“لا، لا أقصد أن زوجك شخص مزعج. في الواقع، لم أره يومًا يتجاوز ثلاث جمل في حديث واحد… على أي حال، لا يوجد شخص آخر في الساحة السياسية يلفت الأنظار بقدر مركيز مور.”
“أنت تعلمين أن الساحة السياسية مقسمة إلى ثلاث فئات: الملكيون، والنبلاء، والمحايدون الذين لا يفعلون شيئًا سوى المراقبة. زعيم المحايدين هو دوق أسترِيد، زعيم الملكيين هو الكونت أورين، وزعيم فصيل النبلاء هو الوزير كليمنتاين. لكن الجميع يعلمون أن الصراع الحقيقي هو بين جلالة الملك وكليمنتاين، حتى طفل في الثالثة من عمره يدرك ذلك.”
توقفت إيزين للحظة، متأملة في ما إذا كانت تعرف أقل من طفل صغير.
“لا! لم أقصد ذلك!”
سارعت فيللموري لتدارك الأمر، وأردفت بضحكة محرجة:
“أقصد، لو كان هناك طفل في الثالثة يعرف كل هذا، فهو ليس طفلًا حقيقيًا بل رجل عجوز متخفٍّ داخل جسد صغير…”
ثم تنحنحت لتعود إلى صلب الموضوع.
“المهم، مركيز مور هو السلاح الأقوى بيد جلالته في هذا الصراع. ولهذا السبب، فإن النبلاء الذين يتحينون الفرصة لإضعاف قوة الملك يضعون أعينهم عليه تحديدًا. حتى مسألة اختيار القائد العام الجديد للحرس الملكي جزء من هذه اللعبة. فالقائد الحالي، السير مالكوم، هو ابن شقيقة كليمنتاين.”
تنهدت فيللموري بضيق.
“إذا نجحوا في عزله، ومنحوا المنصب لمركيز مور، فسيكون الأمر أشبه بعاصفة سياسية. سيؤثر ذلك حتى على نهج هايتز في التعامل مع إيفرون. النبلاء، الذين يطمحون لإبعاد الملك عن الساحة، يحاولون تأجيج الحرب، لكن جلالته لا يرغب في خوضها.”
استعادت إيزين صورة الملك في ذهنها: شعره الأشقر الباهت، صوته المهيب، وخواتمه الفاخرة التي تلمع في يديه. لم تتذكر منه سوى تلك التفاصيل الضبابية.
في الواقع، لم تحظَ بفرصة لرؤيته جيدًا من قبل. المرة الأولى والأخيرة التي التقت فيها الملك كانت يوم زفافها، عندما كانت نصف غائبة عن الوعي.
“لقد أمضى جلالته أكثر من أي شخص آخر في ميادين القتال، لذا فهو يدرك جيدًا عبثية إراقة الدماء. لكنه لا يستطيع إعلان ذلك صراحة، وإلا استغل النبلاء الأمر للطعن في صورته كملك فاتح.”
“…”
“أما المحايدون، فهم يراقبون عن كثب، مستعدين للانحياز إلى الطرف الذي يملك اليد العليا.”
دفعت فيللموري فنجان الشاي باتجاه إيزين، بعد أن وضعت فيه قطعة من السكر.
“هدفنا الأول هو زوجات أعضاء الفصيل الملكي. رغم أن مركيز مور يحظى بثقة جلالته المطلقة، إلا أن غيابه عن الساحة الاجتماعية يجعل حتى حلفاءه يتحفظون تجاهه.”
وسط سيل المعلومات التي أغرقت عقلها، تذكرت إيزين كليف.
رجل استثنائي، لكنه وحيد. شخص لا يستطيع إلا أن يقف بمفرده، داخل القصر وخارجه.
هل كان حِدَّته الدائمة مجرد درع يحميه من العزلة القاتلة؟
شعرت بوخزة خفيفة في قلبها.
—
بعد انتهاء حديثها مع فيللموري، غادرت إيزين غرفة الاستقبال. لكنها لم تكن وحدها هذه المرة.
كانت فيللموري تسير إلى جانبها، وبشكل لا إرادي، شعرت إيزين بالراحة. ربما كان ذلك بسبب أملها الأناني بأن ظهور نايجل دونوفان في حياتها لم يكن سوى كابوس عابر.
“أستاذتي…”
“همم؟”
“هل رأيته مرة أخرى؟ أعني، هنا في هذا المكان؟ أعلم أن الأمر يبدو سخيفًا… لكن لا أستطيع تصديق ما رأته عيناي.”
