أدركت إيزين أنه كان مضطربًا، تمامًا كما كانت هي عندما سمعت بكاء إيان لأول مرة.
“واااه!”
ارتفع بكاء الطفل بنبرة متطلبة، وكأنه يأمرهما بالالتفات إليه فورًا.
“يجب أن أستدعي الطبيب.”
“إنه يريد أن تحمله بين ذراعيك.”
بينما كان كليف يدير ظهره محاولًا مغادرة الغرفة على عجل، تجاوزته إيزين بخطوات ثابتة وحملت الطفل بين ذراعيها.
“إنه مجرد دلال النوم، لا داعي لكل هذا التوتر.”
في تلك اللحظة، شعرت وكأنها أصبحت مربية أطفال، تمامًا كما كانت مربية إيان. نظرت إلى وجه كليف المرتبك، مليئًا بالخوف والتردد، فتساءلت هل بدا وجهها بمثل هذه الحيرة في أول مرة سمعت فيها بكاء طفلها؟
بذات الطريقة التي فعلتها المربية، مدت يديها وسلمت الطفل إليه. وكأن الصغير كان ينتظر هذه اللحظة، استقر في أحضانه بسهولة تامة.
“إيزين، انتظري…!”
تلقى كليف الطفل على حين غرة، وتيبس جسده كجذع شجرة قديم.
“واااه! آااه!”
لكن الصغير لم يكن راضيًا، كان غاضبًا لأن والده لم يتفاعل معه كما أراد. بدأ يتلوى، يضرب صدر كليف بيد صغيرة غاضبة، بينما اليد الأخرى كانت تتلوح في الهواء بعشوائية.
“لا تحكم قبضتك عليه بهذه القوة، ستؤلمه.”
اقتربت إيزين منه بلطف، وأمسكت يده الكبيرة، محركة إياها قليلًا للأسفل ليثبت الطفل بشكل أكثر راحة. كانت هذه إحدى التقنيات التي علمتها لها المربية.
تشنج جسد كليف عند لمستها، لكنه استسلم لحركتها الموجهة، وأعاد ترتيب وضعية الطفل في ذراعيه، وإن كان ذلك بطريقة متيبسة.
لكن الطفل ظل يبكي، وكأن شيئًا لم يتغير. وكليف… وقف بلا حراك، لا يدري ما الذي يجب عليه فعله.
“ربّت على ظهره.”
نظر إليها بعدم فهم، وعيناه تطلبان إرشادًا أوضح. اقتربت منه أكثر، ومدت يدها، وربتت برفق على ظهر الطفل.
“هكذا، جرّب بنفسك.”
“لكن… أنا…”
“وااااه!”
وكأن إيان قرأ أفكاره، أطلق صرخة أعلى، وكأنه يعترض على تردده. على الرغم من أن الصوت كان حادًا ومزعجًا، إلا أن كليف لم يبدِ أي رد فعل، فقط ظل يحدق في الطفل بصمت.
“يدي… أشعر أنها قاسية جدًا. لا أستطيع التحكم بها كما ينبغي… قد أؤذيه دون قصد.”
تمتم كليف بصوت منخفض، وكأنه يعترف بضعفه لأول مرة.
“هذا مستحيل.”
ردت إيزين فورًا، دون أدنى تردد. وعندما التقت عيناهما، أكدت كلماتها من جديد، بصوت أكثر ثباتًا:
“أنت لن تؤذي إيان أبدًا.”
تسمرت نظراته عليها، كأنه يحاول استيعاب كلماتها. أما هي، فلم تدرك وقعها عليه، فقط أمسكت بيده وسحبتها برفق نحو الطفل.
“هيا، افعلها.”
وتحت وطأة إصرارها، رفعت يده الأخرى ببطء، بحركة ثقيلة مترددة. مد يده نحو ظهر الطفل، لكنها ظلت معلقة في الهواء للحظات، وأصابعه ترتجف قليلاً. كان قريبًا جدًا، لكنه ما زال مترددًا.
ثم… أخيرًا، لمس الطفل.
كفّه العريضة، التي كانت كبيرة بما يكفي لتغطي ظهر الصغير بالكامل، لمست برفق بالغ، وكأنها تخشى أن تؤذي حتى الهواء المحيط به.
لكنها انسحبت فورًا.
“مرة أخرى.”
ربما كان يحتاج لسماع تلك الكلمة.
لأن يده تحركت مجددًا دون توقف، صاعدة إلى الهواء ثم هابطة نحو الطفل، لكن هذه المرة، لم تسحب نفسها فورًا.
كانت اللمسة أطول.
ثم تكررت مجددًا.
