“إنها فستانٌ ترتديه الجنيات، خفيفٌ كريشةٍ تطفو في الهواء. لا حاجة بعد اليوم إلى تلك الكورسيهات الخانقة، ولا إلى ارتداء طبقاتٍ متعددة من التنانير الثقيلة.”
تصاعدت أنفاس الوصيفات، مشبعةً بمزيدٍ من الإعجاب.
“السيدّة لا تزال بحاجةٍ إلى الراحة، وكان الجميع يخشى أن تستنزف قواها بارتداء الفساتين المعتادة، لذا اعتنوا بإحضار هذا.”
أضافت إيميلي بحماسة، وكأن صوتها الداخلي يهتف: “أليس هذا مؤثراً للغاية؟”
ظلّت إيزين صامتةً، وأمسكت بالفستان بين يديها. ملمسه الناعم أشبه بالمخمل، خفيفٌ لدرجة أنه يكاد يكون معدوماً.
كان بلا شك خياراً أفضل بكثيرٍ من الكورسيهات التي تضيّق الأنفاس أو الفساتين الثقيلة التي تعيق الحركة، بل ربما كان الخيار الأمثل على الإطلاق.
لكن إيزين شعرت بغرابةٍ غامضة. لم تستطع أن تفرح كما في الماضي، ولا أن تغضب كما اعتادت.
‘هذا ليس ما أريده. لا أحتاج إلى هذا كلّه. ما أريده فقط هو أن أراه.’
“سيّدتي؟”
راقبتها إيميلي بقلقٍ وهي تنظر بصمتٍ إلى الفستان. هل لم يعجبها؟ كانت تأمل أن يُشعرها بمزيدٍ من الراحة.
“لا، إنه جميل.”
هزّت إيزين رأسها، لكن نبرتها كانت أقرب إلى المجاملة الآلية منها إلى الإعجاب.
“ألبسيني إياه.”
—
بعد رؤية هدية كليف، لاحظت إيميلي أن مزاج إيزين قد تراجع، لذا أحضرت لها شاي “نيكتار هيرب” المعتاد.
لم تكن إيزين قد ارتشفت سوى جرعتين، حين وصل الطبيب.
“يا إلهي، شكراً لك.”
ظهر الطبيب بملابسٍ مجعدةٍ كأنها قد عُصرت بين يديّ أحدهم، وشعرٍ أشعث يعكس توتراً واضحاً. بمجرد أن وقع نظره على إيزين، انحنى لها بكل خشوع، وصوته المرتجف حمل أثراً من الانفعال.
“لن تتخيلي، سيّدتي، كم من الأرواح التي كُتب لها الحياة بعد استيقاظك من ذلك النوم الطويل.”
ثم أضاف بارتباكٍ: “وأنا أحدهم بالتأكيد. كنت على وشك مغادرة البلاد خشية أن يُطاح برأسي إن لم تستيقظي، لأن غضب الماركيز كان ليتجاوز حتى حماية جلالة الملك نفسه.”
“ما هذا الكلام؟”
“للمعلومية، أنا الطبيب الخاص لجلالة الملك، ورئيس الأطباء في القصر. لن تجدي في هذا البلد من هو أكثر كفاءةً مني. إذا كنتُ أنا مرعوباً بهذا الشكل، فتخيّلي حال الأطباء الآخرين.”
بقيت إيزين تحدق فيه بعينين متسائلتين، غير قادرة على استيعاب كلماته. لاحظ الطبيب حيرتها، فابتسم بمرارة، لكنها كانت ابتسامةً يشوبها الكثير من التوتر.
“ما الذي أقوله لمريضتي؟ أعتذر. يبدو أنني فقدت صوابي قليلاً خلال الأشهر الثلاثة الماضية. لنبدأ الفحص.”
بدأ الطبيب بفحصها بدقّة، متحسساً نبضها وحرارتها، وسألها عشرات الأسئلة.
وبعد وقتٍ طويلٍ من التشخيص، قال أخيراً: “لا أرى أي أعراضٍ تدعو للقلق.”
لم يكن ذلك الوقت سهلاً على الطبيب أيضًا، فقد نهض من مقعده وهو يمسح العرق الغزير المتصبب من جبهته.
“كما أخبركِ الماركيز بالفعل، حالتكِ الصحية ضعيفة للغاية. يجب أن تلتزمي بالراحة التامة وألا تبذلي أي مجهود حتى تستعيدي قوة كليتيكِ وعضلاتكِ. تجنبي الحركات المفرطة والضغوط النفسية، وأرجو أن تكوني حذرة دائمًا.”