ارتجف صوت إيزين قليلاً وهي تتحدث.
“من تقصدين؟”
“في الأمسية الماضية… في جلسة إلقاء القصائد…”
لكن قبل أن تكمل، ارتفع في الأرجاء لحن ساحر، أجبرها على التوقف.
نغمات عذبة، كأنها أنشودة من عالم آخر، جعلت العصافير في الخارج تصمت، كأنها تذعن لجمال اللحن.
في قصر الوردة الحمراء، توقف الزمن.
غفوتَ دون أن تدرك أنك واجهت موتًا عبثيًا. حتى في أحلامك، لن تستطيع التمييز بين النور والظلام. وسط لهيب مشتعل ودخان متصاعد، تحاصر وحدتك، وحقدك الذي أوقفته بأنفاسك الأخيرة، لن ينطفئ أبدًا.
لن يكون هناك صباح آخر. عزيزي الغالي، ليت الراحة ترافقك. إن نبتت زهرة على قبرك يومًا، وإن تساقطت على ذكرياتي شذرات من كبريائك النبيل، حين أجلس على أنقاض الماضي وأتذكرك، سأستعيد دموعك وآلامك، وذلك المكان، وتلك اللحظة، حين احمرت الأرض بلون دمك.
عندها، سأستعيد ما منحته لي: حياتك، حبك، وفرحك. هل ستنظر إليّ من خلف بوابات السماء، وأنت ترى شفتي تلامس الأرض التي تلطخت بدمك؟
—
تدفقت الموسيقى الحزينة في الأرجاء، جميلة إلى حدٍّ لا يبدو بشريًا. في صمت مهيب، كانت كل الأنظار معلقة بالرجل الفضيّ الشعر، الجالس على المسرح، يعزف على القيثارة ويغني بصوت يسحر القلوب.
“مذهل، أليس كذلك؟”
همست فيللموري بابتسامة ذات مغزى.
“قلت لكِ إنني سأريكِ السايرن الذي وجدته.”
وما إن انتهت الأغنية، حتى اهتزت القاعة بتصفيق صاخب أشبه بالرعد.
“فيليب! فيليب!”
كانت الأيادي تمتد إليه من كل مكان، تتسابق لرمي الورود، والأقمشة الحريرية، والهدايا العطرة على خشبة المسرح.
“هل أنتِ بخير؟ لقد نسيت أن أعطيكِ سدادات الأذن. صوت فيليب قوي للغاية، وعادة ما يرتدي الحاضرون سدادات أثناء غنائه. لكن هناك من يفضّلون الاستماع إليه دون عائق، رغم صعوبة ذلك.”
“فيليب…؟”
“نعم، اسمه فيليب. لا يملك لقبًا لأنه من العامة. التقيته خلال أسفاري في دوقية كويشي. كان هناك مشهورًا جدًا كمنشد جوال، لدرجة أن أهل كويشي لم يكونوا راغبين في إعادته إلى موطنه الأصلي.”
ظلت إيزين تحدق في الرجل.
عيناه الذهبيتان الدافئتان، خصلات شعره التي انسدلت بخفة على جبينه، ملامحه الهادئة، نظرته اللطيفة… إنه ذات الشخص الذي خُيّل إليها للحظة أنه نايجل دونوفان.
“عقدتُ معه اتفاقًا لإعادته إلى موطنه. لم يكن لديه عائلة ليعود إليها، فقد كان يتيمًا منذ الصغر، لكنه على أي حال، كان وطنه. يبدو أن الأمر كان مؤثرًا بالنسبة إليه. عندما وصل، قضى نصف عام تقريبًا محبوسًا في غرفته، وكأنه فقد عقله. لكن الآن، أصبح أجمل زهرة في صالوننا. لا تتخيلين كم يتهافت عليه الحاضرون لسماع صوته عن قرب!”
“ذلك الرجل… إنه…”
“همم؟”
“لا شيء.”
إنه ليس نايجل دونوفان.
بهدوء أعادت النظر إليه، فاكتشفت أن الشبه بينهما لم يكن كبيرًا كما بدا لها في البداية. شَعر فيليب كان أطول، وجسده أنحف، يكاد يبدو هشًا كريشة في مهب الريح. بصرف النظر عن اللون الفضي لخصلاته، لم يكن يشبه نايجل، الذي كان في ذاكرتها رجلًا شامخًا ممتلئ الهيبة والقوة.