اليد التي اعتادت حمل السيف، والتي قاتلت بحدته مرارًا، وجدت نفسها الآن تلامس ظهر طفل صغير بحذر شديد. لكنه، بعدما اجتاز المحاولة الأولى، أدرك أن الثانية لم تكن بنفس الصعوبة.
“هواااه… هوو…”
بدأت شهقات البكاء تخفت شيئًا فشيئًا. توك… توك… ظلّت يده تلامس ظهر الطفل، مرة تلو الأخرى.
من الغريب أن ترى إيزين هذا المشهد ولا تجد في نفسها القدرة على الكلام. الكلمات التي كانت تتدفق منها بسهولة قبل لحظات، بدت الآن وكأنها محبوسة داخلها، تتكدّس بلا منفذ، وكأنها شيء يجب أن يُخزّن في أعماقها للأبد.
كانت تنظر إلى كليف، وإلى إيان بين ذراعيه، وكأنها تحاول استيعاب هذا المشهد الذي لم تكن تظن أنها ستراه يومًا.
هو، الذي لم يكن قادرًا حتى على لمس الطفل، ها هو الآن يحتضنه، يهدّئه، وكأن هذه اللحظة هي الشيء الوحيد المهم في العالم بأسره.
في هذا الركن الهادئ، حيث رائحة الحليب العالقة في الهواء، وبين جدران غرفة الطفل التي لم يقتحمها أحد، كان كليف يكرّس كل انتباهه للتربيت على ظهر إيان، وكأن ذلك أهم مهمة أوكلت إليه في حياته.
حتى نظراته، التي لم تكن تفارق إيزين عادةً، كانت الآن مسمّرة على الطفل.
ببطء، وبصبر، ظلّت يده تكرر الحركة نفسها، مرارًا وتكرارًا، وكأنه يريد أن يحفر هذه اللحظة في ذاكرته إلى الأبد.
وبعد لحظات، توقفت شهقات الطفل الصغيرة، وراح يغرق في النوم.
وفجأة، ودون تفكير، انحنى كليف بخفّة، وطبع قبلة ناعمة على جبين الطفل النائم. ثم، بحرص شديد، أعاده إلى سريره.
“نم جيدًا.”
كلمات بالكاد همس بها، لكنها وصلت إلى مسامع إيزين.
أعاد تغطيته بعناية، وسوى الغطاء بدقة، وربّت برفق على صدره الصغير حتى استغرق تمامًا في النوم. حينها فقط، وقف مستقيمًا، وسحب نفسًا عميقًا وكأنه اجتاز شيئًا هائلًا.
كان مشهدًا جليلًا… يكاد يكون مقدسًا.
تأملت إيزين ملامحه المضاءة بنور المصباح الخافت، حيث اختلط الضوء بالظل ليشكل لوحة من الحنان الهادئ.
لم يكن المشهد الذي سرق أنفاسها هو اتساع صدره القوي وهو يتنفس، بل اللحظة التي كان يهدّئ فيها الطفل. السكينة التي انعكست على ملامحه، رغم ارتباكه، كانت أجمل ما رأته.
بعد أن تأكد كليف من نوم الطفل، استدار ببطء، وعندها فقط أدركت إيزين أنها كانت تحدّق به طوال الوقت.
“ألن تفعل الشيء نفسه لي؟”
شقّ صوتها الهادئ سكون الليل، بالكاد كان مسموعًا، وكأنها لو قالتها بصوت أعلى، ستتبخر مع الهواء.
رفع حاجبه قليلًا، وكأن عينيه تسأل: “ماذا تعنين؟”
لكنها لم تفكر كثيرًا قبل أن تجيب، فقد نطقت بما جال في ذهنها دون تصفية:
“قبلة ليلة سعيدة.”
“ماذا؟!”
تجمّد جسده للحظة، وكأنه لم يصدق ما سمعه لتوّه.
“هاه؟”
إيزين أيضًا شلّها ما خرج من فمها، وشعرت بموجة من الصدمة تغمرها.
“ما الذي قلته للتو…؟!”
وكأن الضباب الذي كان يلف عقلها تبدّد فجأة، وعادت إلى الواقع الذي رمت نفسها فيه دون تفكير.
كان وجهه يحمل تعبيرًا غريبًا، وكأنه قد سمع أكثر الأمور جنونًا في العالم. وكأنها أخبرته أن الشمس أشرقت في منتصف الليل.
“لا، ليس الأمر هكذا… فقط، حين رأيتك تقبّل إيان، شعرت أنني…”
يا إلهي، هذا ليس ما كنت أقصده!
