“ساعدني، أرجوك اجعلني أتمكن من الإمساك به، يا إلهي، ساعدني. كما حدث قبل قليل… لقد سمحت لي بالحركة، أرجوك ساعدني. أرجوك… ساعدني.”
بيدين ترتجفان كما لو كانت أوراق شجر مرتعدة، حاولت مرارًا الإمساك بالمقبض من جديد. لكن النتيجة كانت واحدة. النصل العالق في العمق لم يتحرك قيد أنملة.
“أرجوك! أرجوك! لن أطلب أي شيء آخر بعد الآن. فقط هذه المرة، فقط الآن…!”
حينها شعرت بشيء يغطي يدي. شيء مر بي كما لو كنت هواءً، لكنه استقر بدقة على الموضع الذي كانت فيه يدي.
“إي…زين…”
عينان زرقاوان كانتا تحدقان بي.
بدت عيناه كأنهما تغلقان بصعوبة، تطرفان ببطء وكأنما يرهقهما النظر. قطرات المطر انزلقت من منحنيات رموشه المبتلة، لتسقط واحدة تلو الأخرى.
“إيزين… إنه أنتِ، أليس كذلك؟”
تمتم بصوت خافت، ورفع ذراعه بصعوبة محاولًا الإمساك بيدي مجددًا. لكن ما أمسكه كان الفراغ، وسرعان ما سقطت ذراعه مرة أخرى.
“كنت أعلم… أعلم أنكِ دائمًا… بجانبي.”
رفع جفنيه مرة أخرى، وظهرت صورتي في أعماق عينيه الزرقاوين.
وضعت يدي على فمي، وكلماته، التي خرجت حرفًا حرفًا، أصبحت أنفاسًا واهنة بالكاد تُسمع. موجة من الرعب اجتاحت صدري.
“إيزين الحبيبة.”
ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة، غريبة عن ملامحه الحادة الغاضبة.
“…ربيعي. ريحاني…”
بوجه يجمع بين العذاب والنشوة، ظل ينظر إلي دون أن يحيد بنظره.
“إيزين… أنتِ…”
ثم توقف.
توقف الصوت الذي كان يخرج من بين شفتيه. توقف اللهاث. وتوقفت تلك العينان الزرقاوان اللتان كانتا تحدقان بي.
الضوء الخافت الذي قادني إلى هذا المكان انطفأ أيضًا.
لم يبقَ سوى ضوء القمر، الذي أضاء السماء الصافية، ومنع الظلام من ابتلاع المكان بالكامل.
“لا… لا يمكن.”
تمتمت بصوت متهدج. مددت يدي وأمسكت بكتفه. كان الهيكل العظمي النحيل بارزًا تحت أصابعي.
“انهض. كليف.”
مررت يدي من كتفه إلى عنقه، ثم أمسكت بوجهه بكلتا يدي. أدرت وجهه لأقابله.
“انظر إلي. أنا هنا. كما قلت، أنا هنا…”
لكن في عينيه الجامدتين لم أكن موجودة. كان ينظر إلى السقف. لم يكن يراني. بالرغم من أنه بحث عني بكل ما أوتي من قوة، لم يستطع رؤية وجودي أمامه.
“كليف.”
شعرت بقشعريرة تنتقل إلى وجهي من يدي الملامستين لخده. وكأنني أستطيع لمسه حقًا.
وكأنه لم يغادر بعد. وكأنه لا يزال حيًا.
“أنت تمازحني، أليس كذلك؟ تريد أن تسخر مني مجددًا؟ أن تراني منهارة ثم تنهض وكأن شيئًا لم يحدث؟ هذا ما تخطط له، أليس كذلك؟ هذا…”
تمتمت مرارًا وتكرارًا. وجهه الذي غطته الظلال، هذا الوجه هو نفسه الذي أعرفه. إنه كليف مور. لكن رغم ذلك، لم يتحرك.
حتى بريق دموعي الذي كان يتلألأ امام عينيه قد اختفى. لم يتبقَ سوى قطرات الماء التي تساقطت مني، واحدة تلو الأخرى.
لكنها لم تستقر على وجهه ولو للحظة.
كانت تنزلق مسرعة، لتتلاشى دون أثر.
“انهض!”
هززته بقوة. وضربت براحتي على صدره.
“أنا هنا! إيزين التي تبحث عنها هنا أمامك، لذا انهض. انهض وانظر إلي!”
