركبتيه.
لحسن الحظ، كانت شجيرات الهولي كثيفة بما يكفي لتخفيهما تمامًا.
كوواانغ!
في ساحة التدريب، كان كليف لا يزال يواجه الفرسان السود في مبارزة حامية الوطيس. ومع زوال خطر اكتشافها، عادت أفكار إيزين تنجذب إليه مجددًا.
“…سيدتي؟”
أدرك آلان بسرعة ما كانت تراقبه سيدته. كان موقعها هذا يسمح برؤية الساحة من زاوية مثالية، مع ضمان أنها مخفية تمامًا عن الأنظار بسبب الأشجار الكثيفة. المكان أيضًا كان مرتفعًا قليلًا، مما صعّب على أي شخص في الساحة ملاحظتها.
لبرهة، رفع حاجبه بإعجاب على اختيارها البارع لهذا الموقع، لكنه التزم الصمت.
تشاانغ، تشااانغ—! بووم! بووم! تشااانغ—!
كانت الأصوات المتداخلة بين الارتطام العنيف والطعنات الحادة تملأ المكان.
لم يكن كليف مور رجلًا لطيفًا، لا كفارس ولا كمعلم. لقد درّب الفرسان السود بقسوة لا ترحم، وكان هذا التدريب الشاق هو ما جعلهم ما هم عليه اليوم.
بالنسبة للفرسان، كانت هذه المبارزة مجرد جزء آخر من روتينهم المعتاد.
لكن بالنسبة لإيزين، التي لم تكن تعرف طبيعة تدريبهم، لم يكن الأمر سوى مشهدٍ مرعب بدا فيه كليف وكأنه يعاني في مواجهة هذا العدد الهائل من الخصوم.
كان التدريب مستمرًا منذ ساعة كاملة، ومع ذلك، لم يأخذ كليف أي استراحة ولو للحظة، بل واصل القتال بلا توقف.
رأته من بعيد وهو يرفع يده ليمسح العرق عن جبينه بظاهر كفه. شحبت ملامحها.
“لا تقلقي، سيدتي. هذا هو النهج المعتاد في تدريبات الفرسان السود.”
كان آلان قد لاحظ ارتجافها الطفيف في كل مرة ينقضّ فيها الفرسان على كليف، فألقى ملاحظته بوجه خالٍ من التعبير.
حاولت إيزين ضبط ملامحها، لكنها لم تستطع منع نفسها من الاستمرار في مراقبته.
“لقد مضت ساعة كاملة.”
“إنهم معتادون على ذلك. فالتدريبات اليومية تستمر لأربع ساعات متواصلة.”
كان صوته هادئًا وجافًا، لكنه لا يزال يحمل نبرة الاحترام.
“لكن هذه ليست معركة حقيقية، فلماذا يهاجمونه بهذه الوحشية؟”
“لأن سموّه يفضل ذلك.”
“لكن… قد يُصاب.”
“سموّه بارع في التحكم بقوته، لذا نادرًا ما يتعرض أحد لإصابة أثناء التدريب.”
حين سمعت ذلك، التفتت إليه أخيرًا. كان هناك شيء في الطريقة التي قال بها كلماته جعلها تنظر إليه مباشرة.
“…….”
تحت وطأة نظرتها الصامتة، أدرك آلان فجأة خطأه.
لقد افترض تلقائيًا أنها كانت قلقة على الفرسان، وليس على كليف.
“كم كنت غبيًا.”
بالطبع، وسط كل هؤلاء، الشخص الوحيد الذي سيشغل بالها حقًا كان زوجها. لكن لأنه كان “كليف مور”، فإن عقل آلان، بشكل غريب، قد استبعده تلقائيًا من كونه موضع قلق أي شخص.
“كم كنت أحمق.”
حين أيقن ذلك، زفر بخفة وقال، محاولًا طمأنتها بأسلوبه الجاف المعتاد، لكنه هذه المرة كان يحمل يقينًا خاصًا:
“أقسم بشرفي كفارس أن سموّه هو الشخص الذي يهابه حتى كيريس، إله الموت، وإيو، إله الألم. أيّ نصلٍ، مهما بلغت حدّته، لن يتمكن من مسّه، فهو يحمل لقب الأسد، ولا أحد أقوى منه.”
كان يحاول التخفيف عنها، لكنه تجمد عندما رأى كيف ازدادت ملامحها شحوبًا بدلًا من أن تطمئن.
“إنه ليس إلهًا.”
كان صوتها خافتًا، لكنه عميق كمن يلقي يقينًا لا يقبل الجدل.
“أمام سيل السيوف المتلاحق هذا، لا يمكنه أن يكون استثناءً في كل مرة. الموت يحتاج للحظة واحدة فقط، لسيف واحد فقط.”
“سيدتي…؟”
“كيريس وإيو، تقول إنهما يبتعدان عنه؟ أتمنى لو كان الأمر كذلك. إنه أناني، لكنه الأمل الوحيد الذي أملك أن يكون استثناءً بالفعل.”
شعر آلان بارتباك غير مألوف. للحظة، خطرت بباله فكرة مفاجئة—لم يكن عليه محاولة استيعاب عمق الظلام الذي مرّ على وجهها.
ألم تكن تبتعد عن كليف مور؟
لطالما انتشرت الأحاديث عن التغيير الغامض الذي طرأ على تصرفاتها، لكنه لم يكن من النوع الذي ينجرف خلف الأقاويل.
لم يكن مثل ليور. كان دوره واضحًا وصريحًا—اتباع أوامر سيده، وكليف مور أمره بحماية إيزين. لم يكن مطلوبًا منه التفكير في أي شيء آخر، حتى لو بدت مختلفة عن الماضي.
ورغم ذلك، تسلل إلى قلبه شعور غريب بالشفقة عليها.
لماذا تخشى الموت وكأنه يتربص بكليف في كل لحظة؟
كان في ملامحها الآن شيء يشبه القلق الذي يراه عادة في عيني كليف.
“سيدتي؟”
هذه المرة، كانت إيزين هي من كسرت الصمت أولًا. أعادت نظرها إلى ساحة التدريب وقالت، بصوت بدا أكثر ثباتًا من ذي قبل:
“معدل الإصابات بين الفرسان السود أقل بكثير من أي كتيبة أخرى، حتى كليف نفسه نادرًا ما يُصاب.”
رغم أنه لم يكن يتحدث عادة إلا عندما يكون ذلك ضروريًا، شعر آلان بأن من واجبه أن يضيف مزيدًا من التوضيح، وكأنه يحاول، بأسلوبه الخاص، إزالة القلق من قلبها.
“لا يمكن تخفيف حدة التدريبات في ظل الأوضاع الحالية. طالما أن سموّه يتولى منصب القائد العام، فإن الفرسان السود هم من سيتصدرون ساحة المعركة عند اندلاع الحرب. أي ضعف في أول قتال قد يحسم مصير المعركة بأكملها.”
كان كلامه منطقيًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "46"