“أعني، ألم تقل لي قبل قليل إنني يجب أن أخبرك بما أريد، وأنك ستفعله…؟”
توقفي. توقفي عن الحديث!
كل كلمة كانت تجعل الأمر يبدو أكثر سوءًا. لقد بدت وكأنها… تنتظر هذا منه. وكأنها كانت ترغب فيه طوال الوقت!
حاولت أن تتابع، لكن صوتها خانها، وشفتاها فتحتا وأغلقتا عدة مرات دون أن يخرج منهما شيء.
“يا لكِ من حمقاء، إيزين!”
شعرت بالحرارة تتصاعد إلى وجهها، وانتشرت الحُمرة حتى أطراف أذنيها.
يا ليتني غادرت قبل قليل… لماذا بقيت وشاهدتهما كل هذا الوقت؟ كيف انتهى بي الأمر في هذا الموقف المحرج؟
أما كليف، فقد كان أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى. حتى عندما واجه كوابيسه، حتى عندما بكى إيان بين ذراعيه، لم يكن يبدو بهذا الضياع.
ملامحه كانت مزيجًا من الذهول والتردد، وكأنه يحاول أن يجد مخرجًا منطقيًا لما سمعه. أو ربما… لم يكن يريد أن يفهمه على الإطلاق.
“إيزين… هل لا أزال عالقًا في كابوسك؟”
سألها بصوت بدا وكأنه ينبعث من أعماق روحه، غامضًا، مثقلًا بما لا تستطيع فهمه.
أمال رأسه قليلًا، وكأنه يحاول استيعاب شيء عصيٍّ على الفهم، ثم، فجأة، تلوّت ملامحه الوسيمة كما لو كانت ورقة تُطوى بعنف، مشوهة بتعبير لم تفهمه.
“ماذا… ماذا تعني بذلك؟”
حتى إن لم تكن تدرك مغزى كلماته، فقد استطاعت أن تلتقط المشاعر المختبئة خلفها، ذلك الاضطراب الذي لفّ حضوره، وكأنه كان يخوض صراعًا لا مرئيًا.
“وإلا… لماذا تفعلين هذا بي… لماذا؟”
كان وجهه المشوّه بالألم وصوته المكسور دليلًا على رفض قاطع. وكأن حتى كوابيسها أصبحت ذريعة لرفضها.
“لماذا تعتقد أنه مجرد حلم؟”
خرج صوتها بنبرة تحمل خيبة، أقرب إلى العتاب منها إلى السؤال.
“أنت من طمأنني قبل قليل بأن هذا ليس حلمًا، كليف. لماذا تسألني الآن عن الشيء ذاته؟ أنت تعلم أنني أقف أمامك حقًا، وأن إيان نائم هناك، وأن كل ما يحدث الآن هو واقع… فلماذا تحاول التملّص مني إلى هذا الحد؟”
“لأنه، وإلا، فهذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا.”
رفع رأسه، وسحب كفّه عبر وجهه المرهق بجفافٍ بارد.
في تلك اللحظة، أدركت إيزين ما كان على وشك قوله.
شعرت كأن ريحًا باردة تهبّ عبر قلبها، ترتجف داخليًا رغم ثبات مظهرها.
اللمعان الذي أضاء عينيها للحظة، خمد سريعًا، وسقط نظرها نحو الأرض، كأنها فقدت شيئًا ثمينًا لم تكن تدرك أهميته حتى تلك اللحظة.
وعندما لاحظ كليف ذلك، زمّ شفتيه، وكأن هذا الانطفاء آلَمه دون أن يفهم السبب.
ارتعشت إيزين بخفة، ثم استدارت. قبضت أصابعها على ثنايا فستانها، وبدا بروز عروقها تحت بشرتها الشاحبة.
شدّت ظهرها، محاوِلةً أن تتماسك، أن تظهر بمظهر لا ينكسر.
“أعتقد… أن عليّ المغادرة. لقد تأخر الوقت…”
لكنها لم تستطع حتى أن تخطو خطوة واحدة.
فقد أمسك بها.
تمامًا كما فعلت هي ذات مرة، كان كليف الآن من يمسك بكُمّها، مانعًا إياها من الرحيل.
أصابعه، القوية رغم ارتجافها، انتقلت ببطء من كُمّها إلى معصمها، تحيط به ببطءٍ أشبه بالتردد، لكنه كان أيضًا يحمل شيئًا آخر… شيئًا جعل وجهها الذي بالكاد تماسَك يحترق من جديد.
“إلى أي مدى… تنوي الآلهة أن تدفعني؟”
همس، وكأنه يتحدث مع نفسه، وكأنها كانت قدرًا يعجز عن الفكاك منه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "44"