كرر الطبيب نصائحه مرارًا، موجّهًا حديثه لإيزين والوصيفة على حدٍّ سواء. ثم سلّم إيميلي مجموعة أوراق مصنوعة من الجلد.
“هذه قائمة بالأطعمة والتمارين التي ستساعد في تعافيكِ. يمكنكِ استخدام الأطعمة كمرجع فقط، أما التمارين فعليكِ الالتزام بها بانتظام. سأزوركِ كل أسبوع لمتابعة حالتكِ، وستضطرين لرؤيتي كثيرًا حتى يكتمل شفاؤكِ. وعندما تتعافين بالكامل، سيكون ذلك اليوم الذي أقدم فيه استقالتي لجلالة الملك.”
“ماذا؟”
“لأنك إذا أصبتِ بالمرض مجددًا، أعتقد أنه سيكون من الأفضل لي ألا أكون هنا.”
ثم أكمل بابتسامة ساخرة: “لا تهتمي بكلمات طبيبٍ فقد عقله قليلاً. تناولي طعامكِ جيدًا واحصلي على قسطٍ من الراحة.”
جمع الطبيب معدّاته الطبية على عجل، وغادر الغرفة وكأنه يهرب.
“……”
“تفهّمي الأمر، سيدتي. جميع الأطباء الذين يزورون القصر يكونون في حالة مشابهة. لكن على الأقل هذا الطبيب احتفظ ببعضٍ من رباطة جأشه، على عكس آخرين كانوا مرعوبين للغاية لدرجة أنهم نسوا حتى أدواتهم الطبية وفرّوا من القصر.”
لم تخبر الوصيفة سيدتها بأن الأطباء الذين زاروها كانوا يتأرجحون بين الرعب والرجاء الشديد من أجل تعافيها، ولم تذكر الحكايات التي لا داعي لأن تعرفها.
كحكاية ذلك الطبيب الشهير الذي أصرّ على أداء طقوسٍ لطرد الروح الشريرة من جسدها بعد أن حكم بأنها لن تنجو، وكيف فرّ من القصر بذراعٍ مكسورة.
“سيدتي، هل ترغبين في زيارة الطفل؟ السيدة ماري أرسلت إلينا منذ قليل.”
اقترحت إيميلي بلطف لتشتيت انتباه سيدتها.
“…… نعم.”
وكان الاقتراح موفقًا.
—
“كيااا!”
ضحك الطفل الصغير ضحكةً عريضة حين رأى إيزين. خصلات شعره البنية المائلة إلى الرمادي تراقصت بخفة.
لوّح الطفل بذراعيه الصغيرتين بحماس، ثم مدّهما نحو إيزين وكأنه يطلب أن يُحمل.
“يبدو أن الطفل يتذكركِ، سيدتي.”
“……”
“إنه يطلب منكِ أن تحمليه.”
تقدمت المربية نحو إيزين التي كانت تنظر للطفل من بعيد بملامح شاردة، وكأنها تكافح لإيجاد شجاعةٍ تقترب بها منه.
كانت المربية تدرك سبب تردد إيزين، سبب تلك الخطوات البطيئة التي تقطعها وكأنها تختبر الواقع في كل مرة.
وأخيرًا، خطت إيزين خطوة تلو الأخرى نحو الطفل.
“كيااا!”
التقطت جسده الصغير بين ذراعيها. اندفع الطفل نحو حضنها كأنه كان ينتظر هذه اللحظة.
“منذ أن استيقظ صباحًا وهو يفتح عينيه وكأنه ينتظر شيئًا. يبدو أن ما كان ينتظره هو قدومكِ، سيدتي.”
ابتسمت المربية بوجهٍ مشرق وهي تراقب المشهد.
“إنه أمر غريب حقًا. في مثل هذا العمر، لا يتعرف الأطفال عادةً على الوجوه بسهولة، لكن يبدو أن الطفل قد تذكركِ على الفور. يبدو أن رابطة الدم لا يمكن إنكارها.”
توقفت يد إيزين التي كانت تحتضن الطفل للحظة. همست بهدوء:
“حقًا… هل يمكن أن يتعرف عليّ بتلك السرعة.”
بينما كانت تلامس قبضة الطفل الصغيرة التي أمسك فيها بإبهامها، عادت بها الذكريات إلى ذلك اليوم. اللحظة التي شعرت فيها بوجود الطفل بوضوح وسط الغضب الذي كانت تفيض به تجاه كليف، وقتها اصبح العالم أصبح أكثر إشراقًا للحظة.
الغريب أنها كما تذكرت الطفل من خلال كليف، وجدت نفسها الآن تتذكر كليف بينما تحتضن الطفل.
