كلماته كانت متقطعة، وكأنه يحاول أن يلجم شيئًا في داخله.
“إن غادرنا هكذا، فسوف تقلق. فقط أوقف العربة للحظة…”
“لماذا؟ هل يجب أن نحدد الآن زمانًا ومكانًا دقيقين حتى لا نضيع بعضنا البعض مجددًا؟”
رده الحاد قطع كلماتها في منتصفها، جعلها تبتلع ما تبقى من حديثها بصمت. لم تفهم تمامًا ما الذي قصده، ولم تعتد منه هذا الحدة، لذا لم تستطع سوى أن تنظر إليه للحظات.
كلماته، رغم جفافها، كانت تحمل في طياتها شيئًا يشبه الرجاء، شيئًا يتشبث بها دون أن يصرّح.
ما الذي أغفله؟
رغم كل الفوضى في عقلها، لم تكن تفكر إلا به. لا في فيلوموري، ولا في نايجل، ولا في ما حدث قبل لحظات. فقط كليف، بملامحه المضطربة، كان يملأ عالمها الضيق.
يا له من أنانية.
ربما أساء كليف تفسير نظرتها، لأن تعابيره ازدادت انقباضًا. هي كانت تحاول أن تفهمه، بينما هو اعتقد أن صمتها كان تأكيدًا على سوء رده.
“لا، لم أقصد…” ثم تمتم بشتيمة قبل أن يطبق شفتيه بإحكام، وكأنه أدرك متأخرًا أنه قال أكثر مما ينبغي.
حتى وهو يغلق عينيه، لم تبدُ عليه أي علامة للهدوء. رفع يده ومَرّرها بقوة فوق وجهه، وكأنها محاولة يائسة لمحو انفعالاته.
“لا شيء يسير كما ينبغي.”
كانت كلماته أشبه بتنهيدة ثقيلة خرجت رغمًا عنه.
نظرت إليه إيزين بصمت. كليف، الذي اعتاد أن يشق طريقه عبر أي قدر، كان يبدو الآن وكأنه يختنق في مكانه. كان يجلس في العربة وكأنها قفص ضيق عليه، رغم اتساعها، ورغم بنيته التي طالما بدت لها مألوفة، شعرت الآن وكأنها تراها للمرة الأولى.
كان الصمت بينهما ثقيلًا، لم يكن أحدهما مستعدًا لكسره.
مع استمرار العربة في المسير، أدركت إيزين أن المسافة بينهما وبين الصالون قد اتسعت، وأنها ستحتاج إلى كتابة رسالة إلى فيلوموري لتوضيح ما حدث.
أما عن نايجل دونوفان، فقررت أن تدفع ذكراه بعيدًا. ليس لأنها لم تخف منه، بل لأنها لم تستطع أن تفكر في شيء آخر غير الرجل الجالس أمامها.
عيناها لم تستطع أن تفارقاه. يديه، كتفيه، ملامحه المتوترة…
لماذا تبدو هكذا؟ لماذا كنت هناك؟ كيف عثرت علي في تلك اللحظة، في ذلك المكان؟ لا أفهمك، كليف…
وكان عليها أن تعترف لنفسها أخيرًا.
في هذه الحياة التي استعادت نبضها، لم يكن شيء يشغلها كما يشغلها كليف مور. كل شيء آخر تلاشى خلفه، حتى شبح نايجل الذي حملت وزره طيلة حياتها.
“كليف.”
أصابعه التي كانت تعتصر قماش المقعد توقفت.
“لماذا… كنت هناك؟”
لم يجب.
انتظرت.
“منذ متى كنت هناك؟”
صمت.
“هل رأيتني؟”
صمت آخر.
حاولت أن تجعل صوتها خفيفًا، غير مكترث، لكن لا شيء حركه.
“لن تجيب؟”
لم يقل شيئًا.
“هل تكره الحديث معي إلى هذه الدرجة؟”
“لا…!”
كانت هذه أول مرة يرد فيها.
“إذًا…”
لكن لم يكن هناك أي رد آخر.
“إذا بقيت صامتًا هكذا، فسأعتقد أنك لا تريد الحديث معي فعلًا.”
“… لا.”
كان ذلك أشبه برفض مرتبك، غير حاسم.
“إذًا، منذ متى كنت هناك؟”
“… منذ الصباح…”
أجاب أخيرًا، لكن دون أن يحدد ساعة بعينها.
“ولماذا أتيت؟”
لكنه عاد إلى الصمت مجددًا.
كأنها كانت تدور في حلقة مفرغة.
أدركت إيزين أخيرًا أنها لن تحصل على إجابة واضحة من كليف، لذا عادت إلى التساؤل في ذاتها.