لم أتصور أبدًا أن تكون نهايته بهذا الشكل، حتى في أسوأ أحلامي. لم أعتقد يومًا أن الجبل الشامخ الذي كنت أراه فيه، الذي يمتد بجذوره عميقًا في الأرض، يمكن أن ينهار. حتى عندما أصبحت تربته الجافة قاحلة، ولم يعد بإمكان أي شيء أن ينمو عليها، لم أفترض أبدًا، ولو للحظة، أنه قد يموت.
“كيف تجرؤ على هذا؟”
صرخت وأنا أضرب على صدره.
“كيف تمسك بي هنا، تبقيني عاجزة، غير قادرة على الهرب، ثم ترحل بهذا الشكل؟!”
الحياة التي توقفت في داخله بدت وكأنها تتسرب إلي. لم أستطع التصديق، لذا عاودت لمسه. ضربته مجددًا، ثم لمست وجهه، ونظرت إلى عينيه. الجنون كان في داخلي.
لم أستطع الإحساس بالواقع. حاولت أن أجعل العقل المتجمد بداخلي يغرق في الضباب.
هذا مجرد وهم. شيء خلقته ذاتي، كراهية تجاهه، حقدي، سخط صنع هذه اللحظة…
في تلك اللحظة، سقط شيء. كان شيئًا صغيرًا انزلق من يده التي فقدت قوتها. أدركت أنه الشيء الذي كان يحتفظ به دائمًا، يخرجه من جيبه وكأنه طقس مقدس.
كانت قلادة صغيرة ومستديرة. التقطتها كما لو كنت مسحورة. قلادة محفورة بدقة، ملطخة بآثار الزمن.
فتحت غطائها الذي بدا هشًا بفعل السنين.
“آه…”
في داخله، وجدت صورتي وأنا طفلة، أبتسم ابتسامة بريئة لا أذكرها من طفولتي.
“كليف… كليف…”
أمسكته بقوة. قبضت على ياقة قميصه المبللة وكأنها طوق نجاة.
إيزين.
كنت تقول إنه ليس حبًا.
كنت تقول إنه مستحيل.
كيف يمكن أن يكون بين كليف مور وإيزين كروفورد…
لكنه لم يرد. ظل ينظر إلى السقف بصمت.
إيزين، يا…
تلك الكلمات التي لم يتمكن أبدًا من إنهائها. ذلك الشعور العميق، الغامض، الذي كان يتوارى في الظلال، لم أستطع حتى تخيله. فقط استطعت أن أتذكره وهو يرسم عالمي في أعماق عالمه الغارق، ذلك العالم الذي غمره الظلام وأغرقه.
هل تلك الابتسامة التي ارتسمت على وجهه، الذي لم يعد ينظر إلي، كانت بسبب خلاصه أخيرًا من وحدته الساحقة التي بدت أبدية؟
انحنيت ببطء.
طبعت قبلة على زوايا عينيه المفتوحتين. الألم اخترقني كأنه يغرقني في خواء داخلي.
“يا إلهي.”
أمسكت بيده الواهنة. المسافة التي لم تُطوَ يومًا بيننا، أنت وأنا.
“…خذني أنا أيضًا.”
وضعت وجهي على يده. جعلتها تغطي خدي. لأنني أعلم أن هذا ما كان يرغب فيه.
“اسمح لي أن أكون جزءًا من نهايته، وأن أشاركه في آخر لحظاته.”
لم يكن عدم رغبته في رؤية وجه الطفل سوى نتيجة انه كان دائمًا يجدني فيه.
لم يكن قادرًا على الاقتراب من الطفل…
كما أنني، حين تمنيت الموت، كنت جعلت الطفل يعيش نفس العجز.
في مسار الزمن الذي مر به، كان يقتل نفسه بالوحدة، مرة تلو الأخرى، كان يقتل نفسه.
الجدار الشفاف الذي بناه لنفسه، وبقي حبيسًا وراءه طوال حياته، كان الطريقة الوحيدة التي استطاع بها أن يحميني أنا والطفل.
كان يعرف أنه إذا لم يفعل ذلك، فلن يستطيع حمايتنا.
“لقد تركتك وحيدًا لفترة طويلة جدًا، جعلتك تنتظر لفترة طويلة.”
ابتلعت الغصة التي صعدت إلى حلقي.
“لا أريدك أن تسير ذلك الطريق الطويل وحدك حتى النهاية.”
أغلقت عينيّ. انسكب ضوء القمر علينا. كانت الرياح الباردة تحيط بي.
في داخلي، نشأت أمنية صغيرة.
حتى إذا لم أستطع أن أقطع الرابط الذي يجمعني بكليف مور إلى الأبد،
فإنني لا أريده أن يظل وحيدًا في ذلك الظلام بعد الآن.
*** عودة بعد غياب ياريت تتفاعلوا🫶🫶🤍
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "13"