“هل زار كليف هذا المكان البارحة؟”
ذلك الرجل الذي غادر الغرفة وكأنه يفرّ، أين هو الآن؟
في المستقبل الذي رأته إيزين، كان كليف يزور غرفة الطفل كل ليلة. إذا لم تتغير الأمور، فلا بد أنه جاء البارحة أيضًا.
“تقصدين صاحب السمو؟ لا أظن ذلك، لقد غادر بعد أن أتى معكِ ولم يعد.”
أجابت المربية وهي تميل رأسها قليلاً بحيرة، لكنها سرعان ما أضافت بنبرة اعتذار حين لاحظت ملامح إيزين الجامدة:
“لكنني لست دائمًا بجانب الطفل، ربما زار الغرفة لفترة قصيرة أثناء غيابي. أعتذر، ذاكرتي لم تعد كما كانت.”
هزت إيزين رأسها نافية، ولم تكن تعني لوم المربية. ولكنها لم تستطع إبعاد أفكارها عن كليف.
“سيدتي! سيدتي!”
عادت إيميلي إلى الغرفة وهي تحمل نبرة حماس في صوتها. تبعتها مجموعة من الموسيقيين الذين انحنوا بإجلال لإيزين قبل أن يتمركزوا في زاوية الغرفة.
بدأت نغمات الكمان الناعمة تتردد في الهواء. كان اللحن مألوفًا بطريقة ما.
ثم انضم صوت التشيلو الثقيل وصوت الفلوت الرنان، مما خلق تناغمًا جميلًا يشد الانتباه.
“إنها مقطوعة فصول سيوذن الأربعة. لحن جميل للغاية، من الصعب ألا يشارك الجميع في الاستماع إليه.”
صفقت السيدة ماري بيدها وأثنت على المقطوعة.
الفصول الأربعة هي رمز كلاسيكي يلجأ إليه العديد من الموسيقيين في حياتهم. لكن فصول سيوذن كانت مميزة. على عكس الأنماط التقليدية التي تبدأ بالربيع وتنتهي بالشتاء، كانت تبدأ من الشتاء وتنتهي بالربيع، وكأنها تعكس الزمن.
اللحن الذي يعزفه الموسيقيون الآن كان “الربيع”، الجزء الأخير. ناعم ولطيف، وكأنه مصمم ليهدئ الأرواح، حتى روح الطفل الصغير.
كانت إيزين تحب فصول سيوذن الأربعة.
بدءت المقطوعة من عاصفة الشتاء القاسية وانتهاءها بربيع دافئ جعلها تشعر بالأمل. وكأن ذلك الشتاء البارد يعكس حياتها كإيزين “كروفورد”، حيث شعرت بأن الصبر وتحمل قسوة الحياة سيجلبان في النهاية ربيعًا مشرقًا.
لكن والدها لم يكن يشاركها هذا الحب. كان يعتبر استماعها إلى هذه الموسيقى تحديًا. انتهى الأمر بها إلى التوقف عن حضور الحفلات الموسيقية بسبب ملامحه الغاضبة التي غالبًا ما تنتهي بصفعة على وجهها.
حين كانت تغادر بخيبة أمل، كانت أحيانًا تلتقي بنظرات كليف الباردة. تلك النظرات الزرقاء التي بدت وكأنها تلومها على ضعفها، جعلتها تخجل من حزنها على أشياء بسيطة كالموسيقى. ومنذ ذلك الحين، توقفت عن البحث عن سيوذن.
بينما استمعت إلى اللحن، شعرت بشوق غريب. لكنها لم تستطع تعريفه. ربما لم يكن شوقًا لإيزين “كروفورد”.
“لكن لماذا فجأة يُعزف هذا اللحن؟ جميل، لكن غريب.”
تساءلت المربية التي كانت قد انجذبت تمامًا إلى الموسيقى.
“يقال إن الموسيقى تساعد على تهدئة النفس. وبما أن سيدتي لا تستطيع حضور الحفلات الموسيقية، أعتقد أنهم أحضروا الحفل إليها.”
قالت إيميلي بابتسامة مشرقة.
“علينا أن نشكر صاحب السمو عندما يعود. بفضلكِ وبفضل الطفل، أتيحت لي فرصة الاستمتاع بهذه الموسيقى. لم أكن أعرف أن فصول سيوذن الأربعة رائعة بهذا الشكل.”
لكن شكرها لم يصل إلى كليف.
لأن كليف مور، الذي أرسل هذه الهدية بعناية، لم يعد إلى القصر في تلك الليلة.
*** كليف عاوز يتضرب😠😠😠
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "18"