“لماذا كان كليف هناك؟”
كان عليها العودة إلى نقطة البداية. لماذا وجدت أسد المعركة نفسه في مكان لا يليق به على الإطلاق، حيث الرقة والمشاعر الهائمة؟
عندما أخبرته بأنها ذاهبة إلى الأمسية الشعرية، وافق دون إبداء أي رد فعل يذكر. فهل كان يضمر استياءه من خروجها دون أن يظهره؟
“افعلي ما تريدين.”
ألم يكن هذا ما قاله لها؟ لو أراد منعها، لكان فعل ذلك قبل أن تغادر. فلماذا إذن كلف نفسه عناء ملاحقتها إلى هناك؟
وهي غارقة في التفكير، لمحت عينها شيئًا في سترته. أو بالأحرى، في جيبه الأيمن، حيث برز طرف وردي صغير لكتاب كان مدسوسًا بإهمال.
“…”
بدا أن كليف لاحظ إلى أين يتجه بصرها.
“لا، هذا ليس…”
كاد صوته يختفي وهو يهرع لدفع الكتاب أعمق داخل جيبه، بعنف كاد يمزق صفحاته. تلاشى الغلاف الوردي الصغير داخل السترة السوداء، مطويًا بائسا.
“…”
“لـ… ليس لي.”
نطقها مقطعًا، كأن كل حرف كان ثقيلاً عليه. ومع ذلك، لم تستطع إيزين تجاهل بروز الكتاب المطوي داخل الجيب، شاهداً صامتًا على كذبه الصريح.
ساد الصمت مرة أخرى. لكن هذه المرة، كانت تعرف السبب.
فتحدثت بصوت هادئ:
“لم أكن أعلم أنك تحب الشعر الغزلي.”
“لا، ليس كذلك.”
نفى بسرعة، كأنه يدفع التهمة عن نفسه.
“لو كنت ترغب في حضور الأمسية، كان يمكنك إخباري.”
“ليس هذا السبب أيضاً.”
سمعت صوت أسنانه تطحن في توتر.
“هل هو محرج إلى هذه الدرجة؟”
بدت ملامحه المتوترة أقل شراسة الآن، وكأن وقع كلماته السابقة قد فاجأه.
“لا بأس، كان هناك رجال أيضًا.”
لم يكن ذلك صحيحًا تمامًا، فمعظم الحاضرين كانوا سيدات، أما الرجال فكانوا خدمًا يحملون صواني الحلوى. لكنها فكرت أن كذبة بيضاء صغيرة قد تخفف عنه.
ورغم ذلك، ظل وجهه متصلبًا.
“أظن أن الرجال لا يهتمون كثيرًا بهذا النوع من الأدب، لذا لم أفكر أنك قد تكون مهتماً. لكن لو كنت تحب هذا النوع من الشعر، فـ—”
“ماذا؟! حب ماذا؟! ذلك الهراء المبتذل؟!”
قاطعها بصوت مرتفع، كأن مجرد الفكرة أثارت أعصابه.
لكن عينيها تحركتا، بلا إرادة، نحو جيبه حيث اختفى الكتاب.
لم يحتمل كليف ذلك. أخرج الكتاب بسرعة وألقاه من نافذة العربة، كأنه يريد التخلص من دليل يفضح سرًا لم يكن مستعدًا للاعتراف به. للحظة، لمحت إيزين وهجًا ورديًا يختفي في الهواء.
كانت ردة فعله أعنف مما توقعت. هل كان محرجًا إلى هذا الحد؟
لم تكن تحاول السخرية منه، بل شعرت بفرحة غريبة لرؤية جانب جديد منه. جانب لم تكن تتوقعه.
لذا، قالت بهدوء:
“لا بأس، أحيانًا أشعر برغبة في المشاركة في مبارزات الفرسان.”
ثم أضافت بنبرة عادية، كما لو كانت تتحدث عن الطقس:
“الأمسية تُقام في الأسبوع الأول من كل شهر. يمكنني أن أطلب من الأستاذ إيجاد طريقة لك لتحضرها سرًا.”
لكن صوت كليف قاطعها بسرعة:
“إيزين، لنغير الموضوع.”
خرجت كلماته متوترة، لكنها واضحة تمامًا.
ثم تمتم، كأنه يحدث نفسه:
“اللعنة.”
وبعد لحظة، وكأنه أدرك خطأ ما، سارع إلى الإضافة:
“أنا لا أقلل مما فعلتِ، لا أقصد أن الشعر الغزلي أقل شأنًا من غيره… حتى لو كنتِ واحدة من أولئك المجانين الذين يتغنون به بجنون، فسوف… أفهم؟ لا أدري ماذا أقول… على أي حال، الأمر مجرد اختلاف في الأذواق. هذا كل ما في الأمر.”
إذن، فذوقه بالفعل يميل إلى الشعر الغزلي؟ أم أنه لا يميل إليه؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "35"