يبدو أنها وحدها من رأت فيليب بصورة نايجل. فيللموري استمرت في الحديث عنه دون أي إشارة إلى أي علاقة تربطه بـ نايجل، وكأن الأمر لم يخطر ببالها من الأساس.
“ربما كان مجرد وهم، فاجأني ظهوره حين كنت أفكر في نايجل مع الأستاذة…”
“فيليب! غنِّ لنا أغنية مبهجة هذه المرة!”
“أجل، تلك الأغنية كانت كئيبة جدًا! نريد شيئًا ينعش الأجواء!”
كانت الفتيات النبيلات، وهن يرتدين أثوابهن الأنيقة، يلوّحن بسدادات الأذن المصنوعة من ريش الإوز، وهن يصحن نحو فيليب بحماسة. ابتسم الشاعر برقة، وبدأ بالغناء مجددًا. انساب صوته العذب، بديعًا لدرجة يصعب تصديق أنه صادر عن إنسان.
“سأدعو فيليب إلى حفلة الشاي التي ستقيمينها.”
قالت فيللموري وهي تتابع المشهد بعينين راضيتين.
“ماذا؟”
“فيليب لا يشارك في أي تجمع خارج صالوننا. بعبارة أخرى، نحن وحدنا من نملك حق الاستماع إليه. لقد رفض عروضًا لا تُحصى، رغم أن البعض عرض عليه آلاف الذهب، بل حتى ألقابًا نبيلة، مقابل أن يؤدي في مناسباتهم الخاصة. لذا، إذا علم الناس أن صوته سيُطرب ضيوف حفلتك، فسيتوافدون إلى قصر آل موور دون تردد.”
تقاطعت ذراعاها، وهي تلقي نظرة باردة على الحاضرين في الصالون.
“أعرف بالضبط من يمكنه أن يكون ودودًا تجاهك بلا تحيز. سأخبرك بأسماء الأشخاص الذين عليك دعوتهم. بما أنك ستقيمين حفلتك تحت راية سايرن يفتن الجميع بصوته، فلن يكون هناك مجال للفشل.”
أومأت إيزين برأسها.
“شكرًا لكِ، معلمتي.”
“لا داعي لذلك.”
اصطحبتها فيللموري بعدها لتعريفها بعدد من الحاضرين في الأمسية الشعرية. وكما توقعت، لم يتجاوز عدد من تحدثوا معها عابرًا عدد أصابع اليد. يبدو أن معلمتها كانت انتقائية، فلم تُعرفها إلا على من رأت أنهم قادرون على إقامة صلات ودية معها.
“لم يكن هناك خيار آخر. السيدات الأكثر ‘اتزانًا’ بين أنصار الملكية لا يأتين إلى مثل هذه الصالونات. إنهن شديدات الحرص على صورتهن أمام المجتمع، بحيث لا يمكن لهن أن يسمحوا لأنفسهن بالتجول في هذا الصالون المتواضع، وهن يحملن دواوين الشعر الرومانسية ذات الأغلفة الوردية.”
تذكرت إيزين رجلًا بعينه، أكثر عقلانية من أي شخص آخر، ومع ذلك، كان يجوب الصالون بسعادة وهو يحمل بين يديه ديوانًا وردي الغلاف. لكنها لم تقل شيئًا، بل اكتفت بهز رأسها موافقة.
“لهذا السبب تحديدًا، سيرغبن بشدة في حضور حفلتك. سيحترقن فضولًا لسماع صوت ذلك المنشد الشهير عن قرب.”
ارتسمت على شفتي فيللموري ابتسامة ماكرة، قبل أن تتركها لتعود إلى مقعدها، استعدادًا لإدارة الأمسية الشعرية التي ستتلو أداء فيليب.
أما إيزين، فخرجت من القاعة متجهة نحو بهو القصر. كانت عربة آل موور تقف على مسافة غير بعيدة، وما إن همّت بالتوجه نحوها، حتى سمعت صوتًا ناعمًا يناديها من خلفها.
“سيدتي؟”
التفتت برأسها، فوجدت فيليب واقفًا هناك، ذات الرجل الذي أذهل الجميع بصوته منذ لحظات.
“أعلم أنني أتجاوز حدود اللياقة، لكنني رغبت في الاعتذار لكِ. أظن أنني قد أرعبتكِ في الأمسية الماضية…”
للمرة الثانية، تتاح لها فرصة رؤيته عن قرب.
لكن بدلًا من الرد على اعتذاره، وقفت إيزين تتأمله بصمت.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "40"